الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار وحقائق الماهيات - المكاسب المحرمة.

كنّا في تحديد المعنى اللغوي للقمار هل مراهنة مالية ومقيدة بنتيجة العام أو مراهنة مالية لا تتقيد بالألعاب وإنما حتى بغير الألعاب بل هي مراهنة مالية تتقيد بأوضاع مجهولة، إن مطرت السماء غداً أو إن لم تمطر السماء غداً ومن هذا القبيل أي الأمور المجهولة غير المعلومة، هذه توسعة لمعنى القمار وأهو أنه مشارطة مالية من ثم يقال مخاطرة، أو يقال إنَّ الرهان أوسع من هذا، ونحن شيئاً فشيئاً نحاول المشي خطوة خطوة للتثبت من أركان معنى القمار، مسألة أيضاً طرحتها بعض الموسوعات اللغوية الرهان بين المتدين وبين الحربي أي غير المسلم، فهل القمار حرام مطلقاً أو لا فإنَّ الربا فإنه يسوغ أخذ الربا منهم فيسوغ لي أن أقوم بعملية ربوية مع غير المسلمين نفعها الربوي يرجع إلى المسلمين، فيا ترى في القمار هل يسوغ هذا أو لا؟، وهذا بحث مطّرد وهو أنَّ المعاملات المالية المحرّمة - وليس في الأفعال الأخلاقية المحرَّمة - كالربا والقمار فالربا الأمر واضح فيه فقد أفتى المشهور بجواز ذلك، فالمعاملات المالية المحرَّمة هل هي محرمة حتى بين المسلم وغير المسلم أو هي خاصة في نطاق المسلمين، لاسيما التي نفترض فيها أن الربح يكون للمسلم لا لغير المسلم بشكل مطمأن فيه، هذا بالنسبة إلى الربا وأيضاً عندنا معاملات محرَّمة من قبيل المعاملات التمويهية أو قل المعاملات التحايلية، رغم أنها قانونية بالقانون الوضعي ولكنها بالقانون الشرعي هي معاملات تمويهية تحايلية فهي بحسب النظر الشرعية هي معاملات تحايلية تمويهية فالشارع يعتبرها تمويه وتحايل ونصب ولكنهم يقرون بانها معاملات قانونية فهل يجوز للمسلم أن يدخل معهم من باب ألموهم بما ألزموا به أنفسهم فهل هذا يسوغ أو لا، فلاحظ أن البحث ليس خاصاً بالربا أو القمار بل حتى يشمل المعاملات التمويهية لأنَّ هذا هو نحو ثالث من الغدد السرطانية الاقتصادية المالية اليت حرمها الشارع وهي المعاملات التمويهية ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[1] ، فالآية قالت ( بينكم ) ولم تقل بينكم وبين عدوكم، والآن بغض النظر عن هذا فإنَّ الربا درهم منه له كذا وكذا ... مع أنَّه مع غير المسلمين لم يحكم الشارع بهذا الحكم، فالكلام ليس في مطلق المحرَّمات وإنما خصوص المعاملات المالية المحرمة فهل هذا محدد بحدود ما بين المسلمين أو أنها تجري مع المسلم وغير المسلم؟، والآن توجد عملات رقمية أحدها البتكوين ولكن هذه العملة لم تبناها جهة رسمية معلنة في البشر وإنما هي سوق سوداء والكل يتعامل بها، فهذه بحسب الحكم الشرعي أموال غير شرعية يعني نفسه نقد مالي غير شرعي، فالتعامل فيه تمويهي تحايلي، ولكن ماذا لو كان إنساناً مؤمناً تعامل به مع غير مسلم وهو مطمئن بانه لا يخسر فهل يحرم هذا، وقد سئلت واستثنيت وقلت نعم يسوغ إذا كان يطمئن بأنه يأخذ أموال وهذه الأموال مقر بها حسب العرف الشرعي ولكن حسب الشرع عندنا غير مقر بها ولكن هنا يستثنى من الحرمة إذ كان مطمئناً من ربحه، فإذاً هذا البحث مطّرد وهو أنَّ المعاملات المالية المحرمة هل نطاق حرمتها فيما بين المسلمين أو نها تشمل المعاملة بين المسلمين والكفار، ففي الربا قالوا لا يشمل إذا كان الربح للمسلمين لا فيما إذا كان الربح لهم فإنَّ هذا لا يصح، فهذا البحث أيضاً جارٍ في القمار، فهل الروايات الواردة في أنَّ الملائكة تلعن أصحاب القمار وجلساء القمار فهل هذا يشمل ما لو كان ذلك بين مسلم وكافر والمسلم مطمئن بأن الربح سيكون له، فهنا يوجد مبحث وهو أنه هل الرهان يجري بين المسلم الملتزم وبين الحربي غير المسلم؟ هنا يوجد اختلاف والكثير ذهبوا إلى أنه حرام لعوم الأدلة وقسم من العامة على هذا، وكأنما العامة رووا رواية أم أحد الصحابة ومع قريش قبل الهجرة حينما نزلت سورة الروم ﴿ غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ... ﴾[2] فقالت قريش لبعض صحابة النبي ( تروان أنَّ الروم تغلب فارساً؟ قالوا:- نعم ، فقالوا:- تخاطرنا على ذلك:0 فخاطرهم، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم:- اذهب إليهم فزد في الخطر ) يعني زد في المراهنة فإنَّ هذا إنباء الله تعالى، فلاحظ هنا المراهنة تمت ليس بآلات قمار وغنما هي مخاطرة بالنسبة إلى الكفار، وهنا كأنما أجاز الرهان مع علمه بكونه هو الذي يكون راباً، فهذه الرواية رووها من مصادرهم، ( فأجاز النبي صلى الله عليه وآله، ففعل وغلبت الروم فأخذ الصحابي الرهان فأجازه النبي صلى الله عليه وآله )، وقسم من الفقهاء ومنهم ابن همّام قال هو القمار بعينه، فالمهم أنَّ الرهان المالي الذي هو في القمار يشمل ما لو علّق على مجهول من قبيل تحقق الأمور المستقبلية يعني تعليق للرهان المالي على لعبة من الألعاب وإنما على قدر غير معلوم، فإذاً توسعنا في المخاطرة.

ونذكر مسألة ولا نخوض في جوابها مرتبطة بنفس هذا البحث:- نه قد حصل استفتاء من الأعلام بعد وفاة السيد الخوئي أنَّ الجاري الآن من الصفقات الكبيرة مثل النفط أو منتج كبير في الشاي أو في السكر أو في أي منتج كثير أو السيارات أو غير ذلك الجاري من تعاقب الصفقات أنه مثلاً لا يقول اشتري خمسمائة أو ألف مائة سيارة من النوع الغالي مثل المرسيدس فهم الآن دولياً لا يحددون السعر حين التعاقد أو مليون برميل في الشهر الثاني عشر من السنة الآتية أو الكبريت الأصفر، فالصفقات اليت تجري لا يعينون كم هو سعر البرميل الآن وإنما يعينون الكمية فقط كمليون برميل ويعينون المدة كالشهر السابع من السنة الجديدة أو كذا طن من السكر ولكنهم يقولون السعر هو بسعر طن السكر في يوم التحويل أما إذا الآن يعينون سعر برميل النفط في التعاقد أو سعر السيارة يعتبرونه غرراً وجهلاً لأنك لا تعرف الكلفة فإنه قد تتصاعد فهذه السيارة التي تبلغ الآن كذا مليون دينار ولكن عند صنع السيارة قد تكلفه إضعاف فبالنسبة إلى الإقدام يصير غرر، كذلك المشتري فإنه لو عين السعر الآن فقد تقل الكلفة لأنه قد تصير وفرة في السوق فإذا صارت وفرة في السوق فالبضاعة سعرها سوف يقل، فإذا عينوا لسعر حين يوم التعاقد بالنسبة إلى سعر تلك الكميات الكبيرة الخطيرة وليست سلعة واحد كعقار معين أو سلعة معينة ولو كان التحويل فيما بعد وإنما كلامنا في السوق المالية التجارية عند البشر الآن إذا كانت السلعة بكيمات ضخمة بحيث يكون الربح والخسارة فيها خطرة، فهو إذا لم يتعاقد سوف تفوته الفرصة سواء كان البائع أو المشتري ولكنهم يعينون السعر يوم التحويل أي يوم التسديد، وجملة من الأعلام ما بعد السيد الخوئي أفتوا بالبطلان، وقد سئلت حينها نفس السؤال وقالوا لي إن الأعلام قد افتوا بعدم الجاز فهل عندك تخريج للجوا فأجبت بنعم - وهو الصحيح - لأنَّ الغرر هو بالعكس، فإنه كسوق مالية إذا عين السعر الآن فهذا غرر أما إذا علّق على تعيين السعر حين التحويل فهذا الآن كآلية عقلائية هذه لتفادي الغرر والمخاطرة، فآلية تفادي المخاطرة يكون بهذه الطريقة، فليس هناك جمود في المصاديق الموضوعية على أنَّ آلية دفع الغرر في تعيين السعر فإنَّ هذا في الكميات الكبيرة أما في الكميات الكبيرة والتي فيها حالات اضطراب في سعر الكلفة والملابسات الأخرى، فالآن بالعكس عقلائياً يرون أنه لدفع الغرر والمخاطرة تعيين سعر يوم القبض أو يوم التحويل أو يوم الشحن من البلد المصدّر إلى البلد المورّد.

