الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - القمار وماهيات عديدة - المكاسب المحرمة.

مبحث القمار والمسير وآلات القمار كما مرَّ ربما يكون قريب من ثمان صور أو عشرة أو أكثر ومنها حتى اليانصيب الذي مرَّ بنا، فعلى أي تقدير البحث فيه حري بالدقة، وأول خطوة كما مرّ تحرير الفرض الفقهي، وتحرير الفرض الفقهي ليس تحرير حكم الفرض الفقهي وإنما هو تحرير الموضوع تصوراً، أي فرض المسألة وهذا بعد مهم جداً في تحرير المسألة، وهذا مهم في كل علم وإلا فالإنسان خوضه في الأقوال من دون تركيز، فالتركيز على تحرير الموضوع شيء بالغ الأهمية وبالغ الجودة في صناعة الاستنباط، ومرَّ بنا كثيراً أنَّ المسألة الواحدة عند الفقهاء غالباً تعنون في أبواب عديدة مثلا باب الاجارة وفي العبادات وفي أبواب أخرى فصحيح أنَّ المسألة قالبها واحد ولكن لها زوايا عديدة وحيثيات عديدة فيجب على الباحث أن يكتشف الحيثيات التي فيها، وهذه هي صناعة التحليل الاستنباطي.

لذا الآن دونا نغوص في المعاني اللغوية غوصاً تحليلياً، فهل القمار لعب أو القمار تحدي أو القمار مغامرة ومخاطرة أو هو مجموع ماهيات أو ماذا؟ وهذا بحث مهم، وطبعاً المصاديق الحديثة إذا نقّحنا لمصاديق القديمة التقليدية للقمار سوف نأتي إلى مبحث الماهيات الجديدة في السوق المالية باعتبار هناك صعوبة في السوق المالية الحديثة لأنها تموَّه يعني تزييف وخداع، الآن السوق قائمة على تمويه ماهية قانونية - قانونية أو شرعية أي مرخص فيها - وتجلّل لباساً لأخرى محرّمة وهذا نوع من غسيل الماهيات أو تبييض الماهيات، ماهية سوداوية محرمة تبيض بعنوان ماهية أخرى، أي إلباس ماهية بلباس ماهية أخرى، هنا يجب على الباحث أو المجتهد أو الفقيه أن يشدد حذاقته التحليلية، فثبت العرش ثم انقش، فدعنا نعرف أصل الماهية التقليدية ثم نأتي إلى الأبواب الحديثة.

ونذكر نكتة صناعية عظيمة استفدناها من الكبار وننقلها لكم: - وهي أنه لماذا البحث التقليدي مهم ولماذا البحث المستحدث مهم في كل باب وكيف هي الآلية؟ ربما هناك مطالبات بأنه الأبواب الابتلائية المستحدثة يجب التركيز عليها وهذا صحيح، ولكن قال البعض يجب التركيز على الأبواب التقليدية لأنَّ فيها تأصيل لعلم الأدلة والعلم الفقهي والهوية الفقهية أما أن تذهب إلى المسائل المستحدثة من دون أن ترصّف وتقعّد ضوابط الأدلة التقليدية يكون كأنما هو خوض في الأبواب المستحدثة وهي فيها تعقيدات ومجازفات من دون بنية اصلية قوية، فيتلخص من هاتين النظرتين أنه مزاوجة البحث التقليدي بالبحث المستحدث يعطي قوة للاثنين معاً، فمن جهة أنت حاولت أن تتشبع بالنهج الأصيل المقرر المسلم في الأدلة عند الأعلام ومن جهة أخرى تستطيع أن تنطلق إلى البيئة الحديثة وما تشتمل عليه من تعقيدات ماهوية أو أسمائية أو عنوانية، أما قبل أن تكون بنيتك التقليدية قويمة فأنت لم تطلع على القواعد والبحث والأدلة والخلفية القديمة فيكف تريد أن تخوض عباب الأبواب المستحدثة وأنت غير ملم بالقواعد السابقة، ولابد أيضاً من المقارنة بالأبواب المستحدثة كي يكون امتحان للباحث نفسه بأنه لا يجمد على الأمثلة والموارد والمصاديق القديمة وإنما توجد الآن مصاديق جديدة معقدة ومختلطة كثيراً، فهل عند قدرة على التمييز من الأمثلة القدية تميز الأمثلة الحديثة فيصير نوع من الحيوية والتفعيل للمباحث التقليدية، وبتعبير ثقافي يعبرون عنه إسقاطات يعين تطبيقات على المصاديق الحديثة، فعلى أي تقدير إجمالاً مزاولة المسائل المستحدثة في كل باب مع الأبواب التقليدية يعطي قوة في الطرفين، هذه هي الفائدة إجمالاً، لأنَّ مصاديق القمار الآن وآليات يجب أن نلتفت إليها كم هي.

نبدأ في المعنى اللغوي للقمار والميسر: -

وفي اللغة نستعرض ماهيات كثيرة فنلاحظ كم ماهية ذكروا للقمار وهل العنوان الوارد في الأدلة هو عنوان واحد وهو القمار أو عنوانين وهو الرهان - لا رهان إلا ... - أو ثلاثة عناوين - لا سبق إلا ... - أو أربعة - نهى النبي عن الغرر - أو ماذا وهل هناك ربط بين هذه العناوين في مبحث واحد أو لا؟، فهل الماهيات هل بينها ارتباط أو تقارب اتفاقي أو يوجد تقارب عضوي، فهذه المباحث يجب أن يكون الباحث على يقظة منها وتنقيح هذه الزوايا.

