بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

33/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: تنبيه صاحب الكفاية في القطع
 التنبيه اللاحق الذي ذكره صاحب الكفاية في القطع هو أخذ العلم بالحكم في العلم نفسه
 فقد فرض صاحب الكفاية تارة في الحكم نفسه واخرى في حكم آخر مماثل وثالثة في حكم المضاد كالحرم والوجوب ورابعة في حكم المخالف
 وان اخذ العلم بالحكم في الحكم المخالف لا استحالة فيه ولامانع منه وبما هو واقع في جملة من الأبواب الفقهية وكذا لو اخذ الحكم فيما هو مضاد فيلزم منه التضاد فيما لو كان على محل ومتعلق واحد
 وأما أخذ الحكم في حكم مماثل فقال صاحب الكفاية لايتم اجتماع المثلين ولو في نظر القاطع بينما جملة من الأعلام يقولون بامكان أخذ القطع بحكم في مثل الحكم كما تقول لو علمت بوجوب كذا فيجب عليك نفس الفعل بوجوب فرد آخر فهذا لامانع منه وهو ممكن
 وقد انكره صاحب الكفاية باعتبار ان اجتماع المثلين يرجع الى اجتماع الضدين وكذا اختار الالصفهاني ولكن مشهور الفقهاء عدم الامتناع والوجه فيه ان الحكمين المتماثلين عرفا واعتبارا يشتدان من حيث مبادئ الحكم أو من حيث آثار ونهايات الحكم فتصلح لديهما شدة والاشتداد لامانع منه
 فأخذ العلم بالحكم في حكم مماثل لا اشكال فيه عند المشهور بينما صاحب الكفاية وتلاميذه ذهبوا الى الاستحالة هذا بالنسبة للقسم الثاني
 أما الثالث وهو أخذ الحكم في حكم المضاد فقد تقدم انه ممتنع واما الرابع وهو أخذ القطع بالحكم في حكم مخالف فهو مما اتفق الاعلام في امكانه
 يبقى القسم الاول وهو اخذ القطع بالحكم في نفسه فهذا يلزم منه الدور لأن أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم نفسه يكون من باب توقف الشيئ على نفسه لأن موضوع الحكم قبل الحكم وقد فرض موضوع الحكم هو العلم بالحكم فالعلم بالحكم يستلزم نفس الحكم، فنفس الحكم متوقف عليه الحكم نفسه فيستلزم الدور وهو توقف الشيئ على نفسه، وهذا إجمالا الاستدلال على استحالة أخذ العلم أو القطع بالحكم في الحكم نفسه
 وهذا شبيه ما ذكره الأعلام من أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر ولكن فيه مغايرة باعتبار ان متعلق الأمر يغاير موضوع الأمر فان موضوع الأمر هو قيود الوجوب بينما متعلق الأمر وهو نفس الفعل ليس من قيود الوجوب فمثلا دلوك الشمس موضوع وقيود الوجوب وان الوجوب هو المحمول والصلاة هو المتعلق فالصلاة التي متعلق الوجوب هي من هوامش وتوابع الوجوب اي المحمول وليست من توابع الموضوع الاصولي الذي هو قيود الوجوب لكن متعلق الأمر هو موضوع منطقي للأمر وهو الواجب نفسه وان لم يكن موضوعا اصوليا واصطلاحيا للوجوب ولكنه موضوعا منطقيا للأمر
 والفرق بين الموضوع المنطقي والموضوع الاصولي هو ان الموضوع الاصولي ان تكو ن القيود دخيلة في ملاك الحكم والأمر كالدلوك والبلوغ وكل ماهو دخيل في ملاك الحكم اما الحكم المنطقي فهو كل ماكان متقدما على الشيئ عقلا أو تكو ينا أو شرعا فهو موضوع منطقي ففرق بين حيثية وضابطة الموضوع المنطقي والمو ضوع الاصولي
