بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- البراءة الشرعية.
كان الكلام في تحديد متعلق الرفع أي ان الرفع متعلق بماذا،وطبعا يترتب على ذلك ان الرفع هل هو عام للشبهات الموضوعية والحكمية؟ او خاص بالموضوعية؟ طبعا مبدئياً كما مر بنا سابقا ان قاعدة الاضطرار والنسيان و الإكراه قُرر فيها انها قواعد مرتبطة بما هو من قبيل الموضوعية الخارجية أي الاكره على ظرف خارجي والحرج كذا بلحاظ ظرف خارجي و النسيان كذلك وان كان لا يتصور في النسيان نسيان الموضوع او نسيان الحكم الكلي. طبعا بالنسبة الى الحسد والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق فان البحث فيهما بحث بلحاظ كلي لا بلحاظ جزئي فالحسد مرفوع ما لم يبرزه الحاسد او يجري عليه في العمل والطيرة أي التشاؤم ايضا مرفوعة ما لم يرتب عليه المتشائم اثر يجري عليه المحاسبات العملية والوسوسة ايضا كذالك المرفوع هو المؤاخذة عليه ما لم يبرزه الإنسان ويرتب عليه اثر او يفشيه وينشره كمذهب تشكيكي فليس بمرفوع لانه حينئذ نوع من ترويج الباطل فهذه  الفقرات الثلاث[1] واضح ان البحث فيها حكمي وليس موضوعي بلحاظ الملابسات الخارجية. اذن توجد ثلاث فقرات مسلم ان البحث فيها حكمي وليس موضوعي ولدينا ست فقرات أربع منها مسلم ان البحث فيها موضوعي وبقى اثنان مختلف فيهما ما لا يعلمون والنسيان فهل يبنى على الأعم من الموضوع والحكم أم لا؟ وهذه ثمرة تحديد عموم حديث الرفع الى كلٍ من الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية فهو ثمرة من ثمرات تحديد متعلق الرفع ومن ثمرات هذا البحث ايضا تحديد حقيقة الرفع وتحديد حقيقة المرفوع ما هي؟ لان الترديد في المرفوع بغض النظر عن معالجة ظهور الحديث انه هل الحكم من رأس مرفوع في كل الفقرات واقعا وثبوتا مرفوع فيكون حديث الرفع بمثابة التخصيص في كل الفقرات او ست فقرات؟ على أقوال أي هل الرفع بلحاظ المرفوع هو الحكم الواقعي والرفع حقيقي أم ماذا؟ أم ان المرفوع أصلا ليس الحكم الواقعي بل مرتبة من مراتب الحكم الواقعي؟ وهذا احتمال آخر فليس الحكم الفعلي مرفوع وإنما مرتبة من مراتبه كما لو كان المرفوع مرتبة الفعلية التامة او مرتبة الفاعلية وهذا احتمال آخر واحتمال آخر ان المرفوع هو المؤاخذة فقط و المؤاخذة ايضا هي مرتبة من مراتب الحكم التي هي مرحلة التنجيز وهذا احتمال آخر.
