الموضوع:- حديث الحل – ادلة البراءة - الأصول العملية.
كان الكلام في اصالة الحل
وما ذكره المرحوم النراقي (قدس سره) من انه يستفاد من هذا التركيب الوارد في كل من
اصالة الحل واصالة الطهارة ثلاث قواعد وثلاث مفادات الاول وهو الحل او الطهارة
الاولية المجعولة للأشياء والثاني الحل الظاهري او الطهارة الظاهرية والثالث
الاستصحاب،وبغض النظر عن التقريب الذي مر بنا في تحليل تركيب النص الوارد فقد ورد
في موثقة عمار الساباطي عدّة أسئلة لعمار ابن موسى للإمام الصادق (عليه السلام)
هذه الأسئلة جملة منها في الشبهة الحكمية بأقسامها المفهومية والمصداقية وغيرها
وحتى السؤال عن بعض الامور مثل السؤال عن هذا النوع نجس او طاهر والجّلال طاهر او
نجس ومتى يطهر وغيرها وكذا سأل عن المسوخات طاهرة او نجسة وهلم جرا،فتوجد اسئلة
عن اقسام عديدة عن الشبهة الحكمية وعن الشبهة الموضوعية وهذه الاسئلة كلها اجاب
عنها الامام (عليم السلام) بعنوان قاعدة عامة لكل هذه الشقوق وهي
(كل شيء لك طاهر حتى تعرف انه نجس بعينه) فهذا التركيب
استعمله الامام (عليه السلام) في اصالة الطهارة للقواعد الثلاث التي نبه عليها
المحقق النراقي (قدس سره) ولعل المحقق النراقي قد وقف على موثقة عمار بطولها لا
انه جمد على النص المقّطع الموجود في الوسائل وذكرنا امس آثار التقطيع وآفاته
واضراره ولذا التدقيق والاتقان في النص الديني شيء مهم ولذلك يوجد تشدد كثير بين
المحدثين في التقطيع فيقولون ان التقطيع اذا سبب التصرف في المتن فانهم يعتبرونه
تدليس، فالعلل والنواقص التي تطرأ على الحديث يمكن كشفها وتفاديها بالتتبع في متون
الحديث إما متنُ حديثٍ واحد في ابواب وطرق مختلفة او لمتونِ حديث متعددة متقاربة
فهذا يأمن الباحث عن الوقوع في ورطت الاشتباه بل بعض الابهام في الحديث قد يكون
بسبب المعصوم (عليه السلام) وذلك إما لان الراوي لا يتحمل كل المطلب او ان الراوي
يريد شيء مختصر فالأمام يبين له المطلب بشيء مختصر ولكن نفس المطلب يبينه الامام
لراوي آخر بشيء متوسط ويبينه لثالث بشكل مبسوط فكيف يصح الاقتصار على الحديث الاول
الذي بينه الامام بشكل مبسط فلرفع هذه الابهامات والاجمالات لابد من عرض الحديث
على الاحاديث الاخرى.
اذن هذه الشاكلة من التركيب
التي إنتبه اليها المرحوم النراقي في حديث اصالة الطاهرة قد استعملها الامام (عليه
السلام) في اصالة الحل،اذن هذا البيان بالتالي هو دافع لكل الاستظهارات الاخرى
التي ابداها جملة من الاعلام،وقبل ان نواصل دفع الاشكالات الاخرى لا بأس ان نعزز
كلام النراقي (قدس سره) ومن تابعة مثل المرحوم صاحب الكفاية (قدس سره) بكلام ذكره
الميرزا علي الإيراني (قدس سره) وغيره من المحققين المحشين على مكاسب الشيخ
الانصاري (قدس سره) في بحث البيع فقالوا عندنا عموم لتصحيح المعاملات كما في
﴿احل الله البيع﴾[1]فهذه حلية تكليفية ووضعية وليست حلية تكليفية فقط ويستفاد منها حلية البيع
وصحة البيع بخلاف
﴿حرم الربا﴾[2]فهي حرمة تكليفية ووضعية وقالوا ان
«كل شيء لك
حلال» هكذا فانه يفيد الحلية التكليفية والوضعية واللزوم أي ثلاث امور
ويكون بعنوان دليل اجتهادي اولي في المعاملات.
