بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- البراءة الشرعية / حديث الرفع.
كان الكلام في البراءة في حديث الرفع في تعيين المرفوع في حديث الرفع وتعيين حقيقة الرفع وهو في الحقيقة لا يقتصر على قاعدة البراءة ــ كما مر ــ بل يشمل القواعد الست الثانوية والفارق الرئيسي ــ كما مر بنا ــ بين قول مشهور الفقهاء وقول متأخر الأعصار ان القدماء يقولون بان الرافع للمؤاخذة بينما متأخر الأعصار يقولون ان الرفع للحكم حقيقتا ــ لا اقل في الفقرات الخمس ــ وفي البراءة رفع ظاهري،طبعا هناك تفاصيل في كل قول موجودة سنتعرض لها تباعا ولكن كشيء رئيسي متباين بين القولين هذا الذي مر بنا وان كان في التفاصيل سيأتي فانه يوجد قول يذهب الى جعل الحلية الظاهرية وهو قول المرحوم الكمباني وتلميذه استأذنا السيد الروحاني فإنهما يذهبان الى جعل الحلية الظاهرية في البراءة.
عمدة الكلام في شواهد القولين بشكل إجمالي رئيسي ما هي؟ في البداية لابد ان  يركز ويدقق في تركيب الحديث الشريف، طبعا كما مر بنا ان حديث الرفع احد أدلة القواعد الست وان كل واحدة من هذه القواعد الست لها أدلة أخرى والسن أخرى ولكن هذا اللسان من عمدة أدلة تلك القواعد الست فلاحظوا في قاعدة لا ضرر ولا ضرار هنا رفع ما اضطرو إليه وأيضا كل شي اضطر إليه ابن ادم فقد أحله الله فجعل الحلية الظاهرية في حديث كل شيء أضطرر إليه ابن ادم فقد أحله الله مفاد آخر للرفع الظاهري حتى قاعدة الحل كل شي لك حلال حتى تعلم انه حرام ان شاء الله سنتعرض لمفادها بمناسبة رفع ما لا يعلمون،ولا منافاة فان كل لسان يتعرض الى ما هو المجعول من زاوية واحدة  ولسان يتعرض لنفس المجعول من زاوية أخرى ولسان  يتعرض لنفس المجعول من زاوية ثالثة فالحري ان تجمع هذه الألسن وتركيب منها صورة كاملة توضح ما هو المجعول في القاعدة الواحدة.
  الآن في حديث الرفع توجد عندنا (ما) الموصولة اسند الرفع الظاهري إليها (رفع ما اضطرو إليه ورفع ما لا يطيقون ورفع الخطاء والنسيان) ففي هذه القواعد بعضها[1] (ما) الموصولة موجودة فيها وفي اثنتان لا توجد (ما) الموصولة فهنا نقول ما المراد بـ(ما) الموصولة؟ وهل هذا الرفع يسند الى ما الموصولة او الى شي مقدر يضاف الى ما الموصولة؟
 وقع الكلام في هذا فمتأخر العصر قالوا يتعين إرادة الفعل في (ما) الموصولة فمثلا ما اكرهوا عليه ما اضطرو إليه  ما لا يطيقون فالإكراه إنما يقع على الفعل والحرج إنما يكون وصف للفعل والاضطرار إنما يكون الى الفعل والحكم لا يكون موصوفا بهذه الأوصاف (الإكراه الاضطرار الحرج) فإذاً هنا ما اضطرو إليه ما لا يطيقون ما اكرهوا عليه هذه أوصاف للفعل فالمراد بـ(ما) الموصلة هو الفعل.
