الموضوع: مقتضى القاعدة عند الشك في حجية الامارة
كان الكلام في مقتضى القاعدة عند الشك في حجية الشيء أو الامارة
كنّا في بيان المختار ومرّ بنا ان الحجية عدة نقاط
نقطة منها ان الحجية في مقام الاحراز ترادف سنخا الحجية في مقاتم الفراغ وكما مرّ بنا ان التنجيز مفروغ منه بالاحتمال عند الاعلام ولاحاجة لنفس الكاشف التام
غاية الامر ان هناك برائة عقلائية ممضاة وشرعية غير البرائة العقلية فالبرائة العقلية كما هو الصحيح مختصة بموارد الغفلة أو الجهل المركب لا بموارد الشك فالبرائة الشرعية أو العقلية الممضاة هي التي تمانع منجزية الاحتمال والاّ فان الاحتمال في نفسه مقتضي للتنجيز
فالبحث عن حجية الحجية هو عبارة عن مخصص المخصص وبعبارة اخرى فكما مضى ان الاحتمال والتصور في نفسه منجز الاّ انه وقف امامه البرائة الشرعية أو عموم البرائة العقلائية الممضاة
والبرائة العقلائية الممضاة أو البرائة العقلية الممضاة قد مانعت ورفعت منجزية الاحتمال بما يشمل الظنون غير المعتبرة فهي ليست مقابل كل المنجزات بل هي مقابل منجزية الاحتمال فقط وهو مايشمل الظن غير المعتبر
فالمقصود ان هذا الاحتمال ممانع بالبرائة والبحث عن حجية الحجة عن مخصص لهذا العموم عموم البرائة الشرعية أو البرائة العقلائية بان يخرج الظن الخاص المعين عن عموم البرائة وبعبارة اخرى يبقيه على المنجزية الذاتية
ومن ثم فمع هذه الخريطة والتناسب الذي قُرر يمكن ان نقول ان دليل الحجية ليس من اللازم ان يكون جعلا شرعيا ولا امضاء لجعل عقلائي بل هو عبارة عن تضييق وتخصيص المجعول في البرائة الشرعية والبرائة العقلائية الممضاة
فحجية الظنون الخاصة نستطيع ان نبدي مبنى ونظرية جديدة فيه وهي ان حجية الظنون الخاصة هي حجية تكوينية عقلية باقية على حالها
ودليل الحجية هو عبارة عن ابقاء هذا الاقتضاء وتخصيص المجعول الشرعي في البرائة الشرعية أو البرائية العقلية الممضاة التي هي البرائة الشرعية فكل الحجج في الامارات على الأقل لا حاجة لأن نقول هي مجعولات شرعية وان كان ذلك ليس ممتنعا
فنستظهر ان الأدلة الخاصة الواردة على اعتبار الظنون الخاصة ليست في مقام الجعل الشرعي بل هي تبقي الاقتضاء الموجود تكوينا الذي فيها وفي غيرها الاّ انه فيها لم يمانعه الشارع وفي غيرها مانعه الشارع
فتحصل ان الدليل الدال على حجية خبر الواحد لا حاجة لجعله مجعولا شرعيا
فانه في الحقيقة لابد على الباحث ان يتثبت في اساس الانطلاق في بحث الحجج فهناك برائة عقلية ومنجز فهذه الظنون والاحتمالات قبل قيام الدليل قال الاعلام ان فيها مقتضى التنجيز لأن العلم عند العقل لايختص بالتصديق ولا باليقن بل العلم عند العقل هو مطلق التصور وهذا ماذكره المناطقة ووافقهم عليه المتكلمون
فالعلم طبيعته درجات وان المنجزية واقتضاء التنجيز فيه اشتدادي وليس متواطئ ومع كونه درجات فالشارع يمكنه ان يمانع عن بعض درجاته ولايمانع من الدرجات الشديدة والسديدة وغيرها ففي الحقيقة جعل الحجج للظنون او موارد اخرى لاحاجة له فجعل المنجزية لاحاجة له من قبل الشارع وان لم يكن ممتنعا
