الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار وآليات متعددة - المكاسب المحرمة.

كنا في وراية جابر في الباب الخامس والثلاثون، قال: - ( لما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال:- كل ما تقومر عليه )، أي تخوطر عليه قلَّ أو كثر، لأنَّ البعض قال إذا كان يسيراً فهذا ليس قماراً وإنما القمار مأخوذ في ماهيته الحجم الكبير من الخسارة أو الحجم المتوسط، وإذا كان التملّك في المعاوضة بنحو الصدفة فهذه ليست معاوضة وإنما هو قمار، فكلّ ما تقومر به حتى الكعاب والجوز مثل مقامرة الأطفال فإنَّ هذه المقامرة محرمة أيضاً، ( قيل:- ما الأنصاب؟ قال:- ما ذبح لآلهتهم ) وإن فسَّرها البعض بتفسيرٍ آخر، فقيل هو المال الخارج أو المخرج المالي من القمار، ( قيل:- فما الأزلام؟ قال:- قداحهم ) يعني آليات القرعة ولكنها آليات القرعة توسلاً بغير الله، فإذا كانت هكذا فهي تكون قضية شيطانية، يعني تحكيم القرعة في غير موطنها الذي حدده الشارع يكون فيه نوع من الوثنية والشرك لأنه استبداد وتوسل بغير الله تعالى وإنما بالبخت واليانصيب أو بأرواح غير مرئية من شياطين وغير ذلك، ولذلك بحث القرعة بحث حساس، فإنه في غير موطنه يكون آلية من آليات أو ممارسة من ممارسات المشركين، ولذلك السيد ابن طاووس عنده ستة معاني للاستخارة، وقد ذكرها صاحب الجواهر في جواهره في صلاة النوافل آخر كتاب الصلاة، وأعظم معاني الاستخارة بمعنى الاستشارة وهي أكثر بركة وأعظم أنواع الاستخارة، حتى الأئمة رغم أنهم وحيانيون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رغم أنه وحياني ولكنهم مأمورون بالاستشارة، ولكنه فلسفتها في المعصوم تختلف عن فلسفتها في غيره، فإن الاستشارة في المعصوم لا لحاجة منه إلى عقل غيره، وكما يقول الشيخ المفيد لتنشيط المشاركة مع الغير وإيجاد و التفاعلية من القاعدة والرعية مع الامام عيله السلام وغيرها من الوجوه التي ذكرها الشيخ المفيد في وجه الأمر الالهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ ولكن القرار بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾، ولم تقل فإذا عزموا عليك وإنما قالت ﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾، وإلا القرآن نفسه يشهد للنبي فيقول ﴿ واعلموا أن يكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم ﴾، أي وقعتم في المشقَّة، وهذا ليس تناقضاً في القرآن الكريم، فإذاً توجد فلسفات عديدة ذكرها الشيخ المفيد، ولذلك معنى الشورى عند أهل البيت عليهم السلام غير معنى الشورى عنه السقيفة، فإنَّ الشورى عند أهل البيت عليهم السلام يعني بنك المعلومات وانفتاح أمام كل المعلومات وجمع المعلومات والعقل الجمعي، ينما السقيفة فسرت الشورى بالإرادة الجمعية، وفرقٌ بين العقل الجمعي وبين الارادة الجمعية، فيوجد فرق سنخي بين معنى الشورى عند السقيفة وبين معنى الشورى عند معصوم عليه السلام، وهذا يؤثر حتى على النظام السياسي، وهذا بحث طويل الذيل لا نريد الدخول فيه الآن، فالاستخارة بمعنى الاستشارة حتى المعصوم يقوم بها، ومن أحد الفلسفات بأن المعصوم عليه السلام يستشير أنَّ الله قد يوصل إليه إشارة على لسان غير المعصوم من حيث لا يشعر إلى المعصوم عيله السلام، يعني من جلمة آليات الوحي من الله إلى المعصوم هو الاستشارة، وهذا مثل ﴿ فبعث الله غراباً يبحث الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ﴾، فالغراب لم يأتِ من نفسه وإنما بعثه الله تعالى كي يريه كيف يواري سوأة أخيه، فلا الغراب يعرف ما هي القضية ولا الغراب جاء بنفسه ولكنها قراءات ورسالة وحيانية من الله لهذا الشقي قابيل، فهكذا المعصوم يتلقى الاشارات وأنها رسائل من الله تعالى إليه ومنها الاستشارة لا أنَّ هذا الوسيط له موقف، فالمعنى الأعظم للاستخارة هو الاستشارة وقد رودت في الروايات أنه توجد بركة عجيبة في الاستشارة، لأنه تفتح العقل وتطوره وتنميه بحيث لا يحتار الانسان وإنما يعرف أن يمسح كل الخيارات والبدائل ، فكلما استشار أكثر تتضح له الصورة أكثر، ولذلك الاستخارة عند الحيرة أي عندما تنقطع سبل الاستشارة والاستعلام، أما إذا كانت عندك طريقة للاستشارة والاستعلام وتريد أن تتّكل على الاستخارة بمعنى القرعة فهذا خطأ، فإنَّ الاستخارة قد قيدت في كلمات الكثير من الأعلام بالحيرة.

