بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: البراءة الشرعية.
كان الكلام في حديث او البراءة وحديث الرفع وهو تعيين وتحديد متعلق الرفع وبالتالي تحديد نفس معنى الرفع  وتقدم ان متأخري العصر مختارهم في حديث الرفع غير مختار القدماء فان القدماء يذهبون الى ان المرفوع هي المؤاخذة في كل الفقرات بينما متأخري الأعصار فقد ذهبوا الى ان المرفوع هو الحكم غاية الأمر في البراءة رفع الحكم في في مرتبة الظاهر فيبنون على ان الرفع رفع ظاهري بينما الرفع في الفقرات الخمس الأخرى او الثمانية الأخرى الرفع لديهم واقعي  ومعنى واقعي ــ ظاهر كلامهم ــ ان حديث الرفع مخصص للأحكام فالحكم المنسي في المرحلة الإنشائية مخصص والحكم في حال الخطاء مخصص والحكم الحرجي مخصص كذالك السهو النسيان الإكراه وهلم جرا، فعند متأخري الأعصار حقيقة مبناهم ان الرفع واقعي في الفقرات الخمس فيما إذا كان الحديث ست فقرات او ثمان فيما إذا كانت الفقرات تسع فالرفع مخصص للحكم الإنشائي عندهم فقاعدة لا ضرر ولا ضرار التي هي لسان آخر لفقرة رفع ما اضطرو إليه ــ كما مر بنا بالأمس ــ ان كل فقرة من فقرات حديث الرفع هي قاعدة من القواعد الثانوية ولها السن أُخر في دليل آخر فان لا ضرر نفسها رفع ما اضطرو إليه قاعدة واحدة مجعولة بلسانين. اذن عند متأخري الأعصار الرفع واقعي يعني ان الحكم الإنشائي غير موجود فضلا عن الحكم الفعلي،أما ارتكازهم في الفقه فهل يمشون على نفس هذا المبنى الذي يقرروه في الأصول او لا؟ هذا بحث آخر. ولكن مبناهم ان الرفع في الخمس او الثمان رفع واقعي أي تخصيص الحكم الإنشائي  فالرفع في الاولى ظاهري والأخرى واقعي هكذا يلتزمون.
 أما القدماء فعندهم الرفع لا يمس الحكم الإنشائي ولا الفعلي وإنما الرفع يتصرف في المؤاخذة يعني في مرحلة التنجيز سواء في الفقرة الاولى ما لا يعلمون او في بقية الفقرات، فالرفع فقط يطال مرحلة التنجيز فان المؤاخذة تعني التنجيز فرفع المؤاخذة يعني رفع التنجيز فعندهم الرفع على نسق واحد في الفقرات فقوله ما جعل عليكم في الدين من حرج مشهور القدماء يقولون ليس رفع للجعل بل هو رفع العزيمة ورفع العزيمة عين التعبير برفع المؤاخذة،فالحكم الفعلي والإنشائي على حالهما والمرفوع العزيمة الذي هو التنجيز وهي اسم للحكم بلحاظ مرحلة التنجيز ورخص في هذا الحكم ليس بمعنى خصص هذا الحكم بل رخص يعني رفع التنجيز،والفعلية والإنشائية باقية على حالها فرخص يعني رفعت المؤاخذة فما جعل عليكم في الدين من حرج عند المشهور أي ما جعل المؤاخذة ما جعل عزيمة لا ما جعل يعني غير مشروع ولذالك عند القدماء العبادة الحرجية الغسل الحرجي الوضوء الحرجي مشروع في نفسه ولكنه غير عزيمة لا ضرر ولا ضرار نفس الكلام أي رفع التنجيز العزيمة وهي لسان آخر لرفع ما اضطرو، أذن  لا النافية ترفع ماذا؟ تنفي ماذا ؟ المنفي ما هو الحكم او تنجيز الحكم او عزيمة الحكم؟
 طبعا مثل ما مر أمس ان حديث الرفع وهذه القواعد الثانوية الست النافية لا تتصرف في الحكم الوضعي؟ بل تتصرف مع ان مفادها فقط رفع المؤاخذة لكنه يتولد منها آثار وضعية كما سنبين في تنبيهات البحث حتى على مسلك القدماء أي يتولد منها صحة الناقص مثلا إذا كانت مباشرة الوضوء حرجي عليك شاق تستعين بشخص يوضئ الإنسان هنا يصح الناقص فالضوء الناقص و الصلاة الناقصة يصح مع ان حديث الرفع لا يتصرف في الحكم على مسلك القدماء فقط يرفع العزيمة المؤاخذة فكيف يتم على ذلك التصرف في الحكم الوضعي ؟ سنبين بكل سهوله تبيان هذا المطلب.
