الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعبدي والتوصلي والنيابة

كان الكلام في قاعدة الاجرة على العبادات او على الواجبات ومر ان هذه القاعدة بالدقة معناها او تفسيرها بقالب فقه المقاصد او بقالب قانوني عصري هذه القاعدة تعني جملة من القواعد منها استقلال القوة القضائية و استقلال المؤسسة الدينية او نزاهة المؤسسة الدينية عن الاطماع او الميول او الطموح في المالية وهذه هي فلسفة الحكم او العناوين الاخرى في ابواب اخرى بمعنى الخدمات المجانية الواجبة توفيرها لبعض شرايح المجتمع كمسؤلية اما على الكل او مسؤلية على البعض فان الشارع اراد ان تكون هناك خدمات مجانية مؤمنة لشريحة معينة على شريحة اخرى لشدة الاحترام مثلا او ما شابه ذلك واما لاجل التكافل الاجتماعي كتجهيز الميت اولاجل بنيان الدين كما في حرمة اخذ الاجرة على التعليم الديني او على الفتيا او هلم جرا احد حكم و غايتها المصرح بها في الادلة لاجل انه نوع احياء الدين في نطاق واسع و عام فان تعليم الدين نوع من احياء الدين وهناك فتوى كالمتسالم عليها بين الاعلام وهي ان تعليم الاحكام الشرعية للجاهل اوكل من يبتلى بفرد آخر من المكلفين وجهل مسالة، او تعليم لمن احرز جهل الفرد المعين اي الفرد الاخر الذي ادرك جهله يجب عليه وجوبا عينيا ان يعلمه و المراد منه انه اذا ادى عنه غيره يسقط عنه الا انه ليس بكفائي بل يجب وجوبا عينيا وهذا كترويج للثقافة والعلوم الديينية في المسائل الضرورية او الدائمية نعم هذا الواجب قد يتلازم مع واجبات او محرمات اخرى هذا بحث آخر لكن التعليم الديني من الذي يعلم بالمسالة سواء كان رجل دين ام لا، لمن لا يعلم فهو واجب ووجوبه عيني و ليس بكفائي

وكذا الكلام في العبادات فانه يلزم تنزيه العبادات لله عزوجل عن الاطماع المادية او التي من هذا الباب فهذه القاعدة بحسب الوجوه لمن يتبناها هي قواعد في الحقيقة و ليست قاعدة واحدة ولها غايات وان جمعها الاعلام في عنوان واحد لكنها قواعد و وجوه لابواب عديدة ومما ينبه على ذلك هو ان الفقهاء قد يجمعون في مسالة واحدة مسائل لكن من باب التبويب او الاختصار يجمعونها في مسالة واحدة ومن ثم لا يغتر الباحث صناعيا ولا يظن انها مسالة واحدة بل هي قواعد ومسائل شبيه باب التقية مع ان-للاسف- كثير من كلمات الاعلام رضوان الله عليهم توجب الاغترار بان هذه القاعدة قاعدة واحدة مع انها باب ذو قواعد جمة الا انها عكست في مسالة واحدة فقد تكون مسالة واحدة لكن تراها ذات ابعاد عديدة

ايا ما كان اجمالا نرجع الى القاعدة بلحاظ العبادات وما هي حقيقة النيابة فهل النائب يقصد كلا من الامر المتوجه الى المنوب عنه كما مر او يقصد الامر المتوجه اليه و لا يكتفي بقصد الامر المتوجه المنوب عنه؟

والصحيح ان النائب يقصد كلا من الامر المنوب عنه و يقصد الامر المتوجه الى المنوب عنه فلا يقتصر على الامر المنوب عنه ودليله نرجعه الى البحث االاصولي

لكن النيابة مع كونها امر قصدي هل هي امر عبادي ام توصلي؟

التوصلي و العبادي كاصطلاح عند الاصوليين و الفقهاء له عدة اصطلاحات وهذا امر حساس ذكره الاصوليون في مبحث التعبدي و التوصلي لان علم الاصول كما هو المعروف عبارة عن نقاشات مفصلية غامضة فقهية عزلت اصبحت علم الاصول لانها منهجية فلا استيحاش من علم الاصول فان الاصول عبارة عن عناصر مشتركة او انها نقاشات غزيرة غامضة منهجية مفصلية لعلم الفقه عزلت في علم يسمى علم الاصول فما هو الاصطلاح الاصولي و الفقهي لان علم الاصول ماخوذ من الفقه .