فإذاً المعنى الأول هو الاستخارة، المعنى الثاني هو الدعاء بطلب الخير، والمعنى الثالث هو افتتاح أي عمل بالصلاة ركعتين لطلب البركة، والمعنى الرابع هو الاستخارة بالقرآن، والمعنى الخامس هو الاستخارة بالرقاع، فصاحب الجواهر يذكر ستة معاني والمعنى السادس والأخير من الاستخارة فهي التي من قبيل القرعة، ويقول صاحب الجواهر أنَّ هذه الاستخارة التي هي من قبيل القرعة يمكن استخدام أي آلية للاقتراع كرقم الصحة أو عدد خرزات السبحة أو غير ذلك، يعني يمكن أن يوطن الانسان نفسه على محددات معينة في القرعة ثم يتوجه ويتوسل ويقترع، فالنوع السادس هذا ليس فيه آلية حصرية وإنما هي مفتوح حسب كلام صاحب الجواهر ولكنه يقع في آخر رتب الاستخارة، ونحن خضنا في هذا المطلب من باب خوضنا في الأزلام وهي القرعة لأن من أحد معاني القمار هو إيكال الأمور إلى القرعة في غير مواطنها أو التملك بالقرعة وجعل الحقوق بالقرعة فهذا سبب باطل وان القرعة سبب للتملك مثلاً فهذا باطلن كما أن الكثر من آليات القمار هي من قبيل القرعة وليس للعب، مثلا الأجهزة القمارية المتعارفة هي ليست كرة قدم ولا مسابقة سبق ورماية وإنما هي قرعة، فإذا آليات القمار نوعان أو أكثر، نوع بآليات لعب وفائز وخاسر والنوع الآخر هو الاقتراع، وكل منهما هو آلية قمار، فالأزلام بمعنى داخلة في القمار بهذا اللحاظ، وهذا مرَّ بنا إجمالاً.

الرواية التالية: - صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما يقول عليه السلام: - ( لا تصلح المقامرة ولا النهبة )، فالنهب ليس سبباً مملكاً ولا المقامرة كاليانصيب، فاليانصيب ليست سبباً للتملك، في المسابقة كما مر لإعداد القوة مع أن التملك هنا بالصدفة لوكنه جائز كما شرّع الله تعالى باب المسابقة والرهان في الأعمال والتدريبات القتالية والعسكرية وحتى الأمنية داخلة فيها.

