الموضوع: علاقة حكم العقل ونظام الاعتبار
كان الكلام في العلاقة بين نظام الاعتبار والاحكام العقلية ومرّ ان هناك فوارق بين النظرية الثانية والنظرية الثالثة فرغم وجود الاشتراك بينهما الاّ انه فيهما اختلاف
ففي النظرية الثانية ان الأمر الإعتباري مأخوذ من التكوين وينطلق من التكوين وغايته التكوين فيكون متوسط بيتن التكوينين ولكن العلاقة بين هذا الأمر الإعتباري وكيفية وساطته بين التكوينين ليست علاقة تكوينية حقيقية بل هي علاقة اعتبارية
بينما النظرية الثالثة تتبنى نفس هذه الامور الاّ انها تفترض العلاقة بين هذا الأمر الاعتباري والتكوينيات هو أمر تكويني
غاية الامر ان هذا الامر الاعتباري وجوده اعتباري فبقية الامور كلها تكوينية وفقط الوجود لهذا الأمر الاعبتاري هو اعتباري ولكن ماهيته تكوينية والارتباط بما قبله وما بعده من المبادئ والغايات التكوينية
فالفارق شاسع وكبير بين النظرية الثانية والثالثة
وفارق آخر بين النظرية الثانية والثالثة ان في النظرية الثالثة حيث ان هناك علاقة تكوينية بين الأمر الاعتباري والملاكات فيعني فيها الصدق والكذب فاذا طابق هذا الأمر الاعبتاري تلك التكوينيات يكون صادقا أو صحيحا واذا خالف هذا الأمر الاعتباري الامور التكوينية يكون كاذباً أو خاطئاً
والسبب في ذلك ان أصحاب النظرية الثانية فضلا عن الاولى انهم لايقرون بالقبح والحسن التكويني فضلا عن الامور الإعتبارية
بينما النظرية الثالثة حيث تتبنى ان الحكم العقلي في الحسن والقبح هو عقلي تكويني فلا محالة تلتزم ان هذا الاعتبار له ارتباط تكويني
والشواهد على النظرية الثالثة هو ان الحكم الاعتباري صحيح ان فرض وجوده اعتابري ولكن الاعتبار كفعل فرضي يقدم عليه العقلاء منضبط بالعبث وعدم العبث فطبيعة حكم العقلاء اذا رأوا طبيعة ذات مصلحة غالبة أو أكثرية فيبنون عليه حكم لزومي واذا رأوا مفسدة غالبة أو اكثرية فيجعلون لها حكم تحريمي
فالحكم لايجعل عندهم عبطا بل يرون نفس الطبيعة التكوينية هل غالب فيها المصلحة فيجعل حكم الراجح او الحكم الوجوبي واذا رأوا المفسدة الغالبة فيجعل لها حكم تحريمي أو حكم مرجوح فاذا اخطأ هذا الاعتبار او هذه الغلبة فانهم يعتبرون الحكم فاسد أو خاطئ
فهناك ميزان لصحة الحكم وصوابه وان كان اعتباريا والضابطة فيه الطبيعة الأكثرية أو الغالبة فاذا تبدلت الطبيعة الغالبة أو الأكثرية فان الحكم يتبدل
والسبب في كونه اعتباريا هو انه ليس مطرد في كل فرد فرد من أفراد الطبيعة بل غالب أفراد الطبيعة أو الأكثر من أفراد الطبيعة واجد للملاك وهذا هو الفارق بين القضية الحقيقية والقضية الإعتبارية
فالقضية الإعتبارية الكلية ليست بمعنى شمول جميع الأفراد للحكم وإنما القضية الاعتبارية الكلية فيها بمعنى الغلبة والغالبية أو الأكثرية لأنه معنى الدوام والسريان الكلي
وعلى ضوء هذا التقدير والتصوير فليس في القضايا الاعتبارية ضابطة القضايا الحقيقية
اذن من جهة الإرتباط هو تكويني لكنّه اعتباري في المصالح ففي الجملة أي الغلبية والغالبية هو تكويني ولكنه بالجملة هو اعتباري
فضابطة الاعتبار صدقا وصحة عند النظرية الثالثة هو بلحاظ الغلبة والغالبية والأكثرية ومن ثم الواقع له دور في عالم الاعتبار العقلائي والشرعي
وعلى هذه النظرية الثالثة فسبب الحاجة الى الشرع هو ان العقلاء يدركون مساحات من الامور التكوينية ولايدركون كل مساحات فيأتي الاعتبار الشرعي ويغطي تلك المساحات التي لايدركها العقلاء وإنما الاعتبار الشرعي السماوي هو الذي يغطي تلك المساحات لأن المدار فيها على الغالبية والأكثرية
ولايخفى ان الكلام في عالم الاعتبار القانوني أي علم الاصول والقانون وعلم الأخلاق وهي العلوم الانسانية والاجتماعية وهي المعبر عنها بعلوم القانون وليس بعلوم الاعتبار الفلسفي والاعتبار العقلي فهذا الاعتبار عند النطرية الاولى والثانية والثالثة هو اعتبار تكويني وليس فرضي وخيالي
