الموضوع: علاقة عالم الاعتبار والأحكام العقلية
تقدم ان ذكرنا النظرية الرابعة في الاعتبار وهي ان الادراك هو ادراك حقيقي لمدرك حقيقي قد يطابق فيصير صادقا وقد يخطئ فيكون كاذبا فالاعتبار كبقية المدركات غاية الالمر فيه ابهام واجمال
وهذه النظرية والمقالة لها شواهد وتداعيات عديدة ولو أردنا الاسهاب فيها لطال المقام
وقد ذكرنا جملة من الشواهد لهذه النظرية الرابعة وهناك شواهد عديدة اخرى
فمن الشواهد القانونية لهذه النظرية ان تبديل القوانين أو جعل القانون عادلا أو غير عادل أي جعل القوانين على العدالة وان العدل كما هو ثابت عقليا هو كمال وميزان تكويني فالقانون الذي يطابق العدل يقال له قانون عادل وأما القانون الذي يتناقض مع العدل فيوصف بأنه قانون جائر
فهذا من الشواهد على ان القانون هو شبيه ببحث صفة المدح والذم والحسن والقبح حاكي لجهات واقعية لا انها لمجرد فرض فرضي خيالي في عالم خيالي وما شابه ذلك
والفوارق الدقيقة بين النظرية الرابعة والنظرية الثالثة هو انه في النظرية الثالثة المشهورة للفقهاء والاصوليين إنهم لازالوا يقرون على ان هذه العناوين للماهيات والمفاهيم ليست عناوين من حيث الوجود والادراك فلا وجود خارجي لها ولا الادراك الذهني هو وجود لها وانما يفترضها ذهن الخيال والفرض وانما يفترضها ذهن الخيال والفرض
وان تبنت النظرية الثالثة جملة من المشتركات بينهما وبين النظرية الرابعة من وجود ملاكات ومن وجود مبدأ تكويني للاعتبار لكن اختلافها عن النظرية الرابعة هو ان النظرية الثالثة تزعم ان مجموع الاعتباريات ليست علوم حقيقية وليست معلومات حقيقية بل هي فروض فرضها الذهن لعالم فرضي الغاية منها النظم والانتظام لامور تكوينية اخرى وهذا هو الفارق الجوهري والأساسي بين النطرية الثالثة والرابعة
بينما النظرية الرابعة تقول ان هذه العناوين والماهيات وتقرر وجود هذه الماهيات والمفاهيم معلومات ومدركات حقيقية وترفض ان تكون علوم غير حقيقية غاية الأمر تسمى هذه العلوم اعتبارية باعتبار ان الادراكات فيها مبهمة ومجملة في الغالب بخلاف بقية العلوم فقد تكون الادراكات فيها تفصيلية أكثر وهذا هو الفارق
ويدعي جماعة من الاصوليين في بحث المعنى الحرفي ان عنوان الظرفية الاسمية مع افراد الظرفية الحرفية في الخارج المحاذات بينها ليست تكوينية
فالمحاكات التي تتبناها النظرية الثالثة هي حكاية جعلية وتصنعية وادعائية وليست حكاية تكوينية حقيقية بينما في النظرية الرابعة الحكاية والمحاكاة تكوينية غاية الأمر إبهامية واجمالية وهذا من الفواق الاخرى
ومن هنا تبدي النظرية الرابعة تفسيرا وهو انه لماذا في القضايا الاعتبارية المطابقة تكون غالبية وتفسير ذلك في النظرية الرابعة هو بلحاظ ان الابهام والاجمال ليس فيه تدقيق في التفاصيل والزوايا والجزئيات نظير القضية المبهمة
لذا بالدقة فان الإبهام في العلوم الحقيقية هو يعني الإهمال في زوايا ودرجات فنفس البحوث حتى الفلسفية يعترفون بإن حدود الحقائق غير متسنى للبشر ولقدرة البشر وإنما هو للانبياء والأوصياء
فمطابقة القضية بنحو غالبي في ظاهر الشرعية سببه انه مبهم فهو لم يبرز ولم يبين في الحدود التفصيلية
وتوضيحا لهذا المطلب فقد ذكروا ان كل تفصيل هو نسبيا تفصيل فانه يبقى فيه تشابه وابهام بلحاظ طبقة وزوايا اخرى من الحدود فكل إحكام هو إحكام من جهة ولكن بالنسبة لزوايا اخرى أوسع هو تشابه وظن وابهام
وهذا أيضا تفسير لنقطة اخرى تمسك بها على ان البحوث الاعتبارية خيالية باعتبارها مجموعة ظنونات فهي ليست برهانيات يقينة
والجواب عنه انه حتى في العلوم الحقيقية التي يعترف انها علوم حقيقية هناك زوايا منها يقينية وزوايا منها مبهمة ومجملة ومظنونة وهذا لايؤدي الى كون أصل القضية ليست تكوينية وليست يقينية
وهنا نذكر جملة معترضة وهي ان البحوث الجديدة العقلية وصلت الى هذه القناعة من ان كل قضية حتى التي يقال لها يقينية وبرهانية هي ليست يقينية مطلقة وليس هو نفي لليقين إنما هو يقين نسبي بحسب درجات الحقيقة
ودليل آخر اجمالا للنظرية الرابعة وهو ان نفس ابن سينا اعترف في الشفاء من ان البرهان حقيقة غير موجود الاّ عند الانبياء والاوصياء لأن ادراكهم لمّي اما الفلاسفة والمتكلمين والباحثين فغالبا أدلتهم إنية وليست لمية ومعه فان الإدراك الإني صورته اليقين ولكن واقعه الظن وقد اعترف بهذه التصريحات الخواجة نصير الدين الطوسي والملا صدرا
وتصريح آخر لابن سينا هو انه في المعاد الجسماني قال اين سينا انه لم نستطيع اثبات المعاد الجسماني الاّ عن طريق الشريعة المحمدية الحقة الصادقة وفي آخر الشفاء يصرح ابن سينا على ان الوحي هو برهان ولو هو برهان إجمالي وعليه فنستفيد هنا ان الادلة الإجمالية لاضير في اجماليتها على يقينيتها وكونها حقيقية