وهنا يوجد سؤال المفروض أننا نقحه قبل أن ينتهي البحث وهو أنه هل يا ترى باب المسابقة والرماية الجائز التملك فيها بالصدفة تشويقاً للقدوة العسكرية ولتنمي القوة العسكرية وهي لا تنحصر الدولة كما مر وإنما فتح الشارع الباب للقطاع الخاص فإنَّ الشعب بنفسه يجب أن يتنامى عسكرياً وقوة وسلاحاً وعلمياً ولا ينتظر الدولة تقدمة له، هذا هو معنى فتح هذا الباب بحسب فتاوى كل علماء الامامية، ولكن الكلام هل هذا مخصوص بالقوة العسكرية والأمنية أو يشمل كل ما هو صالح، مثلاً الخيريات، فماذا لو جذبنا الناس للأعمال الخيرية بهذا الشيء؟، مثلاً باب المسابقة والرماية كيف تجذب الناس للعمل العسكري فيه فإنَّ بعض الناس تنفر من هذه الأمور ولكنك تجذبهم بالمراهنة والمسابقة، فهل يا ترى المسابقة والمراهنة يمكن أدّعاء أنه إن كانت لغرضٍ صالح فتصح وإن كانت لغرض غير صالح - يعني حتى لو لم يكن غرضاً فاسداً وإنما كان غرضاً عادياً – فتحرم؟، وهذا يحتاج إلى تنقيح ببحث المسابقة والمراهنة بما يرتبط بالباب، لأنه صراحة الكثير من الأعمال الخيرية يتم جذب الزبائن إليها من خلال جعل قرعة التملك فيها والحال أنَّ هذا قمار إما ضمني أو مطابقي فهل هذا جائز أو لا، وقد نقلنا سابقاً أن السيد الكلبايكاني يرى الحرمة مطلقاً، أما السيد الخوئي فقد فصّل فيقول إذا كان هناك مشارطة بأنها صدقة للمستشفى أو المدرسة الخيرية مثلاً بشرط القرعة تكون حراماً وأما إذا كانت من دون شرط ولو كان الداعي هو هذا ولكن لا يوجد إلزام والتزام فيكون جائزاً، فكأنما الأعلام خصصوا المراهنة والمسابقة في القضايا العسكرية والأمنية فقد لأنَّ لها ضرورة خاصة في حفظ الأمن المجتمعي بخلاف الأغراض الخيرية الأخرى، ولكن هذا بحث لا بأس بإثارته.

الرواية الأخرى: - موثقة السكون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل وقال هو سحت ) يعني حتى لو كان القمار ضئيلاً فهو يبقى حراماً فهو حرام ما قل منه وما كثر، فالهم هو تعيين الماهية.

الرواية الأخرى: - موثقة إسحاق بن عمار قال: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون، فقال:- لا تأكل منه فغنه حرام )، واللطيف أنَّ الحرام كما مرَّ بنا هو حرام تكليفاً ووضعاً وإن كان يرتكبه الصبي وهذا يدل على عموم التشريع نعم الصبي لا يؤاخذ ولا يعاقب ولكن هذا شيء آخر.

الرواية الأخرى: - وهي رواية أسباط بن سالم، وهذه الرواية رودت في تفسير العياشي، وتفسري العياشي كما يذكر السيد الخوئي وغيره كان كتاباً مسنداً يعين نفس كتاب العياشي من نفس المؤلف وهو العياشي وهو من علماء بجداية الغيبة الكبرى ولعله أدرك الغيبة الصغرى، وهو العياشي السمرقندي وه مستبصر وأصبح من أوتاد علماء الامامية في بغداد، فكتابه منه إلينا متواتر، وإنما الكلام من نفس صاحب الكتاب إلى الأئمة الأسانيد كانت موجودة ولكن الناسخين حذفوا الأسانيد اختصاراً لسهولة حمله ونشره ومن هذا القبيل وإلا كان مسنداً، ولكن يمكن للجنة تحقيق تستخرج المتون وتستدرك على أسانيد العياشي، لأنَّ أسانيد هذه الروايات موجودة في كتب أخرى من كتب الحديث، وهذا من أهم ما يقوم به المصحح لكتب الحديث، يعني أهميته كبيرة بل هي أهم من مقارنة نسخ كتب الحديث مع بعضها البعض، فالأهم منه عبارة عن ربط الرواية شبكياً بكل منظومة مصادر الحديث الواصلة إلينا كي يلتفت إلى أنَّ هذا المصدر ليس وحيداً، وللأسف لم يقم به الكثير من المصححين أو إذا قيم به فلم يقم به بشكل منظومي كامل وإنما بشكل مساحة قليلة فهم ينبهون على مساحة قليلة من المصادر وليس كل المصادر.

