الموضوع: الإجماع
ان القدماء كما مرّ في مبحث الاجماع ذكروا هذا المبحث بعنوان نفس الاجماع أي الاجماع المحصل بينما المتأخرين بحثوا في الاجماع المنقول في خبر الواحد أي في النقل الظني للاجماع
والفرق بين الصياغتين لايخفى انه في المبحث الاول البحث عن كاشفية الاجماع عن قول المعصوم (عليه السلام) اما في الصياغة الثانية فالبحث في الناقل الظني عن هذا الكاشف القطعي
فبعد كون الاجماع كاشفا عن قول المعصوم (عليه السلام) فان خبر الواحد يكون طريقا ضنيا على هذا الطريق القطعي فتشمله أدلة حجية خبر الواحد وهذا هو إجمال التقريب
لكن هذا المبحث يتطلب زوايا عديدة من البحث فما هو الوجه في كاشفية الإجماع عن قول المعصوم (عليه السلام)
وهناك حول كاشفية الإجماع عن قول المعصوم (عليه السلام) وهو الاجماع المحصل عدة وجوه
وقبل الدخول في الوجوه هناك أمر ونقطة مسلمة تفترق فيها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن مدرسة العامة وهي ان في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) اتفاق الامة بما هي امة لايشكل وجها للحجية ولايبنى على حجيته
وبعبارة كلامية فان الفارق بين اجماع الامة أو وجود المعصوم (عليه السلام) الفارق بالدقة هو ان المذاهب الاسلامية الاخرى تتبنى حجية القران مثلا وحجية السنة النبوية وحجية الحجج فتتبنى ان حجية هذه الحجج يكفي في التواتر بين المسلمين وطبقات الامة بينما عند الامامية لابد من وجود المعصوم (عليه السلام) فلايمكن ان يستند حجية القران الى التواتر
وان الفرق الكلامي والتفسيري بين التفسيرين هو ان مسلك العامة عندهم ان الحس يكفي لنقل القران وان السنة النبوية يكفي في نقلها الحسن وان نفس الدين يكفي في بقائه الحس فان التواتر منشأه الحس بينما في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يقولون ان اليقين الذي بدرجة الحس لايكون منبعا ومستندا لحجية الوحي كالقران أو السنة النبوية أو الدين
فاذا أردنا التدقيق في الكلام فإن العامة عندهم إنتهاء الوحي الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبعده فإن هذا الدين الوحياني يتنزل الى يقيين حسي ومعلوم ان الحس الآن بحسب العلوم العقلية القديمة والحديثة هو منشأ لآفات كثيرة مهما فرض تصاعد درجة هذا الحس
فاليقين الذي في الحس لايرتقي الى اليقين الذي في الفطرة فضلا عن اليقين الذي في الوحي وهذا فارق جوهري بين مسلك العامة ومسلك الخاصة فان الخاصة يقولون ان الوحي مادامت درجته يقينية وحيانية فالحافظ له لابد ان تكون قدرته وحيانية وان اليقين الحاصل منه يقين وحياني وهذا ليس في القران والسنة فقط بل في كل جوانب الدين
وربما ذكرن الفارق في هذه الآية في مباحث سابقة وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا فالقران الكريم يعبر عن الحس بالظن مع ان الحس يقين
وان الفخر الرازي يستشكل ويقول ان مفاد هذه الآيات هو ان الإدراك الحسي للنصارى واليهود فكيف عبر القران عن الحس بالظن وكيف ينفي الإعتماد على الحس واذا نفينا الإعتماد على الحس ونفينا الاعتماد على التواتر فلايبقى شيء للدين
وهذا الكلام طبقا لمنطق العامة صحيح فان الوحي عندهم يتبدل الى الحس من بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وان التواتر هو من توابع الحس فاذا نُسف الحس والتواتر فان الديانات تبطل وهذا الكلام على مبناهم صحيح
لكن بناء على مسلك الامامية فان الحس ليس هو مستند حجية الدين بل ان الوحي هو الذي يبقى المنشأ لحجية الدين والديانات السابقة الى يومنا هذا فالمدار عندنا في الحجية ليست الاُمة وليس الحس بل المدارعلى الامام المعصوم (عليه السلام) ومن ثَم فقد اتفق قاطبة علماء الامامية على ان الوجه في حجية القران هو المعصوم (عليه السلام) إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون هو حفظ وحياني وليس حفظا حسيا فانالحس يدبّ فيه الف خلل وعلّة
ومعه فلايمكن ان يكون مصدر بقاء الدين وحفظه بالروايات أو الفقهاء أو المؤمنين أو المحدثين بل حفظه بتوسط المعصوم (عليه السلام) فان الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه) هو الحافظ لدين وتراث آبائه وأجداده (عليهم السلام) فلابد من حفظ الدين بتوسط الوحي
وان تراث أهل البيت (عليهم السلام) اعتقادنا انه وحي في الجملة لذا فان علماء الإمامية قالوا ان الإجماع بدون الامام المعصوم (عليه السلام) لافائدة فيه فهو المدار والقطب ومن يتول غير سبيل المؤمنين المراد به الائمة الإثني عشر (عليهم السلام) فالمعصوم هو المحور وهذا المحور ليس خاصا بالاجماع بل يلقي بضلاله على كل الدين وكل الضرورات
وان الوجوه التي سنذكرها لحجية الإجماع عند علماء الامامية هي وجوه لإثبات الدين برمته ولإقامة الدين كله فهذا المحور لابد منه فانه مَعلَم وهو نقطة مركزية ومحورية في الدين