الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار في المعاملات المركبة - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا مطلب صناعي نفيس جداً في المعاملات حيث التزم به المشهور:- وهو أنَّ المعاملات تدور مدار الماهيات المسمّى وليست تدور مدار الأسماء والألفاظ، فلست تدور مدار الألفاظ ولا الاسماء بل تدور مدار الماهيات وواقع المعنى والمسمّى، ومن ثم المشهور الآن يعني ربما يقرب القرن لم يعتبروا الودائع في البنك وديعة مع أنه ينشأ بلفظ الوديعة، بل قالوا أنَّ ماهية هذه المعاملة هي قرض وليست وديعة، نعم هي تنشأ بلفظ الوديعة وحتى القانون الوضعي يمسها وديعة ولكن الفقهاء قالوا ليس المدار على الألفاظ ولا على الاسماء وإنما المدار على الماهية، لذا تشخيص الماهية مهم سواء كان في البيع أو الاجارة أو القرض او الوكالة أو في النكاح، يعني صحيح أنَّ النكاح يختلف عن السفاح في الألفاظ إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام فهذا صحيح، ولكن ليس مجرد اختلاف الألفاظ هو الفارق الركني بين السفاح وبين النكاح، وإنما الفارق والركن الركين بينهما هو الماهية، فإنه في النكاح يوجد التزام ولذلك يذكر الميرزا النائيني في بحث المعاطاة وفي دورته الأصولية في موضع على ما ببالي أن ماهية النكاح لو كنا نحن والقاعدة لقلنا أن النكاح المعاطاتي جائز ولكن النكاح المعاطاتي ماهيةً غير الزنا، فالنكاح سواء كان معاطاتياً أو بالفظ ماهيته هو التزام بين الزوجين بتشكل حياة مشتركة فهو يتكون من ماهيتين ماهية الزوجية أي القرن والاقتران يعني الحياة المشتركة، والماهية الثانية أن يتملك الزوج منافع البضع، فـ﴿ نساؤكم حرث لكم ﴾ هذه هي الماهية الثانية، أما الماهية الأولى في النكاح فهي ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ﴾ فالزوج يعني الاقتران، ﴿ وكنتم أزواجاً ثلاثة ﴾ فهنا الزوج في مقابل الفرد وإنما الاقتران، فهنا ليس المعنى هو الزوج والفرد في الأعداد ونما المراد استعمال الزوجية بمعنى مطلق الاقتران فتصير المجموع ثلاثة، فإذا النكاح متقوم بماهيتين وليس متقوماً باللفظ فقط، بل العمدة في النكاح أنه متقوّم بماهيتين، نعم الشارع تعبَّد في النكاح ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) يعني لابد من الإنشاء اللفظي، وإلا فالماهيات في المعاملات مالية أو غير مالية أو الايقاعات تدور مدار الماهيات، وهذه نكتة مهمة جداً وقاعدة مهمة جداً في باب المعاملات، وهي أنَّ الفقيه لا ينغرّ بالألفاظ بل لابد أن يدرس تحليلياً وصناعياً ماهية المعاملة، وعلى أثر هذه القاعدة توسعةً أو تطبيقاً لهذه القاعدة فإذاً الأحكام تدور مدار الماهية، فإذا كانت الأحكام تدور مدار الماهية فهي تدور مدار الماهية سواء كانت منفردة أو منضمة إلى ماهيات أخرى في معاملات مركّبة، فالماهية الفاسدة هي فاسدة عند الشارع سواء كانت في معاملة منفردة أو كنت في معاملة مركبة منضمة، لأنَّ الحكم يدور مدار الماهية سواء كانت منفردة أو منضمة وسواء كانت باسمها أو باسم آخر، ولكي يتلفت الباحث علميا في الأبواب المستحدثة في المعاملات أو قل في المعاملات المستجدة مثل التأمين فإن عقد التأمين ليس موجوداً في النصوص ولكن الفقهاء قاموا بالتحليل والتدقيق لماهيات عقد التأمين فوجدوا أنَّ عقد التأمين مركّب من عدة ماهيات معاملية بعضها يصح وبعضها لا يصح، فإذاً لم يتماشى ويتجارى الفقهاء مع لفظة التأمين، إلا القليل النادر منهم يقولون مادام عقد التأمين هو عقد جديد وليس في الأدلة ما يردع عنه ويوجد عندنا عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، فإذاً هذا عقد جديد ولا حاجة إلى إرجاعه إلى العقود القديمة، وهذا بحث جدلي بين الأعلام وهو العقود الجديد هل ترجع إلى العقود القديمة أو هي عقد جديدة ولا حاجة إلى إرجاعها إلى العقد القديمة فإذا توفرت فيه الشرائط العامة للصحة في المعاملات والعقود يصح ويشمله عموم أوفوا بالعقود وتجارة عن تراض، فأصحاب القول الثاني قالوا لا ملجئ لنا أن نرجع العقود الجديدة إلى العقود القديمة، بل هو عقد جديد واجد للشرائط العامة.

