الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام العناوين القصدية أو العبادية

كنا في مبحث اخذ الاجرة على العبادة النيابية هل هي تتنافي مع عبادية العبادة النيابية ام لا ؟ ومر بنا ان العبادة النيابية المستاجرعليها لها ثلاثة ابعاد: 1- ذات العبادة 2-و النيابة 3-و الوفاء بالاجارة، وفيها اوامر ثلاثة ايضا 1-امر بالعبادة الذي تتوجه الى الميت 2-وايضا امر بالنيابة 3-وامر بالوفاء بالاجارة

مثلا لو قام المكلف و دفع الزكاة التي على عهدة مكلف آخر او الخمس بقصد ان هذا المال يدفع الى المصرف الشرعي كالحاكم فيدفعه نيابة عن فلان و فلان لابد ان يكون ملتفتا و عالما و الا ففيه اي في اداء الزكاة اشكال وان كان من جهة دينية ووضعية لا يبعد ولكن فيه اشكال من جهة انه لابد للمكلف هنا ان ينوي و يقصد – لان الزكاة ليست دين محض بل الزكاة عبادة فلابد من المكلف ان ينوي و يقصد ومن ثم اذن تقع الزكاة بنحوقصدي.

الموضع الذي توقفنا فيه امس هو هل النيابة عبادية او قصدية ولو توصلية؟ وهل الوفاء بالاجارة قصدي عبادي- لانه قد يكون عبادي او غير عبادي- او هو قصدي توصلي؟ وهل القصدي التوصلي قابل لان يتبدل الى قصدي عبادي ام لا ؟ ولابد من ان نلتفت الى ان كون الشيء قصديا اعم من كونه عباديا نعم كل عبادة قصدية وليس كل قصدي عبادي مثلا اذا اردت ان تحترم احدا فلابد من قصد ذلك والا لو لم تقصد لم يقع لان الاحترام نوع انشاء كما ان التحية نوع انشاء لا انه مجرد كلمة سلام بل هي فعل قصدي لان هناك افعال ليست قصدية مثل غسل الثوب فانه يحصل الغسل وان لم يلتفت الانسان وان كان نائما وحرك الثوب و غسله فينغسل الثوب او بفعل قدر اتى ماء و غسل المكان فهنا تحصل الطهارة لان التطهير من النجاسة الخثية ليست قصدية اصلا فانه شيء تكويني قهري . اذن هناك جملة من العناوين ليست قصدية بل هي طبعية تكوينية

نقطة مهمة العبادة التي امر بها حيا او ميتا هي عبادية لكن يحتمل ان تكون النيابة التي امر بها ليست عبادية وان كانت قصدية مع ان النيابة عنوان متعلق بالعبادة فالعبادة فعل و النيابة فعل آخر و الوفاء فعل ثالث آخر في فعل واحد يصير مجمع الافعال مختلفة في الانواع و مختلفة في الاسناخ . مثلا في باب حيازة المباحات، كالسمك الذي يحوزه -فان الحيازة بحثوها في احياء الموات و بحثوا هناك في المباحات الذي بحث في الثروات العامة و الاقتصاد موطنها في باب المشتركات و باب احياء الموات نظام الاسلامي في الثروات هناك تبحث- قالوا هل الحيازة امر تكويني عنوان تكويني مثل غسل الثوب او عنوان قصدي ؟ فانه ربما حاز وقبضه او احيا ارضا لكن هل هذا عنوان قصدي او قهري؟ كذلك بحثوا ان التملك هل يشترط فيه (قصد) التملك ام انه عنوان قهري؟

الحيازة و الاحياء الاكثر قالوا هما عنوانان قصديان ولكن التملك هنا – وليس كل مكان – ليس عنوان قصدي بل عنوان قهري فعندنا احياء او حيازة و تملك مثلا سمك ثمين معين خرج من البحر و وقع في البلم او في السفينة هل هذا يكفي في تذكيته؟ لان السمك اذا خرج بنفسه من الماء و مات خارج من الماء ولم يضع احد يده عليه ليس هذا بتذكية، فان التذكية يجب فيها ان يضع عليه يد ولو كانت يد كافر ولا يشترط ان تكون يد مسلما فهل يا ترى اذا وضع يده على السمك خارج الماء ولو هو خرج بنفسه لكن وضع يده قبل ان يموت يكون مذكى؟(نعم مذكى) لكن اذا لم يضع يده عليه ومات خارج الماء فلا يكون مذكى و(لكن)هذا المقدار الذي وقع في البلم هذا يد ام ليس بيد، حيازة ام لا؟ (نعم حيازة)وليس من الضروري في اليد ان يمسكها بالمباشرة... ونحن لسنا في صدد المناقشة في المصاديق بل في صدد هذا المطلب وهو انه عندنا عناوين كعنوان اليد و الحيازة و احياء و تملك اي منها قصدي و اي منها غير قصدي و ليس من الضروري ان تكون العناوين الطولية المتصادقة بعضها على بعض ان تكون من نوع واحد و وتيرة واحدة وهذه نقطة مهمة صناعية ذكروها في ابواب عديدة.

