الموضوع: الجهة الكلامية لقبح التجري
كان الكلام في الجهة الكلامية لقبح التجري ومرّ ان صاحب الكفاية ذهب الى ان قبح التجري هو فعل نفساني يختلف عن الفعل البدني وهو بنفسه فعل مفروض الوجود في العاصي كما هو في المتجري ونفس الإنقياد موجود في موارد الانقياد ونفسه موجود في موارد الطاعة
وهذا الفعل هو فعل اختياري أي انه يصدر عن ارادة واختيار وله درجات لكنه لايؤثر على الفعل البدني في نفسه عند صاحب الكفاية بينما يظهر من المحقق العراقي ولعله هو الصحيح ان الفعل البدني وان كان له حكم واقعي ولكن من عناوينه الثانونية التجري الذي هو فعل نفساني
وقلنا ان التجري له درجات فمن درجاته خاطرة العصيان والمخالفة فالتجري نبعة عين كدرة تتواصل الى ان ترفد الفعل بالفعل المحرم والانقياد كذلك فهو نبعة عين صافية وطاهرة تؤدي بالانسان الى حركات يعتقد بالفعل انه طاعة ولكنه ليس كما ظنه، فللتجري درجات
وقد طرح صاحب الكفاية تسائل على نفسه فيقول ان الفعل النفساني اختياري لكن مباديها ليست اختيارية فكيف يعاقب على شيئ غير اختياري؟ وهذا السؤال ليس خاصا بالانقياد أو التجري بل يشمل موارد الطاعة والعصيان عموما
ويجيب (قده) ان نفس الفعل الذي يحاسب عليه الانسان اختياري اما نفس صفة الاختيار فهي غير دخيلة في صحة المحاسبة على الفعل عقابا أو ثوابا
ويقول صاحب الكفاية ان بعض مبادئ الاختيار اختيارية وترجع الى طينة الاشقياء والسعداء والى الذات
فيقول ان الثواب والعقاب هو عبارة عن القرب والبعد من الله تعالى والبعد والقرب بحسب الطينة الذاتية من الله تعالى وليس معنى الثواب والعقاب الاّ هذا المعنى
وربما هذا هو أعظم تفسير ذكره علماء المعارف عن حقيقة الثواب والعقاب وهذا المعنى مستلهم من القران الكريم وبيان الروايات الشريفة من ان أكبر حقيقة للثواب والعقاب هو درجات القرب ودرجات البعد وان درجات القرب تعني الولاية
وهنا نقطة مهمة وهي ان المصلحة العظمى من المصالح في الجزاء هو القرب والولاية، وان المفسدة الكبرى من الأفعال هو عدم الولاية بل هذه المفسدة مقدمة لمفسدة أكبر وهي الولاية لاعداء الله تعالى
وان المصلحة الأكبر من الأفعال الحسنة ليس الحسن الذاتي في الأفعال بل حسن أكبر وهو الولاية لله تعالى ولأوليائه
ففي الحقيقة بهذه البيان الذي اشار اليه صاحب الكفاية وسنبسطه اكثر فان ماذهب اليه الامامية في الافعال خلافا للاشعرية الجهة الأعظم فيه هي الولاية وهذا لايعني ان الافعال في نفسها ليس لها مصالح ومفاسد لكن المصلحة الأعظم فيها ليس مصلحتها الذاتية بل هي معدة لمصلحة أعظم وهي الجهة الفاعلية وهي فعل نفساني
وهنا يتبين بحسب بيان صاحب الكفاية والبيان في المعارف ان الجهة الفاعلية في المعصية أعظم من الجهة الفعلية في المعصية فالذي تخلّف في المتجري هو الفعل اما الفاعلية فلم تتخلف وهي الشديدة
نعم هناك فرق في درجة الفاعلية مع تخلف الفعل انقيادا او تجريا فان الفعل اخطر شيئ فيه انه يعد للجهة الفاعلية واعداده للجهة الفاعلية يجعلها أشد لا أن الفعل هو الأهم فالاشتداد لأنه يعد الى درجة أشد في الفاعلية
والخلاصة ان الجهة الفاعلية أعظم خطورة من الجهة الفعلية فالجهة الفعلية هي معدة إنما الأعمال بالنيات فالنية هي العمل الأكبر إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فدور العمل البدني رفع العمل النفساني والعمل النفساني يرفع الصفات و الاعتقادات
فالجهة الفاعلية وكما قلنا لها تفسيران بمعنى الصف وبمعنى الفعل النفساني وكلامنا في الفعل النفساني وهذا الفعل النفساني يولّد صفة
فالجهة الفاعلية أشد من الجهة الفعلية سواء فسرنا الجهة الفاعلية بالفعل النفساني أو فسرنا الجهة الفاعلية بصفات النفس
فتبين ان التجري الذي هو حقيقة واحدة في التجري والعصيان والانقياد الذي هو حقيقة واحدة في الانقياد والطاعة هو المدار في الثواب والعقاب وليس المدار على الفعل الخارجي فالفعل الخارجي مُعدّ، وهذا من البحوث الصعبة
فالصلاة مثلا معدة لشيئ أكبر منها وهو الرسول (صلى الله عليه واله) والمعاصي حرام لأنها ترشحات وأمواج متولدة من عين نتنة فولاية أعداء الله أشد نجاسة من الزنا واللواط والفاحشة لأنها مجمع كل النجاسات بشكل مضاعف ورهيب