الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - فقه النظام والفقه الفردي - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا أنَّ هناك بتصريح من جلّ الأعلام أنه يوجد ارتباط بين البحث في القمار في المكاسب المحرمة مع البحث في باب المراهنة أو المسابقة، والأعلام عنونوه بعنوان المراهنة وليس الرهان فإنَّ باب الرهن غير باب المسابقة فإنَّ باب الرهن على الدين أو شيء آخر هو باب مستقل ولكن يوجد باب آخر غير باب الرهن وهو باب المراهنة أو المسابقة، فالأعلام صرحوا ب وجود ارتباط بين هذا البحث وذاك البحث وذكروا أنَّ الروايات الواردة في باب المسابقة هنا دخيلة، يعني الشيخ الأنصاري من قبله وبعده ذكروا أنه لا سبق إلا في ثلاث يعني مسابقة فالسبق بتسكين الباء أو بفتحها وعلى كلا القراءتين سيأتي بحث المعنى فيهما، فهذه روايات واردة في باب المسابقة والمراهنة مع ذلك الأعلام أقحموها هنا في باب آلات القمار لوجود الماهية المشتركة، ومما ينبه على أن الفقيه إذا أراد الاستنباط لا يصح أن يجمد على لفظة موضوع المسألة وهي القاف والميم والألف والراء وإنما هذا جمود سطحي قشري وإنما يجب أني علم صناعة التحليل ويغوص في المعنى، ومرَّ بنا عنوان المراهنة موجود وعنوان التحدي والمغالبة موجود وعنوان المخاطرة والمغالبة موجود والقرعة والاقتراع موجود ولعب مجوني موجود، فعدة ماهيات موجودة في عنوان القمار وليس عنواناً واحدًا فلا يقال إنه يبحث في القمار ولكن أخذ بنا إلى بحث آخر ولكن نقول إنَّ كل الأعلام أخذونا إلى هناك لأجل أنَّ موضوع المسألة هو منطوي ومتضمن لماهيات عديدة يجب الالتفات إليها ولا تكن اسير لفظة واحدة وعنوان واحد، مثلاً تريد أن تبحث الشعائر فهل أدلة الشعائر هي فقط الآيات التي تضمنت كلمة الشعائر بل عليك أن تحلل ماهية الشعائر ما هي كم عنوان فيها وكم ماهية فيها حينئذٍ ستتوفر وستتكاثر لديك الأدلة وسترى أنَّ هذه الموضوعات هي في الحقيقة مرتبطة شبكياً ماهوياً بأبواب عديدة وهذه خطوة مهمة في الاستنباط ليس فقط في المقام بل في كل مقام وفي أيّ مسألة مما يدل على أنَّ المسائل وإن كانت كثيرة عديدة ذات عناوين متباينة ولكن هذه المسائل موضوعاتها مرتبطة ماهوياً شبكياً في كثير منها فهي مرتبطة مع فئة من الأبواب، وهذا الأمر غالب في البحث الفقه أو في العلوم الدينية لا اقل وهو خطوة مهمة في الاستنباط، أولاً قد تكون نفس الأدلة الخاصة الواردة في هذا الباب هي ترد في عناوين متعددة، وهذا يكون افضل وأفضل لأنه حتى الذي عنده حالة غفلة في الاستنباط سوف يستيقظ لأن الأدلة الخاصة هي وردت بألفاظ متعددة، أما إذا لم ترد بألفاظ في ألفاظ متعددة فاللازم على الفقيه أو أوائل مراحل الاستنباط أن يحلل الماهية كم جنس لها وكم فصل لها وكم أجزاء ماهية لها وسيتعدد بالتالي الماهيات وسيتعدد ارتباط هذه المسألة بفئة من المسائل موزعة في الأبواب وأدلتها لها نحو ارتباط بهذه المسألة، لذلك كمثال لو أراد فقيه أن يستنبط ما رؤية أهل البيت حول النظام العسكري والأمني للمؤمنين في الغيبة الكبرى، فلو سئل بأنه ما هي رؤية الفقه الجعفري حول النظام العسكري والكيان العسكري والأمني في زمن الغيبة فهل توجد رؤية او لا؟، من الخطأ أنَّ تتصور في النظام الفقهي في ترسيم نظام عسكري أو أمني في أبواب الفقه الجعفري هل هذا صحيح أن أذهب فقط إلى كتاب الجهاد واقول هذا كتاب الجهاد يتوفر على كل رؤية الفقه الجعفري حول الكيان العسكري والبنية الأمنية والعسكرية؟ كلا فإنه لا يمكنك لملمة وجمع تصوّرٍ منظوميٍ واضحٍ كاملٍ عن الكيان العسكري والرؤية العسكرية للفقه الجعفري أو النظام الأمني أو بالتالي القوة وهو ما يشمل القوة المدنية الناعمة وقوة السلاح الأبيض وقوة السلاح الناعم وهذه أعم من العسكرية وحتى يشمل كيان التسلح العسكري والأمني من باب الجهاد فقط، فلا يمكن أن تفق على رؤية كاملة للفقه الجعفري من خلال كتاب الجهاد، ولماذا؟ أمس مرَّ بنا أنَّ باب المسابقة هو باب لغته عسكرية أمنية بامتياز ولكن بلغة ناعمة وردية وهذا من بدائع الابداعات الدينية، فهو يأتي لك بلغة مدينة ناعمة ولكنها متضمنة في داخلها مشروع ضخم حتى لا تتخوف أما الظالمين والأعداء، فلاحظ أنه إذا لم نقرأ قراءة عميقة لباب السبق والرماية، الرماية ليس رماية نبل فقط وإنما تسابق في رمي الصواريخ والنووي والنانو وأمور كثيرة فالرمي لا يراد به رمي السهام والنبال وإنما باتفاق الفقهاء المراد منه ليس رمي النبل فقط وإنما هو باب مفتوح، فإذا كيف استطيع أن أجمع صورة كاملة عن النظام العسكري في الفقه الجعفري بمراجعة باب الجهاد فقط فإنَّ هذا خطأ، وأيضاً باب مسألة أخرى مرت بنا وهي أنه يحرم بيع السلاح إلى أعداء الدين فهذه المسألة أيضاً مرتبطة بالكيان العسكري، فإذاً لاحظ أنَّ الكيان العسكري الذي يرسمه الفقه الجعفري في الأبواب موزع في أبواب عديدة، واللطيف أننا لا نريد أن نرسم هذا النظام على بعض الفتاوى اليت تؤمن بالنشاط السياسي في الغيبة الكبرى بل حتى على من يبنون على مبنى آخر وهو عدم النشاط المعلن السياسي، أيضاً هم متفقون على هذه الأبواب، فلملمة هذه الأبواب هي عبارة عن كيان نظام عسكري، مثلاً شخص يريد أن يعرف مبنى السيد الخوئي في الغيبة الكبرى والرؤية السياسية له في الغيبة الكبرى فهل أذهب وأبحث في بحث ولاية الفقيه وأنه لا يراها؟ كلا، فلاحظ أنَّ النظام السياسي هو بحث معقد، ما هي رؤية السيد الخوئي نموذجاً من أعلام الامامية في أبواب الفقه في النظام السياسي فهل فقط أقول إنَّ السيد الخوئي لا يؤمن بولاية الفقيه فقط أو أنه يؤمن بها بمعنى آخر وهو الحسبة، ولكن بغض النظر عن كونه يؤمن بهذا المبنى أو لا يؤمن به هل يستطيع أن يشكل رؤية السيد الخوئي كاملةً من خلال الفترة التي عاشها السيد الخوئي مع البعثيين فلماذا لا اقرأ تاريخ السيد الخوئي في أيام شبابه فإنَّ تاريخ السيد الخوئي في شبابه شيء آخر، أو دع عنك السيد الخوئي رضوان اله عليه في شبابه وشيخوخته وإنما هل أقرأ مبنى السيد الخوئي ومبناه من خلاف بحثه في البيع في ولاية الفقيه وأنه لا يراها بنص خاص ولكنه تبناها بالحسبة، أو دع عنك هذا المبحث ولكن هل استطيع أن اشكل رسما واضحاً للسيد الخوئي أو لفقهاء الامامية من خلال البحث في باب معين وأن الولايات كيف هي وكيف درجاتها، بينما السيد الخوئي رؤيته في باب الجهاد في المنهاج الذي هو كتاب فتوائي لماذا أقحم السيد الخوئي الاستدلال في كتاب الجهاد في المنهاج، ولا تقل إن هذا رأي علمي ولا يتبناه فتوائياً كلا وإنما يتبناه فتوائياً لا أنه يتبناه علمياً فقط، فلاحظ كتاب الجهاد للسيد الخوئي فإن السيد الخوئي يؤمن بأنَّ النشاط العسكري لكيان المؤمنين يجب أن يكون موجوداً وقائماً وله نشاط وفعالية عسكرية في السنة مرة على الأقل، هذا هو رأيه، فلاحظ أني إذا أردت أن أجمع الرؤية السياسية للسيد الخوئي في الغيبة الكبرى لا أستطيع أن أجمعها من باب واحد وإنما يجب أن أحيط بالمسائل المتعددة المرتبطة بشبكة ماهوية منظومية واحد، وهذه نكتة مهمة وهي ما يعبرون عنه بفقه النظام، فيوجد فرق بين الفقه الفردي والفقه المجتمعي فإن هذا نمط آخر ومنهج آخر ويوجد منهج ثالث وهو فقه الأنظمة، وفقه الأنظمة أكثر تعقيداً من الفقه المجتمعي أو حتى من الفقه السياسي، وهذه ليست اصطلاحات يتشدق بها الفقهاء في هذا العصر وإنما هذه اصطلاحات صناعية حقيقية فطن لها من فطن وغفل عنها من غفل، ما هو معنى الفقه الفردي؟