بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع - الأصول العملية.
التنبيه الخامس:- شمول حديث الرفع في فقرة الاكراه والاضطرار للترك.
ذكروا ان حديث الرفع في فقرة الاكراه والاضطرار لا يشمل الترك كما لو اكره على ترك جزء او اضطر الى ترك جزء فهذا غير مشمول بحديث الرفع وربما الحق به النسيان عند الميرزا النائيني (قدس) وذكر النائيني بيانين لعدم الشمول:-
البيان الاول:- ان المجعول هو وجود الجزء ووجود الشرط اما الاضطرار الى الترك هو عدم او الاكراه على الترك هو عدم فحديث الرفع غير شامل لان الترك ليس مجعول وحينئذ حديث الرفع سوف يرفع أي شيء؟
سوف يرفع ما اكره عليه وما اكره عليه هو الترك والعدم وكذا ما اضطر اليه هو الترك والعدم،فلا يشمله حديث الرفع لهذا السبب.
البيان الثاني:- ان حديث الرفع في صدد تنزيل الموجود منزلة المعدوم فهذا الشيء الموجود الذي اكره عليه او اضطر اليه فان حديث الرفع يرفعه وينزله منزلة المعدوم،اذن حديث الرفع في صدد تنزيل الموجود منزلة المعدوم وليس في صدد العكس أي رفع الترك وهو تنزيل المعدوم وهو الترك[1] منزلة الموجود،ويمثل الميرزا النائيني (قدس) في باب الصوم فانه اذا اضطر الى ترك الصوم فهنا لا يقال بالإجزاء لان ترك الصوم عدم فهل حديث الرفع ينزل المعدوم منزلة الموجود،اي هل ينزل ترك الصوم منزلة الصوم؟
الجواب:- لا احد قائل بهذا لان حديث الرفع في صدد تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا بصدد تنزيل المعدوم منزلة الموجود[2] اما لو كان هناك فعل موجود مثل طلاق اكراهي عقد بيع اكراهي فحديث الرفع يرفع هذا العقد الموجود وينزله منزلة المعدوم، وكذا التقية فهل هي تنزل المعدوم منزلة الموجود فالمكلف لم يمتثل فهل يمكن ان تنزل التقية عدم الامثال منزلة الامتثال.
وكذا الحق الميرزا النائيني النسيان بالاضطرار والاكراه،فنسيان الفعل يعني الترك وترك جزء او ترك شرط يعني عدمه فعل حديث الرفع يرفعه بمعنى يقلبه من شيء معدوم الى شيء موجود وله اثر!؟
الجواب:- كلا الحديث الرفع ليس في هذا الصدد، وقد اصر الميرزا النائيني (قدس) على عدم شمول حديث الرفع لهذه الفقرات الثلاث.
وهذا بحث مهم خصوصا في المركبات سواء كانت عبادية او معاملية لانه مر بنا ان حديث الرفع كيف يرفع الوجوب الضمني وكيف يصحح الاقل، اما اذا وجد عائق في بعض الفقرات وهي الاكراه والاضطرار والنسيان فان الجزء المنسي يسبب بالتالي بطلان المركب ويكون المركب باطل على القاعدة الا ان تاتي لا تعاد او غيرها فتصححه بخلاف ما اذا بنينا على انه رفع النسيان ورفع الاكراه ورفع الاضطرار فانه يصحح المركب فبالتالي اذا بني على ان حديث الرفع في النسيان يشمل ابعاض المركبات فتكون لا تعاد على القاعدة أي متطابقة مع حديث الرفع فلا تكون لا تعاد خاصة بالصلاة لانه حينئذ توجد عندنا قاعدة هي لا تعاد ايضا اوسع من لا تعاد التي في الصلاة فلاحظوا كيف تتوسع القاعدة بتوسط قواعد اكثر عمومية  شبيه الذي مر بنا وهو ببركة جريان حديث الرفع في فقرة ما لا يطيقون وهو الحرج نستبدل قاعدة الميسور بالمعسور بها.