فيا ترى الرهان كقمار له معنى جامع مر بنا أمس أو قبل أمس أنَّ المجهولية كغرر إذا اشتد سوف يصير مخاطرة فهل الغرر مطلقاً هو قمار وأو الغرر الشيد والمخاطرة الشديدة هي القمار، وبعبارة أخرى لتوضيح حدود معنى ماهي القمار: - هل القمار يحرم الدرهم منه كما في الربا فإنَّ الوارد أنَّ درهما من الربا حرمته كذا وكذا، فليس من الضروري في الربا أن يكون مليارات وإنما حتى لو كان درهما فمادام ربا فهو حرام فما كثر كثيره في الربا حرم قليله، كما هو ذلك في الخمر فما حرم كثيرة فالقليل منه حلال وإن لم يسكر بينما مشهور مذاهب الجمهور المدار عندهم على الاسكار الفعلي، فيا ترى هل يحرم من القمار القليل كما تحرم المخاطرة الكبيرة؟، فإذا كان كذلك فإذاً المخاطرة في القمار لا ترتبط بكونها كمية كبيرة أو كمية صغيرة، وحينئذٍ يمكن دعوى أن ماهية القمار ذات مراتب فيها شدة وضعف كالربان حتى أن الكثير من الأعلام استشكلوا في الحيل الشرعية، يعني يقرها الشرع وهي نوافذ وأبواب قانونية، فهم استشكلوا قالوا إن أثرها مماثل لآثار المعاملات الربوية، وقد أجيب عن هذه الدعوى وهو أنَّ تماثل الآثار في بعض الموارد أو المواطن أو المصاديق لا يدل على كون الماهيتين هي ماهية واحدة، ولكن أياً ما كان يلزم أن ندقق في انه هل ماهية القمار كماهية الربا فيها شدة وضعف أو لا؟، وهذه نكتة مهمة، فإذا بنينا على هذا فإذاً الغرر ولو الخفيف أو غيره له ارتباط ماهوي وطيد مع ماهية القمار، وكأنما النهي عن الغرر في كل المعاملات ليس فقط خصوص البيع، نهى النبي عن بيع الغرر أو نهى عن مطلق الغرر، فإذا بني على هذه القاعدة وهو الصحيح وهو أنَّ قاعدة الغرر مبطلة للمعاملات الغرر هو البداية الخفيفة للقمار، فهل هكذا يمكن أن نقرر المعنى؟ إنه احتمال، فإننا نريد أن نتتبع كلمات اللغويين أو ألفاظ الأدلة القرآنية والروائية لنرى هل تدعم هذا المدّعى أو لا؟

وفي اللغة أيضاً ( يقال الرهان هي المسابقة بالخيل أو الرمي )، ولكن الظاهر أنَّ هذا بيان بالمثال وليس حصراً لكل ماهية القمار بعد ما مرَّ بنا من كلمات اللغويين وأنه يمكن أن يقع القمار حتى من دون ألعاب، ( المسابقة بالخيل أو الرمي وهذا جائز بشروطه يقال راهن فلان فلاناً وتراهن فلان وفلان اخرج كل منهما رهنا يعني مالاً ليفوز السابق بالجميع إذا غلب وأرها بينهم خطراً بذلوا منه ما يرضى به القوم بالغاً ما بلغ فيكون لهم سبقاً )، وأيضاً في اللغة ( ويطلق الرهان على المال المشروط في سبقا الخيل ونحوه ) وجاء في لسان العرف السَّبْق مصدر والسَّبَق بفتح الباء أسم مصدر يعني نفس المال الذي يأخذه الفائز، ( السَبَق الخطر الذي يوضع في الرهان على الخيل أو النبال والرهان بهذا المعنى مشروع باتفاق الفقهاء) فبالتالي أنت تتملك العوض أو لا تتملك العوض الآن لم يتم البتّ في عقد القمار ، فالقمار هذه هي طبيعتها، فهي مثل