إذا كان كذلك اذن في الفقرة الاولى وهي ما لا يعلمون بمقتضى وحدة السياق بين الفقرات لابد ان تكون ما لا يعلمون  ايضا نحملها على الفعل فرفع ما لا يعلمون أي رفع الفعل غاية الأمر إسناد الرفع الى الفعل إسناد قد يقال مجازي وقد يقال حقيقي أما كونه رفع مجازي لان المرفوع ليس الفعل لان الفعل كيف يرفع فهو شيء تكويني موجود بالخارج فإسناد الرفع الى الفعل مجازي وإذا كان مجازي فالمجاز قنطرة الحقيقة فما هو المراد الحقيقي في رفع ؟ لابد ان يكون رفع الحكم غاية الأمر ان رفع الحكم في الفقرات الخمس حقيقي واقعي وفي البراءة رفع حقيقي ظاهري اي الإسناد حقيقي لكنه ظاهري،ولماذا نحمل المراد الجدي او الاستعمالي في (ما) الموصولة في هذه الفقرات على معنى واحد؟  أقول الحمل على وحدة المعنى بموجب وحدة السياق فهو تركيب واحد والتفكيك ركيك وإذا كان التفكيك ركيك فلا محالة يحمل على وحدة السياق هذا تقريب متأخر الأعصار هناك تقريب معاضد له هو نفس التقريب مع زيادات و تتمات بالقول بان إسناد الرفع  ــ هذه التتمة ــ  الى الفعل ليس مجازي بل حقيقي لان المراد ليس الفعل الخارجي بل المراد الفعل في لوح التشريع والتدوين المراد عنوان الفعل لفظ الفعل وليس المراد الفعل بوجوده الخارجي وإذا كان الفعل بوجوده التشريعي العنواني فإسناد الرفع إليه لا يكون مجازي بل يكون حقيقي لان رفع الفعل في صفحة التشريع والتدوين يعني رفع الحكم نفسه لان الحكم بلا موضوع لا يبقى فرفع عنوان الفعل ولفظة الفعل في لوح التشريع رفع حقيقي مثل محوه وهو نفس معنى رفع الحكم لان إذا ارتفاع الموضوع من لوح التشريع رفع الحكم .
أي تقريب من هذه التقريبات البلاغية والتحليلات بلاغية للوصول الى المراد الجدي دائما المراد الجدي التشريعي يوصل إليه عبر المعنى اللغوي والتركيب النحوي والتركيب الصرفي والبلاغي يصل الى الجدي الذي هو التشريع فهذا عبارة عن تحليل للتركيبة البلاغية ثم تأتي تركيبة في الدلالة التصورية الأصولية يصل الى ظرف الحكم. الأعلام بينهم مناوشات تدقيقية بلاغية اصولية تحليلة رشيقة لا باس بها ولكن لب التركيب البلاغي من دون التعرض للتفاصيل هو وحدة السياق وإسناد الرفع الى من وما المرد بالمعنى الأصولي هذه محاور تحليل اللفظ الذي أجراه الأعلام. على هذا البيان يقولون ان الرفع في الفقرات الخمس رفع حقيقي للحكم ــ أي تخصيص في مورد الحرج والاضطرار والإكراه والنسيان ــ لانه ليس هناك كشف خلاف ليس هناك جهل ــ نعم في الإكراه لا جهل حتى ينكشف الخلاف ــ فإذا كانت هذه العناوين الإكراه والاضطرار والحرج ثبوتية فانه لا كشف خلاف فيها،ففي هذه الموارد الرفع لا محالة يكون واقعيا ثبوتيا يعني تخصيص، هكذا قرره الأعلام أي متأخري العصر أما في رفع ما لا يعلمون لا محالة يكون الرفع ظاهري وليس واقعي باعتبار الوصف التعليلي للموضوع هو شيء ظاهري فالجهل وعدم العلم فرض فيه احتمال وجود ثبوت حينئذ لا يتعرض للثبوت بل يتعرض لمرحلة الإثبات فالرفع فيما لا يعلمون ظاهري لانه فرض فيه الثبوت والواقع فالرفع ظاهري  لكن بالتالي الإسناد الى (ما) الموصولة والمرد بها الفعل هذا خلاصة التقريب.