اصلا نباهة الفقيه ونباهة الاصولي ان يلتفت الى اثبات القواعد او المسائل الام في أي باب بالسنةٍ مختلفة تؤدي الى نفس المعنى فهنا اذا تمت قاعدة الرفع في النسيان في الاقل والاكثر فهي بديل عن لا تعاد وكذا في التقية فان السيد الخوئي (قدس) واكثر تلامذته بنوا على ان ادلة التقية تدل على عدم الاجزاء الا ما دل عليه النص الخاص بينما ذكرنا في تنبيه رفع الاحكام الضمنية العكس لان التقية ترجع الى رفع ما اضطروا اليه وما اكرهوا عليه والرفع يجري في الاجزاء والشرائط والموانع اذن يكون الاصل الاولي الإجزاء فهنا التقية ليست فقط رافعة للتكليف بل دالة على الإجزاء الا ما اخرجه الدليل،اذن إجزاء النص الخاص يكون على القاعدة فهذه القواعد الست او التسع او الاثني عشر في حديث الرفع قواعد حساسة ومهمة تغنينا عن كثير من القواعد لم تثبت لضعف دليلها فهذا الحديث النبوي له بركات كثيرة فقصور النظر على حرفية قالب معين لقاعدة هذه طامة في البحث العلمي والفقهي فان نباهة الفقيه ان يتحرر من صياغة معينة الى صياغة اخرى ومن لسان الى لسان فلاحظوا البراءة فان الاعلام استدلوا عليها بالسنة متعددة وهذه النباهة لابد ان يراعيها الباحث الفقهي في كل الابواب سيما في القواعد والمسائل الام في الابواب، فمثلا قاعدة لا تعاد قد يستعاض عنها برفع النسيان فلاحظوا ان الميزان كم وسيع حتى انه لا يختص بالعبادات فضلا عن ان يختص بالصلاة وهلم جرا فهذه نكات مهمة.
وكلام الميرزا النائيني المتقدم وهو عدم شمول حديث الرفع في النسيان والاضطرار والاكراه للترك مردودٌ فقد رد عليه جملة من الاعلام منهم المحقق العراقي:-
جواب البيان الاول :- لماذا تخصص حديث الرفع بالموجود فان (ما) الموصولة التي في الحديث عامة سواء كان موجود او معدوم فلو افترضنا ان مورد العدم له اثر فلا مانع من ان يشمله حديث الرفع  فلا خصوصية اذن للموجود فهو يشمل الموجود الذي له اثر فان كان لا اثر له فلا يشمله حديث الرفع ويشمل المعدوم الذي له اثر فان كان المعدوم لا اثر له فلا يشمله،فالمهم ان يكون له اثر حتى يكون حديث الرفع في صدد رفعه،اذن مبدئيا حديث الرفع من حيث (ما) الموصولة المبهمة عام.
جواب البيان الثاني:-
اولاً :- ان نفس الميرزا النائيني (قدس) في كل مباحث حديث الرفع قال ان حديث الرفع رفع وليس تنزيل فهو اصر دائما على ان حديث الرفع رافع نافي وليس اثبات اما التنزيل فهو اثبات فكيف يقول الان انه تنزيل الموجود منزلة المعدوم، اذن هو ليس تنزيل بل هو فقط رفع فلماذا تدعي انه يثبت.
ثانيا:- لو سلمنا ان حديث الرفع تنزيل فما المانع ان نقول بعموم التنزيل سواء كان تنزيل الموجود منزلة المعدوم او تنزيل المعدوم منزلة الموجود فمادام هو تنزيل فما المانع في ان يعم الموجود والمعدوم .
والآن ما هي النتيجة هل يشمل حديث الرفع الترك او لا؟
يوجد بيان ثالث لعدم الشمول ذكره السيد الخوئي (قدس) وربما النائيني (قدس) ذكره ايضا وهو:
البيان الثالث:- ان الترك بالتالي ليس له اثر فترك الامتثال كيف يكون مجزي عن الامثال نعم لو اضطر المكلف الى ارتكاب مانع فحديث الرفع يرفعه اما اذا اضطر او اكره الى ترك جزء فكيف نعالج شمول حديث الرفع له؟ تتمة الكلام تاتي.


[1] أي ترك الجزء او ترك الشرط.
[2] لان الموجود له أثر فيرفع هذا الموجود حتى لا تثبت اثاره اما العدم فليس ذي اثر. حتى يرفعه حديث الرفع.