الموضوع:- أدلة البراءة الشرعية (حديث الرفع) / الأصول العملية.
كان الكلام على في حقيقة الرفع في حديث
الرفع في القواعد الست او التسع وتبين مما مضى ان مسلك مشهور الفقهاء الى ما قبل
كم قرن ان حديث الرفع يرفع المؤاخذة فقط أي يرفع الحكم في هذه المرحلة
[1]
وكذلك نستطيع ان نبين ذلك صناعيا بان نقول ان حقيقة الرفع هي عبارة عن تزاحم
مقتضيات هذه العناوين الثانوية مع مقتضيات الاحكام الاولية في مرحلة التنجيز او
الفاعلية فبالتالي طروا هذه العناوين الثانوية يوجب نوع من انعدام التنجيز للأحكام
الاولية ويتعين الترخيص فيها،وهذه العناوين الثانوية في الحقيقة يمكن ان يقال ان
مُقْتَضِيها شيء واحد وهو سهولة الشريعة وسماحتها ولذلك ادرجت في حديث واحد وهو
حديث الرفع بملاك جامع مشترك بين العناوين الستة او قل العناوين التسعة، ففي
الحقيقة ان السهولة واليسر والسماحة هذا عنوان اقتضائي وليس هو من عناوين الاباحة
الاقتضائية وان كان قد ينصرف الذهن في الوهلة الاولى الى ذلك لكن في الحقيقة هذا
العنوان عبارة عن طابع عام في مجموع منظومة الشريعة.
وتتمة لحقيقة هذا البحث نشير الى هذا المطلب
النفيس الذي ذكره جملة من المشهور وهو انكم اذا دققتم فيما قلنا من ان السهولة
واليسر هو طابع في مجموع منظومة التشريع فهذه الظاهرة والحالة اذا دققتم فيها
نجدها حالة مرتبطة بمنظومة التشريع اكثر مما هي مرتبطة بانطباق الشريعة على الخارج
والافعال الجزئية وبعبارة اخرى تارة التشريع ناظر للأفعال والخارج وما شابه ذلك ــ
وهذا هو المعروف ــ مثل يحرم شرب الخمر يحرم اكل الميتة يجب الوفاء بالنذر،وتارة
الشارع لا يلاحظ هذه الافعال بل يلاحظ هذه التشريعات الموجودة للافعال نفسها فيضع
ضوابط لنظم هذه التشريعات يعني نفس بيان الشارع ناظر الى التشريع أي مرحلة الجعل
فرفع ما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اكرهوا عليه وغيرها فالرفع هنا ناظر الى صفحة
التشريع في الاحكام الاولية بلحاظ طروا الاضطرار والاكراه والحرج وغيرها من
العناوين الثانوية، نعم وان كان الاضطرار والاكراه ملحوظ فيها وجودات خارجية فهذا
صحيح لكن الموضوع الاولي الاصلي الملحوظ في حديث الرفع هو صفحة التشريع في الاحكام
الاولية، هذه ظاهرة متميزة في البحث الاصولي او البحث الفقهي وهي ان تكون هناك
قواعد منظمة للتشريع وليست قواعد لنفس الافعال الخارجية والتطبيقات الخارجية بل
قواعد ناظرة الى نفس لوحة التشريع،وفي الاصطلاح العصري يعبرون عنها بقواعد في
الفقه الدستوري وهي تختلف عن قواعد القوانين النيابية او قواعد القوانين الوزارية
والبلدية. فقواعد القوانين الدستورية اصلا هي ناظرة لفهم الدستور وتنظيم احكام
الدستور بغض النظر عن تطبيق الدستور بخلاف القوانين النيابية او الوزارية فإنها
ناظرة الى التطبيق الخارجي وهذا ما يعبر عنه في الاصطلاح التقليدي في علم الاصول
بمرحلة الجعل ومرحلة المجعول فمرحلة المجعول المنظور به الفرض الخارجي ولو المقدر
وحينئذ يلحظ التشريع بنحو آلي مرآتي للخارج وهو آخر مرحلة من مراحل المرحلة
الانشائية في الحكم وهو المجعول الكلي وايضا يعبر عنها الميرزا النائيني (قدس)
بالقضية الحقيقية، اما في مرحلة الجعل فان التشريع يلحظ لا بما هو مرآة للخارج بل
بما هو هو وهذه المرحلة في التشريع اسبق من مرحلة المجعول لذلك المراحل الانشائية
مرحلتان او بالدقة ثلاث مراحل ليست المرحلة الانشائية مرحلة واحدة كما يقال.