هنا ايضا كذالك العبادة كالصلاة و الحج والصوم عناوين عبادية و قصدية لكن هل النيابة عبادية ؟ طبعا هي قصدية لانه لو لم يقصد عن نفسه او عن غيره او عن المنوب عنه او المستاجر به لم تقع النيابة فكونها قصدية امر مفروغ عنها لكن هل هي عبادية ام لا لانه كل عبادة قصدية و لكن ليس من الضروري ان كل قصدي يكون عبادي وهناك قصدي توصلي كالمعاملات فالرياء في المعاملات لا يبطلها لانها ليست عبادة او الهبة ايضا كذلك وان كان هناك بعض المعاملات تتفاوت والا ما الفرق بين الهبة و الوقف او ما الفرق بين الهبة و الصدقة؟ الصدقة هبة على نوع العبادة فاذا اختلت العبادة لا تكون الهدية صدقة ولا وقفا فاذن الصدقة والوقف و الحبس و اخوات الوقف لابد ان تكون عبادية لكن ليس من شرائط صحة الهبة ان تكون عبادية طبعا في باب الهدية ذكرت احكام متعددة هناك هدية وهبة و نحلة و عطية و صلة.. احكامها مختلفة في الروايات و في جملة من فتاوى كثير من الفقهاء ان هذه العناوين رغم انها ليست عبادية الا ان كل منها له قصد انشائي خاص وبداعي خاص و تترتب عليها احكام وان كان بينها احكام مشتركة انظر الى التنويع الفعل القصدي التوصلي مع انها كلها توصلية و لها احكام مشتركة و تختلف عن الوقف و الصدقة.

فهنا عندنا نيابة و عبادة و وفاء فهل الوفاء امر قصدي او توصلي او توصلي غير قصدي

كلمات الاعلام متارجحة بين هذا وهذا لماذا؟

هنا نقطة صناعية اخرى ذكروها في الابواب وهي انهم قالوا –كما مر بنا ان هناك عناوين كعنوان الهبة و النحلة و .. عناوين قصدية توصلية لكن ليست عناوين قهرية بل عناوين قصدية متنوعة في الفعل القصدي لان الفعل القصدي التوصلي – وليس العبادي- على درجات من حيث قوة القصد و ضعف القصد او قل من حيث وضوح القصد و الوضوح مقابل باهت اي فيه قصد الا انه ضئيل اكتراث غير مركز هذا في الحقيقة ليس في القصد التوصلي بل في النية العبادية ايضا كذلك -ولا اريد ان افصل لكن لنكات لم يسلط عليها الضوء- ففي العبادات ايضا كذالك فان قصد العبادية ليست على درجات واحدة لان العبادات ليست على درجة واحدة فيكفي في صحة بعضها ادنى توجه للساحة الربوبية الالهية وفي بعضها لابد فيها من التوجه بشكل اكثر فالعبادات لها درجات في القصد طبعا كل عبادة حتى لو لم يشترط فيها القصدية بشكل وافر لكن ثواب العبادة التي يحضر الانسان بتركيز، اعظم من ثواب العبادة (التي لم يكن فيها حضور قلب) وان كانت تصح بالقصد الباهت الا انها اقل ثوابا مما اذا كانت بقصد وافر(فان هذه) ثوابها اعظم ولذا ورد في دعاء الامام زين العبادين عليه السلام اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ‌ نِيَّتِي[1] يعني وفور النية و تركيزها اكثر ثوابا كما هو شبيه التوجه القلبي في الصلاة قد تتوجه في بداية الصلاة وما تشعر الا وانت ترى نفسك مسلم لاربع ركعات كانها مسجل فهذه الصلاة وان كانت صحيحة لكن اي صحة؟ بل هذه هي الصلاة التي قد يصفع بها وجه المصلي و تقول له ضيعتني ضيعك الله[2] لكن هناك صلاة انت بكل قدرتك في التركيز تتوجه فيها وهذه رياضة روحية في الصلاة القلبية وهي صعبة صعاب و تحتاج الى تركيز وممارسة وصرامة عسكرتائية اي انضباط شديد لكي يتروض القلب و الا لم يتروض نعم الخواطر تسبق قلب الانسان فيهرب منها لكن فليعاود وان عادت هي لكن اذا وصلت الى مقام التمكين من القلب تجد للصلاة طعم عجيب ولذا وليس من العبط قول سيد الانبياء صلى الله عليه واله لبلال ارحنا.[3]

اذن للقصد العبادي درجات وكذا القصد التوصلي ايضا درجات و انواع ولذا قالوا في الحيازة هل القصد في الحيازة هو القصد في انشاء البيع ام لا؟ لا، صحيح ان الحيازة قصدية توصلية لكن ليس المطلوب هو ان تقصدها كما تقصد في البيع فان في البيع لابد ان تتوجه و تلتفت لانه تبديل مال بمال و تبديل عين بالمال - وهذه نقطة صناعية لا تنقلوها - فان درجات القصدية في التوصلي ليست على وتيرة و درجة واحدة

يا ترى الوفاء في الاجارة قصدي ام ليس بقصدي؟ جملة من الاعلام قالوا ليس بقصدي و جملة أخرى قالوا انه قصدي.

