الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار والماهيات - المكاسب المحرمة.

كنّا في المعاني اللغوية إما نعبر عنها بالقمار أو المعاني اللغوية الواردة للعناوين الواردة في أدلة القمار، كيف نلتفت إلى دائرة موضوع الحرمة ومتعلق الحرمة، فانتهينا الآن إلى أن أحد معاني القمار هي المغالبة وما تقيد بكونها مغالبة مالية بل ولو لم تكن مغالبة مالية وإنما تحدي، والرهان والتحدي الموجود في العرف اوع من التحدي بالمال، فنفس التحدي هو ماهية، ومرَّ بنا ماهية مشتركة في أنماط القمار وهي كون تملك المعوّض معلق على أمر مجهول فقد تتملكه وقد لا تتملكه ولكنهه ليس تمام ماهية القمار، ومن باب المثال الفقهاء بحثوا في النكاح وأنه ماهي ماهية النكاح، قال البعض إن ماهية النكاح ملك منافع البضع مقابل المهر، والبعض قال ماهية النكاح هي اقتران الرجل والمرأة، لذا في بعض الملل أو في بعض اللغات الأخرى غير العربية يعبر عن الزواج بالاقتران وفي اللغة العربية يعبر عنه بالإملاك يعني يتملك الزوج منافع البضع من زوجته مقابل المهر أو مقابل تعهده بمسؤولية العيلولة ﴿ نساؤكم حرث لكم ﴾[1] فهنا توجد ماهيتان في النكاح، ﴿ وجلعنا لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ﴾[2] ، ﴿ هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ﴾[3] والباس يعني ساتر فإنَّ المرأة تستر عيوب الرجل من جهة حاجته الشهوية وكذلك الرجل يستر المرأة من هذه الجهة، مثلاً الآن رجلين عجوزين يتزوجان فما هذا الزواج فإن كان الزواج هو اقتران فهذا متصور وموجود هنا لأنه سكن روحي، أو الصغيرين يتزوجان فهل هنا تتحقق ماهية الزواج؟ إذا افترضنا أن ماهية الزواج هي اقتران فنعم، فإذاً بحث الفقهاء في أنَّ ماهية النكاح كم ماهية هي لأنَّ هذا يؤثر في مساحة البحث، مثلاً عقد عقداً منقطع ليس مراده النكاح وإنما مراده ترتب المحرمية فإن النكاح يولد حرمة أبدية لبعض أقارب الزوجة، فهل يترتب هذا النكاح أو لا ومن هذا القبيل، فالبحث في ماهية النكاح مؤثر في تواجد وإمكانية تحقق هذه الماهية في موارد عديدة، وبعض الاشكالات التي يشكلون بها على التشريع هم لا يلتفتون إلى بحث التشريع القانوني في ماهية النكاح.

