الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار في المعاملات المركبة - المكاسب المحرمة.

كنّا في صدد استعراض روايات الأبواب المتعرضة لآلات القمار ووصل بنا الأمر إلى الرواية الرابعة، فالرواية الرابعة عند الوحيد البهبهاني والنمازي وعندنا أن سندها يمكن أن يعتبر، فإنَّ جابر بن يزيد الجعفي وإن غمز فيه من غمز ولكنه جليل كبير، وأما عمرو بن شمر فهو من الخاصة ومن تلاميذ جابر وقد ذكر العامة عنه مع أنهم يعرفونه رافضياً أنَّ أحد رواة العامة أنه قال حاولت عشرين سنة أن اسبقه في التهجد إلى مسجد فلا - لأنّه كان إمام جماعة - فلم استطع، وحاولت عشرين سنة أن أمكث في تعقيبات صلاة الصبح بعده فلم استطع، فهو عشرين سنة إمام جماعة ورافضي ومتهجد ومتعبّد، ومع أنَّ العامة يعرفونه رافضياً لكنهم يجلّونه هذا الاجلال، أما أن يأتي من الخاصة من يغمز فيه لأنه من تلاميذ جابر ويروون روايات في المعارف فهذا الغمز لا حول له ولا قوة، أما أحمد بن النظر فهو من الأجلة الكبار، وكذلك محمد بن عبد الجبّار القمي فهو من الكبار والأجلاء، أيضا أبو علي الأشعري فهو أستاذ الكليني وهو من الأجلاء الكبار، فالسند عموماً هو هكذا، يعني جابر وتلاميذه عموماً عندنا كما ذكر الوحيد البهبهاني والشيخ علي النمازي والمير داماد وغيرهم أنهم من الأجلاء، أما أنه غمز فيهم أصحاب المشرب الكلامي فهذا شيء مألوف حتى في متكلمي الامامية فإنَّ مدرسة تغمز في مدرسة أخرى وإلى يومنا الحاضر الأمر هكذا، فهذا الغمز ليس دليلا ًعلى الطعن، وإلا فالبخاري على ما هو عليه في روايات كتاب البخاري يستشهد برواية جابر عن الباقر عليه السلام في فضل العلم وأنَّ جابر حفظ ثلاثين ألف حديث أو خمسين ألف حديث أو كتب أو دوَّن، فالبخاري لا يستطيع أن يتجاوز جلالة جابر بن يزيد الجعفي، فجابر وغيره كانوا من أوتاد المذهب، أما أنه يغمز فيهم فهذا بحثٌ آخر فإنَّ الغمز لا ينتهي، وعلى حدَّ الكثير من الأعلام أنَّ الغمز هو داء المتعاصرين فإنَّ غمز المعاصر للمعاصر لا ينتهي وهذا موجود دائماً ويسمونه داء التعاصر، فإنَّ نفس التعاصر هو أحد أسباب الوباء فيلزم أن يلتفت الباحث وأن لا يأخذ من العاصر في حق المعاصر الآخر في هذا الخصوص بل لابد من التثبت، فعلى أي حال جابر جليل ومن أوتاد المعارف، وغير ذلك من كلمات كبار العامة وفقهائهم عن جابر بن يزيد وجلالته وأنه صاحب كرامات رغم أنهم يغمزون عليه بأنه رافضي شديد الرفض، وهذه نكات لطيفة وهي أنَّ الانسان إذا أراد أن يعرف مفردة من مفردات رواة الامامية فيلزم أن يلاحظ كلمات الفريقين حوله كي تتضح له الصورة كاملة، وهذه نكتة مهمة، فالرواية عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال :- ( لما أنزل اله على رسوله صلى الله عليه وآله " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " قيل:- يا رسول اليه ما الميسر؟ قال":- كل ما تقومر به )، يعني تغومر به أي جعل التملك حض يا نصيب، يعني ممكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما يترك للصدفة، مثل البيوع الأربعة أو الخمسة التي نهى عنها النبي صلى الله عيله وآله وسلم في الجاهلية ومنها أن يرمي الحجر فأين ما أصاب كان ذلك هو المبيع وهذا مثل اليانصيب وهذا هو بيع المنابذة، أو أنواع أخرى من أنواع البيع الذي يدخل فيها المخاطرة المغامرة فيخرج عن حقيقة المعاوضة إلى حقيقة المقامرة وإن سمي بيعاً، ﴿ وقالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا ﴾، فالله تعالى أحل البيع وحرّم المقامرة، ( فقال:- كل ما تقومر به حتى الكعاب )، ولعلمكم أنَّ المقامرة وهي مغامرة في بعض لهجات العرب حيث يبدلون الغين قافاً ليس من الضروري أن يكون العوض مالاً نقداً وإنما قد يكون العوض منفعةً وإجارةً، وكيف ذلك؟ المعاوضة مثلاً قد تكون معاوضة بسيطة يعني عوض مقابل عوض فإنَّ هذه معاملة بسيطة، أو عوض من دون معوّض فهذا عقد وليس معاوضة لأنه المعاوضة هي عوض مقابل معوّض، ولكن قد يكون في البين معاوضة برمّتها هي عوض عن عوضٍ آخر فتصير معاوضة مركَّبة، ومن باب المثال من يبيعني كذا فله جعل كذا، مثلاً من يقرضني كذا مبلغ إلى سنة فسوف أعطيه جعلاً معيناً والان هله هذا ربا أو ليس ربا فهذا بحث آخر، فهنا الجعالة جعلت في مقابل القرض والحال أنَّ القرض نفسه معاملة مستقلة لأنَّ القرض يملكك النقد في مقابل نفس قيمة النقد في الذمة فغن القرض نفسه معاوضة غاية الأمر أنه معاوضة الشيء ببدله الواقعي وليس ببدل مسمى، فهذا القرض الذي هو معاوضة عوّض بمقابل جعل الجعالة فهنا معاوضة هي أصبحت عوضاً قبال عوضا بسيطاً، وقد تجعل معاوضة في مقابل معاوضة مثل نكاح الشغار، أما أنَّ الشارع أبطل نكاح الشغار لا لأنَّ المعاوضة المكربة باطلة ولكن لأجل إسقاط المهر فلم يرد الشارع إسقاط، فجعل النكاح وهو إيجاب وقبول في مقابل نكاح، فهو معاوضة في مقابل معاوضة، وهذه نكتة يجب أن نلتفت إليها، وهي أنَّ المعاوضة قد تكون بسيطة بين طرفيها، نعم طبيعة المعاوضة أنها مركَّبة ولكن قد تكون بسيطة بين طرفيها وقد تكون مركبة بين طرفيها، فالهبة عقدٌ وليس معاوضة وقد تكون الهبة معاوضية ولكنها عقد، وما الفرق بين العقد والمعاوضة في المعاملات فإنَّ هذا يلزم أن نلتفت إليه، العقد وإن لم يكن معاوضة لابد وأن يتم برضا الطرفين، فالهبة وإن لم تكن معاوضة وإنما هو انتقال العين الموهوبة ملك الواهب إلى ملك الموهوب له ولكن لابد وأن يتم برضا الطرفين وكأنما جزء من الواهب ينتقل إلى جسم الموهوب له فالموهوب له يلزم أن يتقبل ذلك، ولا يستطيع الواهب أن يتصرف في شؤون الموهوب بدون قبول الموهوب ولذلك الهبة عقد وإن كانت ليست معاوضة في أصلها، وفرق العقد والايقاع وهو أنَّ العقد لا يتقوم بالمعاوضة ولكن يتقوم بأن هذا التصرف وإن كان بسيطاً فلابد من رضا الطرفين وقد يكون بمعاوضة وقد لا يكون بمعاوضة، فلاحظ كيف أن الانشائيات تتدرج في تضخم الحجم الماهوي، يبدأ من الايقاع، ولذلك لو سأل سائل أن الايجاب ما هو فهل هو عقد أو إيقاع؟ الايجاب في نفسه إيقاع والقبول في نفيه إيقاع ولكن ربط الايقاعين مع بعضهما البعض يصير عقداً وهو ربط عقدة، فالعقد أعم من المعاوضة والمعاوضة أخصّ من العقد والمعاوضة قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة بلحاظ طرفيها وقد تكون معاوضة في مقابل معاوضة، وتوجد معاوضة فوقية كبرى كل، وهذا بحث مهم.