مع ذلك ان المفاد الأصلي لحديث ارفع هو فقط رفع المؤاخذة شبيه لما ورد في لسان آخر في غير هذه القواعد الست وهو رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق او يعقل وعن النائم حتى يستيقظ فان الكلام نفس الكلام هناك المرفوع عدم المؤاخذة فكما في رفع القلم عن الصبي والمجنون وعن النائم فالنائم بلا شك النائم إذا نام عن الصلاة وعن الصيام يقضي الصلاة او الصيام إذا كان نائم عنها فلو كان رفع للحكم فلماذا يقضي، والمجنون الذي يرفع عنه القلم هو الذي لا يكون مجنون تماما فإذا كان تام الجنون فأي امتنان في الرفع عنه لانه حينئذ ليست عنده قدرة، هذا ايضا في الحقيقة المرفوع عنه المؤاخذة او الفاعلية او ما شابه ذلك لا ان أصل مشروعية الحكم مرفوعه.
على أي حال فانه وان كان مسلك المشهور حتى عند القدماء هو رفع الحكم ولكن جملة من القدماء ليس الحكم إنما المؤاخذة ولذا لاحظوا في الجلد الاول من الوسائل أبواب مقدمات العبادات باب تكليف الصبي عند البلوغ والجارية عند البلوغ اكثر الروايات لسانها هكذا فإذا بلغ كتبت عليه السيئات و لا تكتب السيئات على الغلام حتى يحتلم فالسيئات يعني المؤاخذة هذا واضح فأكثر الروايات هكذا وكذا إذا ميّز الصبي او الجارية قبل البلوغ تكتب لهم الحسنات فقوله تكتب الحسنات واضح انه قلم التشريع أي قبل البلوغ قلم التشريع موجود في حقهم وهذا مبنى الشهيد الاول فهو بكل صراحة يلتزم بهذا المبنى في الصبي وأستاذنا الميرزا هاشم الاملي (رحمة الله عليه) ايضا يلتزم به وصاحب الجواهر ايضا في جملة من أبواب الجواهر يلتزم به وفي غيرها يلتزم بمبنى المشهور على أيتي حال فلاحظوا ما ورد في الصبي والجارية قبل البلوغ تكتب لهم الحسنات قبل البلوغ،عند البلوغ يكتب عليهم السيئات فقلم السيئات يعني المؤاخذة قلم الحسنات يعني نفس مشروعية الملاك،  المهم هذا البحث حساس ومهم وليس بحث فني صرف ولا صناعي صرف بل هو بحث عملي مفيد وخطير في أبواب الفقه كلها ولا يرتبط فقط بالبراءة بل يرتبط بقاعدة الحرج ويرتبط بقاعدة لا ضرر ويرتبط بقاعدة النسيان ويرتبط بقاعدة الإكراه ويرتبط بقاعدة رفع القلم عن الصبي وعن المجنون وغيرها،طبعا النائم مسلم عند الكل رفع القلم فيه هو رفع قلم المؤاخذة فلم يتردد احد في النائم بان الحكم في حقه فعلي إنما المرفوع فقط عن النائم فقط المؤاخذة وادعي في المجنون مسلم ان المرفوع عنه الحكم وهذا غير صحيح لان المجنون الذي يرفع عنه منة ليس المجنون التام المطبق لان هذا عقلا مرفوع عنه بل المجنون غير التام فهذا منة وتخفيف من الشارع يرفع الشارع المؤاخذة عنه،اذن المقصود على أيتي حال ان الرفع في ما لا يعلمون وفي الفقرات الخمس عند مشهور القدماء رفع للمؤاخذة وليس رفع للحكم الشرعي. وعلى ضوء هذا الاختلاف في الأقوال عند مشهور القدماء لا معنى لان نقول رفع ظاهري  وواقعي وان كان يمكن ان يسمى واقعي وظاهري ولكن بالدقة الرفع والمرفوع في كل الفقرات شيء واحد وعلى نسق واحد وهو المؤاخذة فإذا بنينا على ان المرفوع في البراءة المؤاخذة فهل هذا الرفع ظاهري ؟ فلو كان ظاهري يعني إذا انكشف الخلاف  فما كنا نحسب انه كنا غير مؤاخذين تبين انا كنا مؤاخذين، نعم بعد كشف الخلاف نؤاخذ أي نعم  أما بلحاظ فترة الجهل والشك فهل سيتبين لنا اننا مؤاخذون بالعقوبة[1] ؟ كلا طبعا فلا معنى لكون الرفع ظاهري،فالرفع فيما لا يعلمون قد يسمى ظاهري اصطلاحا لنكتة كما سنبين حتى على مسلك القدماء ولكن بالدقة هو ليس رفع ظاهري فإذا كان المرفوع هي المؤاخذة ــ وهو الصحيح ــ هذه ليس فيها كشف خلاف بلا شك المؤاخذة مرفوعة ويكون الرفع واقعي بلحاظ المؤاخذة حتى في البراءة فالرفع بالبراءة واقعي بلحاظ المؤاخذة نعم لو جعلنا المرفوع في البراءة الحكم هاهنا لا محالة يتحتم ان يكون الرفع ظاهريا لانه إذا انكشف الخلاف يتبين ان الحكم موجود في الواقع حتى في ظرف الجهل لاحظوا كيف يوجد فرق بالمبنى فإذا التزمنا ان المرفوع في البراءة الحكم فلابد ان نلتزم ان الرفع ظاهري لان الحكم لا يدور مدار الجهل والعلم فان الأحكام مشتركة بين الجاهل والعالم فإذا انكشف خلاف الواقع على ما هو عليه وحيث ان متأخري الأعصار جعلوا المرفوع في الفقرات الست الحكم ففترق عندهم رفع الحكم في البراءة عن رفع الحكم في الفقرات الخمس الأخرى  ففي الفقرات الخمس الأخرى واقعي ليس فيه كشف خلاف واما في البراءة يكون رفع الحكم ظاهري فالبراءة عندهم قاعدة ظاهرية ترفع الحكم في الظاهر لا في الواقع وإذا كان الرفع ظاهريا يكون مراعى بالواقع وانكشافه وهذا بخلاف مشهور القدماء عندهم المرفوع المؤاخذة وهذا ليس فيه كشف الخلاف حتى لو تبين ان الحكم الذي لا نعلمه موجود في الواقع فالمؤاخذة المرفوعة لا تتبدل في ظرف الجهل الذي انقضى وإذا كانت هناك آثار وضعية او تكليفية اخرى مترتبة على المؤاخذة فحينئذ تلك الآثار لا تترتب مثل الكفارة فإنها مترتبة على المؤاخذة وكذا في بعض صور قضاء الصوم ليس مترتب على الواقع بل مترتب على التنجيز كما فيمن تحرى بداية الفجر او نهاية النهار ولم يرى فصومه صحيح للنصوص الموجودة فلا يقضي،اذن المقصود إذا كانت هناك آثار تكليفية او وضعيه مترتبة على المؤاخذة فليس فيه كشف خلاف عند المشهور حتى عند القدماء لان رفع المؤاخذة على حالها لم تتبدل نعم لو كانت الآثار التكليفية والوضعية الأخرى مرتبة على نفس الحكم لا المؤاخذة فهنا نعم كشف خلاف موجود مثلا لو كان بنائه على ان اليوم من شعبان كما لو قامت البينة على ذلك  فافطر وان كانت المؤاخذة مرفوعة ولكن قضاء الصوم مترتب على الحكم وهو وجوب الصوم فهنا كشف خلاف متصور لان القضاء ليس مترتب على المؤاخذة بل على الحكم بوجوده الواقعي ولذا الفقيه لابد ان يكون دقيق في تشخيص ان الأثر تكليفي او الوضعي مترتب على المؤاخذة او على الحكم. المهم نرجع الى كلام المشهور في الرفع في البراءة وغيرها من الفقرات ان المرفوع شيء واحد وهو المؤاخذة وهذه المؤاخذة ليس فيها كشف خلاف او آثار المؤاخذة ليس فيها كشف خلاف لا غير آثار المؤاخذة فعلى مسلك القدماء تستطيع ان تسمي الرفع كله واقعي بمعنى من المعاني لان المؤاخذة لن يتبدل الحال فيها بعد انكشاف الخلاف فهي مرفوعه،كما ان الرفع في الفقرات الخمس الأخرى عند المشهور ليس رفع واقعي بمعنى آخر فلا بد من التدقيق الرفع في الخمس بالدقة ليس وقعي لان الحكم ليس مرفوع واقعا بل المؤاخذة مرفوعة ففي الحرج المؤاخذة مرفوعة لا الحكم مرفوع وكذا فيما اضطرو إليه، اذن في الفقرات الأخرى الرفع ثانوي ليس واقعي أولي عند المشهور بينما المعاصرين كلهم كلام ان الرفع في الخمس واقعي والبراءة ظاهري ففهم نفس حقيقة الأقوال اشد خطورة أي تصور الأقوال اخطر من الاستدلال عليه.


[1] كلامنا في المؤاخذة في العقوبة أما المؤاخذة بالقضاء او بالإعادة هذا شيء آخر ليس الكلام فيه.