الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تشابه أفعال المعصوم - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا هذه الرواية التي فيها أكل الامام عليه السلام بيضة قومر بها.

وتوجد نكتة مهمة في أفعال المعصومين بيّنها الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:- وهذه النكتة هي أنَّ الامام الصادق عليه السلام يقول إنَّ أكثر انحراف المذاهب الأخرى عن فهم سنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي بسبب قصورهم عن فهم مغزى أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعض المواضع مغزى الحال لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا من أحد الأسباب لانحرافهم، فمثلاً قضية الدباغة وكونها مطهرة للميتة فإن النبي مر على أم سلمة أو غيرها فرأى شاة ميتة يعني كانت مريضة حية ثم ماتت فقال:- ( ما بال هذه الشاة؟ فقالوا إنها كانت مريضة، فقال: - هلّا انتفعوا بإهابها )، فهم فهموا أنَّ الشاة بعد أن تموت وتصبح نجسه وجلدها نجس يطهر جلدها بالدباغة، بينما مقصوده صلى الله عليه وآله وسلم ليس هذا، وإنما مراده أنَّ هذه الشاة حينما كانت مريضة ولا يؤكل لحمها فلم يذكّوها فلا أقل أنهم يذكونها لأجل أن ينتفعوا بإهابها إن لم ينتفعوا بلحمها.

فلاحظ أنَّ شواهد الحال اليت صدر فيها كلام النبي صلى اله عليه وآله التي هي من قبيل الأفعال لم يلتفتوا إليها، أو مثلاً لماذا هم يؤخرون العصر إلى خروج وقت فضيلة العصر، فهم يؤخرونها ثلاث ساعات مثلاً بعد الزوال إن لم يكن أكثر والحال أنَّ وقت فضيلة صلاة العصر قد انتهى؟، وحتى وقت الفضيلة للظهر أو العصر في أول الفضيلة أو وسطها أو آخرها فضلاً عن أن يؤخر عن وقت الفضيلة والحال أنه عندنا من يؤخر صلاة العصر عن فضيلتها لو كتب أنه يدمن على هذا الشيء فلو كان من أهل الجنة فسوف يكون ليس له مأوى في الجنة وإنما هو ضيف عند أهل الجنة، فخلوده في الجنة كضيف إلا أن تتداركه الرحمة الإلهية ولكن هذا بحث آخر، أو بحسب بعض التعابير أنه يدخل الجنة موتوراً، وموتور يعني أنه منقوص أي لا منزل له، ولماذا هم وقعوا في هذا الاشتباه؟ بين الامام الصادق عليه السلام ذلك فيقول:- إنهم وقعوا في هذا الاشتباه لأنه كان جدار مسجد الرسول بمقدار قامة، فهو يبين ملابسات الحال التي هي كالفعل ولولا بيان الامام الصادق عليه السلام لكان حتى المؤمنون يقعون في هذه الغفلة، فيبن الامام الصادق عليه السلام أنَّ جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمقدار قامة ورحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والرحل أي السرج الذي يوضع على الجمل أو الفرس - كان يضعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد وكان الرحل سُبْعَي القامة، فالنبي صلى الله عليه وآله قيل له ما هي فضيلة الظهر وما هي فضيلة العصر؟ فقال:- ( إذا كان مثل هذا فانتهى وقت فضيلة الظهر )، وفهم فهموا أنَّ ( مثل هذا ) يعني إذا كان مثل ظل جدار المسجد أي بمقدار قامت الشخص يعني أنَّ ظل الجدار يضاف إلى الرحل، والحال أن ( مثل هذا ) يعني بقدر الرحل الذي هو سُبعَين يعني إذا كان ظل الجدار مثل ارتفاع السرج الذي هو سُبعَي ظل الجدار فإن كان مثله فقد انتهت فضيلة الظهر وإذا كان بمقدار مثليه فقد انتهت فضيلة العصر، فهذا هو محصّل كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم فهموا غير ذلك حيث حذفوا المضاف إليه وظنّوا أنَّ المثل هو أنَّ ظل كل شيء مثله، يعني أنَّ الجدار مقداره قامة، والقامة يعني مثلاً من باب الشاخص، والشاخص هو أيّ شيءٍ له جسم شاخص إذا صار ظلّه في الشمس مثله، فهم أضافوا المثل لنفس الشيء بينما الجدار يضاف إلى الرحل لا أن يضاف إلى الجدار نفسه، فليس إذا كان ظل الجدار مثله وإنما إذا كان ظل الجدار مثل الرحل الذي هو سبعي الشيء وإذا كان مثليه يعني أربعة أسباع - أي مثلي الرحل - فإذاً أين تفسير هذا الشيء إذا كان ظل كل شيء مثله أو مثليه، ومتى يكون ظل كل شيء مثليه أي بعد ثلاث ساعات أو ثلاث ساعات ونصف بعد الزوال أما المثل فبعد ساعة ونصف مثلاً هذا على تفسيرهم، بينما على تفسير النبي صلى اله عليه وآله وسلم يكون المثل ثلاثة أرباع الساعة والمثلين اقصاه ساعة ونصف تقريباً، فهم ضيعوا الحدود، والعجيب أن هذه القرائن التفت إليها القدماء كالمفيد والمرتضى والطوسي وبن جمزة وابن البراج والصدوق وهذه القرائن كلها موجودة في الروايات، وإلا فأنه تضيفها مثل ومثلي الشيء هي تقية، فظل وقامة الجدار تضيفه إلى الرحل لا إل نفسه، وقد أفتى القدماء بذلك فهم متفقون إلى أبن إدريس حيث افتوا بالسبعين والأربعة أسباع لظل الشيء، ولكن المحقق الحلي والعلامة ومن أتى إلى يومنا هذا غفلوا عن ذلك، مع أن السيد الخوئي يفتي بنفس فتوى المحقق الحلي ولكن في ارتكازه هو أنَّ أفضل وقت لفضيلة الصلاة أن يأتي بصلاة العصر في داخل المثل، يعين ركّب بين قول المتقدمين والمتأخرين،.

فعلى أيّ حال ذكر الامام الصادق عليه السلام سبب اشتباه أولئك، فلاحظ أنَّ هذه الخصوصيات في الروايات مهمة جداً، فصحيحٌ أنَّ الاستنباط يحتاج صناعة أصولية وفقهية ولكن هذا بعد سلامة المواد التي يقف عليها الفقيه، أما إذا لم تكن المواد سليمة لديك فسوف تنبي هندسة على أرض غير أرضك، فأولاً عليك أن تعيّن الأرض وما هي مواد الاستدلال ثم ابنِ، وهذا هو ضرورة التضلع بعلم الحديث وعلل الحديث وما شاكل ذلك وإلا فسوف تخفى على الكثير من النكات ولو كان من أكبر الفقهاء لأنَّ الخطوة الأولى هي التضلع بشؤون وعلل الحديث وعلل الحديث يعين ألمور التي تعتور الحديث وتشوش أصل مادته وما أكثرها إن لم يتمرَّس الفقيه فيها ويتضلع في علم الحديث ودرايته.