وحينئذ لابد ان نرى ما هو المقصود من النزاع ؟ بالدقة النزاع هو ان الوفاء بالاجارة لا يشترط فيه القصدية بدرجة القصد الذي يؤخذ فيه انشاء اصل الاجارة لكن قصد ما و اضافة ما لابد منها، هذه نقطة مهمة قصدية لكن ليس بنحو وافر

اجمالا هذه المطالب التي نقحناها العبادة النيابة الوفاء بالاجارة قصديان توصلان هل يا ترى النيابة قصد عبادي او قصد توصلي؟ اما الوفاء بالاجارة هو قصدي توصلي -ولو باهت- ولكن هل هو عبادي اوتوصلي ثم لو كان توصليا هل القصد التوصلي متنوع اي ان منه ما يمكن ينقلب الى عبادي و منه ما لم يمكن ان ينقلب الى عبادي؟ هل هكذا تقسيم في القصد التوصلي موجود ام لا؟ وما هي ضابطة انقلاب التوصلي الى العبادي ؟

الصحيح نعم انه يمكن ان ينقلب قصد التوصلي الى العبادي اذا كان امرا راجحا وقصد به وجه الله كالهدية بين الارحام فانها مستحبة بل بين المومنين ايضا مستحبة (تهادوا تحابوا)[4] اذا قصد بها التقرب الى الله فتصير عبادة – وهل تصير صدقة ام لا بحث آخر موكول الى باب الهدية- اذن هناك من الامور التوصلية القصدية اذا قصد بها وجه الله فهي قابلة ان تصير عبادة هذا الانقلاب باختيار الانسان وهناك موارد انقلاب قهري

ما هي الضابطة في انه ينقلب ام لاينقلب؟ بعضهم قال اذا كان القصد التوصلي طوليا فلا ينقلب الى عبادة بل يبقى توصلي واذا كان عرضيا مع الامر العبادي فحينئذ ينقلب قهريا الى عبادة وهذا معركة آراء حتى في مبحث النيابة بين النائيني و من قبله من الاعلام وبين المرحوم العراقي و الكمباني من طرف الاخر وانه هل الامر النذري الذي يتعلق بالعبادة ينقلب الى عبادة ام لا؟وله ثمرة لا اريد الدخول فيها وهي ثمرة الزامية اما فالبعض قال ان هذا الامر النذري يبقى على حاله التوصلي بينما بعض الاعلام كما يقول احد الاعلام الثلاثة ينقلب الى عبادي لان اجتماع و توارد امر عبادي على عمل مع امر توصلي، تلقائيا يلون الامرُ العبادي، الامرَ التوصلي الى عبادي، و لكن الاخر قال: لا يتحول الى عبادة. فالضابطة في ذلك قالوا الطولية و العرضية فاذا كان عرضيا يتحول و يندك و البعض قال لا اعترف بهذه الضابطة ولا يتحول ابدا و قال البعض يتحول .

حلحلة هذا البحث بماذا ؟ لانه له ربط بصميم البحث في ما نحن فيه و كل هذا البحث الذي مرتقديم وتوطئة لهذا البحث.

 


[1] الصحيفة السجادية - ط الهادی، ترجمه غرویان، محسن؛ ابراهیمی‌فر، عبدالجواد، ج1، ص92.. (20)(و كان من دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق و مرضي الأفعال:)
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص268.. جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ كُلُّ سَهْوٍ فِي الصَّلَاةِ يُطْرَحُ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُتِمُّ بِالنَّوَافِلِ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا إِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَ هِيَ بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ تَقُولُ حَفِظْتَنِي حَفِظَكَ اللَّهُ وَ إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا بِغَيْرِ حُدُودِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَ هِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ تَقُولُ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ
[3] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله: جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ وَ كَانَ يَقُولُ أَرِحْنَا يَا بِلَالُ. بحار الأنوار (ط - بيروت) / ج‌79 / 193 / باب1 فضل الصلاة و عقاب تاركها.
[4] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص144.. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله: تَهَادَوْا تَحَابُّوا تَهَادَوْا فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