المعروف من الميرزا القمي صاحب القوانين زميل سيد على الطباطبائئ صاحب الرياض وخال السيد علي هو الوحيد البهبهاني و اخوال الوحيد البهبهاني المجلسيين من طرف الام و الوحيد الهبهاني ره عنده طبقات من التلاميذ وصاحب الرياض كما كان يدرس عند الوحيد البهبهاني كان يدرس خفية عند صاحب الحدائق ره وهو استنفع من صاحب الحدائق كثيرا وكثير من الاعلام كبحر العلوم كما كان يدرس عند الوحيد البهبهاني كان يدرس عند صاحب الحدائق ره فايا ماكان الميرزا القمي معروف بتضلعه في الفقه اكثر من صاحب الرياض فان صاحب الرياض كان معروف في تضلعه في الاصول اكثر من الفقه فالتقيا هذان العلمان اللذان هما من الطبقة الاولى للوحيد البهبهاني -و الطبقة الثانية من تلامذة الوحيد البهبهاني ره شيخ جعفر كاشف الغطاء بحر العلوم نراقي الاب و كذا صاحب مفتاح الكرامة حسب التسلسل و الرتبة الزمنية. اولاد شيخ جعفر كاشف الغطاء شيخ موسى ادرك والده و ادرك ... الطبقة الثالثة صاحب الجواهر و الشيخ حسن من اولاد الصغار لشيخ جعفر كاشف الغطاء .. الشيخ الانصاري ره من الطبقة الرابعة حسب التسلسل الزمني-

اي ما كان فلما تلاقا الميرزا القمي مع صاحب الرياض من باب الملاطفة العلمية قال صاحب الرياض للميرزا القمي ره انت لا تستطيع ان تكتب في الاصول لانك ليس بقوي في الاصول فرد عليه الميرزا بانك لا تستطيع ان تكتب في الفقه لانك لست بقوي فسبحان الله هذه الملاطفة العلمية حثت كلا العلمين الى كتابة كل منهما الاصول و الفقه فكتب الميرزا في الاصول القوانين وهو كتاب واقعا عظيم سواء في مباحث الالفاظ او الحجج ولما تقرا بحث الحجج في القوانين كانك تراه ردود عصرية لشبهات عصرية وسببه ان الميرزا القمي لم يكن فقيه و اصول و رجالي فقط بل كان متكلما نحريرا قويا جدا ، (اجوبة)الاستفتائات اقل تقدير ثلثها او نصفها اجوبة عقائدية انظر كتاب جامع الشتات المعروف ان السيد الخويي ره ان في جلسة الاستفتاءات كان دائما امامه كتاب جامع الشتات وهذا الكتاب ثلث او اكثر من الثلث فيها استفتائات عقائدية هو كان ذو باع كلامي من ثم كتابه في الحجج مرصف وهذه التجارب من العلماء انقلها لانها تفيدنا فالميرزا القمي ره لما كتب في الاصول جمع فيه امثلة فقهية كثيرة لانه باع في الفقه و صاحب الرياض لما كتب الرياض الذي هو شرح المختصر ذكر نقاط اصولية عديدة يغفل عنها في البحث الفقهي فصار الكتابين ذو امتياز . من باب العلاقة بين علم الاصول و علم الفقه.

