الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع - الأصول العملية.
كان الكلام في هذا التنبيه
من حديث البراءة وهو ان فقرة الاكره وفقرة الاضطرار والنسيان عند الميرزا النائيني
اذا تعلق بترك بعض الواجب المركب مثل ترك جزء او ترك شرط فهي ليست مشمولة لحديث
الرفع لأن الاكراه وقع على الترك او الاضطرار وقع على الترك والترك ليس موضوع ذي
أثر لان الموضوع الذي هو ذو أثر هو الوجود وليس الترك كما لو اكره على ترك الواجب
ــ الصوم مثلا ــ برمته فهنا لا يتوهم ان ترك الصوم مجزي عن الصوم فلا يقضي لانه
ترك الصوم هو عدم والعدم ليس بذي اثر فلا ينزل العدم منزلة الوجود،فحديث الرفع لا
يتكفل هذا المفاد وهو تنزيل المعدوم منزلة الموجود فحديث الرفع لا يتكفل تنزيل ترك
الصوم منزلة الصوم،وكذا في ترك بعض الواجب في الواجب الارتباطي كما اذا ترك
الواجب الضمني مثل الجزء او الشرط فترك الجزء او الشرط هو عدم والعدم لا يترتب
عليه اثر ولا حديث الرفع بإمكانه ان ينزل المعدوم منزلة الموجود،اذن في موارد
الاضطرار الى ترك الواجب الضمني او الاكراه على ترك الواجب الضمني فان حديث الرفع
لا يصحح العمل و الباقي من المركب لا في العبادات ولا في المعاملات، نعم في فقرة
(ما لا يعلمون[1]) هذا صحيح
[2]
لانه يصدق عليه انه لا يعلم وجود الشيء ووجوب الشيء ووجوب وجود الشيء اما في
الاكره والاضطرار فلا يمكن.
اما انه لماذا لم يذكر ذلك
الميرزا النائيني (قدس) في الحرج باعتبار ان الوجود فيه مشقة فيصدق هنا
(رفع ما لا يطيقون) ففي الحرج لم يستشكل ليكون حديث
الرفع يثبت قاعدة الميسور كما مر بنا فانه اذا اجرينا حديث الرفع في فقرة
(ما لا يطيقون) فترفع المشقة والعسير فيبقى الميسور،
اذن حديث الرفع في فقرة
(ما لا يعلمون) و(ما لا يطيقون)
شموله للواجب الضمني سواء كان جزء او شرط قابل للتصوير ويصحح الباقي
بالتقريب الذي ذكرناه او بتقاريب اخرى لمن يتبناها اما حديث الرفع في فقرة
(ما اكرهوا عليه) او (ما اضطروا اليه) فان الميرزا
النائيني (قدس) يستشكل في شمول حديث الرفع لهما في موارد الترك في الاقل والاكثر
في الواجب الارتباطي لان الاضطرار الى الترك والاكراه على الترك لا الى الوجود والترك
ليس ذي اثر ولا حديث الرفع ينزل المعدوم منزلة الموجود وكذا يلحق الميرزا النائيني
النسيان بالإكراه والاضطرار فلا يصحح الباقي هذا محصل كلام الميرزا النائيني .
الجواب الاول :- وعمدة الجواب الذي ذكرناه
ــ بغض النظر عن الاجوبة التي ذكرها الاعلام والاشكالات وان كانت متينة ــ وهو ان
هناك غفلة تسجل على الميرزا النائيني (قدس) لانه انه اسند الرفع الى الوجود او
العدم بينما الرفع لا يسند لا الى الوجود ولا الى العدم لان الرفع يسند الى ماهية
الشيء وماهية الفعل فان ماهية الفعل هي المتقررة على صعيد الحكم الانشائي لا وجود
الفعل ولا عدم الفعل فانه وان كان يقال وجود تقديري فانه تعبير آخر عن الماهية
نفسها وتوضيح ذلك:-
يوجد مبحث يبحث في مباحث
الالفاظ وهو ان الأمر او النهي هل انه يتعلق بالوجود الخارجي للافعال او يتعلق
بالوجود الذهني للافعال وكلاهما فيه محاذير.
لانه اذا قيل ان الامر تعلق
بالوجود الخارجي يلزم منه تحصيل الحاصل لان الوجود الخارجي موجود وحاصل فيكيف
يطلبه ويتعلق به الأمر،والنهي كذلك فان تعلقه بالوجود الخارجي يزجر عن ماذا؟ لانه
اذا وجود الفعل الخارجي الحرام فما فائدة تعلق النهي به فانه قد وقع فكيف يزجر
المكلف عنه؟ اذن التعلق بالوجود الخارجي محل سقوط الأمر والنهي لا انه محل تعلق
الأمر والنهي. واذا قيل انه يتعلق بالوجود الذهني فان الوجود الذهني ليس ذا ملاك
فان الملاك والغرض والمصلحة والمفسدة متعلق بالوجود الخارجي وحينئذ يرجع السؤال
وهو ان الأمر والنهي يتعلق بماذا؟ وتوجد حلول واجوبة ذكرها الاصوليون وحتى
المتكلمون.