لاحظوا في باب النسخ يلحظ الجعل لا
المجعول نعم هو لنسخ المجعول ولكن لنسخ الجعل ايضا لا نسخ المجعول فقط لذلك في باب
النسخ تقول نسخ الجعل أي التشريع لا فقط نسخ الحكم المجعول المنشاء.
اذن عندنا قواعد شرعية اصولية او فقهية
ليس الملحوظ فيها مرحلة المجعول بل الملحوظ فيها مرحلة الجعل وهي قواعد منظمة
للتشريع. واتمم هذا الكلام بما ذكره جملة من المشهور من ان قاعدة الحرج وقاعدة
الضرر وتوجد قواعد اخرى غير القواعد الست هما قاعدتان في الحرج لا قاعدة واحدة
وكذا في الضرر عندنا قاعدتان لا قاعدة واحدة فقد نص على ذلك الشيخ جعفر كاشف
الغطاء في كتيب صغير له
[2]
وكذا الميرزا القمي في موضع من كتبه الفقهية وغيره من الاعلام وكذا في كتاب ملكية
الدولة اشرنا الى هذا المطلب واشرنا الى مواضع تمسك المشهور بقاعدتين في الحرج لا
قاعدة واحدة وقاعدتان في الضرر لا قاعدة واحدة فانهم يقولون ان قاعدة الحرج والضرر
بالدقة قاعدتان فتارة قاعدة الحرج مُقنِنَة ومضروبة من قبل الشارع بلحاظ عالم
الجعل وبيان فلسفة الجعل وهذه غير قاعدة الحرج المتداولة فقاعدة الحرج المتداولة
الثانية هي قاعدة الحرج في المجعول لما مر بنا الآن للتو بيان الفرق بين مرحلة
الجعل ومرحلة المجعول مع ان كلاً من الجعل و المجعول مرحلة انشائية كما مر، فاذاً
قاعدة الحرج تجري في مرحلة انشائية سابقة وهي الجعل وتسمى هذه القاعدة بفلسفة
الجعل وضوابط الجعل ولتمييز هذه القاعدة التي تجري في مرحلة المجعول نقول ان
الضابطة فيها
[3]
هو الحرج النوعي لا الحرج الشخصي وتمسك بها المشهور كثيرا حتى السيد الخوئي(قدس)
تمسك بها مع انه يشترط الحرج الشخصي كما في إجزاء الذبح في غير منى للحجاج حتى لمن
ليس لديه حرج شخصي وتسمك بها السيد الخوئي (قدس) لإجزاء الوقوف مع العامة ــ مع
الشك او العلم بالخلاف ــ وفي كتابنا ملكية الدولة بينا موارد عديدة لتمسك المشهور
بقادة الحرج الاولى التي تجري في مرحلة الجعل.
وكثير من الاعلام قد خدش في ادلة قاعدة
الحرج منهم استاذنا السيد الروحاني(قدس) قال لا توجد عندنا قاعدة فقهية رافعة لان
ادلة الحرج هذه هي فلسفة الجعل وحكمة الجعل . وكلامه صحيح من جهة وغير صحيح من جهة
اخرى،اما وجه الصحة فان بعض ادلة قاعدة الحرج ليست ادلة القاعدة الثانية ــ أي
الحرج في المجعول ــ فلا يصح ان نعطفها على الحرج في المجعول مثلا
﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾[4]فبالدقة هذا احد ادلة الجعل لانه يلاحظ الدين كمنظومة أي بما هو هو فهذه
الآية ناظرة الى الجعل بخلاف التعبير
(كل شيء اضطر اليه
ابن ادم فقد احله الله[5]) فمن الواضح من قوله
(ابن آدم) ان المعنى العرفي هو وجوده الخارجي فهنا
قاعدة الاضطرار ملحوظ فيها الوجود الخارجي او كما يقول النبي صلى الله عليه واله
(بعثت بالشريعة السهلة السمحة[6])
فواضح ان الملحوظ الشريعة بما هي هي بغض النظر عن مجيء وقت التكليف للمكلفين او
لا، هنا الملحوظ هو الجعل.