اذن هذه الاحتمالات المتعددة في حقيقة المرفوع وحقيقة الرفع إما في كل فقرات الحديث التسعة او في بعضها بشكل متنوع؟
 رأي متأخري الأعصار ــ يعني الأربعة قرون الأخيرة من زمن الوحيد البهبهاني الى يومنا هذا ــ انه يوجد فرق بين الفقرات فمثلا مالا يعلمون أي البراءة الرفع ظاهري وفي البقية الرفع  واقعي هذا هو المشهور عند المتأخرين بينما القدماء كما سنرى عندهم ان الرفع سنخٌ واحد في كل الفقرات وهو رفع المؤاخذة فقط وهذا مبحث آخر لابد من تنقيحه وتحريره فانه يتولد من حقيقة الرفع وحقيقة المرفوع وان الرفع مسند الى أي مرفوع؟
وبحث ثالث يتولد من هذا البحث وهو انه هل الرفع يشمل الحكم الوضعي و التكليفي معا أم التكليفي فقط؟ هذا مبحث مهم ثم الحكم الوضعي هل هو الحكم الوضعي المستقل او الضمني ايضا؟
اذن مباحث عديدة تترتب على تحقيق حقيقة الرفع والمرفوع الذي اسند إليه الرفع وقد مرت بنا الاشارة إليه فمثلا قاعدة لا تعاد وهي مرتبطة  في مقام الامتثال ولا تتصرف في الحكم الأولي للصلاة بتاتا فلا تتصرف بالحكم الفعلي ولا في الحكم الإنشائي فتكون مخصص ولا في الفعلي التام او غيره فإنها لا تتصرف في الواجب الأولي بتاتا ولكن في مقام الامتثال الشارع يقول هذا الامتثال ناقص اكتفي به عن الامتثال التام وهذا ليس في لا تعاد فقد بل في كل القواعد العلاجية بالعبادات فعندنا قواعد علاجية في الطواف والسعي والموقفين و الإحرام والصوم وغيرها فنفس الكلام الذي ذكر في لا تعاد يأتي فيها بينما النائيني في أخريات عمره الشريف وتبعه على ذالك السيد الخوئي (قدس) والسيد هادي الميلاني فانه ذهب الى ان لا تعاد دليل مخصص للحكم الإنشائي وطبعا توجد ثمرات تترتب على هذا البحث وهو ان القواعد العلاجية مخصصة او مفرغة في مقام الامتثال أي تفرغ الذمة.
المقصود انه كما يوجد ترديد في قاعدة لا تعاد يوجد ترديد في حديث الرفع وهو ان حديث الرفع مخصص او غير مخصص يعني للحكم الشرعي وغير مخصص يتصرف في مراحل لاحقة .
ايضا نكته مرارا ذكرناها ونكررها لان عدة من الأكابر قد يغفلون عنها وهي ان حديث الرفع في هذه القواعد الست وان كانت فقراته تسعة ولكن هذه القواعد الست لها أسماء في أدلة أخرى عديدة فمثلا التعبير هنا بما لا يطيقون بينما في أدلة أخرى عنوانه ما جعل عليكم في الدين من حرج وعنوان ثالث بعثت بالشريعة السهلة السمحة البيضاء وعنوان رابع رفع المشقة وهكذا فكثير من الأعلام قد تقع عندهم الغفلة في ذلك فلا بد من الالتفات إليه وكذا مثلا قاعدة ما اضطروا إليه هذه القاعدة هي نفس قاعدة لا ضرر ولا ضرار هي نفسها بالضبط بل هي ولكن الشارع يعبر عنها بالسن مختلفة و ايضا يعبر عنها بكل شي اضطر إليه ابن ادم قد أحله الله فهذه ثلاث السنة لا انها قواعد متعددة أي لا ما اضطرو إليه قاعدة ولا ضرر قاعدة وكل شي أحله الله قاعدة أخرى والنسيان نفس الشيء قد يعبر عنه بالسهو وقد يعبر عنه بالغفلة في أدلة أخرى اذن كل قاعدة لها أسماء متعددة بالسن متعددة بأدلة أخرى فحذاري ان يفكر الإنسان انها قواعد عديدة. و ايضا الكلام في قاعدة البراءة رفع ما لا يعلمون وكل شي مطلق حتى يرد فيه نهي هو نفسه ولكن لسان آخر للبراءة وكذا ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وكذا البعض قال كل شي لك حلال حتى تعلم انه حرام ايضا لسان آخر من السنت البراءة وأصالة الحل لسان من السنة البراءة على مسلك المرحوم الكمباني وجماعة وهو ان كل شيء لك حلال أي قاعدة الحل هي نفسها البراءة وليست شيء آخر وهذا ربما نسيت ان اذكره في الأقوال فقد مرت بنا الاقول وهي رفع الحكم الواقعي او رفع مرتبة من مراتب الحكم او رفع المؤاخذة رفع التنجيز واحد الأقوال نضيفها ان المجعول هو الحلية الظاهرية ويوجد لسان آخر للبراءة تبناه البعض وهو كل شيء مباح حتى تعلم انه حرام.