منها:- انه يتعلق بالوجود الخارجي
من حيثية الايجاد والفاعلية حسب ما قسم في المباحث العقلية ان الوجود الخارجي له
مراتب والامر والنهي يتعلق بمراتب سلسلة العلل للخارج وهي الايجاد.
ومنها:- ان يتعلق بالوجود الذهني ولكن
لا بما هو هو بل بالوجود الذهني الآلي الفاني المرآة للخارج.
وهذان الجوابان من امتن ما
قيل في جواب السؤال وهما متقاربان. اذن نعود الى محل الكلام وهو ان الاحكام
الواقعية او الظاهرية لا تتعلق بالوجود الخارجي كما ذكر الميرزا النائيني ورتب
عليه البحوث هنا لان الوجود الخارجي محل السقوط او محل الامتثال او محل ما شئت
فعبر وليس هو محل الحكم الانشائي و الفعلي المقدر بل ولا الفعلي الجزئي فلاحظوا ان
هذا البحث الذي اثرناه وهو ان الاحكام تتعلق باي وجود؟ ليس هو بلحاظ الاحكام
الانشائية الكلية فقط بل هو ايضا بلحاظ الحكم الفعلي الجزئي قبل الامتثال حيث
المكلف يقول تعلق في عنقي وجوب الحج او وجوب فريضة الظهر والعصر لهذا اليوم فهذا
وجوب جزئي خاص قبل الامتثال فأيضا يأتي السؤال ان هذا الوجوب تعلق بماذا؟
اذن الوجوب الفعلي الجزئي
ايضا لا يمكن فرضه متعلق بالوجوب الخارجي فضلا عن الحكم الانشائي، اذن هنا تسجل
هذه المؤاخذة على الميرزا النائيني وهي انه كيف فرض ان حديث الرفع متعلق بالوجود
الخارجي! كلا بل هو متعلق بالماهية،واذا كان الرفع متعلق بالماهية فان غاية الأمر
سيكون الاكراه على الترك يعني الاكراه على الماهية اي ترك الماهية او وجود الماهية
فاذا اكره على ترك التشهد فانه يصدق بلحاظ تركه ولكنه اسند الى التشهد فماهية
التشهد ما هو الاثر فيها؟ نقول حصل فيها اكراه سواء كان بلحاظ تركها او بلحاظ
وجودها وكذا الاضطرار في التشهد فانه وان كان الاضطرار الى تركه ولكن بالتالي هذا
التشهد الذي هو كماهية تعلق به الوجود حصل الاضطرار لتركه وبالتالي يسند اليه أي
يسند الى الماهية ذات الاثر، فهذا تقريب دافع لاستشكال الميرزا النائيني فانه قد
خلت بين مرحلة الامتثال ومرحلة الحكم الفعلي الانشائي وتتميما لهذا التوضيح نقول:-
مر بنا في السنين السابقة
ان الدليل اذا تعرض
[3]
لدليل آخر،مثلا لا تعاد تتعرض للأدلة الاولية وقاعدة التجاوز او الفراغ تتعرض
للأدلة الاولية وحديث الرفع بقواعده الست يتعرض للاحكام الاولية،اذن تعرض دليل
لدليل وتعرض قاعدة لقاعدة فان من اهم الامور التي لابد ان ندقق فيها هو ان نلاحظ
اين هي منطقة التماس بين الدليلين او بين المدلولين او بين القاعدتين او بين
القاعدة والاحكام الاولية وهذا من اهم البحوث الصناعية وهو ان يلاحظ ان الدليل
يتعرض ويتماس ويتصرف في الدليل الآخر او في مدلول الدليل الآخر في أي مرحلة من
مراحل الحكم فهنا الميرزا النائيني في فقرة الاكراه والاضطرار فرض ان حديث الرفع
يتعرض للاحكام الاولية كأنما في منطقة الامتثال مع انه ليس يتعرض في منطقة
الامتثال بل يتعرض في مرحلة الفعلية سواء كانت التامة او الناقصة او الفاعلية او
التنجيز لا مرحلة الامتثال،واذا كان الحال كذلك فلا صلة للوجود الخارجي بموضوع
حديث الرفع واذا كان لا صلة للوجود الخارجي بموضوع حديث الرفع اذن حديث الرفع
يرتبط بالماهية للفعل ولو الماهية التقديرية للوجود والاسناد الى هذه الماهية صحيح
بلحاظ الترك او الوجود وهذا امر مهم يجب ان يلتفت اليه الباحث. والغريب ان نفس
الميرزا النائيني في اواخر حياته بنى على ان قاعدة
(لا
تعاد) تتصرف في الحكم الانشائي مع ان المشهور انها لا تتصرف في الحكم