وعندي رغبة بعد المكاسب المحرمة بدلاً من أن ننتقل إلى البيع أو الخيارات ننتقل إلى الشرط ثم إلى البيع والخيارات لأجل هذه الجهة التي نحن فيها، ونذكرها الآن لأنَّ حقيقة البيع مرهونة ببحث الشرط لا العكس، أما أنه لما أخر عند الأعلام فهذا بحث آخر، فإذاً يوجد عندنا إيقاع ويوجد عندنا عقد وعندنا معاوضة والمعاوضة قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة.

وهنا يوجد سؤال: - وهو أنَّ الشرط في المعاوضة أو في العقد أو في الايقاع، فهل الايقاع يتحمل الشرط أو لا؟، مثلاً الطلاق بشرط أو عتق بشرط فهل يتحمل ذلك أو لا، أو الشرط في العقد أو الشرط في المعاوضة، فهل الشرط هو تبع للمعاملة التي اشترط فيها أو أنَّ الشرط في الحقيقة هو بنفسه معاملة فوقية، فالمعاملة التي اشترط فيها هي طرف منه، مثلاً باع البائع شيئاً بثمن بشرط أن يخيط له ثوباً فهل هذا الشرط هو معاملة فوقية وأن البيع في قبال المنفعة أو أن البيع هو الأصل والشرط ذيل من ذيول البيع؟

وهذا بحثٌ حسّاس وله مراتب كثيرة في كل المعاملات والايقاعات، وإنما تطرقنا إليه الآن لأنَّ المعاملة قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة فبهذا اللحاظ تعرضنا إليه.

فعلى أية حال نرجع إلى أن التقامر والقمار: - فيمكن أن يكون بإجارة ولكن بشرط العوض، كما لو قال شخص لصاحب العين آجرني هذه الدار أو كذا دكان كل شهر بمائة ولك كذا جعل غير الاجارة، أو لك سكّة ذهبية كجُعل، فهنا توجد اجارة في مقابل الجُعل في الجُعالة فهذه يعبر عنها بالمعاوضة المركَّبة، فهل يمكن تصوير القمار في معاوضة مركبة أو لابد وأن يكون القمار معاملة بسيطة؟ يمكن أن يكون القمار في كمعاملة مركبة، مثلاً يقول له اشتر كارت شحن لهذه الشركة للاتصالات في مقابل قرعة سيارة، أو أن الذي يشتري بالشهر عشر كارتات فله كذا، فهنا اجارة في مقابل عوض يمكن أن يسلم له ويمكن أن لا يسلم له، فهو تملك حظ يا نصيب، وهذا مثل الخمر يوضع في الأطعمة كذلك المعاملات الفاسدة يمكن أن تجعل مثل ملح الطعام في المعاملات، فالربا حرام ليس في عقد القرض فقط وهو غير الربا المعاوضي وإنما الذي يسمونه بالربا الصريح، فالربا المعاوضي مثلاً عشرين طناً من الحنطة بخمسة عشر طناً فهذا يعبر عنه ربا في البيع ربا في المعاوضة وهو الربا غير الصريح وقد حرمه الشارع في المكيل والموزون، ولكن كلامنا في الربا القرضي الذي هو ربا صريح وهو أن كل تأخير عليه زيادة مالية، وهل هذا الربا مخصوص بالقرض؟ كلا، وإنما الربا الصريح يرتبط بأي معامل، فيوجد عندنا ربا صريح ويوجد عندنا ربا معاوضي، وربا صريح يعني أنه ظاهر بأن يقول لك الشخص مقابل تأخير الدين آخذ منك كذا فهذا يعبر عنه بالربا الصريح وكذلك عبر عنه في الروايات، بينما الربا المعاوضي مكيل مع مكيل موزون مع موزون مع تفاوت القدر يعبر عنه بالربا غير المحض في الروايات، يعني هو طريقة للالتفات للوصول إلى الربا، هذا الربا المحض الوارد في الروايا غير مختص بالقرض وإنما يشمل كل العقود حتى البيع وفيه شرط الربا المحض كأن يقول له إن أخرت الثمن سآخذ عليك كل شهر كذا، فهذا ربا وإن لم يكن قرضاً، أو إجارة بان يقول له إن أنجزت لي العمل الفلاني بكذا وإن أخرت العمل فسوف آخذ عليك كل شهرٍ كذا وهلم جرا، فهو يأتي في الجعالة وفي عقود أخرى، فيمكن أن يجعل الربا المحض ضمنياً، هذا الربا ﴿ وحرم الربا ﴾، ﴿ فأذنوا بحرب من الله ورسوله ﴾، فلاحظ أنه توجد حرب من الله ورسوله لهذا الربا الصريح المحض فهذا لا يتخلف سواء جعلته في القرض فهو حرب من الله ورسوله، وهذا لا يختلف سواء جعلته في القرض فهذا حرب من الله ورسوله أو جعلته في اجارة أو جعلته في أي معاضة أخرى، فإنَّ هذا الربا الذي هو ربا محض غير مختص بالقرض ونما كل الديون والديون يمكن أن تكون ناتج أي معاوضة من المعاوضات، فحينئذٍ الربا غذاً ماهية يمكن تضمينها وجعلها في عدة معاملات، وهذه نكتة مهمة وقد مرّت بنا قبل أيام، وهو أنَّ المجتهد أو الفقيه يجب أن يدقق في الماهيات ولا تغره الأسماء فإنَّ المدار في المعاوضات والمعاملات هو الماهيات جنس وفصل وأجناس وفصول ماهيات المعاملات وليس الأسماء، لأنَّ الأسماء قد تستبدل خداعاً وزيفاً ويمكن لهذه المعاملة الفاسدة التي جعلها الشارع محرمة وأنها كالسرطان أن تتغلغل في ماهيات مختلفة، وهكذا الحال في القمار بعد الالتفات إلى أنَّ المعاوضات قد تكون مركَّبة، فنجعل القمار في قبال معاوضة لا في قبال النقد، مثلاً أن يقول من دخل في هذه المسابقة بعشرين دينار يجتمل أن يفوز بألف دينار وهذا هو مال المراهنة، وتارة يقول من اجرى بيوعاً أو يقوم بمشتريات من هذا الحانوت فسوف يدخل في هذه القرعة، ولذلك السيد الكلبايكاني يحرم أن يشترط متجر معين شرطاً مع وزبائنه أن يشتركوا في أرقام لسيارة مثلاً بن يضع المتجر سيارة لك أحد يتسوق منه، فهنا جعل البيع مقابل عوض ولكن هذا العوض قد يسلم وقد لا يسلم، فالقمار ليس من الضروري أن يكون نقد مقابل نقد محتمل أن يكون أو لا يكون وتملك يكون أو لا يكون يعين تملك معلق على الصدفة وإنما قد يكون في قباله بيع أو اجارة أو صدقة خيرية وليس مالاً، مثلاً من تصدق بعشرة دنانير لهذه المؤسسة الخيرية بشرط أنا تعطيه رقماً لمسابقة على سيارة، فهنا لا كلام في أن الشرط فاسد ولكن الكلام في أن هذا قمار، أما أن الشرط الفاسد ولكنه غير مفسد للبيع فهناك وجه لهذا الكلام، وكلن كلامنا ليس في البيع في نفسه أو في الصدقة في نفسها أو في الاجارة في نفسها وإنما الكلام في هذه المشارطة وهو أن هذا عوض يمكن أن تتملكه بالصدفة، فالقمار غير مخصوص بالمعاوضة البسيطة في طرفيها وإنما يمكن أن يدخل في معاوضة مركبة والماهي هي هي، فهنا تأتي طبابة الفقهاء للمعاملات فيجرون عملية جراحية فيستخرجون الماهية السرطانية لأنَّ هذه الماهية السرطانية تغلغلت في الماهية الصحيحة فلو أبعدتها فسوف تبقى الماهية الصحيحة سالمة على حالها، وهذه نكتة مهمة جداً.