ونذكر هذه الفائدة في علم الحديث وعلم الرجال وهي نافعة في الاجتهاد: - وهي أنَّ الكثير ممن هم متضلعون في علوم الحديث عندهم هذه الدعوى وهي أنه ما من رواية إلا ولها مصادر وطرق كثيرة في مجموع مصادر الحديث إما مع اتحاد اللفظ أو من دونه وقد يشكل حتى درجة الوثوق بالصدور أو الاستفاضة إما بنحو الاتحاد باللفظ وهو ما يسمى بالمتواتر لفظاً أو المستفيض لفظاً أو الموثوق لفظاً، أو الاتحاد في المعنى مثل التواتر المعنوي، وهذا منهج بديع ومهم ولكنه يحتاج إلى تتبع واستقراء وتضلَّع في كيفية الرجوع إلى مصادر الحديث.

نعيد:- مثلاً يسألني عن زيارة عاشوراء فإنَّ زيارة عاشوراء كل بند منها مستفيض ومتواتر في الروايات؟، فماذا تقصد من زيارة عاشوراء فهل تقصد الترتيب الموجود في الجمل؟، وهل الفقيه يعتني بالترتيب أو أنه يعتني بكل جملة جملة؟، فزيارة عاشوراء رغم أن لها طرق خمسة أو ستة ولكن دعنا عن ذلك ، ولكن بغض النظر عن ذلك، ولكن هذه طريقة أخرى من الوقوف على مصادر الرواية وهي طريقة صناعية والأكثر في غفلة عنها إلا القليل من رواد المذهب، وما هي هذه الطريقة؟، مثلاً ماذا تقصد من زيارة عاشوراء فهل تقصد الجمل التي فيها والتي يستنبط منها أحكام فقهية وأحكام عقائدية؟ فإن الجملة لها مصادر عديدة، افترض أنه توجد في زيارة عاشوراء خمسين جملة بعض الجمل منها لها عشرين مصدر وبعض الجمل الأخرى لها عشرة مصادر وبعض الجمل الأخرى لها سبعة مصادر، فأيّ زيارة عاشوراء أنت تتكلم؟!، تعال إلى دعاء الندبة أو دعاء كميل أو غير ذلك، ولماذا؟ لأن التراث كلمه منظومة شبكية مترابطة، لماذا قال كل علماء المذاهب الاسلامية التواتر المعنوي أو حتى التواتر اللفظي؟ لأنَّ طبيعة التراث منظومي، والا، يوجد سؤال: - هو أنه هل يصدق على الحديث أنه متواتر لفظاً إذا كان جملة منه متواتر لفظاً؟ إنه يصدق بلحاظ هذه الجملة فقط وليس كل الحديث، فإذا الحديث مصادره ليست مرتبطة بالسياق فقط، أصلاً الفقهاء يقطون الحديث بل المحدثون يقطّعون الحديث، لأنهم يقولون إنَّ هذه الجملة من الحديث لها صلة بهذا الباب أما بقية الجمل في الحديث فليس لها صلة به، أليس الفقهاء يقطّعون الآيات الكريمة فهل هذا عبث منهم ويغيرون القرآن الكريم عما هو عليه؟ كلا، بل ما له صلة بالاستدلال هو جملة واحدة وليس تسلسل خمسين جملة، كذلك حينما تبحث في زيارة الجامعة فتقول إنَّ لها طريقا واحداً أو طريقين فإنَّ هذا صناعياً خطأ، فهذا الكلام من مشهور الأعلام الذي اتبعوا السيد أحمد بن طاووس أصلاً هذا الرأي غير علمي تماماً وهو بعيد عن العلم تماماً، لأنه لا يهمني في بحث علم الكلام أو علم التفسير أو علم الفقه أو علم الأخلاق مجموع الجمل وإنما الذي يهمني هو الجملة التي هي محل الاستشهاد والاستدلال، فهل هذه الجملة لها ارتباط شبكي؟ نعم لها ارتباط شبكي سواء كان ارتباطاً لفظياً تواتر لفظي واستفاضة لفظية، أو ارتباط معنوي ولكن بلفظ آخر، فإذاً عملية تمحيص أسانيد الروايات من الخطأ بمكان أن نقتصر على شاكلة فقرات مجموع متن الرواية وأنه هل ورد صحيحاً أو لا فإن هذه غفلة كبيرة من اصحاب مسلك السيد أحمد بن طاووس ومنهم السيد الخوئي بخلاف المشهور فإن مسلك المشهور يقول ن هذه الجملة ورد مكررة كثيراً وحتى إذا لم ترد لفظاً فقد وردت معنىً ومرادفاً.