فهم ذكروا أن فعل المعصوم حجة ولكن غالباً فعل المعصوم مجمل، يعين هو مجمل في التفاصيل، نعم أصل الفعل قد يكون بيناً وحجة ولكن غالباً في التفاصيل هو مجمل، فإذا اتضح هذا فإنَّ الكثير أنه حتى لو كان زرارة ينقل لنا حال من أحوال الامام الصادق فليس بالضرورة أن زرارة وعيه العلمي أدرك خصوصيات فعل الامام الصادق عليه السلام وكذلك هشام بن الحكم وكذلك سلمان المحمدي فغن سلمان لم يدرك مغزى جملة من مواقف أمير المؤمنين في السقيفة وفي ذلك روايات موجود والحال أنَّ سلمان هو أفطن الحواريين، فإذاً فرقٌ بين المعصوم وبين غير المعصوم ولو بلغ غير المعصوم ما بلغ، لأنَّ مغزى فعل المعصوم ليس بالضروري أن يفهمه غيره نعم قد ينطبع لديه عن فعل المعصوم والحال أن واقع فعل المعصوم شيء آخر، وهذه نكات مهمة جداً لعلاج الكثير من التساؤلات في سيرة المعصومين وفي نقل الرواة فضلاً عن النقل التاريخي الذي هو الراوي التاريخي كل من هب ودب، قد يقول قائل كيف قال الامام كذا؟ والحال أنه يلزم أن يعرف بيئة القول لأنَّ بيئة القول ليست لفظية وإنما هي شواهد الحال التي صدر فيها هذا القول من المعصوم عليه السلام فهي ليست لفظية وإنما هي من قبيل الفعل، فإذاً هذا مبحث حساس ومهم سواء كان للمؤرخين او لكتّاب السيرة أو لعلماء الكلام أو لعلماء التفسير أو لعلماء الفقه كما بين الامام الصادق عليه السلام ولكافة العلوم الدينية، فغن ملابسات فعل المعصوم لا يمكن الاحاطة بها، ولعل أحد معاني ( يا علي لا يعرفني إلا الله وأنت ) فإنَّ مغزى أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يفهما الكثير ممن يلابس، مثلاً ألم ننقل أن أم هانئ من الدائرة الاصطفائية الثانية وتوجد شواهد روائية عديدة على أنها مصطفاة وهي أخت أمير المؤمنين عليه السلام وهي جليلة وعظيمة ولكنها لم تدرك بعض أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام مع أنها مصطفاة، إلى أن أتت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فنبهت أم هانئ على مغزى فعل النبي صلى الله عليه وآله وفعل أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك نبه النبي أم هانئ على فعل امير المؤمنين، فالمقصود أن ام هانئ هي من الدائرة الاصطفائية الثاني ولكنها لا تحيط بمغازي أفعال الدائرة الاصطفائية الأولى فكيف بك ببقية الرواة وكيف بك بمن هبَّ ودبَّ من الرواة، ولذا قال الأصوليون بأن الأقوال ابين من الأفعال وابين من التقرير، وإن كان قول المعصوم وتقريره وفعله حجة ولكن أبعاد ومغازي ودواعي الأفعال أو التقرير أو السكوت يصعب فهمها، أصلا نفس هذا المطلب قول فاطمة عليه السلام ( يا ابن أبي طاب اشتملت عني ... ) فلماذا تقول هذا الكلام والحال أنها نورٌ واحدٌ وتعلم كيف أوصى النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام؟ إنه ورد في الروايات أنَّ ذلك كان لأجل أن لا يلتبس على الحواريين فعل أمير المؤمنين عليه السلام، فهي توضح ما يختلج في صدورهم كي يبين أمير عليه السلام بلسانه ولو للخواص لا لعموم الأنصار والموالين بأنَّ ما فعله ليس مداهنةً مع أولئك وإنما هو وصية من الله تعالى كي نحافظ على أصل الدين وإلا فهؤلاء إذا شُدِّد عليهم فسيخرجون من أصل الدين ﴿ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على قبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ﴾ أي سيخرجون من الدين، فلهذا السبب لم يتشدّد معهم وإنما يقتنع بالإسلام الصوري لهم عن الايمان، فهي حينما تحرك أمير المؤمنين لبيان الملابسات لأن الحواريين قد التبس عليهم فكيف بغيرهم، ومن ثم أنه في ظاهر الأمر أنها تطلب وطلبها لا يرد لأنها معصومة ومصطفاة وبيت النبي وقد امر النبي صلى اله عليه وآله وسلم أن ينفذ أمير المؤمنين، فحينما طلبت ذلك انبرى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الخيار الآخر وهو خيار المواجهة فحينما انبرت هي عليها السلام وأوقفته عن ذلك، فلماذا كأنما ظاهراها تطلب ذلك؟ لكي تبيّن ما يختلج في صدور الحواريين ما لا يفهمون إلى أن ينبري أمير المؤمنين عليه السلام فينطق لهم ويبيّن، يعني مثل ما نقول هو سيناريو بين فاطمة وعلي عليهما السلام كي يرفع الالتباس عن أولئك، وحتى ما جرى بين موسى وهارون أيضاً هو سيناريو، يعني كي يفهم قومهم أنَّ سكوت هارون لم يكن ارتضاءً لما فعلوه، أو في يوم القيامة أنَّ الله عزَّ وجل بعاتب النبي عيسى عليه السلام والحال أنه يعلم بعيسى عليه السلام فإنه خالقه فكيف يعاتب النبي عيسى ويقول له ﴿ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ﴾، فهذا باب واسع في أفعال المعصومين عليهم السلام يجب الالتفات إليه، فيجب أن يلتفت الانسان إلى أنَّ هذه الملابسات ما هي، لأن هذا ما أكثره حتى في أبواب الفقه والروايا، مثلاً توجد رواية أيضاً وقف الفقهاء فيها أنَّ الامام الباقر لم يغسل لمعة في ظهره في غسل الجنابة ولكن الراوي انطبع هذا عنده ولكن لعل هذه المنطقة قد غسلت ولكن انزاح عنها الماء بسرعة فظن الراوي أنَّ الامام لم يغسلها فقال له الامام عليه السلام فقال هلا كذا وكذا، فكيف ينسى الامام أو يغفلن ومن هذا الحال كثير، فإنَّ انطباع الراوي شيء وحال فعل المعصوم عليه السلام شيء آخر، وهذا علاج لكثير من المواطن والموارد في الروايات.

نعود إلى ما كنا فيه: - وهو أنَّ نفس قيء المعصوم عليه السلام يدل على الحرمة الشديدة، ولو من باب الظاهر أن المعصوم عليه السلام جارى السائل ولكن هذا له أهمية، ومن ثم نرى المعصومين عليهم السلام يقومون بإجراءات هي صورية ولكنه لكي يبين للطرف الآخر أهمية الشيء مع أنه ليس موردها.

وأعوذ بالله أن نحصر الحجية بزرارة وأمثاله بل المنبع الأول للحجية هو الضروريات أي التي ثبتت بالوحي فإن الوحي يثبت نفسه، ولكن في ضمن إطار الوحي والخطوط الحمراء للوحي نقبل الظنون المعتبرة ، ولذلك من الخطأ أن يعوّل على المعتبر أنه كل شيء وأنه حجة منفردة، وهذا ما يشدد عليه المفيد والمرتضى وغيرهما بانه كيف تعوّل على الظن المعتبر منعزلاً عن مجموع الأدلة، ومن ثم إنكار جملة من المتأخرين على المتقدمين بأنه كيف يعملون بالخبر الضعيف والحال أنه لا يعمل بالخبر الضعيف لوحده وإنما يعمل بمجموعة التراث والمهيمن في التراث هو المحكمات الوحيانية ثم الضروريات اليقينية من التواترات الحسية وهلم جرا، وإلا أن نجعل الاعتماد على الخبر الصحيح الظني كالخبر المتواتر فهذا كيف يصير؟!! بل الخبر المتواتر له شأنه وخبر الآحاد ولو الصحيح له شأن آخر دون الخبر المتواتر، ولذلك منهجة المشهور وبل المشهور وحتى الانسداديين من المتأخرين هي منهجة مجموعية منظومية في الحجج، لا أنه ينظر إلى هذه الرواية بنفسها بمفردها ولا غير، وهذا المنهج قد بنى عليه الكثير من أصحاب هذا العصر والحال أنَّ هذا غير صحيح، بل عليَّ أن أنظر إليها ضمن المجموع، فإنَّ النظر إليها ضمن المجموع هو شيء آخر، بل بالعكس فهو حينما يأخذ الخبر الضعيف ضمن المجموع فسيكون هذا الخبر الضعيف قد ارتقى إلى قريب المتواتر، بخلافك الذي اعتمدت على الظن الصحيح المعتبر فإنك قد بقيت في دلالةٍ وإطارٍ ظنّيٍ ولم يرتقِ إلى الاطمئناني أو اليقيني. فإذاً منهج القدماء أمتن من منهج المتأخرين.