 اذن هذه القواعد الست لها أسماء أخرى عديدة لكون هناك أدلة أخرى عديدة لها والثمرة هي انه من الخطاء ان نعالج قاعدة البراءة او قاعدة أخرى نعالج المحصل من حديث الرفع فقط من لسان حديث الرفع فلابد ان نلاحظ الألسنة الأخرى وبالتالي كل قاعدة من هذه القواعد الست لا يمكن تحديد المحصل النهائي منها إلا بملاحظة مجموع الألسن في كل قاعدة على صعيد المراد الجدي النهائي لانه على صعيد المراد الجدي غير النهائي الباحث يستحصل ظهور الكلام في القرائن المتصلة ولكن على صعيد الجدي النهائي لابد ان يلاحظ القرائن المنفصلة ولا معنى لان يقتصر على خصوص القرائن المتصلة بل يجمع القرائن المنفصلة. وبصراحة في بحث البراءة حتى اكثر الأعلام قد اهملوا لملمت الظهور النهائي الجدي بلحاظ الألسن الأخرى.
المهم ان هذه صورة مواد البحث في كيفية علاج تركيب حديث الرفع أي ما هو حقيقة الرفع وما هو المرفوع المسند إليه ثم ما هي النتائج المتوخاة المتطَلع لترتبها كثمرة على هذا الحديث؟
تقريب القدماء تقريب سهل ومتين وقويم لكن لن نتعرض له تفصيلا الآن بل نتعرض الى تقريب المتأخرين والتدقيقات التي ذكروها ثم نتعرض الى كلام القدماء كما مر بنا ــ وهو المختار ــ.
 وكلام القدماء هو ان المرفوع هو خصوص المؤاخذة فحديث الرفع في القواعد الست (لا حرج والنسيان والإكراه والضرر ) ان المرفوع فقط المؤاخذة أي التنجيز فدائما الحكم لا يراوح من مكانه بل هو باقي فلا رفع على صعيد المرتبة الإنشائية ولا على صعيد المرتبة الفعلية ولا على صعيد المرتبة الفاعلية ولا اقل الفعلية على حالها حتى في موارد الحرج فالحكم موجود وكذا في مورد الضرر والاضطرار الحكم موجود لا انه مرفوع بل المرفوع المؤاخذة عليه وكذا في الطيرة والحسد والنسيان والوسوسة ايضا المرفوع المؤاخذة، فحرمة الحسد على حالها حتى لو كانت في قلب الحاسد،فالحسد حرام ولكن معفو عنه فإذا ابرز يؤاخذ عليه كما هو تعبير المحقق الحلي في الشرايع(الحسد حرام و إبرازه كبيرة) فهو ما لم تبرزه صغيرة معفو عنه لا انه ليس بحرام ففي الوسوسة كذالك ايضا هي حرام مبغوضة مثل الحسد ولكن معفو عنها، شبيه الظهار فهو حرام لكن معفو عنه و التجري في بعض أقسامة كما مر بنا فالتجري كله حرام عقلا ونقلا لا توجد عندنا أدلة تدل على عدم حرمة التجري إنما عندنا أدلة عدم العقوبة على التجري في بعض مراتبه كما إذا لم يبرز او لم يترتب عليه اثر على التفصيل الذي ذكرته الروايات،اذن الرفع عند القدماء في كل الفقرات التسع ليس تخصيصا للحكم الواقعي أبدا فان الحكم الإنشائي على حاله وكذا الحكم الفعلي على حاله لان المرفوع فقط المؤاخذة وهذا مبنى متين وقوي سنبينه وهو مختارنا وسيأتي إنشاء الله ان هذا لا ينافي شمول حديث الرفع للأحكام الوضعية فان الحرج يشمل الأحكام الوضعية الإكراه يشمل الأحكام الوضعية هذا كلام القدماء إجمالا وستأتي التفصيل ولكن لابد ان نتعرض لكلام المتأخرين اولاً.


[1] الحسد والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق.