بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع / الأصول العملية.
التنبيه الثالث[1]:- شمول حديث الرفع للأحكام الوضعية الانتزاعية.
طبعا البحث يعم الاحكام التكليفية الممتزجة مع الوضعية لان هناك حكم وضعي محض وحكم تكليفي محض وهناك احكام ممتزجة لا هي تكليفية محضة ولا هي وضعية محضة مثل الجزئية والشرطية والمانعية لان هذه الاحكام الوضعية منتزعة من احكام تكليفية ضمنية وقد يكون العكس أي احكام تكليفية منتزعة من احكام وضعية وتوجد عندنا احكام وضعية بضميمة الاحكام التكليفية فكل منهم مستقل ومنضم الى الآخر مثل صحة العقود ووجوب الوفاء بالعقود وتوجد احكام اخرى يمكن ان يتصور الانسان احكام وضعية تنضم اليها احكام تكليفية. وبالتالي هذا الحديث عن الاحكام الوضعية لا مجال ينجر الى الحديث عن الاحكام التكليفية.
بالنسبة الى الاحكام الوضعية المنتزعة من الاحكام التكليفية مثل الجزئية والشرطية والمانعية أي في موارد الاقل والاكثر،نقول هل حديث الرفع في ما لا يعلمون او في بقية الفقرات يشمل الاقل والاكثر الارتباطيين او لا ؟
طبعا هناك زاوية مشتركة في الاقل والاكثر في هذه الفقرات الست وبعبارة اخرى نستطيع ان نعنون هذا التنبيه بجريان حديث الرفع في الاحكام التكليفية الضمنية او قل الوضعية المنتزعة من التكليفية الضمنية لان الجزئية منتزعة من الوجوب التكليفي الضمني فضمن تكليف (اقيموا الصلاة) يتشّطر هذا التكليف الى اقراء الفاتحة اقراء السورة أأتي بالركوع أأتي بالسجود وهلم جرا وكذا الأمر بالحج والامر بالعمرة،فهذا الأمر يسمى الأمر بالكل وهو في الحقيقة يتشطر الى اوامر ضمنية، الان هذه الاوامر الضمنية تحليلية او إنتزاعية او حقيقة اصلية فالأعلام بنو على انها بين البين. فقوله تعالى (اذا قمتم للصلاة فاغسلوا) فاغسلوا يعني توضأوا فتوضأوا أمر، اذن الامر موجود وهذا الأمر ضمني ولكن ضمني شرط وليس ضمني جزء وكذا في قوله (فاركعوا مع الراكعين) و(فاقرءوا ما تيسر منه) هذه اوامر ضمنية ينتزع منها الجزئية والشرطية والمانعية وكذا قوله تعالى (حرم عليكم الميتة ) فقد استدل بها الفقهاء حتى على المانعية في الصلاة[2] مع انها حرمة تكليفية.
فهذا البحث هل يشمل الاحكام التكليفية الضمنية او قل الوضعية المنتزعة من التكليفية الضمنية او لا ؟ اقول هذا البحث فيه جهة مشتركة بين فقرات حديث الرفع لا تخفى على الاخوة الباحثين وهي عنوان الرفع ويمكن ان يسند الى ما الموصولة التي يمكن ان تنطبق على الاحكام الضمنية التكليفية التي ينتزع منها احكام وضعية فهذا البحث ليس خاص بما لا يعلمون. نفس هذا البحث المشترك لتتميمه فان لكل فقرة لها عراقيل خاصة في تمامية البحث في هذا المبحث وتوجد جهة مشتركة بين الفقرات وهي في شمول حديث الرفع للحكام التكليفية الضمنية او الوضعية المنتزعة منها فيجب ان لا نخلط بين الاشكالات الخاصة في كل فقرة وبين الاشكالات المشتركة بين الفقرات وكل هذا البحث في شمول حديث الرفع للاحكام التكليفية الضمنية او الاحكام الوضعية المنتزعة والا فجهات بحث اخرى موجودة ولكن بحثنا في هذه الجهة فمثلا البحث في شمول حديث الرفع لكل الاحكام الوضعية او لا يشمل ؟هذه جهة اخرى وبحث آخر لسنا بصدده،بل هذا بحث خاص في الاحكام الوضعية الانتزاعية او قل في الاقل والاكثر في المركبات.