الزوجية حتى في اللغة هي الزوج مقابل الفرد يعني هو الاقتران، فهذا أيضاً من المعاني الأصيلة في اللغة فالزوجية يعبر عنها بالنكاح، فعقد النكاح هل هو عقد الزوجية أو هو عقد النكاح، فإذاً هل هما ماهيتان اندمجتا وتولدتا أو ماذا، فلاحظ أنَّ هذه بحوث مهمة، وقد مرَّ بنا أنَّ نفس تحليل عنوان النكاح هو منشأ مدرك ومستند الدليل عند القدماء فيمن زنى بذات بعل تحرم عليه مؤبداً، فلا تذهب بعيداً للبحث عن الدليل والرواية وإنما الشيء هو بيدك فلا تبحث عن غيره، فماهية عقد النكاح هل هي ماهية زوجية أو ماهية نكاحية أو هما معاً أو هي إملاك، كما أن الفقهاء أيضاً بحثوا في الزواج المنقطع هو نوع إجارة ولكنه يختلف عن ماهية اجاره السفاح، فإنَّ ماهية السفاح هي فقط لا يوجد فيها التزام ابداً وإنما هو فقط إفلات الماء هدراً، ﴿ محصنين غير مسافحين ﴾[4] فالمسافح ينزو نزوة ثم يذهب، فهذا سفاح وهو إهدار للماء هدراً ، وهذا بخلاف الالتزام والتعهد فهذا يعتبر ماهية نكاح محلل، فإذاً البحث في ماهية العقود والمعاملات مهمة، منها ما هو الآن فهل القمار هل هو تحدي فهذا ماهية، أو هو تملك عبطاً وجزافاً وهذه ماهية ، أو كليهما أو هو لعب مجوني فهذه ماهية ثالثة، فإذاً كم ماهية نهي عنها، ومرَّ بنا مثال الغيبة فهذا يجب الالتفات إليه، وكما مرَّ بنا أمس أنه في المسألة الواحد الشارع أو اللغة أوردت كم عنوان وكل عنوان ما هي مؤدياته وهذه خطوة صناعية مهمة جداً وهي الالتفات إلى تدادا العناوين الواردة في المسألة الواحدة في الأدلة فإن هذا يفك لغزاً كثيراً، فإذاً من ضمن تعاري فالرهان والمراهنة في اللغة عبارة عن التحديث والمغالبة بغض النظر عن أنَّه يوجد في البين مال أو ليس في البين مال، وهو شبيه من التماري الشديد ﴿ولا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً ﴾[5] ، ومر بنا أنه من الكبائر، فإذاً المماراة هي نوع من التحدي وبدء شعلة التحدي والتعصب والمجادلة، وحينما تُنظَّم المماراة تصير مراهنة، وقد مر َّ أنَّ من الوصايا الأكيدة من الوحي لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم عدم مماراة الرجال وتحديهم واستثارة المغالبة، وأمير المؤمنين عليه السلام عنده بيان عظيم في علم القيادة والتدبير يعبر عليه السلام :- تنتظم الأمور في قولة تعالى ﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾[6] ، هذا هو سرّ المفتاح الاداري الذي ذكره لنا، فالمقصود هو خفض الجناح في مقابل فتل العضلات، فالمدير الناجح الذي يخفض الجناح لا أنه يفتل العضلات، فإذاً قضية المغالبة أو التحدي أو المماراة ليست مطلوبة لأنها إذا استدت صارت مراهنة ومجادلة والمجادلة هي نوع من المراء، ومن أحد الاحتمالات لمعنى المراء هو أنه كأنما هذا الطرف يريد أن يثبت مروءته وذاك كذلك، فإذاً هناك ماهية أخرى لابد من الالتفات إليها واكتشافها في القمار، قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أو يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ﴾[7] فخاصية الخمر عندما يصبح الانسان في سكرة أوّل طابع فيه هو التحدي أو المغالبة أو الشجار، يعني تصير عنده حدّة وعصبية وجانب النزوية والعصبية في الانسان يبرز أكثر وهذا من خواص السكر، كذلك في الميسر، وقد نقلت لكم فتوى الشيخ محمد أمين زين الدين وهكذا فتاوى مشهور القدماء وفتوى أحد مجتهدي الاحساء أنَّ هذا التشجيع للمباريات الموجودة بدرجة هيجانية تطغي على اللعبين فإنه حتى نفس أفراد اللعبة كأنما هو جالس في جبة قتال فضلاً عن المتفرجين فإنهم في سكر أكثر وهو كر الهيجان، وهذا يسمونه اشتعال روح المغالبة والتحدي وهو محرمٌ ومن الكبائر، وإلا ترى تصير عداوة بين بلدين مسلمين بسبب مغالبة على شيءٍ تافه؟!!، فلاحظ هنا ﴿ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ﴾ يعني من ضمن الآليات المحرّمة يا ويله من يزرع فتنة القطيعة بين المؤمنين على أي أساسٍ من الأسس، الآن القوى المغالبة شيء أما عموم المؤمنين فما ذنبهم؟!! ولذلك يقول القرآن الكريم ﴿ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ﴾[8] ، وهذه الآية الكريمة من أصول التشريع الذي تنحدر من منظومات التشريع.

فإذاً من الواضح أنَّ أحد الماهيات الموجودة في القمار وفي الرهان هو التحدي والمغالبة والمجادلة فهذه ماهية أخرى ومن ثم معروف في العرف أنه أتراهن معك من دون مال ولكن لكي يثبت مروءته ورجولته او علمه أو خبرته أو فنيبته، وهذا نوع تحدي ومغالبة فهذا أيضاً لا يجوز، ولعلنا نظن أنَّ هذا من باب المزاح، ولكن نقول إنَّ هذا ليس مزحاً وإنما هنا سوف تنزرع بذرة العداوة والعداوة غير جائزة بين المؤمنين، فإنَّ المماراة غير جائزة فيكف بك بالعداوة واشتداد التحدي، وأيضاً قيل في المغابنة، والمغابنة ترجع إلى نفس ما مرَّ وفي مصادر لغوية أخرى هو كل لغب يشترط فيه غالباً من المتغالبين شيئاً من المغلوب، هذا بالنسبة إلى اشترط أن يأخذ من صاحبه شيئاً في اللعب، ودعوى أن الميسر والقمار لا يكون إلا باللعب فيه تأمل بل قد لا يكون باللعب وإنما بالقرعة، (ولا يتحقق إلا بين اثنين يلعبان بالنرد أو بالشطرنج أو الكعاب أو غير ذلك وحتى الخاتم والجوز ومثل ذلك لفظ الميسر) الميسر اشتق من اليسر وهو وجوب الشيء بسهولة لصاحبه من دون جهد اقتصادي أو تجاري يعني تحصيل الثراء بطريق ميسر ولكنه فاسد، فتسميته بالميسر هو من هذه الجهة أي فيه يسرٌ ومن دون جهدٍ زراعي أو تجاري أو عملٍ وهلم جرا.