ودعونا نوضح عبارة ( واجدٌ للشرائط العامة ):- هناك أدلة واردة في الشرائط العامة للمعاملات مثل كون العاقد بالع عاقل رشيد فإن هذا غير مختص بالبيع وإنما يعم الاجارة والهبة والوكالة والوصية ففي كل العقود والايقاعات الدليل الذي اشترط هذه الشروط هو قد اشترطها بشكل عام ويعبر عنها بالشرائط العامة، وهناك أدلة خاصة تأتي وتشترط شروطاً في البيع أو في الاجارة ولكن ذلك لوكن هناك نمط من الأدلة يشترط شروطاً عامة في كل العقود والايقاعات، فلا يمكن للعقود المستجدة أن تخرج منها، فهذا صاحب القول الثاني يقول لا ضرورة ملجئة لنا لإرجاع العقود المستجدة إلى العقود القديمة بل مادامت مستجدة ولها اسم جديد فيشملها ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و﴿ تجارة عن تراض﴾، فيوجد تجاذب بأنَّ هذه العقود الجديدة هل من الضروري إرجاعها إلى العقود القديمة أو يمكن نفرز لها ونميز لها كيان مستقل بنفسه، فيوجد جدل بين الأعلام في هذه العقود المستجدة، وحتى في الحقوق المستجدة فهل من الضروري ارجاع هذه الحقوق إلى الحقوق القديمة أو لا، فنفس الجدل موجود فيها ونفس النزاع.

وتوجد صورة ثالثة:- وهي أنه هل يمكن لعقد مستجد أن تكون ماهيته الجديدة لا يمكن أن ترجع إلى الماهيات القديمة أو يصعب ذلك أو لا؟