طبعا على هذا التقريب على قول متأخر العصر واجهوا مشكلة في هذا التقريب وهي ان اللازم على ذلك عدم شمول حديث الرفع والبرءة الى الشبهة الحكمية واختصاص قاعدة البراءة بالشبهة الموضوعية فقط فالإكراه قاعدة موضوعية والحرج قاعدة موضوعية يعني الموضوع لها ملابسات موضوعية جزئيه فهذه العناوين الخمس قواعد موضوعية وليست قواعد في الشبهة الحكمية نعم محمولها يستفيد منه الفقيه في الاستنباط لحكم الحالات الموضوعية لكن هي كموضوع تتعرض للشأن الموضوعي أي للشبهة الموضوعية لا للشبهة الحكمية وبمقتضى وحدة السياق قاعدة البراءة لا محال ستكون للشبهة موضوعية والحال ان المهم في البراءة الشبهة الحكمية لا الموضوعية فان الشبهة الموضوعية متفق عليها.
 الاحتياط في الشبهة التحريمة الحكمية التي الى ذلك يذهب الإخباريون او هي البراءة مطلقا فخلاف الإخباريين فقط في الشبهة التحريمة الحكمية اذن كيف نعمم قاعدة البراءة على هذا التقريب؟ فالمتأخرون بين حيص وبيص وذكروا عدة تقريبات لشمول خصوص قاعدة البراءة للشبهة الحكمية إجمالا هذه التقريبات لا باس بها وان كان هذا التقريب برمته لسنا في وفاق معه كما سنبين  ونقرب كلام القدماء ولكن نجاري كلام المعاصرين في تقريبهم،على هذا التقريب هناك محاولات تدقيقات تحليلية في مفاد حديث الرفع لأجل بيان شمول الفقرة الاولى للشبهة الحكمية
التقريب الاول:- ما دام الرفع للفعل في لوح التشريع فالفعل في لوح التشريع كلي سيّما بالنسبة الى ما لا يعلمون شامل للحكمية والموضوعية بل ربما شموله للحكمية اظهر باعتبار عدم العلم فما دام الإسناد في الرفع الى الفعل بوجوه العنواني التدويني في لوح التشريعي فهذا شامل عام للشبهة الحكمية.
القريب الثاني:- وهذا متين وهو انه من قال ان وحدة السياق تقتضي إرادة الفعل في (ما) الموصولة في كل الفقرات ؟  من قال؟ بل المراد بـ(ما) الموصولة في البراءة هو الحكم لان الذي يعلم ولا يعلم ليس الفعل فكيف يوصف الفعل به بل الحكم موصوف بأنه يعلم ولا يعلم فالصلة وهي (لا يعلمون) قرينة تقتضي إرادة الحكم من (ما) الموصولة في الفقرة الاولى كما ان الإكراه و الحرج أوصاف تعرض الى الفعل في الفقرات الأخرى واقتضت كقرينة إرادة الفعل من (ما) الموصولة كذا في ما لا يعلمون كما ان تلك قرينة هنا ايضا الصلة قرينه، يبقى وحدة السياق وهو كما قرر في محله اضعف القرائن في باب علم البلاغة وهو كما يعلم الإخوان ثلاثة علوم علم المعاني والبيان والبديع وعلم المعاني اخطر من علم البيان واعقد وأدق فهو علم اسمه علم المعني لا يرتبط باللفط، وضيفته كيف تركب قوالب المعنى؟ في أي لغة من اللغات البشرية او الجن او الحيوان المعنى هو المعنى، لذلك هذه البحوث التي جرت في علم البلاغة والمعاني كل اللغات سرقتها او اقتبستها بالكامل بحذافيرها ونقلت الى الانكليزية والفرنسية والألمانية والهندية والفارسية وهذا كلام عن حس لا حدس والسبب هو لان هذا بالحقيقة غير مرتبط بالعربية بل مرتبط باللغة الإنسانية بل بالشعورية اعم من الإنسانية .المقصود عالم المعنى غير مختص بالبشر بل بكل مخلوق مدرك للمعنى كذا علم البيان وان كان علم البيان يأتي في المرتبة الثانية وهو آليات إيصال المعنى فهذه التدقيقات من علم المعاني في علم المعاني يقولون ان وحدة السياق قرينة لكنها من اضعف القرائن ففرق بين ان نقول ليست قريته وان نقول قرينة اذن لابد من تعيين مرتبة القرينة التصورية الاستعمالية التفهيمية الجدية هذه بحث بالغ الخطورة.


[1] في أربع قواعد منها.