الرواية الثانية: - عن أبي الحسن - أي الامام الرضا - عليه السلام، قال: - ( سمعته يقول:- الميسر هو القمار ).

وأنا إنما أطلت في قضية فعل المعصوم لأنَّ هذا بالحث يتكرر في أبواب كثيرة وفي روايات أبواب كثيرة فيلزم الالتفات إليه، وهل أنا مثلاً اعتقادي بالإمام الصادق عليه السلام ثبت عن طريق زرارة أو محمد بن مسلم؟ كلا أبداً، ولذلك نحن مذهب الامامية نقول إن الدين لم نستلمه من الصحابة القرآن الكريم لم نستلمه من الصحابة وإنما استلمنا الدين والقرآن الكريم من نفس الوحي فإنَّ القرآن الكريم هو يثبت نفسه لا أنَّ الصحابة تثبته، هذه المعادلة الناموسية والمقدسة التي يردده علماء الامامية وهي أن اجماع الأمة من غير المعصوم يعني من غي الوحي ليس بحجة يعين ليس بحجة وحيانية ولو كان تواتراً وإنما يبقى يقيناً حسّياً وليس يقيناً وحيانياً، أما اليقين الوحياني فهو فوق اليقين العقلي، واليقين العقلي فوق اليقين الحسي، فهل اعتمد في التراث على علم الرجال؟ كلا أبداً وحاشى أن أعتمد على علم الرجال فقط، وهذا ذكره علماء الأصول في الانسداد وأنه تمسكنا بالتراث لا لأجل الثقات فإنَّ دور الثقات هو الظن والظن لا يغني عن الحق شيئاً، وإنما أنا أعتبر أنَّ هذا التراث وحياني إجمالاً وليس تفصيلاً، فهل أنا أخذته من توارت رواة الشيعة؟ كلا أبداً، فإنَّ رواة الشيعة المؤمنين قامتهم ليست بقدر قامة الوحي، فهل نقول هذا التراث وحياني لأجل ثقات الشيعة؟ كلا، فإنهم أنى لهم شم الوحي وأنى لهم إدراك الوحي لكي يوحوه لنا، فإنَّ عقولهم وعقولنا واحدة في التلقي للوحي ودركه، كما أنه ليس اعتمادي على التراث لأجل الكتب الرجالية لعلماء الامامية كلا أبداً فإنَّ هذا لم يقل به أحد من علماء الامامية فلاحظوا كلمات العلماء، أليس نرجع إلى علم الأصول؟ فارجعوا إلى علم الأصول في بداية علم الانسداد في المقدمة الأولى من مقدمات الانسداد التي اتفق عليها كافة الصوليين سواء كانوا انسداديين أو انفتاحيين فإنه لم يخالف أحد من علماء الأصول فيها فهم يقولون في المقدمة الأولى هو أن الاعتماد في وحيانية تراث الحديث ليس على كتب علم الرجال أبداً بل على الأدلة الموجودة في علم الكلام لوحيانية الوحي، الذي يثبت التراث بشكل إجمالي ليس وثاقة الرواة ولا تواتر الرواة فإنَّ تواتر الرواة لا يكفي في اثبات الوحيانية وهذا من خصائص أهل البيت عليهم السلام وهذه المعادلة عقلية بامتياز، فلا تختلط عندنا الأمور، نعم دور علم الرجال يأتي بعد علم الكلام وبعد الأدلة الوحيانية فهو يأتي بالتفصيل الظنية وهي محكومة بالاطار الوحياني - الضروريات - ومرَّ بنا أنه حتى الفقيه في فتاواه والراوي في روايته وعلم الرجال في كذا محكوم بالضروريات الوحيانية، فكلها تحت هيمنة المحكمات الضرورية الوحيانية لا يشذ منها شاذ، وهذه المحكمات الضرورية الوحيانية لا ثبتت بالرواة ولا بالصحابة ولا بالمسلمين كافة فإن المسلمين من زمن النبي إلى الآن هم ملايين فهؤلاء الملايين لا يثبت بهم الوحي