وهذا البحث المشترك بين الفقرات او الخاص بكل فقرة بصراحة بحث مترامي الاطراف وفيه زوايا عديدة مشتركة بين الفقرات فضلا عن الزوايا المختصة بكل فقرة، وهذا البحث اذا تم في القواعد الست[3] تتولد منه قواعد فقهية اخرى عديدة.
اولاً:-  قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) فاذا تم هذا البحث فهذه القاعدة لا تحتاج الى احاديث وادلة اخرى لإثبات هذه القاعدة حتى يقال عن تلك الاحاديث انها مرسلة او عامية مثل (اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم[4](ما لا يدرك كله لا يترك كله[5](الميسور لا يسقط بالمعسور[6]) بل هذا المبحث بديل استدلالي عن دليل هذه القاعدة فان هذا البحث يتولد منه قاعدة الميسور بلحاظ فقرة (ما لا يطيقون) او بلحاظ فقرة (ما اضطروا اليه) لان محصل قاعدة الميسور اجزاء الناقص مع تعذر الكامل وحديث الرفع نفس الشيء فان معنى الرفع يعني القص أي قص الجزء الذي حصل الاضطرار الى تركه فحديث الرفع يعتبر دليل على هذه القاعدة اذا تم هذا البحث.
ثانياً:-  قاعدة لا تعاد فان هذا المبحث هو لا تعاد كبرى وفي كل العبادات ــ لا خصوص الصلاة ــ بل حتى في كل المعاملات والايقاعات، لان لا تعاد تجري في النسيان للأجزاء والشرائط والموانع غير الركنية و حديث الرفع ايضا في فقرات النسيان او فقرة او فقرة الخطاء يجري في النسيان للأجزاء والشرائط فهذا المبحث اذا تم ــ وكثير من الاعلام الكبار غافلين عن بدلية هذا المبحث عن قاعدة لا تعاد او الميسور وان كان القدماء متنبهين لهذا ــ يعني حديث الرفع يكون مثل المقص يقص الاكثر فاذا قص لك الاكثر المنسي او الاكثر المجهول او الاكثر المضطر الى تركه يصحح لك الاقل فلاحظوا ان هذا بديل لقاعدة لا تعاد وليس بدليل لها في خصوص الصلاة بل بديل لها في كل العبادات والمعاملات بل في كل المركبات لو تم هذا المبحث.
تنبيه:- ان هذا المبحث قد يتم مع ذلك توجد خصوصيات لباب من ابواب العقود او الايقاعات لا يجري فيه رغم تمامية هذا المبحث،فالآن في صدد بحث الجهة العامة في حديث الرفع اما الجهات الخاصة لكل باب باب من ابواب الفقه فذلك بحث اخر فقد تكون هناك عراقيل في بعض الابواب تمنع من جريان حديث الرفع.
فلاحظوا ان جريان حديث الرفع في الفقرات الست في المركبات او قل في الاحكام التكليفية الضمنية او قل الاحكام الوضعية المنتزعة له اثار عديدة فمثلا في عقد او ايقاع نسى جزء او شرط منه فما هي القاعدة الاولية؟ هل القاعدة الاولية هي البطلان او الصحة؟ فاذا كانت هناك ادلة خاصة في ذلك الباب تدل على ان ركنية هذا الشرط او هذا الجزء حتى في ظرف النسيان وحتى في ظرف الاضطرار وحتى في ظرف الحرج فهذا بحث اخر، ولكن لو كنا نحن وحديث الرفع في فقراته الست وبنينا على تمامية هذا المبحث من عموم حديث الرفع بقواعده الست لموارد الاقل والاكثر[7] فان القاعدة تكون الصحة.