فالمنجزية لاحاجة فيها للجعل الشرعي لأن نفس هذه الاحتمالات والظنون هي فيها اقتضاء تنجيز تكويني إنما رفع منجزيتها لا الجعل الشرعي وهو البرائة فاذا الشارع ضيق هذه البرائة فيبقى الاحتمال على حاله وهو الاحتمال الظني الخاص نعم بقية الاحتمالات مانعها الشارع بعموم البرائة
وان مشهور القدماء في علاج الخلل يجعل الشارع بين الاحتمال والغفلة الجهل المركب تقابل في كثير من الابواب لان الاحتمال منجز وان الشاك هو ملتفت في نفسه فقبح العقاب بلا بيان يعني بلا علم فالبيان كما يقول به العقل هو ان البيان مطلق العلم لاخصوص القطع ولا خصوص اليقين
أما عند الشك والالتفات فان أدنى التفات ولو كان ضعيفا فلا تجري البرائة العقلية فالبرائه هنا إما عقلائية أو شرعية فلاجل تنظيم امور معاشهم وتعاملهم أسسوا البرائة العقلائية وكذا البرائة الشرعية فان الشارع لم يبقي الاحتمال على حاله
وان نفس الاصولييون في متأخري الطبقات عندهم تناقض بين البرائة وبين دعوى ان الاحتمال في نفسه منجز وهذا من الشواهد على ان البرائة العقلية كما ذكره المتكلمون خاصة بالغفلة والجهل المركب ولاتشمل الشك لانه يكون تدافع
فتحصل ان الشك في الحجية يعني الشك في دليل يخصص البرائة الشرعية والبرائة العقلائية الممضاة
ونقطة اخرى نضيفها الى النقاط السابقة وقد ذكرناها سابقا في بحث القطع شيئا ما
فما معنى ان حجية الشيء على فرض قيام الدليل عليها هي المنجزية والمعذرية وهذه مانعة الجمع فانه اذا اصاب فهو منجز وان اخطأ فهو معذر فلايمكن ان الشيء في ظرف واحد هو منجز وهو معذر؟
فعندما يقال جعل الحجية او المنجزية والمعذرية فهل حقيقةً أنّ الشيء له معنين لازمين أحدهما المنجزية والآخر المعذرية أو انهم أرادوا القول انه إن أصاب فهو منجز وإن أخطأ فهو معذر
وان بعض المجعولات الشرعية ماهيتها ليست ماهية واحدة كوجوب الكفارة اما عتق رقبة او صيام أو اطعام المساكين فبعض الأحكام المجعولة ماهيتها على نحو القضية المنفصلة أو بعض الأحكام حتى في الحكم الوضعي ماهيتها بنحو المانعة المنفصلة كالخيار أو الضمان
فان الفقهاء حاولوا ان يصوروا ماهية ترديدة وتعليقية بنحو القضية المنفصلة لان الضمان ان تلف الشيء فهة ضامن وان لم يتلف فيجب عليه الضمان فماهيته صارت تعليقية وقضية منفصلة مع انه حكم وضعي
لذا فان الضمان اذا استصحب فيقال انه ليس من استصحاب الحكم التعليقي بل هو استصحاب شيء ذاته التعليق
أو لو بنى القائل على ان الاستصحاب الترديدي في الفرد المردد ليس بحجة فهذه القضية المنفصلة ليست ترديد لأن الضمان ذاته الترديد كالكفارة ذاتيها الترديد
هنا قد يتصور ان الحجية ماهيتها الترديد وهذا التصوير بنفسه جيد ولكن لاحاجة الى التوسل الى ذلك
لأنه مع معذرية الحجية للشيء المعتبر هو جعل الانسان في الجهل المركب أو لايكون إقدام الانسان على مخالفة التكليف بسبب نفسه بل بسبب لاشارع فلايعاقب الشارع على تسبيبه هو لا ان الحجية للخبر الواحد او للظهور لها معنيان اما المنجزية أو المعذرية ففي موارد الخطأ تكون هذه الحجية تسبيب من الشارع
ففي موارد خطأ الامارة كخبر الواحد أو الظهور هل الحجية مجعولة للامارة حقيقة أو مجعولة صورة؟
سنخوض في هذا البحث في الجلسة اللاحقة إنشاء الله تعالى