فإذاً القمار لا يتقوم بكون المعاوضة بسيطة في الطريفين، وإنما حتى لو كانت مركبة فالقمار هو هو، كالربا فغن الشرع وضع يده على الغدة السرطانية والماهية السرطانية وهي الربا والقمار والتحايل، وقد ذكرت لكم أنَّ شركات كبرى الآن حقيقية ولها نتاج حقيقي في العالم قالت في حين أن يوجد عندنا منتج حقيقي وصناعة حقيقية قد ملأت العالم لماذا لا ندخل في معاملاتنا الحقيقية ماهيات قمارية تحايلية ربوية فما المانع من ذلك فمادامت الشركات القمارية هي تستثمر فنحن أولى بالاستثمار فنحن أكثر جاذبية وأكثر مصداقية لطريقة الخداع وأكثر قوة للخداع، وللأسف الكثير من الشركات الحقيقية الكبيرة أدخلت في جملة معاملاتها بشكل موازي الماهيات الفاسدة تحت ذريعة أنها ليست شركة وهمية وأن بضائعها ليست نصباً واحتيالاً ولكن توجد عندهم معاملات احتيالية، فهل يختلف بطلان الماهية الاحتيالية بين أن تكون بسيطة أو مركبة؟ إنه حتى لو كانت مركبة فإنَّ الماهية الاحتيالية هي بالتالي ماهية فاسدة، هنا الجدارة والشطارة على الفقيه والمجتهد أن يحلل هذا الماهيات المركّبة فيتتبع ويترصد ويلاحظ الماهية الفاسدة سواء كانت ربا أو قمار أو احتيال وهلم جرا وبقية الماهيات التي أفسدها الشارع، وهذه نكتة مهمة.

فإذاً القمار لا يختص بالماهيات البسيطة وإنما يشمل الماهيات المركَّبة، أما القمار في الماهيات البسيطة فهو ظاهر ومشهور ولكن يوجد قمار ضمني مطوي، وهذه نكتة يلزم ملاحظتها في المستحدثات من المسائل.