ثالثاً:- مر بنا ان الاصل الاولي في قاعدة التقية هل هو الترخيص تكليفا فقط او التصحيح وضعا؟
المعروف عند متاخري الاعصار انه لا دليل على تصحيح التقية للأعمال بالأدلة العامة هذا هو المعروف عندهم، عكس مشهور القدماء فان مشهور القدماء عندهم ان الاصل الاولي في قاعدة التقية الترخيص تكليفا والتصحيح وضعا ولكنهم لا يدعون ان الاصل جاري في جميع الابواب بل قد تكون التقية في بعض الابواب غير مجزية وذلك للدليل الخاص الذي يخصص العموم، وهذا الكلام جاري في البحث عن كل قاعدة او اصل فهو لا ينكر و لا يغفل عن الدليل الخاص في كل باب الذي قد يغير مسيرة النتيجة.
فدققوا هنا فان التقية معناها اما ان تترك شرط او جزء او ترتكب مانع بسبب التقية سواء كان في الصلاة او في الوضوء او في غيرهما فبالتالي التقية مقص يقص لك الاكثر ويبقي لك الناقص ولكن هل يصحح الناقص او لا ؟ اذن هذه قاعدة ثالثة فقهية كبيرة تتولد على هذا المبحث لو تم. وهناك ثمار اخرى ولكن يحتاج الفقيه المستنبط الى ان يكون متنبه الى ان لدينا عنوان ثانوي عام يقص وينقص الكل التام وبعبارة اخرى يرخص في الناقص بسبب تقية او معسور او نسيان وهلم جرا.
اول نقطة في هذا المبحث لابد من بحثها وهي هل حديث الرفع يرفع الحكم او ماذا؟ فلابد من تنقيح هذه النقطة سيما على المسلك الذي اختاره مشهور القدماء ونحن ايضا وافقناهم وهو ان حديث الرفع فقط يرفع المؤاخذة لا يرفع الحكم وحينئذ يأتي التساؤل وهو انه لابد من عدم البحث في  شمول حديث الرفع للاحكام الوضعية الانتزاعية او التكليفية الضمنية لانه الحديث اصلا لا يرفع الحكم بل يرفع المؤاخذة فقط وهذا ما قاله كثير من الاعلام المتاخرين ولكن اقول حتى لو بنينا على مسلك المشهور فان هذا المبحث جاري فهذه نقطة لابد ان نلج فيها. وهناك نقطة اخرى لابد من اثارتها وهي ان حديث الرفع رافع أي نافي فقط وليس مثبت واذا كان الحديث نافيا فقط فكيف يكون مثبتا لصحة الناقص ومثبت للزوم الاقل وهذا الاشكال دائما يعنونه الميرزا النائيني (قدس) وتلامذته ومنهم السيد الخوئي(قدس). وتوجد نقطة ثالثة وهي انه من قال ان حديث الرفع يقص بل حديث الرفع اما ان يرفع المركب كله او لا يرفع، فالمركب ــ لان الفرض ان المركب ارتباطي ــ شيء واحد فإما ان يرفعه كله او لا يرفع.
هذه تساؤلات اساسية في هذا المبحث.


[1] وان ذكرت هذه النبيهات الاولى في فقرة ما لا يعلمون لكن هناك جهات مشتركة بين ما لا يعلمون وبقية الفقرات كما ان ما يذكر في بقية الفقرات قد يكون هناك مشترك مع ما لا يعلمون.
[2] أي مانعية النجس في الصلاة.
[3] انما قلنا القواعد الست ولم نقل التسع لان الثلاثة الباقية وهي (الحسد، والطيرة، والوسوسة ي التفكر بالخلق) هذه ليست قواعد بل مسائل فب ابواب معينة.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج22، ص31.
[5] عوالي اللئالي، محمد بن علي بن ابراهيم ابن ابي جمهور الأحسائي، ج4، ص58.
[6] عوالي اللئالي، محمد بن علي بن ابراهيم ابن ابي جمهور الأحسائي، ج4، ص58.
[7] ليس المراد بالاقل والاكثر المجهول فقط بل حتى الاقل والاكثر الحرجي والاقل والاكثر النسياني والاقل والاكثر الاضطراري.