نرجع الى ما كنا فيه وهو التعبدي و التوصلي لهما اصطلاحات عند الاصوليين و الفقهاء و كثيرا ما تتقارب اصطلاحات الاصوليين و الفقهاء

ماهي معاني التعبدي و التوصلي لهما خمسة معاني ذكرها الميرزا النايني ره في اجود التقريرات الان ليس من الضروري ان نتعرض الى كلها وانما نتعرض الى معنيين

الاول: المعنى العروف عند الفقهاء هو ان قصد الامر موجود ام غير موجود

الثاني: هناك معنى آخر للتعبدي او التوصلي يعنى حتى الصلاة التي هي عبادة يمكن تصورها توصلي بمعنى آخر وهو امتثال اي امر اذا كان لابد فيه من قصد شخص ذلك الامر يسمى تعبدي بالمعنى الاخص واذا كان ذلك الامر الذي امتثاله ليس فيه ضرورة ولابدية بان يقصد شخصه بل يمكن ان يقصد امر آخر فيسمى توصلي فلنشرح هذا الان الصلاة الفريضة اليومية او النافلة او الوضوء الذي هو عبادة او الغسل او التيمم الان نريد ان نسال هل هو عبادة بالمعنى الثاني؟ او لم يكن فتاوى طبقة كبيرة من الفقهاء ان تتوضا لاجل الامر الصلاتي او تتوضا لاجل امر استحباب قراءة القرآن على طهارة او تتوضا او تغتسل لا فرق لاجل الزيارة او لم يقولوا هكذا حتى السيد الخويي ره يقول الاغسال المشروعة و الاغسال التي لم يثبت شرعيتها فانه لاحظ الامر الاخر للمقدمة لاوضوء و الغسل مقدمة يلاحظ فيها الامر ذي المقدمة توضأت للصلاة قبل الوقت او بعد الوقت وهذا الكلام اثير قرون عند الفقهاء؟ اليس؟ طبعا، بالدقة هذا يعني ان قرون من الفقهاء عندهم ان العبادة التي في الوضوء يؤتى بها بامر آخر امر بالمقدمة صلاة زيارة قراءة القرآن ها ماذا يعني؟ يعني ان عبادية الوضوء من اين اتت؟ من اين اكتفى بها؟ من امر الصلاتي او من امر زيارتي او من امر قراءة القرآن، فاذن لم يؤت بها بالامر الذي تعلق بشخصها بالذات فهذا نوع توصلي وان كانت عبادة الا انه يكتفى بعباديتها-لمن يبني على ذلك – بامر آخر له صلة ما به . بالتالي ليس غيري فلما يصير غيري يعني يغاير،

فهنا يقرر ان عبادية الوضوء و عبادية الغسل وعبادية التيمم توصلية لان الوضوء قد امر الله لـ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرين﴾[1]

السيد الخويي ره يعترف بان هذه الاية دالة على الرجحان الذاتي للوضوء وكذا الغسل ايضا وان لم يفت بذلك، مع ان الشيخ المفيد ره و البهايئ افتا بذلك بل افتى بذلك جمهرة من سبعة اعلام الكبار متفرقي القرون وقالوا ان الوضوء و الغسل لا يحتاج في مشروعيته الى امر ذي المقدمة ولا يحتاج الى امر آخر بل عباديته من امر متعلق بشخصه الشخيص هو السيد الخويي ره في الاستدلال الفقهي اعترف بذلك لكن ما افتى بذلك . مع انه ورد (أَيُّ وُضُوءٍ أَنْقَى‌ مِنَ‌ الْغُسْلِ‌ وَ أَبْلَغُ.[2] ) ومن ثم انا بنينا ان الغسل كالوضوء بنفسه مستحب لا يحتاج الى سبب لا سبب جنابة او حيض بل في نفسه مستحب و يجزي عن الوضوء فان (أَيُّ وُضُوءٍ أَنْقَى‌ مِنَ‌ الْغُسْلِ‌ وَ أَبْلَغُ.)مطلق الغسل وهناك روايات خاصة وقفنا عليها -غير الايات و غير القواعد- دالة على ان الغسل في نفسه -بغض النظر عن الاسباب و المسببات- مستحب مطلق كما افتى بذلك الشيخ المفيد و البهائي او سبعة او ربما اكثر ربما اربع عشر من العلماء . فاذا عندك دليل فانهض فان ذات الغسل مستحب مطلقا بل حتى لو تسبح و تغتسل اثوب لك من الوضوء وهنا قاعدتان القاعدة الاولى: الغسل في نفسه مستحب (القاعدة الثانية: كل غسل مجز عن الوضوء) لانه ربما هناك من الاعلام من يلتزم بان كل غسل مستحب لكن لا يلتزم بان الغسل يجزي عن الوضوء بينما السيد الخويي ره يلتزم بها ويقول اي غسل ثبتت مشروعية يجزي عن الوضوء مصنع القاعدة الاولى و الثانية هي هذا نعم كل غسل يستحب قبله الوضوء لا بعده وهو جمع بين الطهارة الصغيرة و الطهارة الكبيرة والله يعلم بفسلفتها الا الجنابة لا قبله و لا بعده

