الأستاذ السند

بحث الأصول

33/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الحجية بين القطع والعلم
 كان الكلام في الحجية الذاتية للقطع وتقدمت النقطة الاولى لتحرير هذا المطلب وهي ان التصديق وهو الجزم أو القطع أو الاذعان أو التسليم أو الانقياد فهذه الافعال هي أفعال علمية يقوم بها العقل العملي بينما أصل التصور يقوم به العقل النظري من حيث انه قوة من القوى الخادمة للعقل العملي
 فبالتالي عندما يقال بان العلم يقسم الى التصور والتصديق قد يراد منه ان التصور موجب للاذعان وتصور غير موجب للاذعان فالتصور الذي يوجب الإذعان هو العلم التصديقي
 والشاهد على ذلك أيضا ان العلم عند نفس المناطقة وكذا في القران الكريم والسنة المطهرة هو ان العلم لايطلق على نفس الاذعان والتصديق بل يطلق على اسباب الاذعان والتصديق والجزم والتسليم
 فاذا كان السبب محكما فيقال عنه علم كالصغرى والكبرى فاذا كانتا برهانيتن فهو سبب للعلم بالنتيجة ويطلق عليه يقين واذعان
 فالعلم ليس هو نفس الاذعان والجزم كفعل نفساني وإنما هو سبب الاذعان
 ولاريب انه ليس المراد منه المعلومة والمعلوم بوجوده الخارجي بل المعلوم بوجوده الذهني كصورة حصولية أو وجوده في ذات النفس كعيان أي أمر تعاينه النفس، فالمعلوم بما هو واصل للنفس يطلق العلم على المعلوم
 وللعلم اطلاقات متعددة والمهم انه الذي ذاتيه العلم وذاتيه التنجيز والتعذير ووجوب الطاعة فذاتيه تكوينا الطريقية وذاتيه بلحاظ حكم العقل هو العلم الذي هو السبب للإذعان والجزم وليس هو نفس الاذعان والجزم
 فالعلم اذا افترضناه برهان ومعلوم ان البرهان يتشكل من قياس استثنائي ويتشكل من استقراء تام وغيرها فان البرهان هو شيئ متفق عليه أما نفس الاذعان كجزم فلا
 وان حصر البرهان في مناشئ معينة لانسلم به فهو ليس بتام فماذهب اليه الفلاسفة والمناطقة بمدارسهم المختلفة ليس بسديد
 ونلتفت الى ان الانسان قد يحصل عنده جزم ناشئ من الظن وقد يحصل عنده جزم ناشئ من الاحتمال وقد ذكر القران الكريم وكذا الفلاسفة والمناطقة ذكروا ان الجزم والاذعان فيه جزم ظني يحسبه الانسان جزم يقيني أو جزم احتمالي يجسبه الانسان جزم يقيني فمقولة ان القطع حجيته ذاتية هي مقولة غير سديدة لابحسب الوحي القران والسنة ولابحسب الفلاسفة والمناطقة نعم العلم حجيته ذاتية
 وكما تقدم فان نفس الاصوليين في تنبيهات القطع خالفوا هذا المقولة كقطع القطاع او القطع الناشئ من مقدمات عقلية يستبد بها العقل وغيرها من الصور التي لم يلتزموا ان القطع مع التقصير في المقدمات ليس بحجة فلايكون معذرا بل حتى مع القصور في المقدمات فالقطع لايكون العلم ذاتيه والتعذير ليس للقطع بل للقصور وهذه نكتة مهمة
 ففي النقطة الخامسة في خريطة مبحث الحجج ظهر ان الطريقية ليست ذاتية للقطع وانما هي ذاتية تكوينية للعلم الذي هو منشئ القطع والحجية بمعنى التنجيز والتعذير ليس لذات القطع بل لذات العلم