الانشائي ولا الفعلي بل تتصرف في مرحلة الامتثال بينما هنا في حديث الرفع في فقرة
الاكراه والاضطرار فرض الميرزا انهما ترتبطان بالوجود الخارجي ولذلك في كلامه فرق
بين ذات الجزء خارجا والجزئية فقال ان الاكراه هنا يقع على ذات الجزء خارجا لا
الجزئية وعلى تركه وليس وجوده والاضطرار يقع على ذات الجزء خارجا لا الجزئية ولكن
هذا كله مبني على فرض ان موضوع حديث الرفع في فقراته الست هو الوجود الخارجي الا
(في ما لا يعلمون) فإنها لا ربط لها بالوجود الخارجي فإنها مرتبطة بالتنظير
والانشاء وهذه مسامحة منه،ومن ثم مر بنا ان حديث الرفع في فقراته الثانوية الست
عبارة اخرى عن جعل قيود شرعية عامة في الاحكام الاولية ولكنها ليست دخيلة في
الملاك مع انها قيود شرعية وليس كما بنى عليه الميرزا النائيني وتلاميذه والسيد
الخوئي وتلاميذه من ان كل قيد شرعي هو دخيل في الملاك، كلا هي وان كانت قيود شرعية
ولكنها دخيلة في المؤاخذة او في الفعلية التامة او في الفاعلية.
الجواب الثاني:- ويوجد جواب آخر قريب من هذا
لجواب وهو لا باس به صناعيا ولكنه جواب فيه دوران او صياغة صورية ويقول هذا الجواب
ان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام وهذا مسَّلَم في الضد العام ولا اقل
اقتضاء عقلي فان الامر بالشيء يقتضي عقلا النهي عقلا عن ضده العام وهو الترك وكذا
النهي الشرعي عن الشيء يقتضي الأمر بضده يعني الوجود،واذا كان الأمر بالشيء يقتضي
النهي عن ضده فحينئذ دعوى الميرزا النائيني ــ ان الترك والعدم لا يتعلق به الحكم
لانه قال ان الأمر الضمني هنا بالسورة أي وجود السورة او وجود التشهد ووجود الجزء
لا ترك الجزء ــ في غير محلها لان الأمر بوجود الجزء نهي ولو عقلي عن ترك الجزء
والنهي العقلي يعني شعاع من اشعة الأمر نفسه أي اثر عقلي للحكم الشرعي وهذا الاثر
العقلي نوع ارتباط لهذا الحكم الشرعي بالترك ولو عقلا اذن الحكم الشرعي له ارتباط
بالعدم، اذن سواء افترضت ترك الشيء او وجود الشيء فانه له تعلق بالحكم ولو تعلق
عقلي وهذا التعلق العقلي يصحح النسبة أي انه رفع ما اكرهوا عليه ورفع ما اضطروا
اليه وهذا البيان لا باس به وصناعي ومتين ويرجع لبا لنفس الجواب المتقدم.
اذن في موارد الاكراه
والاضطرار يتعلق حديث الرفع بالواجب الضمني فيقال اكره على ترك جزء المركب وترك
الواجب الضمني فيرتفع الأمر المتعلق بالكل والباقي يصحح بما تقدم في تقريب اثبات
حديث الرفع لصحة ولزوم المرتبة الناقصة اضف الى ذلك في النسيان انَّ جملة من
الاعلام قالوا ان الحاقه بالنسيان هو غفلة نسبوها للمقرر لان النسيان واضح هنا انه
يتعلق بالوجود ولا يتعلق بالعدم فلماذا حشره مع الاكراه والاضطرار فالنسيان هو
نسيان للوجود لا نسيان للعدم فلا اشكال في النسيان والمفروض انه يلحق بما لا
يعلمون وما لا يطيقون لا انه يلحق بالإكراه والاضطرار لو سلم تمامية اشكال الميرزا
النائيني فيهما مع انه غير تام فاذا نسي شرط او جزء يصح الناقص بالتقريب الذي
ذكرناه فلاحظوا الان ان المركب الناقص العبادي سواء كان وضوء او غسل او صلاة مع
اجتماع الشرائط الثلاثة التي مرت بنا في ما لا يعلمون يصح الناقص في العبادات او
في المعاملات مالم يأتي دليل خاص او مانع خاص والا لو كنا نحن وهذا النقص بسبب
النسيان او الاكراه او الاضطرار او غيرها من هذه العناوين الست فإنها تصحح الناقص
بشرط وجود دليل على ان المركب ذو مراتب في الجملة وبشرط كون الادلة الاولية على
بقية الاجزاء مطلقة اذن في الحقيقة هذه العناوين الست تصحح الناقص.