 فالموضوع المنطقي هو ان متعلق الأمر وان لم يكن موضوعا اصوليا لأن متعلق الامر متقدم عقلا على الأمر فالآمر أولا يتصور المتعلق ثم يأمر به فهو موضوع منطقي وان لم يكن موضوعا اصوليا
 والمهم انه رغم ان متعلق الأمر يختلف عن موضوع الامر الاّ ان كل منهما موضوع منطقي فالموضوع الاصولي موضوع منطقي ومتعلق الامر موضوع منطقي فنفس المحذور المذكور في متعلق الأمر يذكر في أخذ القطع بالحكم في موضوع نفسه إجمالا
 وهذا الدور كما ذكرناه في بحث التعبدي والتوصلي قام الأعلام بحل العقدة فيه بالتفرقة بين الوجود الذهني للحكم والوجود الخارجي الفعلي للحكم بأن يكون أحدهما ذهني والآخر خارجي ومعه فلايستلزم الدور في البين
 لذا فالميرزا النائيني قال ان المحذور في قصد الأمر من جهة اخرى وليس من جهة الدور بل هو من جهة خلفق الفرض ومثله ذهب اليه الاصفهاني فكل ماكان متأخرا عن الامر او عن الحكم لايؤخذ متقدما على الامر او على الحكم وقد سماها الميرزا النائيني بالقيود الثانوية ليس كالطهارة والقبلة والساتر لأن فرض قصد الامر متأخر عن تعلق الأمر بالمتعلق فهي من القيود الثانوية كما عبر عنها الميرزا النائيني
 وهنا أيضا كذلك فالقطع بالحكم شيئ ثانوي على الحكم فلايمكن ان يؤخذ متقدما للزوم الخلف وقد ذكر هذا المحذور المرحوم الاصفهاني والمرحوم النائيني
 ومع ذلك يقول صاحب الكفاية في القسم الأول نعم لو اخذت مرتبة من الحكم في مرتبة اخرى من الحكم نفسه لما لزم من ذلك اشكال فالقطع بانشاء الحكم او الحكم الانشائي يؤخذ في الحكم الفعلي لامانع او القطع بالحكم الفعلي يؤخذ في مرتبة الفاعلية للحكم لا مانع فيه وهذا الاستثناء من صاحب الكفاية قد قبله جملة من الأعلام
 نعود الى بحث الدور الذي ذكره صاحب الكفاية ولم يرتضيه جملة من الأعلام فقالوا انه لادور في البين لان نفس القطع بالحكم هو بلحاظ الوجود الذهني المتوقف عليه فالقطع صفة نفسانية ومتعلقها شيئ ذهني فالمتوقف عليه ذهني والمتوقف هو الحكم الفعلي الخارجي فلا توقف وهذا الحل بناء على وحدة المرتبة لايفيد نعم بناء على تعدد المرتبة هو مفيد
 فبناء على اتحاد المرتبة لايفيد لأنه يلزم منه شيئ من الدور فان الشيئ نفسه في مرتبة سابقة نفسه في مرتبة لاحقة فيتوقف الشيئ على نفسه
 اذن أخذ القطع بالحكم والعلم بالحكم في موضوع نفس الحكم بنفس المرتبة لايسوغ اما من مرتبة الى مرتبة اخرى فلا اشكال فيه، فمع العلم بخطاب الحكم يجب عليك ولا مانع من ذلك
 وهذا تمام الكلام في هذا التنبية من جهة العلم والقطع بالحكم سواء اخذ بحكم نفسه أو مثله أو ضده أو مخالف له وكل الأقسام الأربعة ذكرنا كلمات الأعلام فيها
 يقع الكلام في نفس التنبيه الذي نحن فيه بدلاً من العلم والقطع بالحكم يقع الكلام في الشك والظن بالحكم الشرعي أي أخذ الظن بالحكم في موضوع الحكم نفسه أو مثله أو ضده أو خلافه، فجملة من الأعلام قالوا بالمغايرة وجملة منهم قال غير ذلك