، لا أقل تبويب الفقه في رؤية المجتهد وفي استنباطه مهم جداً، فما هو الفقر بين الفقه الفريد والفقه المجتمعي والفقه السياسي وفقه الأنظمة؟، هذا فرق صناعي وهو صناعة فقهية بامتياز وليست عبارات براقة أطلقها فقهاء هذا العصر وإنما هي حقيقية وإن لم يذكرها القدماء، وطبعاً قديماً يذكر في الكتب عند الفريقين تعبير غير فقه الدولة وفقه النظام كما يوجد كتاب عند العامة قبل قرون كثيرة يذكر فيه الأحكام السلطانية وهو نفسه فقه النظام، مثلاً أريد أن أبحث باب القضاء الآن فهل القضاء هو قضاء فردي أو هو قضاء مجتمعي في النزاعات الاجتماعية العامة أو هو قضاء سياسي في القضايا السياسية أو هو قضاء نظام؟، هذه أربعة مناهج صناعية، ولماذا نؤكد على هذا المطلب؟ كي لا يتخيل الباحث والمجتهد في الفقه أن المسائل كلها فقه فردي فإنَّ هذا غير صحيح، مثلاً الجهاد ليس له ربط في الفقه الفردي فقط وإنما شأنه واضح وهو شأن مجتمعي سياسي، مثل ما قسّم علماء الأصول الواجب الكفائي والواجب العيني والفرق بينهما، مع أن الواجب العيني لا يختص بالفقه الفردي وإنما قد يكون الواجب العيني في ضمن واجب مجتمعي أو واجب سياسي أو واجب نظامي ولكنهم قسموا الواجب إلى عيني وكفائي، فإذاً هذا له تخريج صناعي، كذلك لدينا واجب تخييري وواجب تعييني الذي هو من تقسيمات الوجوب أيضاً، كذلك الحال ما هو الفرق بين الفقه الفردي والفقه المجتمعي والفقه السياسي والفقه النظامي، وقد يتساءل شخص ويقول أليس الفقه المجتمعي هو نفسه الفقه النظامي والأنظمة؟ كلا بل هو يختلف عنهما، وما الوجه في الفرق وما هو القالب الصناعي ولماذا نطرح هذه الضرورة؟، مثلاً لدينا الفقه السياسي أليس هو نفس فقه النظام السياسي فما هو الفرق موضوعاً؟، كلا فإن الفقه السياسي يختلف عن فقه النظام السياسي ماهوياً وموضوعاً، وهل للشارع أحكام ترتبط بالنظام؟ نعم توجد أحكام ترتبط بالإمام، الامامة بلغة ففقهية أو نيابة حاكم الشرع، فحاكم الشرع يعني نظام، سواء مكان الحاكم الشرعي هو نيابة عن المعصوم أو هو المعصوم عليه السلام، وسنبين الآن الفرق الصناعي بين النظام وبين الفقه السياسي وبين الفقه المجتمعي، أما افتراق الفقه المجتمعي عن الفقه الفردي فواضح فإنَّ الفعل الذي له طابع الظاهرة الاجتماعية فهذا الفعل ليس فعل فرد وإنما لا محالة يكون فقه مجتمعي لأنه يتطلب اجتماع وظاهرة عامة وهذا معناه أنه فقه مجتمعي، فإذاً الفقه المجتمعي غير الفقه الفردي فإن الفقه المجتمعي يتشارك فيه الأفراد كلهم، والميرزا النائيني في كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة ركز على المغايرة بين الفقه الفردي والفقه المجتمعي، وما الفرق بين الفقه الاجتماعي والفقه السياسي؟ الفقه المجتمعي يعتمد على الفعل الذي هو ظاهرة اجتماعية كظاهرة في باب النكاح أو ظاهرة عبادية أو ظاهرة في ابواب أخرى، أما الفقه السياسي فهو يعتمد على نوع من تسييس المجتمع أي الفعل الذي فيه حالة تسييس يعين مرتبط بالقدرة والسيطرة فإنَّ السياسة يعني السيطرة والسلطة، فبالتالي هو يتميز عن الظاهرة الاجتماعية بالمعنى العام، وما الفرق بين الفقه المجتمعي أو الفقه السياسي وفقه النظم؟ فقه النظم يعني أنه يلاحظ الهيكل الهندسي الذي ينظم المجتمع سياسياً واقتصاديا وتجارياً وأمنياً وعسكرياً، هيكلة وتبويب وهندسة المجتمع في بعد العسكرة وفي بعد الأمن وفي بع المال وفي بعد السياسة وفي بعد القضاء فإنَّ هيكلة المجتمع وهندسته يعبر عنها بالنظام والنظم، وهل هذا موجود لدينا؟ نعم هو موجود، مثلاً هل نظام المرجعية في الأدلة الواردة عن ائمة أهل البيت عليهم السلام في تنوي بالفقهاء هي أحادية أو مجموعية أو جميعية أو ماذا فما هي هندسة النظام فبالتالي هو نظام قيادات ومدراء فهي بأي شكل وبأي نمط فهل هو على نحو العموم الاستغراقي أو الموم المجموعي أو تعدد الأجهزة أو فيدرالية أو كونفيدرالية أو ملكية؟ بالتالي هذه كلها صور هندسية متعددة، فإذاً الفقهاء حينما نصبهم الأئمة عليهم السلام فهل نصبوهم بنظام أو باللا نظام؟ إنه ليس من المعقول أنهم نصبوهم بشكل هرج ومرج وإنما لابد من وجود نظام معين، فإنَّ الفتوى سلطة تشريعية والقضاء أيضاً هو سلطة قضائية شرعية، فذلا قيل ايضا بالنشاط السياسي في الغيبة الكبرى فأيضا هي سلطة سياسية، فإذاً سلطة الفقهاء أو فعالية الفقهاء النواب العامين هل هي تحت نظم أو ليس في البين نظام وهل بحث الفقهاء عن هذا النظام؟ نعم بحثوه بامتياز في باب الاجتهاد والتقليد فلاحظ باب الاجتهاد والتقليد في العروة وأنه ما هي العلاقة القانونية الشرعية بين الفقيهين والفقهاء وهل يمكن التعدد أو لا يمكن التعدد وهلم جر، فلاحظ إنَّ هذه البحوث ليست مرتبطة بالفقه الفردي وليست مرتبطة بالفقه المجتمعي وليست مرتبطة بالفقه السياسي وإنما هي مرتبطة بفقه النظم.

فإذاً من الدقة الصناعية بمكان أن نميز بين فقه النظام وبين غيره، وقد يسأل سائل هل يوجد عندنا نظام اقتصادي أو لا؟ وهل يوجد عندنا نظام مالي أو لا؟، عندنا أو ليس عندنا أولاً لنعي ونتفطن ونستيقظ ما هو معنى النظام؟، يعني الفقه الباحث حول هيكلة ومجموع المجتمع في بيئة معينة بيئة مالية أو بيئة عسكرية أو بيئة أمنية أو بيئة إعلامية أو تجارية أو زراعية، فهل للفقه الجعفري نظام حول إحياء العمران والمدن أو أنَّ القضية من دون نظام؟، فلاحظ أنَّ النظم الاجتماعي لا يمكن أن يؤمنه الفقه الفردي وإنما يؤمنه مسائل ترتبط وتتعرض للنظم، أي هندسة مجموع المجتمع، الفقيه أو المجتهد إذا ركز على فقه النظم تلقائياً يصير دوره الأدائي في المجتمع أكثر تأثيراً، وليس فقط الفقهاء والمجتهدين وإنما الفضلاء والخطباء أيضاً كذلك فإنهم إذا التفتوا إلى فقه النظم فسوف يلتفتون إلى كيفية هندسة الشارع لنظم المجتمع في أي بيئة من البيئات، فلاحظ مثلاً يحرم بيع السلاح على أعداء الدين، فهذه حرمة بيع السلاح، وهذه المسألة مرت بنا ولكن يوجد اتفاق من فقهائنا الاخباريين والأصوليين القدماء منهم والمتأخرين على الفتوى ولا يوجد فقيه منهم لم يفتِ بها، وهذه الفتوى تتضمن كم مقدمة مفروغ عنها، وهل هذه المسألة فقه فردي؟ إنها ليست من الفقه الفردي فقط، وليس من الفقه المجتمعي فقط، وإنما هي تنظم العلاقة بين المجتمع المؤمن والمجتمع المعادي، فلنمتحن أنفسنا علمياً من أوَّل الفقه إلى آخره أيّ مسألة هي نظامية وأيّ مسألة هي مجتمعية وأي مسألة هي سياسية وأي مسالة هي فردية، وجملة من الأعلام ربما كتبوا في باب النظم وهذا مهم.