ففي الاصطلاح ان الإعتبار قسمان فمنه اعتبار عقلي فلسفي أو كلامي فهذا تكويني وليس فرضي خيالي وسمي اعتباري لأن العقل ينتزعه من الواقع وهو ليس موجود بنفسه بل موجود بمنشأ انتزاعه فهو مثل الماهية عند القائلين باصالة الوجود فهي اعتبارات عقلية أي لها أنواع في الخارج لكن المنتزع يستمد من العقل لذلك سمي بالاعتبار
فالنظرية الثالثة لاتقول بأن الإعبتار تكوين محض وكامل ولاتقول بأنه جزاف وإنما بين وبين، وفي هذه النظرية تفسر صحة الحكم وصوابه بغير تفسير عنوان صدق الحكم
أما في الحكم الاعتباري فلايطلب منه الاطراد فالملاك هو بمثابة الحكمة وليس بمثابة العلة لكن الانسان بمقتضى مصلحة النظام لابد ان يراعي الحكم في كل أفراد الطبيعة
فسداد وصواب وحقانية الحكم بلحاظ مساحة الأغلبية والغالبية و الأكثرية لا بلحاظ مساحة الكلية المطردة في كل أفراد الطبيعة
ففرق بين صحة الحكم العقلائي وبين صدق الحكم العقلي ولذا سمي بالاعتباري ومادام للعقلاء القدرة على كشف تلك المصالح فالحكم لهم واذا لم تكن لهم القدرة فياتي دور الشريعة
فالنظرية الثالثة هي ان بدأ الامور بادراك حكم العقل وبمجرد الابتعاد عن البديهيات فيصير الاعتبار عقلائي وينتهي عند حد ثم يبدأ الاعتبار الشرعي فالمساحات تتعاقب تلو بعضها البعض
فحقانية وصدق التشريعات الكلية في النظرية الثالثة بلحاظ الغالبية والأكثرية فالتنظير بمثابة النبوة في الأحكام الاعتبارية الشرعية
أما في مرحلة التطبيق في الشريعة الظاهرة النبوية بموازين ظاهرية فما علم منه علم ومالم يعلم فبموازين ظاهرية ظنية وهذا في مرحلة التطبيق
لكن قد يكو نفي مرحلة التطبيق ليس بموازين ظنية ظاهرية فاذا صار في مرحلة التطبيق بموازين العلم اللدني حينئذ سيكون هذا بعلم الولاية نظير الفرق بين النبي موسى والخضر
فالفارق في تفسير قصة النبي والخضر انه في التنظير ليس هناك خلاف بين موسى والخضر بل بالدقة في التنظير ان الخضر تابع للنبي موسى لذلك احتج عليه النبي موسى بنفس الشريعة الذي بعث بها أخرقتها لتغرق اهلها و أقتلت نفسا زكية بغير نفس و لو شئت لاتخذت عليه أجرا فعلى مستوى التطبيق في الشريعة النبوية يكون التطبيق بموازين ظاهرية أو حسية
بينما تطبيق الخضر كان بعلم لدني فنفس التنظير الذي بعث به النبي موسى تطبيق الخضر بعلم لدني
فاذا صار التطبيق للشريعة بعلم لدني لم يكن الحكم الاعتباري للتالي اعتباريا بل يكون الحكم الاعتباري عقلي تكويني وواقعي
مثلا النبي موسى (على نبينا واله وعليه السلام) أخرقتها لتغرق أهلها ولكن الخضر قال وكان ورائهم ملكك يأخذ كل سفينة غصبا فذهب الى حكم اخر أي لم يلاحظ الغلبة فقط بل لاحظ تطبيق مجموع الأحكام بشكل دقيق وهذا هو فرق علم الامامة وعلم النبوة في غير نبيا محمد (صلى الله عليه واله)
فبالتالي الخضر في تطبيقة وسّط العلم اللدني ومع عدم العلم اللدني لايكون الحكم الإعتباري اعتباريا بل يكون في الجملة وبالجملة تكويني فالخضر ليس لديه شريعة جديدة إنما فقط الخضر كان تطبيقه لدنّي وليس تطبيقه حسب الموازين الظنية الظاهرة
فالخضر في النبوة تابع لموسى كما يذكر الامام الرضا (عليه السلام) فان موسى أفضل أما في التطبيق فالنبي موسى تابع للخضر هل أتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا
ومحصل الكلام في النظرية الثالثة في الاعتبار ان الاعتبار في الجملة تكويني وبالجملة اعتباري اذا كان التطبيق بموازين ظنية وموازين ظاهرية حسية اما اذا صار التطبيق بعلم لدني وعلم الولاية فيكون مطّرد دوما
وهذه خلاصة النظرية الثالثة وفرقها عن النظرية الثانية ويمكن ان نقول ان غالب الاصولين والمتكلمين يتبنون هذه النظرية الثالثة ولكن لشواهد استجدت لدينا اوجبت ان نطور نظرية رابعة وهو ان الاعتبار العقلائي والقانوني لايختلف عن الاعتبار العقلي الفلسفي بل هو هو