الموضوع: البحث في موضوع العقل
كان الكلام مع المرحوم الاصفهاني في حقيقة حكم العقل وحجية العقل
ومرّ في كلام الاصفهاني تبعا لابن سينا من انه لاوجود لقوة العقل العملي مغايرة للعقل النظري
ومن ثم شيّد المرحوم الاصفهاني هيكلا عاما في كل أحكام الفروع وفي علم الكلام وفلسفة الحقوق والقوانين وهو ان العقل لايحكم بالتأديب في الآخرة
وان التأديب هو منشأ لاحكام اعتبارية عقلائية ضيقة بحسب دار الدنيا فقط وعليه فهو يقول كابن سينا والعلامة الطباطبائي ان أحكام العقلاء حيطتها النظام الاجتماعي في دار الدنيا وليس لحكم العقلاء من الحسن والقبح ان يتجاوز عالم الدنيا بل لايتجاوز الأفعال الاجتماعية التي يقوم أساسها على الأعتبار
فمع فرض ان المعاند معاند كيف يخرج من جهنم وكيف يذوّق العبد العذاب مع فرض عناده وقد أشار المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الاستدلال البرهاني وأقسمت ان تخلد فيها المعاندين فمع فرض كون المعاند معاندا كيف يكون من كماله ان يفيض الله تعالى عليه الرحمة فان هذا يزيد في غيه وطغيانه ومعه فانه يبتعد أكثر عن الرحمة الالهية فالمعاند يكون الفيض عليه بالعقوبة أن العقوبة هي التي تقمع وتذلل وتبعده عن الاستبكار امام الخالق تبارك وتعالى
فصفة العناد والجحود والاستكبار ان انفكت عنهم فصار العبد مخلصا لكن الفرض ان البعض ذاتيه العناد والجحود والاستكبار ففيه لايمكن ان يكون مخلصا ولاتنفك عنه هذه الضفة الاستكبارية ومعه فالعذاب على هؤلاء عين الرحمة من الله تعالى عليهم وذلك كي يعودوا الى الصواب ويتركوا صفة الاستكبار والجحود
فالتأديب متصور وان فلسفة جهنم هي التأديب والعبودية والتأديب هو بحث العبودية وليس بحث النظام الإجتماعي فقط وان كل النظام الاجتماعي وحدود الله هو في الحقيقة يرتبط باصل التوحيد اي ان كل حركة وسكنة في الانسان اما ان يمارسها بزي العبوديةو هو التوحيد والعبودية أو يمارسها الانسان بزي الاستكبار فيكون هو تجاوز عن حدود الله تعالى بل وحتى طريقة الأكل ولبس اللباس
بل ان الأكل الزائد المتلون والمتنوع هو طغيان وليس بتوحيد فالنبي (صلى الله عليه واله) لايأكل الكثير تواضعا لله تعالى ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى حتى في الآكل ولبس اللباس
فهذا النظام الاجتماعي حيث فسره ابن سينا خطأ من ان المصالح تعود الى نفع الحياة المعيشة الاجتماعية ولكن فلسفة التشريعات لدينا في الشريعة لاتقف الى هذا الحد الذي فسره ابن سينا ووافقه عليه الكمباني والمظفر والخواجة نصير الدين الطوسي والطباطبائي وغيرهم بل كلها تعود الى نفس المبدأ الأول وهو العبودية او الطغيان طبعا بدرجات وحلقات لايكتشفها الاّ الوحي
وفوق كل ذلك كما هو موجود في بيانات الوحي نقول حتى في كيفية العشرة الجنسية بين الزوج والزوجة بل حتى اثناء العمل هناك تواضع وهناك طغيان وهناك استيثار ففي ادق الافعال والممارسات توجد حالة عبودية وحالة طغيان وهناك حالة انانية فرعونية وحالة عبودية وهذا هو عين التأديب
صحيح ان المشرّع الاسلامي يقول ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب لكن منتهى فلسفة التشريعات هي العبودية وحدود الله عن حدود العبد فالأحكام ترجع الى المعاملات والمعاملات ترجع الى العبادات والعبادات ترجع كلها الى التوحيد
فالنظام الذي رسمه ابن سينا وتبعه عليه اعلام فلاسفة الامامية الاّ من شذ وندر منهم وهو نظام اشعري فيه مافيه من الامور الكثيرة
وان نفس فلاسفة الامامية (شكر الله سعيهم ورضوان الله عليهم) ولحسن نواياهم يستشعرون بهذا الارتكاز ويخرجون في بعض الاحيان عن مسار ابن سينا بل نفس ابن سينا يخرج عن مسار ارتكاز نفسه
وهذه مفارقة كبيرة بين مبنى الفلاسفة المتقدمين وماذكره الكمباني وابن سينا مع اننا ذكرنا ضابطة تكوينية عقلية للنظام الاجتماعي لكل عالم الأجسام سواء في الدنيا والآخرة فكل عالم الأجسام فيه نظام اجتماعي باعتبار ان عالم الأجسام فيه مانع وممنوع وغير ذلك
بل يمكن تصور شيئ من النظام الاجتماعي حتى في عالم الأمر فان الفاعل الذي لاشريك له هو الله فقط أما مادونه من المخلوقات حتى من عالم الإبداع وهو عالم الأمر فيظهر من الكثير من البيانات ان هناك نوع من التداول والتشاور في إصدار الأفعال بنمط إبداعي خاص ومنحصر
فما أسسوه من انه ليس هناك نظام اجتماعي في هذه النقاط فيه نوع من التأمل
ونقطة ثالثة فان مفردة التأديب هي نقطة موجودة بمقتضى العلاقة بين الرب المعبود والعبد المربوب وهذا العلاقة تحكمها علاقة الدين
فالتأديب في الدين يعني انه لابد للعبد أمام الساحة العبودية من ان يكون متلبسا بزي العبودية وان اي صفة يخرج فيها العبد عن زي العبودية لابد ان يؤاخذ عليها بالعقوبة وهذه العقوبة كما يصفها القران الكريم ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة من الله كي لايبقى العبد بعيدا عن الساحة الربوبية
ونفس الاعتبار كما توصلنا اليه خلافا للفلاسفة ومشهور علماء الاصول فان الاعتبار هو عبارة عن الادراك التكويني ولافرق بين الاعتبار الفلسفي العقلي وبين الاعتبار الاصولي اي اصول الفقه والقوانين وحكم العقلاء
فماذكره الفلاسفة من تفسير الاعتبار العقلي من انه ادراك تكوينين مبهم ومجمل هو بعينه تفسير للاعتبار في علم اصول الفقه والقانون وحكم العقلاء والحسن والقبح فهو نفسه ولا فرق بينهما