الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع / الأصول العملية.
كان الكلام في التنبيه الثالث وهو شمول
حديث الرفع للاحكام الوضعية او التكليفية الضمنية واثرنا عدة تساؤلات وهو انه بناء
على راي المشهور حيث لا يذهبون الى رفع الحكم في حديث الرفع وانما رفع المؤاخذة
فكيف يتم تصوير هذا البحث؟ وكيف يتم تصوير ان حديث الرفع يكون كالمقص يقص الواجب
من الاكثر الى الاقل؟ وكيف يتم تصحيح الاقل؟
الجواب
عن ذلك ان في الرفع والوصول الى هذه الن تنبيهات حديث الرفع تيجة
من تصحيح الاقل لا يتوقف على رفع الحكم عن الاكثر فلو كان البناء على رفع المؤاخذة
فكذلك يتم الوصول الى هذه النتيجة
[1]،مثلا اذا كان الواجب مركب من عشرة اجزاء وبسبب ما لا يعلمون او بسبب النسيان او
بسبب الخطاء او بسبب الاضطرار او بسبب الحرج واي سبب آخر فالزائد طراء عليه احد
العناوين الستة وطروا هذا العنوان الثانوي على الزائد يرفع المؤاخذة على هذا
الزائدة فاذا رفعت المؤاخذة و رفعت العزيمة عن هذا الزائد،مثلا الوضوء في الصلاة
بسبب الحرج او المرض فالعزيمة والمؤاخذة رفعت عن الوضوء واتى دليل اخر انضم اليه
دل على عزيمة التيمم
[2]
فتتم هنا الصحة للأقل وان بقيت مشروعية المرتبة العليا أي الحكم الانشائي فيها
مقرر والحكم الفعلي فيها مقرر الا ان التنجيز والمؤاخذة والفاعلية التامة فيها
مرفوعة فهل هناك مانع ثبوتي من ذلك؟ الجواب كلا لا يوجد امتناع ثبوتي وهذا هو مسلك
مشهور الفقهاء وهو ان في موار الاضطرار او الحرج ان الواجب الحرجي لا زال مشروعا
مثل الصلاة مع الوضوء او مع الغسل ويتنقل الواجب الى البدل الاضطراري وهو الصلاة
مع التيمم لكن مشروعية الصلاة مع التيمم كمرتبة ناقصة لا يرفع اصل مشروعية الصلاة
مع الوضوء او الغسل بخلاف مسلك متاخري العصر كالنائيني (قدس) وتلامذته. فاذا لابد
ان نلتفت ن من جهة الامكانية الثبوتية ان رفع المؤاخذة عن الاكثر مفيد ومثمر حيث
لا يتيعن على المكلف عزيمة تعيينا الاتيان بالاكثر، كلا بل مرخص له تركه عندما
يكون حرجي فإما ان يتكلف ويأتي بالاكثر او له ان يكتفي بترخيص من الشارع بالاقل.
فلاحظوا من خلال هذه الفذلكة نستطيع ان
نجيب على الثلاثة اسالة التي مرت علينا بالامس. فأولاً صار ممكن تصوير رفع
المؤاخذة ومع ذلك لها دور مع انها ليست رفع للحكم أي لها دور في تصحيح الاقل في كل
القواعد الست لا فقط في ما لا يعلمون وايضا بهذا التصوير نجيب على التساؤل الثاني
وهو ان حديث الرفع عندما نقول انه كالمقص يقتطع الاكثر الزائد فبالدقة هو لم يقتطع
الزائد وان كانت النتيجة هي كنتيجة الاقتطاع بالمقص للزائد
[3]
لكن بالدقة اذا اردنا ان نتدبر في حديث الرفع ان حديث الرفع يرفع المرتبة العليا
الاولى كمجموع وتثبيت الالزام للمرتبة الناقصة التالية بدليل آخر وهو الادلة
الاولية للاحكام، فاذاً الرفع ليس بمعنى القص بالدقة بل رفعه بمعنى رفع المرتبة
العليا المترابطة غير المنفكة عن بعضها،هذه هي الفذلكة التي توقف فيها النائيني
(قدس) في بقية القواعد وبعض تلامذته، اذن بالحقيقة حديث الرفع لا يفكك الواجب
الارتباطي بل هو لما رفع الجزء رفع المرتبة الاولى من الكل كله ولا يريد ان يثبت
الكل بنحو ناقص بل الادلة الاولية الاخرى هي التي تثبته، وهذا جواب عن كيفية القطع
والقص بحديث الرفع وبالتالي حديث الرفع لم يجري في الواجب الضمني بل جرى في الواجب
المجموعي وانما بضميمة اثبات المرتبة الناقصة بالادلة الاولية صارت النتيجة ان
حديث الرفع منزل منزلة الذي يقص او يقتطع والا فبالدقة حديث الرفع لم يقتطع الوجوب
والواجب بل رفع المرتبة العليا وبضميمة الادلة الاولية اثبت المرتبة الناقصة،وايضا
يجاب عن السؤال الاخير فنقول نعم ان حديث الرفع ليس مثبت بل رافع سواء في ما لا
يعلمون او في القواعد الاخرى فحديث الرفع يرفع المرتبة العليا ولكن بضميمة الادلة
الاولية الى حديث الرفع النتيجة تكون اثبات للمرتبة الناقصة فيكون حديث الرفع
كأنما اثبت والا هو بنفسه ليس مثبت فانضمامه الى المثبت جعله كالمثبت فان بقية
الاجزاء ليس فيها اكراه وليس فيها اضطرار وليس فيها جهل فأدلتها الاولية على حالها
فتثبت هذا الادلة الاولية المرتبة الناقصة ولكن حديث الرفع ينضم فيكون كالاستثناء
وهذا تعبير صاحب الكفاية
( ضم حديث الرفع الى الادلة
الاولية يكون بمثابة الاستثناء) كأنما مثل الخاص كما عند متاخري الاعصار
والميرزا النائيني (قدس) وتلامذته والسيد الخوئي (قدس) واكثر تلاميذه ان حديث
الرفع مخصص في غير ما لا يعلمون،اذن حديث الرفع ينضم الى الادلة الاولية فاذا
كانت هذه العناوين الثانوية (الجهل او الحرج او الاكراه ...) هي طارئة على بعض
الواجب لا كل الواجب (فالضرورات تقدر بقدرها) فنستطيع ان نقول انه يرفع المؤاخذة
على مجموع المرتبة العليا فهذا صحيح وتستطيع ان تقول انه يرفع المؤاخذة عن خصوص
الزائد الاكثر وهذا صحيح ايضا فالادلة الاولية لبقية الاجزاء تدل على مشروعية بقية
الاجزاء وبالتالي المؤاخذة عليها اذن هي تثبت المرتبة الناقصة.