وبعبارة ملخصة: - إنَّ هذا المنهج الذي يذكره الكثير من الأكابر يعني الرواية إنما تقيّم صدوراً مفككةً جملةً جملة مهم جداً، نعم ألاحظها مجموعاً ولكن ألاحظها أيضا بشكلٍ مفككٍ وارتباطها الشبكي بتراث الحديث كلّه إما ارتباط لفظي أو ارتباط معنوي فضلاً عن الارتباط الاجمالي، وهذه نكتة مهمة جداً في قضية الأسانيد، ومشهور القدماء أو غيرهم قاموا بهذا الأمر عدى مذهب السيد أحمد بن طاووس.

فرواية أسباط بن سالم فهي: - ( قال:- كنت عند أبي عبد عليه السلام فجاء رجل فقال أخبرني عن قول الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قال:- ذلك القمار ).

وهنا توجد نكتة لطيفة:- وهي أنَّ الشارع بنفسه طبق هذه الآية الكريمة تارةً بمعنى العوض الباطل وإن كانت المعاملة صحيحة مثلاً شراء الخنزير البيع بنفسه ليس باطلاً وإنما فسد البيع بسبب العوض لا أنَّ البيع بما هو ماهية من ماهيات المعاوضات هي فاسدة وإنما فسدت بسبب كون العضو باطلاً، فتارةً البطلان يكون بسبب نفس الماهية وإن كان العوضان سليمان فإنَّ النقود مما يتملَّك والعوض الآخر أيضاً مما يتملَّك ولكن المعاملة هي فاسدة عند الشارع كما لو كانت ربوية أو قمارية، فإذاً الفساد له جهات عديدة، فهذه الآية الكريمة ليست خاصة بالعوض الفاسد أو بالماهية الفاسدة بل من أي زاوية من زوايا الفساد.

الرواية الأخرى: - وهي أيضاً واردة في تفسير العياشي، وفيها إرسال:- ( عن أبي عبد الله عيه السلام:- في قول الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال:- نهى عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك )، مثل صاحب المخدّرات والادمان، لأنّ القمار نوع من الطريق المنزلق الذي يؤدي حتى إلى بيع العرض، وكأنما يصير عنده هوس وهلوسة في التحدّي والمغالبة وهلم جرا، ولذلك منشأ الحرمة في القمار ليس فقط من جهة الفساد في التملّك المالية وإنما مرّت بنا خمس جهات في التحريم للقمار.

الرواية الأخرى: - وهي ورادة في تفسير العياشي أيضاً عن الرضا عليه السلام: - ( قال: - سمعته يقول إن الشطرنج والنرد والأربعة عشر وكل ما قومر عليه منها فهو ميسر ).

الرواية الأخرى: - وهي في تفسير العياشي أيضاً وهي مرسلة، عن الرضا عليه السلام:- ( سألته عن الميسر، قال:- التفث من كل شيء، قال:- قلت الخبز والتفث [ الثقل ][1] مما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وعيره ).

ولعل قائل يقول: - لماذا تقرأ الروايات المرسلة؟

فنقول: - نحن نقرأ الروايات المرسلة فإنه على أقل تقدير ينفعنا في معرفة المعنى اللغوي كما نراجع لسان العرب أو القاموس فإنَّ الاستعمالات فيها غير مسندة وإنما هي مراسيل ولكنها تعطيك إثارة تصورية، وهذ المقدار مشهور طبقات الفقهاء يعملون به فهم يعتنون بكل رواية رواية ولو في هذا البعد، أما الآن فتوجد غفلة عن هذا الأمر، فإنَّ الرواية الضعيفة لا أقل تنفعنا في البعد اللغوي وبنية الظهور وتجعلك تلتفت إلى الخصائص اللغوية، وهذا أقرب لظهور الروايات من فلان وفلان البعيدين عن البيئة الروائية، فهذه غفلات علمية مخلَّة جداً في الاستنباط وهي سائدة في الأجواء العلمية.


[1] يعني المخرج المالي من هذه الألعاب.