اذن صحيح ان بعض ادلة الحرج ملحوظ فيها
الجعل ولكن غير الصحيح ان نقول كل ادلة الحرج ملحوظ فيها الجعل. كلا، بل بعضها
ملحوظ فيه الجعل وبعضها ملحوظ فيه المجعول مثل
(رفع عن
امتي ما لا يطيقون) فقوله
(ما لا يطيقون)
واضح ان الملحوظ فيه وجوده الخارجي. اذن المؤاخذة على من انكر القاعدة الثانية من
هذه الجهة ومؤاخذة اخرى ان الادلة الناظرة الى القاعدة الاولى في قاعدة الحرج صحيح
هي فلسفة الجعل ولكن يستفاد منها قاعدة لا انها فقط بيان حكمة الجعل وفلسفته بلا
اي اثر صناعي
[7]،
طبعا الفذلكة الصناعية والضوابط الصناعية لكيفية اجراء قاعدة الحرج الاولى في
الجعل تختلف سنخاً وقيوداً عن جريان قاعدة الحرج الثانية في المجعول وهذا يحتاج
الى بسط في الكلام الآن لسنا بصدد بيانه بل الان فقط بصدد بيان اثنينية القاعدة
وقد مر بنا بيان بعض الفوارق:
ومن الفوارق بينهما ان المدار في
القاعدة الاولى على الحرج النوعي فاذا كان هناك حرج نوعي فان الحكم الاولي يتبدل
او يرفع والحرج الشخصي لا فائدة به بينما المدار في القاعدة الثانية على الحرج
الشخصي عكس القاعدة الاولى فاذا كان هناك حرج نوعي فلا فائدة به.
ونفس الكلام في قاعدة لا ضرر فبعض
ادلتها تجري في الجعل وبعضها تجري في المجعول ولذلك البعض نفى ان تكون قاعدة لا
ضرر نافية ــ المراد من نافية بمعني قاعدة الضرر الثانية في المجعول ــ فقالوا لا
ضرر تبين فلسفة الحكم يعني تبين شؤون الجعل وهذا صحيح فبعض ادلة لا ضرر تبين ذلك
شبيه بما بينه مولانا الرضا عليه السلام في رواية العلل التي رواها الصدوق ويعلل
بلا ضرر فهذه لا ضرر ليست لا ضرر في المجعول فهذا ملحوظ فيه الضرر النوعي فحرّم
الخمر للضرر النوعي وحرّم اكل التراب للضرر النوعي وحرّم اكل الميتة للضرر النوعي
فهذا ليس مربوط بالضرر الشخصي.
اتضح مما تقدم ان قاعدة الحرج وقاعدة
الضرر كلٌ منهما قاعدتان وليست قاعدة واحدة. وقد مر بنا فارق بينهما او فارقان في
الادلة وفي الموضوع بل ثلاثة فروق في الادلة فكل منها له دليله وفرق آخر ان
القاعدة الاولى ملحوظ فيها الجعل بينما القاعدة الثانية ملحوظ فيها المجعول وفرق
ثالث ان الحرج في الاولى نوعي بينما الحرج في الثانية شخصي وفرق آخر هو ان قاعدة
الحرج الاولى في الجعل او قاعدة الضرر الاولى في الجعل كما هي رافعة للحكم هي
مثبتة للحكم وكثيراً ما يستدل بهما لإثبات الاحكام مثلاً المشهور تمسك بقاعدة لا
ضرر لإثبات حكم وهو خيار الغبن وهناك موارد متعددة ذكرناها في ملكية الدولة،بخلاف
قاعدة لا حرج المعروفة في المجعول فهي اولا وبالذات رافعة وليست مثبتة فان كانت
مثبتة للحكم فتكون مثبتة باللازم لخصوصية مورد ــ فهو صحيح وممكن ــ ولكن مفادها
المطابقي اولاً وبالذات هو الرافع وليست مثبتة بخلاف قاعدة لا حرج الاولى ولا ضرر
الاولى فان مفادهما المطابقي اولاً وبالذات قد تكونان رافعتين وقد تكونان مثبتتين
هذا الكلام فقط لأجل التنبيه وليس لبيان القاعدة الاولى من لا حرج ولا ضرر.
اذن نستطيع ان نصطلح اصطلاح ان المشهور
لديه قواعد فقهية من سنخين قواعد فقهية تطبيقية دارجة متعارفة وهي القواعد في
المجعول وقواعد فقهية جارية في الجعل بما هو جعل شبيه بما نذكره مراراً في القواعد
الاصولية فان القواعد الاصولية سنخان ايضا فهناك مسائل وقواعد اصولية طريقية،ألم
يعرف علم الاصول بانه العلم الباحث في طريقية الطريق وهناك مسائل اصولية غير
مرتبطة بالطريقية بل مرتبطة بالمبادئ الاحكامية أي هي ليست ناظرة الى الثبوت بل هي
قواعد تشكل مبدأ الثبوت اصلاً هي داخلة في متن الثبوت تسمى مبادئ احكامية هذه
المبادئ الاحكامية يعبر عنها اصول القانون او اصول التشريع او مقاصد التشريع ما
شئت فعبر، اذن كما في الاصول نمطين من القواعد ايضا في الفقه نمطين من القواعد.
هذا تمام كلام المشهور في حديث الرفع
وميزه عن كلام المعاصرين وندخل انشاء الله في تنبيهات البحث.