فإذاً فقه النظم بحثه الفقهاء ولكنه مشابك مع القه المجتمعي أو الفقه السياسي أو الفقه الفردي ولكنه موجود لا أنه غير موجود أما كيف أستخلصه فهذا بحث مهم وإلا إذا لم أستطع أن استخلصه وأميزه، فقد أسأل هل للفقه الجعفري رؤية حول النشاط العسكري في الغيبة الكبرى أو لا فأقول لا، وهذا خطأ، أو أسأل هل للفقه الجعفري رؤية حول النظام الأمني أو لا وحول النظام السياسي أو لا؟، وحينما أقول فقه جعفري يعني فقه يشرف عليه أهل البيت عليهم السلام بما فيهم صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فبالتالي هم يشرفون على الفقه فإلى أين يسوقوننا وفي أيّ مجال؟، فإذاً هذه نكات مهمة جداً، فإذاً هذه صناعة فقهية يجب ان نلتفت إليها، الآن مثلاً الذين يحثوا من الفقهاء كتاب القضاء صاحب الجواهر التزم بمباني عديدة في القضاء فإن صاحب الجواهر لا يتبنى ان القاضي لا يجب أن يكون مجتهداً، ونحن لسنا بصدد صحة هذا لرأي أو لا ولكن صاحب الجواهر استدل بأدلة ترتبط بالنظام القضائي وليست ترتبط بالقضاء كقضاء فردي وإنما استدل بالقضاء كظاهرة نظام واستدل بالقضاء كظهرة اجتماعية ضرورية، مثلا اقامة الحدود في الغيبة الكبرى مشهور علماء الامامية على مشروعية إقامة الحدود في الغيبة الكبرى إلا القليل منهم وإلا فالأكثر منهم بنوا على أقامتها في الغيبة الكبرى وهم استدلوا على ذلك بأدلة عديدة، ووجوب إقامة الحدود في زمن الغيبة الكبرى والحدود بلغة عصرية يعني نظام العقوبات الجنائية والتي هي من أحد فعاليات النظام السياسي، فأنت إذا أردت أن تستخلص رؤية متسالم عليها من فقهاء الشيعة وكلامنا ليس في غير المتسالم عليه وإنما دائماً نحن نريد أن نبني رؤىً على ما اتفق عليه علماء الامامية لا على ما اختلفوا عليه كي لا يزايد أحدٌ عليه، ففقهاء الامامية جلّهم يبنون على إقامة الحدود في الغيبة الكبرى، وحتى السيد الخوئي تعرض إلى هذا في المنهاج فهل هذا فقه فردي؟ كلا، وهل هو فقه مجتمعي محض؟ كلا، وهل هو فقه سياسي محض؟ كلا، وإنما هو فقه نظام، ولذلك في تلك المسألة استدل الفقهاء على ضرورة إقامة الحدود في الغيبة الكبرى بأدلة نظامية، فجملة من المسائل التي استدل بها أكثر علماء الامامية في المكاسب المحرمة تقدمت وستأتي استدلوا على الوجوب لأجل النظام، وقد مرّ بنا في أوّل المكاسب المحرمة أنهم قالوا إنَّ المكاسب قسم منها واجب وقسم منها حرام وقسم منها مكروه وقسم منها مستحب وقسم منها مباح، فهي خمسية أقسام تعرض لها فقهاء الامامية في بداية بحث المكاسب المحرمة واستدلوا للمكاسب الواجبة بدليل نظامٍ ونُظُم، فإنَّ بعض الأمور في المكاسب أو المعاملات تجب لضرورة النظام، فإذاً هذا من التصريح بمكانٍ بأنَّ فقهاء الامامية يتعرضون لفقه النظام، وفقه النظام أهم بكثير من الفقه الفردي مع تقديس كل تشريعات الشريعة، وأهم من الفقه المجتمعي وأهم من الفقه السياسي، واكتشاف فقه النُظُم والنظام شيء مهم جداً في المسائل والأبواب الفقهية.

هذه هي خلاصة بحث اليوم.