كوحي بل نعم هم آلة لإيصال تكوين الوحي لا اعتبار الوحي أنه وحي، وقد قلنا إنه يوجد فرق أن الرواة كتواتر أو كأخبار صحيحة أو حتى ضعيفة الايصال التكويني يتم عبر المؤمنين والمسلمين لا اعتبار ما وصل منهم أنه وحياني، فإنه اعتبار أنه وحياني ليس منهم، وللأسف هذه الأبحاث الصناعية أصولية وكلامية الآن في هذه الأجواء في الأوساط العلمية مغفول عنها مع أنها محررة في علم الأصول بشكل واضح جداً، فعلى أي حال هذا المقدار كاف، ولكن لماذا تعرضنا له؟ لأنَّ هذا البحث رواية تقول فعل المعصوم كذا أو كذا ولكن يجب علينا أن نلتفت إلى الاجمال إلى فعل المعصوم ولكن ماي نطبع عند الراوي من فعل المعصوم فإن هذا الراوي ليس معصوماً ولو كان هو زرارة أو كان سلمان مع إجلالنا لهم ولكن الموازين هي هي، وإنما المعصوم عليه السلام بيانه بالمعصوم، هي نبوة النبي عيسى عليه السلام ليست بقامة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا بنص القرآن الكريم ﴿ وتلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض ﴾، وكذلك النبي ابراهيم عليه السلام قامته ليست كقمة نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإصدار الوحي الموجود عند النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس موجوداً عند النبي إبراهيم عليه السلام فكيف أثبت وحيانية النبي صلى الله عليه وآله من خلال زرارة أو من خلال بعض الصحابة؟!!، فهل أنا أخذت الديم منهم؟ كلا أبداً وإنما أخذته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما دور الصحابة والتابعين هو الايصال التكويني وليس الاعتبار، فإنَّ اعتبار ما وصل هو بالوحي نفسه، جبرئيل عليه السلام لاتصل قامته بقامة وحياني سيد الأنبياء بنص القرآن الكريم، وكذلك ميكائيل وإسرافيل فكيف بالرواة؟!!، فهذه الأمور يلزم أن نميزها ونفككها، وهذا من خصائص مذهب أهل البيت عليهم السلام الذي ميّز بين هذه الأمور.

وخلاصة البحث في هذه المسألة: - هو أنَّ ما نشاهده في كتب المؤرخين أو المقاتل أو كتب الحديث أو كتب السير أو كتب الآثار من شؤون وشجون وحالات وسير المعصومين عبارة عمّا انطبع عند الرواة بقدر فهمهم وبقدر عدسة عيونهم لا أنه هو الواقع من كل جهة، وهذا يجب أن نلتفت إليه فإنَّ المعصوم له شأن آخر فإن وحيانيته وعصمته لم تثبت عن طريق هؤلاء وإنما هي ثبتت من جهة أخرى، وهذا كمبحث اثاره الفقهاء في أبواب عديدة نظراً لوجود روايات، وقد يقول قائل لماذا فعل المعصوم هذا الفعل؟ إنَّ النكتة هي هذه فإنَّ قامة النبي صلى الله عليه وآله لا تصل إليها قامة الأنبياء عليهم السلام فضلاً عن قامة الرواة أو الصحابة، فإنَّ الصحابة عاشوا عمراً في الخمر والكبائر وما شاكل ذلك قبل أن يسلموا، فهؤلاء هل يصلون إلى قامة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم الطهر الطاهر المطهَّر؟!! إنَّ هذا غير ممكن، فلا يمكن أن أربط طهارة أهل البيت عليهم بطهارة فلان وفلان من الصحابة؟!! كلا فإنَّ هذا معيب.