وقد تكون هناك ماهية رابعة في القمار غير المشارطة المالية وغير اللعب وغير التحدّي وإنما هي عملية الاقتراع - أي القرعة - وهي غير اللعب وإنما أصل الصدفوية سواء اشترطت بشرائط مالية فيها أو لا.

فلاحظوا أنَّ هذه الماهيات الأربع قد تقترن وقد تفترق، فإنَّ اللعب شيء وأما المشارطة المالية قد تكون بلعبٍ وقد تكون بغير لعب، وهذا قد مرَّ بنا هو أنَّ يكون تملك المعوَّض معلق على أمرٍ غير معلوم الحصول، والماهية الثالثة هي التحدّي وإن لم يكن في البين مال، فهذه الماهيات قد تقترن وقد تفترق، وأما الماهية الرابعة فهي الاقتراع والقرعة، فأنا قد أجعل أكثر آلات القمار عبارة عن مشارطة مالية على القرعة بأدوات قرعة كالآلة الدوارة وما شاكل ذلك وهذا ليس لعباً، فتارةً لعب شطرنج أو كرة قدم أو سباحة أو لعبة من الألعاب الرياضية فهذا لعبٌ وهما طرفان في اللعبة، ولكن هنا أصلاً لا يوجد طرفان في البين وإنما فقط توجد مشارطة مالية على قرعة، فلاحظ باب القرعة والاقتراع ولاحظ الآية الكريمة المتقدمة ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام﴾[9] فالأزلام قداح يقترع بها، فما المراد من الأزلام التي هي رجس ويجب الاجتناب عنها؟، مثلاً القرعة هل أمضاها الشارع وبأي حدود، لأن الكفار كانوا في أكثر الملل والنحل يربطون أعمالهم وامورهم بالقرعة توسلاً بالآلهة والأوثان أو بالشياطين والأبالسة، فإجمالاً السيد ابن طاووس أو غيره من الأعلام فإن السيد ابن طاووس عند فتوى بتحريم الاستخارة بنحو القرعة لأنه استفاد من الآيات أن اصل القرعة حرام إلا في مورد سوَّغه الشارع وهو أنَّ ( القرعة لكل أمرٍ مشكل )، ولذلك ذكر الفقهاء أنَّ القرعة هي آخر الأدلة، فبعد فقد الأصول العملية وفقد القواعد الظاهرية وفقد الأدلة الاجتهادية وغير ذلك وعدم إمكان حل المسألة بفصلٍ وبتٍّ فحينئذٍ تصل النوبة إلى القرعة، فهذا هو غاية القرعة، فالقرعة مشرَّعة في الوحي ولكنها في موارد محدودة، ثم التوسل يكون بالله تعالى لا بشيءٍ آخر.

والآن هناك منطق شيطاني: - وهو أنه إذا أردت أن تعرف هل عقيدة معينة صحيحة أو ليست صحيحة قم بالقرعة أو الاستخارة.

ولكن هذا باب للشيطان: - فهل تريد أن تثبت عقيدة بالقرعة أو الاستخارة فإنَّ هذا جنون واستقسام بالأزلام والشياطين، فتوسعة القرعة للكثير من مجالات الحياة فيها شبهة الحرمة وكأنما هو نوع من الاستقسام بالأزلام.

ونقرأ كلماتٍ حول الأزلام، أما الأنصاب فقيل هي ما يذبح للآلهة، وربما له معنى عام لو التفت إليه.

فعلى أيَّ تقدير ربط المراهنة أو القمار أو اللعب بالقرعة سواء كانت مشارطة مالية أو تحدي فهذا فتح باب لاستعلام الحق سواء كان مالياً أو غير مالي بالقرعة بهذا الوسع هو نوع من الاستقسام بالأزلام على حذو الميسر وهو رجسٌ من عمل الشيطان، فإذاً هذه ماهية رابعة أما أنها بأيَّ حدود وسعتها وكيف تُميَّز فإنَّ هذا يجب التدقيق فيه.


[1] السورة بقره، الأية 223.
[2] السورة روم، الأية 21.
[3] السورة بقره، الأية 187.
[4] السورة مائده، الأية 5.
[5] السورة مائده، الأية 5.
[6] السورة شعراء، الأية 215.
[7] السورة شعراء، الأية 90.
[8] السورة مائده، الأية 91.
[9] السورة مائده، الأية 90.