ونطرح هذا السؤال بصيغة أخرى:- وهو أنه هل الماهيات القديمة فيها حصر عقلي تكويني أن هذا تعداد للماهيات القديمة للمعاملات والايقاعات هو تعداد وحصر استقرائي وليس حصراً عقلياً تكوينياً؟، وهذا أمر مهم وهي بحوث بنيوية ركنية في المعاملات، وهكذا الحال في الحقوق، ونحن لا نريد ان ندخل فيها ولكن إذا دخلنا في الشروط ثم بعد ذلك ندخل فيها، لأنه يوجد لدينا عزم أن ندخل في الشروط وبحث الشروط اصعب من البيع، لأن الشروط التي ذكرها الشيخ الانصاري بعد المكاسب المحرمة ذكرها بعد الخيارات، فالقول في الشروط صناعياً بلحاظ يجب أن يتقدم على البيع وعلى كل المعاملات وإن شاء الله هذا العزم موجود لأن بحث الشروط أعقد من الخيارات ومن البيع، فهو بحث معقد صناعياً بامتياز والذي يحلحله سوف يحلحل كل القواعد في المعاملات، وقد ذكره الشيخ الأنصاري في آخر الخيارات حيث قال ( أما القول في الشروط )، بعض الأعلام الكبار يقول إذا أحد فهم نظريات الأعلام في شرط النتيجة من باب المثال الذي هو من أحد البحوث فالذي يفهم شرط النتيجة وشرط الفعل كل النظريات فيه فأنا اعطيه اجازة اجتهاد، فهو بحث معقَّد جداً، وهل الشرط الفاسد مفسدٌ أو ليس بمفسدٍ فإنه بحث معقد جداً، فالمهم هذا يأتي في وقته، فصناعة الاجتهاد مثل الهندسة فالمهندس يجب أن يعرف كل الأركان ما هو وما هي الأركان ولا يكفي معرفة الأركان وإنما يجب أن يعرف ركن الأركان ومراتب الأركان، وهذه نكتة مهمة جداً أيضاً، فأهم شيء أن يتوجه إلى النخاع والعموم الفقري ثم يأتي إلى الأمور الأخرى كما أنَّ الانسان أول ما يتكون في المخ والنخاع فإنه هو الأساس ثم بعد ذلك يتم، فالمقصود أنَّ هذا بحث مهم في المعاملات وأنه كل المعاملات أين المخ فيها وأين العمود الفقري فيها فإن هذا يساهم في قوة الصناعة الفقهية للمجتهد في المعاملات،.

فالصورة الثالثة هي هل يمكن أن تكون هناك معاملة مستجدة لا تنتمي ماهوياً وتكويناً إلى الماهيات القديمة أو لا؟ هذا السؤال هو نفسه يصاغ بصياغة أخرى وهي أنه هل هذه الماهيات القديمة حصرها عقلي أو هو حصر استقرائي، وحصر استقرائي يعني ليس يمتنع تكويناً وعقلاً أن تستجد ماهيات أخرى.

وهذا القول الثاني ضعيف:- لأنه ليس بالتشهّي أنَّ الفقيه مُلجأٌ أن يدرج ماهية جديدة في الماهية القديمة أو لا يدرجها فهي ليست قضية مشيئة وخيارية، بل إذا كانت مندرجة فهي مندرجة وإذا كانت ليست مندرجة فليست مندرجة والاندراج مرَّ بما الآن وهو أنَّ الاندراج في الماهيات المستجدة ليس تابعهاً للفظ ولا للأسماء ولا للعناوين ولا لكون الماهية منفردة أو منضمة، وقد مرَّ بنا أنَّ الماهيات المستجدة في المعاملات ليست تدور مدار شيئين لا مدار الألفاظ والأسماء والعناوين وهذا هو الأول، ولا مدار كونها منفردة أو منضمة، لأنها هي هي، فإذا كان هذا المقدار واضحاً، فإذاً قضية اندراج الماهيات المستجدة في الماهيات القديمة ممكن ولكن يمكن لنا أن ندرجه ويمكن لنا أن لا ندرجه هذا غير سليم، ولماذا؟ لأنَّ الأدلة الدالة على أحكام تلك الماهية تقول هي أحكام ثابتة لتلك الماهية غير اسمها أو لم يغير أو غير عنوانها أو لم يغير، منفردة كانت أو منضمة، مثلاً من باب التوضيح الطماطم لها خواص ولها آثار سواء جعلتها في أي نوع من الطعام ولا يتغير تأثيرها، وكذلك السكر له خاصية والملح له خواص معينة والمادة الغذائية الكذائية لها خواص معينة سواء جعلتها منفردة أو منضمة غيرت اسمها أو لم تغيره فإن المادة هي هي وخواصها هي نفسها سواء كانت مفردة أو منضمة، كذلك الحال في ماهيات المعاملات، فماهيات المعاملات حينما رتب عليها ﴿ وأحل الله البيع وحرّم الربا ﴾ فأنت سواء بدلت اسم الربا وغيرته وسواء جعلته منفرداً أوو منضماً فهذه الماهية حرمها الشارح وحكم بكونها سرطان في الاقتصاد، وكذلك ماهية القمار اليت نحن في صددها وماهية التحايل والنصب، وعجيبٌ أنَّ باب النصب والاحتيال لا ينتهي، فعالم المال إذا أراد أن يدرسه الباحث فعلية أن يدرس طرق التحايل في المال في البنوك وفي الدول وفي تعامل الدول فإنه لا ينتهي، فدائماً تستجد خدع جديدة، فهذا التحايل والنصيب والاحتيال الشارع يقول هذا تمويه، فهذا التمويه والتماهي والنصب الاحتيال في المعاملات يقول الشارع عنه هذا وباء وغدة سرطانية في الاقتصاد سواء جعلت منفردة أو مغلفة، فالنظام الاقتصادي الاسلامي والقرآني وشريعة سيد الانبياء وضع الاصبع على عدة غدد سرطانية في المعاملات وقال إن هذه سرطان فلا تقربوه ﴿ فأذنوا بحربٍ من الله ﴾، فلاحظ كم هو هذا التصعيد والتشديد؟ كي يبين لك ان هذه الماهية خطرة أين ما ذهبت غيرت أسمها أو لم تغيره منضمةً كانت أو منفردة، وسواء كانت شركات عملاقة أو شركات صغيرة فإنه لا يوجد فرق، فإذاً هذا القول الثاني ليس بسديد صناعياً، أما القول الأول فهو الصحيح، يبقى القول الثالث فهذا بحثٌ آخر.