المهم ان هذا العموم بهذه
السعة او لا؟ وانه له شروط اولا ؟ بحث له مجال اخر ولكن فقط الان من باب التنبية
والاشارة الى ان اصالة الحل ما بين افراط وتفريط او بين افراط وافراط فهي ليست
قاعدة سهلة، طبعا لا تستغربون ان الحل يستخدم في هذه المعاني المتعددة فان
القدماء دأبهم على ان الحل الذي في قبال الحرمة او الاباحة التي في قبال الحرمة
فإنهما كلاهما لا يختصان بالتكليفية بل تعم الوضعية بل تعم بعض انواع الحكم الوضعي
الاخرى فمثلا القدماء ومنهم حتى العلامة الحلي (قدس سره)
[3]
في كتبه يرون ان نص
﴿حرم عليكم الميتة﴾[4]يستفاد منه عدّة امور فانه يستفاد منها حرمة اكل الميتة وهي حرمة تكليفية
وحرمة بيع الميتة وهي حرمة وضعية وحرمة التعاطي والمباشرة بالميتة لأنها نجسة وهذه
النجاسة حرمة وضعية بمعنى آخر ويستفاد منها حرمة مالية الميتة وهذا معنى آخر للحكم
الوضعي فلاحظوا انه قد استفاد ثلاث معاني لأحكام وضعية وحكم تكليفي،فـ(احل) ايضا
هكذا طبعا الذي يسند ويعضد هذه الاستظهارات هو تقدير الفعل فاذا قدرنا حرم البيع
او المعاوضات فيكون الحكم وضعي واذا قدرنا حرم الاكل فيكون تكليفي واذا قدرنا حرم
التعاطي البدني فيكون الحكم الوضعي هو النجاسة واذا قدر حرمت ذاتها من حيث هي قيمة
لها فيصير حكم وضعي وهو انها لا مالية لها،اذن تقدير متعلق الحرمة يفتح الباب على
مصراعيه ومثل ذلك الكلام في (الحل) فالحل قد يكون من الجهة المالية او من جهة
المعاوضات او من جهة الطهارة يعني احد معاني الحل عند القدماء هو الطاهرة فكما ان
احد معاني الحرمة هو النجاسة فان احد معاني الحل الوضعي هو الطهارة فهذا امر مهم،اذن اصطلاحات اسماء الاحكام امر خطير في الاستنباط فتارة اصطلاحات الفقهاء
والاصوليين هم يقرروها من انفسهم او توجد شواهد محدودة ثم يحيلون استنباط واستظهار
النص عليها وتارة اصطلاحات منتزعة من استعمالات نفس الشارع فهذا امر مهم، وامر قد
اثرناه في السنين الماضية ولا زلنا نثيره وهو ان اقسام الحكم التكليفي عند القدماء
ليست خمسة وكذا اقسام الحكم الوضعي، ولا يقال ان هناك تسالم على انحصار الحكم
التكليفي بالخمسة لانه يقال ان القدماء لا يسلمون بهذا ولا يقبلون به ومن جانب
ثاني لابد من الاستقراء فليس من الصحيح ان الفقيه ابتداء يحمل الكلام اما على كذا
او كذا ويستبق الاستظهار بفرضية يضعها ثم يعطف الدلالة على هذه القناعة المسبقة
التي لديه، اذن هذا امر مهم . فلا مانع من استفادة الطهارة من اصالة الحل فمثلا
عندهم الدخول في اول الصلاة مع الشرائط مباح تكليفا ووضعا وهذا يعني ان احد معاني
الاباحة والحلية هو الصحة التأهلية لا الصحة الفعلية فلابد من الالتفات الى هذه
الامور،اذن هذا كلام جملة من المحقيقين من المحشين على المكاسب في اصالة الحل
فأصالة الحل عندهم قاعدة كبيرة جدا لا ان مفادها فقط البراءة. ونعود الى الجواب عن
الاشكالات المتقدمة التي ذكرناها.
الجواب عن
الاشكال الاول:- وحاصل الاشكال ان موثقة مسعد ابن صدقة هي مشير وليست تأسس الى قاعدة فجوابه
ان نص الرواية
(كل شيءٍ هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام
بعينه، فتدعه من قِبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك
عندك لعلّه حرٌ قد باع نفسه، أو خُدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك، أو رضيعتك،
والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غيرها، أو تقوم به البينة[5])
يعني الاستمرار بالأخذ بالحلية وعدم الوسوسة والعمل بها كقاعدة ظاهرية بعد كون
الحل هو اصل اولي اجتهادي ايضا والقواعد الثلاث التي ذكرها الإيراني او ما هو اكثر
منها كما ذكره محشي المكاسب في اصالة الحل أي المعاني التي ذكرناها لأصالة الحل
الاخذ بها له نظير في القواعد الظاهرية الاخرى التي اسسها الشارع مثل قاعدة الملك
وقاعدة اليد وقاعدة الاقرار وغيرها فكما ان هذه القواعد الظاهرية يأخذ بها ولا ريب
في الاخذ بها فان الأمر كذلك في اصالة الحل فيأخذ بها ولا يوسوس فيها وهذا الاخذ
بها مستمر حتى ينكشف لك العلم بالخلاف كما هو ظاهر من فقرة
(حتى يستبين لك) فان هذه الفقرة غير مختصة بهذه
القواعد الظاهرية مثل سوق المسلمين وقاعدة اليد وغيرها بل كل القواعد الظاهرية
يأخذ بها حتى ينكشف الخلاف،اذن التمثيل والتشبيه من جانب لزوم الاخذ بالظاهر فان
الشريعة قامت على الاخذ بالظاهر وليس فقط الواقع فرفع اليد عن العمل بالظاهر غير
ممكن والعمل بالظاهر حصن حصين امام فوضى فهذا تشديد من الشارع على لزوم الاخذ
بالظاهر