 ونقطة سادسة في مبحث الحج هي ان العذرية مسامحة من علماء الاصول ان ينسبوها الى الحجة أو الحجية بل العذر هو القصور والعجز وعدم القدرة أما العذر بمعنى نفس الحجة فلا لأن الحجة هي بنفسها توجب التنجيز فهي طريق
 على أي تقدير فالتعذير هو في الحقيقة للقصور وليس التعذير للعلم لأن العلم هو موصل ومنجز وهو لايخطئ الواقع
 ونقطة سابعة وهي ان هناك تسائل من القديم وهو انه كيف يحصل العلم او ماهو البرهان
 وقد ذكرنا في احدى النقاط السابقة ان البرهان لاينحصر بالعقل العملي او العقل النظري او الفكر او ماشابه ذلك حسب ما ادعاه المناطقة والفلاسفة بل ان البرهان هو كل قوة من قوى الانسان يمكن تحقق البرهان منها حتى الحس الذي يقبله الفلاسفة والمناطقة من جهة من الجهات وان كان ابن سينا يخالف من جهة اخرى، ولذا كما تقدم فان معاجز الأنبياء قد تعددت بتعدد قوى النفس والعلوم المختلفة
 واما انه كيف يحصل العلم للانسان فالصحيح انه اذا افترضنا ان النفس مصدر علمها الصور الحاصلة فان الصور الحاصلة تؤمن درجة من العلم مع غض النظر عن اصابتها وعدم اصابتها
 وهناك يجث عقلي وهو انه ليس لدينا صورة بالدقة لامطابق لها بل ان كل الصور مطابقة فيقولون حتى الصور التخيلية لها مطابق غاية الأمر الخطاء الانساني يكون في احتساب ان المطابق لها شيئ آخر
 وبعبارة اخرى فان الزئبق له صورة موافقة للواقع والجبل أيضاً له صورة موافقة للواقع ولكن التركيب بينهما بحيث يكون جبل من زئبق فهو أمر تخيلي فلايمكن ان تحدث صورة في ذهن الانسان آتية من العدم المحض بل لابد في كل صورة حاصلة للانسان انها آتية من الواقع فلاصورة غير موافقة بل كل الصور تحكي الواقع ولكن الانسان يخطئ ولايمييز أي الواقع الذي تحكيه الصورة فحكاية الصورة ذاتي لها تكوينا
 وحتى التصور والصورة له درجة من الطريقية وله درجة من التجييز والتعذير وله درجة من وجوب الطاعة فما عرف في الابحاث الاصولية هنا في الحجج من ان اليقين أو القطع فقط هو حجيته ذاتية بمعنى الطريقية والتنجيز والتعذير ووجوب الطاعة ليس بصحيح بل ان الطريقية والتنجييز والتعذير والحجية هي ذاتية لكل مراتب العلم ضعف أم قوي
 فالعلم ذاتي لكل اقسامه حتى التصور بمعنى الطريقية غايته تضعف وتقوى بحسب درجات العلم وكذا التنجييز والتعذير يقوى ويضعف بحسب الدرجات فهذا كلام تام وصحيح ولكن ان نقول ان التصور ليس له الحجية فلا نقبله، وجملة من الاعلام ان لم يكن اكثرهم في جملة من اقسام بحث تنجييز العلم الاجمالي بنوا على ان التنجيز ليس خاصا بالعلم الاجمالي فالاحتمال في نفسه منجز مالم يأتي مؤمن أقوى منه
 وفي موارد عديدة كالفحص فان الفحص قائم على الاحتمال فالاحتمال القائم في مورد الفحص هو بنفسه منجز كالعموم فلايمكن العمل به الاّ بالفحص لاحتمال وجود المعارض والمخصص وهذا الاحتمال في نفسه منجز
 واجمالا ان الاحتمال اعتمد انه منجز في موارد وأقسام عديدة وهو الصحيح لأن الاحتمال له درجة من التصور ودرجة من العلم والعلم أينما وجد ضعف أم قوي فالطريقية والتنجييز ذاتي له غاية الأمر ان الحجية بمعنى الطريقية أو الحجية بمعنى التنجيز أو الحجية بمعنى وجوب الطاعة تشكيكية