الان نحن بصدد بيان كيفية تصور هذا
المطلب ولسنا بصدد ذكر الشواهد على هذا المدعى والا فسوف تاتي الشواهد الدالة عليه
ولأجل ترسيخ هذا البحث نكرر الفكرة ونركز عليها ونقول ان حديث الرفع مع انه لا
يرفع الحكم بل يرفع المؤاخذة مع ذلك عنده قدرة على تصحيح الناقص من خلال هذه
الفذلكة لذلك مر بنا ان المشهور يفتون بالصحة في الواجب الحرجي اذا تكلف المكلف
واتى به بشرط ان لا يكون الضرر حرام او كان غافلا عن الحرمة،اما عند النائيني
(قدس) وتلامذته وعند السيد الخوئي (قدس) لا يصح،والوجه في الصحة عند المشهور هو
ان حديث الرفع لا يرفع مشروعية المرتبة التامة بل هي باقية على حالها لانه يرفع
فقط المؤاخذة فرغم ان حديث الرفع لا يرفع الحكم بل يرفع المؤاخذة ولكن بهذه
الفذلكة يتم تثبيت صحة الناقص لان المرتبة العليا العزيمة والمؤاخذة فيها ترتفع
وتبقى المؤاخذة على المرتبة الاقل وهذه العزيمة ليس عزيمة تعيين بل هي عزيمة سقف
ادنى كما في رواية سورة بن كليب في باب التشهد
( يقول
هل في التشهد شيء مؤقت؟ قال عليه السلام لا ليس في التشهد شيء مؤقت ادنى ما
يجزي...... ) فقوله ادنى يعني ما فوقه مشروع. فلماذا تقولون ان الزائد ليس
بمشروع؟! فهو بشرط لا من جهة الاقل. نعم تحت الادنى ليس بمشروع مثل ما اذا اتانا
دليل وقال اكثر ما في التشهد كذا فحينئذ الزائد عليه ليس بمشروع فهو بشرط لا من
جهة الزيادة،او اتانا دليل قال التشهد هو هذا وقته
[4]
فتكون الزيادة والاقل كلاهما غير مشروعه فهو بشرط لا من جهة الاكثر والاقل. ولذلك
اختلفت روايات التشهد فبعضها سطر وبعضها نصف صفحة وبعضها صفحة كاملة.
المقصود ان حديث الرفع يرفع المرتبة
العليا والادلة تثبت لك المرتبة الدنيا أي تقول اقل من هذا لا تكتفي به فإما هذا
الادنى او اكثر.
وايضا التفتنا الى ان حديث الرفع لا
يقصص ولا يفككك الواجب الضمني بل يرفع المرتبة العليا كلوح واحد ولكن الذي فككها
انضمام الادلة الاولية لبقية الاجزاء الى حديث الرفع فتدل الادلة الاولية على
مشروعية الاقل وتبقي الاقل وتلزم بالاقل.
وكذا حديث الرفع ليس بمثبت ولكن
الاثبات للأقل لم ناتي به من حديث الرفع بمفرده كي يشكل علينا بل اتينا به ــ كما
ذكر صاحب الكفاية والشيخ الانصاري والمشهور ــ من ضم مفاد حديث الرفع الذي رفع
المرتبة العليا الى الادلة الاولية للباقي فالادلة الاجتهادية هي التي تثبت الاقل
فالادلة للباقي لا تواجه أي مانع لان العناوين الثانوية كما مر بنا موانع.
اذن عند المشهور كما ان الاقل مشروع
الكل ايضا باقي على مشروعيته.
والان نذكر تساؤل وهو انه كيف يضم اصل
عملي الى دليل اجتهادي؟ ما هذا التركيب الذي يدعيه صاحب الكفاية ويدعيه المشهور؟
هل رتبته دليل اجهادي او رتبته دليل ثانوي في القواعد الخمس او ادلة اوليه فكيف
نضم ونلفق ونجعله في مرتبة واحدة؟