اجمالا اذن العبادة ذاتية للغسل او الوضوء او التيمم الكلام الكلام، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرين و المتطهرين غير المطهرين في ﴿لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون﴾[3] ‌ هذا فعل من الله اما المتطهر فعل من افعال العبد ففرق بين المتهطر و المطهر في اصطلاح الوحي في القرآن ذاك مخصوص بالمصطفون هم الذين مثلهم القرآن اثبت لهم العلم بالقرآن وبأم الكتاب

اذن الوضوء في نفسه مستحب و الغسل في نفسه مستحب و جملة كثيرة من المفسرين اعترفوا على دلالتها بذلك بل جملة من الروايات الكثيرة ذكرناها في شرح العروة المطبوع .

هنا الفقهاء افتوا بانه يقصد بالوضوء الصلاة مع انه من المسلم عندهم ان الوضوء مستحب بنفسه ومع ذلك افتوا بانه يقصد فيه الصلاة ومعنى ذلك انه عندهم ان الامر الذاتي النفساني المتعلق بالوضوء عباديته توصليه اي يجزي ان تقصد امرا آخر تعلق به عن هذا الامر ومن ثم بحث ذلك الاصوليون و الفقهاء هل الاصل الاولي بعد التعبدي المعروف –لان عندهم كلام ما هو الاصل الاولي في التعبدي المعهود هل الاصل في الاوامر انها تعبدية بالمعنى المعهود ام توصلية – ثم يبحثون بعد ذلك هل انه تعبدي بالمعنى الاخص او انه تعبدي بالمعنى الثاني وهو ان الامر التعبدي بالوضوء الذي تعلق ذاتا بالوضوء هل يكفي فيه ان اقصد الامر الاخر و لا اقصد امره؟ اذا صح فسوف يكون هو تعبدي بالمعنى الاعم و ليس تعبدي بالمعنى الاخص

وهذه نقطة مهمة يجب ان يلتفت اليها ولها ثمار و حساسة لتوضيح هذا المطلب للمزيد اضيف هذه النقطة و اختم

الاصوليون ايضا في مبحث التعبدي و التوصلي اثاروا نقطة مهمة مرتبطة وهي ماهو الفرق بين امتثال الامر وبين اداء الامر؟

قالوا امتثال الامر- بغض النظر عن قبوله و عدم قبوله – ان يكون انبعاثك للطاعة ومنطلقا من هذا الامر (لان المثولة ماخوذة من -مثل عند هذا الامر- او -القاضي يقول مثل عندك المدعي- اي حضر و المثول الحضور و هو نوع من العبودية و الطاعة) فقالوا -في الامتثال- اذا كان انبعاث الطاعة من الامر نفسه يسمى امتثالا اما اذا كان انبعاث الطاعة ليس من الامر بل من امر آخر او ليس من أمر آخر بل بداعي مباح طمعا في شيء آخر بالتالي حصل اي حصل أداء يقال اداه ادى الامر (فهو أداء)هذا المعنى من الامتثال و الاداء له صلة بالامر التعبدي و التوصلي الثاني غدا نخوض فيه ان شاالله .


[1] سورة البقرة، الآية 222.
[2] تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان) / ج‌1 / 140 / 6 - باب حكم الجنابة و صفة الطهارة منها.
[3] سورة الواقعة، الآية 79.