الموضوع: الجهة الفقهية لقبح التجري
كان الكلام في قبح التجري وقد تم الحديث عن الجهة الكلامية من التجري
وبقي التعرض الى الجهة الفقهية وهي الأحاديث والروايات الواردة فيها، والاحاديث الواردة إجمالا هي على لسانين
طائفة تدل على عدم كتابة السيئة وطائفة ثانية تدل على كتابة السيئة على التجري والأدلة في ذلك متعددة
وشطر من الأدلة هي الآيات الكريمة والعديدة الدالة على الرضا بفعل قوم كالقاعدة الشريفة من رضي بفعل قوم وتدل عليها آيات عديدة كما ذكره الامام الحسن العسكري (عليه السلام) في كتاب التفسير
ويمكن ان نقول ان هذا ليس كل التجري فالرضا بفعل قد وقع من الآخرين هو مسلّم الحرمة بحيث ان البعض قال ان هذا ليس من التجري
والصحيح ان هذا من التجري وليس بخارج عن التجري وان لم يصدر العمل من نفس الانسان فالتجري هو يعني الفعل النفساني فجنوح العبد ولو بالأفعال النفسية على ذلك هو من التجري
والشاهد على ذلك ان المنكر بالقلب منكر والمعروف بالقلب معروف فنفس حالة الرضا بالمنكر وليس العزم على المنكر فحالة الرضا بالمنكر هي من الافعال النفسانية الباطنة فهي قبل الارداة والهمّة
فان أي فعل في جانب الطاعة او في جانب المعصية لايصدر من الانسان اذا لم يكن في الانسان في بدايات صدوره مؤانسة ومطايبة معه
وتتمة للدليل الكلامي السابق وكجملة معترضة ومرتبطة بهذا البحث نقول ان الصفات كما يقوله علماء الاخلاق والفقه وغيرهم ان الانسان أشد اختيار في الصفات المكتسبة من حتى الافعال النفسانية خلافا لما هو معروف من انها غير اختيارية
والدليل على ذلك ان هذه الصفات النفسانية المكتسبة ليست وليدة دفعة ودفعتين وليست وليدة فعل نفساني بل هي وليدة مجموعة مقدمات اختيارية ولو بعيدة فهي عبارة عن مجموعة اختيارات وليس اختيارا واحدا
وبعبارة اخرى ان الذات الجوهرية المكتسبة لدى الانسان هو أشد اختيارا فيها حتى من الصفات لأنها مجموع صفات عديدة ولو من جهة الفعل القابل
ففي الحقيقة حتى تجوهر الذات بتجوهر مكتسب اشد اختيارية من الصفات والصفات اشد احتيارية من الذات فالانسان كلما يتصاعد الى العام الفوقي من الجوهر ففوقيته الوجودية تعلو على الصفات والصفات تعلو على الأفعال فكلما يعلو الانسان تكون له قدرة اختيارية اكثر مما ينزل
والأعلام يفترضون في علوم كثيرة كعلم الأخلاق والعرفان والفقه والتفسير بعد حصوله ان حصوله ليس بخارج عن اختيار الانسان واذا كانت فرص وزوايا الاختيار عديدة جدا فيزود اختيار الانسان فيها اكثر فأكثر أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر فهذه الامور خلافا لماعرف من انها غير اختيارية بل هي اختيارية وقابلة للتكليف
فالصحيح ليس هذه الامور اختيارية وحسب بل ان الانسان أشد اختيارا فيها وأشد مسؤولية فيها لأنه كلما زاد العلم والقدرة زادت لديه المسؤولية، وحسب الرؤية الاعتقادية مما وقفنا عليه من روايات الرجعة ان المحسابة يوم القيامة أشد من المحسابة في الرجعة والمحاسبة في الرجعة أشد حسابا من البرزخ والبرزخ أشد حسابا ومسائلة من الدنيا وفي الحقيقة كلما ازداد الحساب ازداد الإختيار لا العكس
لذا ان السيئة لاتُكتب على بني آدم الاّ بعد سبع ساعات ولا تكتب في أول صدورها فهو عفو من الله تعالى
فالخريطة الموجودة الآن والعناوين الواردة في الفاظ الوحي هي ان الانسان كلما توغل كلما ازداد شعورا واختيارا ومسائلة فليس كما يقال من ان الحساب على افعال البدن ليس على افعال النفس بل العكس فان افعال النفس عليها أشد الحساب
والصحيح عند المفسرين والمحدثين ان الاعتقادات هي فرائص الهية وهي من الدين فأول ما افترض الله تعالى على العباد توحيده بكل ماتحمل معنى الفريضة من خواص ومعنى وكما سيأتي بحثه في بحث الانسداد انشاء الله تعالى
ويوم القيامة حسب الكثير من الشواهد ان المحاسبة تكون على الجواهر وعلى الصفات وهي أكبر مداينة ومُسائلة سيحاسب عليها الانسان
وان شعار يوم القيامة هو يوم تبلى السرائر وليست الأعمال ولا القلوب بل السرائر فهو أصعب من القلوب ان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله هو دون يوم تبلى السرائر فانه أعظم
فما عرف من ان الصفات والذوات والجواهر لاحساب عليها فهو غير صحيح بل المكتسبة كلها عليها حساب وكتاب وهذا الكلام طويل الذيل وتترتب عليه بحوث في الفقه والكلام والعقائد
الجهة الثالثة الفقهية في التجري وكنا قد بدئنا في بحث الايات، وفيها طوائف والسن عديدة وقد استنبط منها قواعد فقهية ومعرفية وهي ان الانسان مداين على الفعل النفساني ومنها من احب عمل قوم حشر معهم وكثير من الايات تحاسب بني اسرائل في زمان رسول الله (صلى الله عليه واله) كما كشف عن ذلك ناموس العلم الامام العسكري (عليه السلام) فقد أحدث الامام العسكري (عليه السلام) معرفة عظيمة في علوم القران
وكما تقدم فحسب الأدلة ان المصالح والمفاسد المترتبة على الفعل النفساني والصفات النفسانية أعظم من المصالح والمفاسد المترتبة على الفعل البدني وان الفعل البدني معد للمصالح والمفاسد ولتولي الخير والتبري من منظومة الشر