نرجع إلى هذه القاعدة حيث صار ملخصها هكذا: - وهو أنَّ المدار في العقود والايقاعات هو على الماهية وليس على العنوان والاسم، والفقيه كل الفقيه هو الذي يمك بضابطة الماهية لا بالألفاظ والأسماء، وإن كانت الأسماء والألفاظ لها دور في بعض الموارد ولكن عمدة العماد على الماهية، هذا شيء، ثم أن هذه الأحكام تلاحق هذه الماهية سواء كانت أحكاماً إيجابية وإمضاء أو احكام نهي وإعدام وإفساد من الشارع، فهذه الأحكام تلاحق الماهية أينما كانت ومقتضاها يأتي و... ، وهذه نكتة مهمة جداً، والسيد اليزدي في الجزء الثاني من العروة حيث ذكر فيه المضاربة والاجارة والزارعة وعدة عقود وقد توسع فهيا كثيراً وحواشي الفقهاء عليه كثيرة، وهي تصلح أن تكون دورة مباحثة صناعية وطبعاً بيقظة وليس بسطحية وقشرية فيلاحظ هنا قالوا هكذا ومبنى هذا الفقيه هنا هو كذا وكأنما أسسه كقاعدة أما هناك فلكم يقل به، يعني الترابط الشبكي أو الجهات المشتركة في هذه المعاملات سوف يلتفت إليها، لأن السيد اليزدي إنصافاً حتى في متن مسائل العروة توسع عن الفتوى وإنما طعمها بالأدلة، فمباحثتها معروفة في النجف قديماً، فمباحثة الجزء الثاني وهكذا الجزء الأول مع ملاحظة التعليقات لكبار الأعلام تبني صناعة الاجتهاد الفقهية والأصولية، ولكن لابد أن تكون مباحثة بشكل جيد فسيوف تخلق لهم صناعة الاجتهاد، وهذه النكات بعضها ذكرها السيد اليزدي والمحشّين فأنا نقلتها نقلاً عنه، فكل هذه المطالب التي ذكرناها هي موجودة في العروة الجزء الثاني من الطبعة التي هي ذات جزأين، وكذلك توجد ملحقات للعروة في القضاء وهي دسمة جداً، فدورة العروة هي دورة ممتازة جداً حيث يوجد فيها لباب التدقيقات الصناعية بلفظٍ موجزٍ ولبابٍ جزلٍ متناً وحواشياً.

وسنواصل بقية الكلام إن شاء الله تعالى.