التملك المعلق، فهي تملك معلق على أمر مجهول الحصول، إجمالاً هكذا تصوير القمار ولذلك له ربط بالغرر، كل طرف يبذل عوضاً وليس من المعلوم أن يتملك المعوّض، فهو يبذل عوضاً ولا يعلم أن المعوّض يسلم له أو لا، فتملكه للمعوّض معلَّق على أمر مجهول الحصول والتحقق، هذا هو إجمال القمار، وسواء كان هذا التعليق والمجهولية جعلت في الألعاب أو في غير لذلك، ولا يخفى عليكم أنه من أنماط ألعاب القمار ما هو كالقرعة، ثلاً آلة دائرية تدور فهذه شبيه القرعة وهي غير الشطرنج وغير الألعاب، وتارةً توجد ألعاب بين طرفين أو سباق الخيل أو ما شاكل ذلك هذه في الحقيقة كلها نماذج وآليات يعلق عليها تملّك المعوض والتعليق عليه مجهول التحقق، تعليق تملك المعوض على أمر مجهول التحقق فيمكن أن يتحقق ويمكن أن لا يتحقق، ثم بعد ذلك قال اللغويين ( السَبَق الخطر الذي يوضع .. والرهان بهذا المعنى )، وطبعاً في الخيل هو مشروع باتفاق الفقهاء بل هو مستحب إذا قصد به التأهب والجهاد، وهذه نكتة لطيفة وهي أنه لماذا استثني القمار في التدريب العسكري؟، فلاحظ أنَّ الشارع فتح باب معاملة مستقلة وإن لم تمارس من قبل الدولة يعني حتى من قبل الدولة النبوية، فباب السبق والرماية هو باب فتحه التشريع الاسلامي للقمار ولكن هذا قمار يصب في تنمية وإنماء القدرة العسكرية للمسلمين أو المؤمنين وليس من الضروري أن ترعاه الدولة النبوية ونظام الحكم السياسي وإنما القطاع الخاص هو الذي يرعاه، والثمرة فيه هي عبارة عن تنمية القدرة العسكرية والأمنية للمسلمين والمرنين، فهو باب فتحه الشارع أولاً لم يحصره بالدولة وإنما فتحه للقطاع الخاص وثانياً كما في فتاوى الفقهاء أي نوع من الأسلحة والتدريب الأمي يجب أن يشارك فيه القطاع الخاص على أفق واسع، عليك أن تقرأ باب السبق والرماية بقراءة عصرية، فانظر إلى الأدلة عند الأعلام، ولماذا؟ لأن الدولة قد تعيا وتعجز عن إنماء الحالة العسكرية الدفاعية للمجتمع والشعب فيوكله الشارع إلى القطاع الخاص مع أنه قمار، وليكن هو قمار ولكنه يصب في مصلحة المجتمع، فهو ليس قماراً في اللهو المجوني والبطر الذي يضعف بقوة المجتمع وعلمه وتقدمه وإنما هذا بالعكس هو يزيد من قوة المجتمع، فهذا ليس ملاهي ليلية وإنما تنمية وترقية للقوة الدفاعية لذاك المجتمع، فلاظ كيف هو تبويب التشريع، هذا هو تعليل فقهائنا في طبقات القرون، فيجب أن نقرأه بقراءة عصرية، فلاحظ كيف تتداخل الأبواب الفقهية فيما بينها وكيف تعطينا سياسة تربوية لواقعنا المعاصر الراهن وهو أنَّ السلاح والتدريب والقوة العسكرية لا تحصر بيد الدولة باتفاق فتاوى فقهاء الامامية فإنَّ باب السبق والرماية الذي هو تدريب على السلاح فإنَّ التدريب على السلاح ليس شيئاً سهلاً بل كل أنواع الأسلحة فهو باب قد اتفقت فتوى علماء الامامية عليه.


[1] السورة بقره، الأية 188.
[2] السورة بقره، الأية 188.