ففي اللغة القمار كل لعب فيه مراهنة، فهو اولاً قيده باللعب وأن فيه مراهنة والمقصود من المراهنة هل هو التشارط المالي - فإنَّ المنسبق هو هذا الشيء - أو المراد من المراهنة هو التحدي والمغالبة أعم من أن يضعوا مالاً أو لا، ثم إنه إذا لم يكن لعباً فهل هو ليس قماراً أو أن هذا من باب الغالب، فمكل هذه الأمور يجب أن ندقق فيها، كل لعب فيه مراهنة، كل لعب يشترط فيه ويراهن، هذا تعريف، وهناك تعريف آخر وهو أنَّ القمار رهان قائم على الصدفة والحظ، يعني هو استرباح من باب الصدفة والمجازفة نتيجة القرعة أو نتيجة اللعب هي من باب الصدفة، فهذا عملية استرباح واستنماء مالي ليس قائماً على مشايع بناء الاقتصاد، يقال البنية التحتية ماهي البنية التحتية للدول فهل هناك بنية فوقية وبنية تحتية؟ نعم توجد بنية فوقية وبنية تحتية، وهل فقهنا تعرض إلى البنية التحتية وهل الفقه الجعفري عنده نظرة حول البنية التحتية للدول وأين هي في الأبواب التقليدية؟، هذه رسالة من المهم الكتابة فيها ولو فهرست فقط، ما هي البنية التحتية في الاصطلاح العصري واين مواضعها في فقهنا التقليدي فإن نفس هذه هي خطوة جبارة جداً تكتب فيها رسالة عشرات أو مئات الصفحات، فالخطوة الأولى ما هي البنية التحتية والخطوة الثانية أين نجدها في الأبواب التقليدية للفقه، وهذا أمر مهم وهو نوع إحياء للفقه وليس تجميده وإماتته.

فالقمار رهان قائم على الصدفة والحظ، فإذاً هو ليس قائماً على الاستثمار الحقيقي ولا على الانماء الحقيقي للمال وإنما من باب الجزاف، والشارع يسد هذا الاستثراء الجزافي الصدفوي الذي يفلس طرفاً ويربح طرفاً فهذا نمى وذاك انعدم مع أنَّه لم يقدم هذا الشخص شيئاً للبيئة التجارية أو المالية او الزراعية وهذا ما تقره اصول التشريع في الشريعة، فدققوا ( القمار رهان ) أي مشارطة وتعاقد فإنَّ من أحد معاني القمار هو التشارط والتعاقد، فهو رهان قائم على الصدفة، فإذاً حينما تشم الصدفوية والحظ في الماهيات الجديدة تفهم أنَّ هذه الطبخة فيها أحد ماهيات القمار، وهذا بحث ماهوي، ( فالقمار رهان قائم على الصدفة والحظ بأدوات مختلفة )، فإن آليات الحظ والنتائج الصدفوية مختلفة، ( يأخذ الغالب من المغلوب القدر المتفق عليه ويقال لعب القمار فخسر نفسه وأصدقاءه )، وقد مرَّ أنَّ القمار والمغامرات قد يراهن على نفسه بان يكون عبداً للطرف الآخر إذا فاز في القمار، وهو شبيه المخدرات حيث تهتك فيها الثوابت نتيجة استشراف الحظ الجزاف، فنوع تقديرات جزافية هذا يكون نوعاً من القمار والمغامرة.

وهناك تعريف آخر:- وهو أنَّ الرهان هو السباق فراهنه على كذا يعني سابقه، فلاحظوا أنَّ من أحد أدوات القمار والرهان السباق يعني المسابقة في الألعاب من يفوز ومن يخسر مع أن هذا جهد مبذول وليس صدفة محضة ولكن من يفوز هو أمر مجهول وغير معلوم، فلاحظوا أنَّ نوع المجهولية هو نوع من المغامرة أو المقامرة، فالشارع لا يبني المعاوضات على المجهولية المطلقة، فلا يراد أن يقرر بأن التجارة ليست فيها جهالة من رأس ولكن ليست جهالة فيها مخاطرة فالجهالة درجات، فالرهان هو السباق فهل الرهان هو فقط السباق أو أن السباق هو احد الآليات التي يمكن أن يستخدم فيها القمار وإنما هذا من باب توضيح الموارد وليس حصراً وإلا اللعب بالقمار ليس السباق ولكنها تشترك في ماهي مشتركة وهي الصدفوية والمخاطرة ما شئت فعبر، فالرهان السباق، راهنه على كذا سابقه وعقد معه رهاناً والرهان الغاية التي يستبق إليها.

وهناك تعريف آخر: - وهو الرهن والجمع رهان وراهنت فلان على ذلك مراهنة خاطرته، أي المخاطرة والمغامرة ومر أنه لا يبعد قلب الغين قافاً في بعض ألسن العرب فإنَّ بعضهم يقلب الغين قال وبعض يقلب القاف غيناً، فمقامرة وقمار هي من مغامرة وغمار وهذا ليس ببعيد وهو نفس المغامرة ومن ثم تتضح الصلة بين القمار والغرر، ( والمراهنة والرهان بالكسر المسابقة على الخيل )، وهذا من باب بيان موارد وليس حصراً، ( المراهنة المخاطرة )، الآن القمار هل هو اللعب فيه مراهنة فذاك تعريف آخر ولكن هنا يقول نفس المخاطرة المالية فالقمار هل هو المخاطرة المالية أو هو اللعب الذي يؤدي إلى المخاطرة المالية، فبينها فرق، فهل هو السبب أو هو المسبَّب، ( المراهنة المخاطرة يقال راهنه في كذا وهم يتراهنون وأهنوا بينهم خطراً وصورة هذا المعنى من معاني الرهان أو أن يتراهن شخصان )،وهذا تعريف آخر وهو أوسع، ( وصورة هذا المعنى من معاني الرهان أن يتراهن شخصان على شيء يمكن حصوله كما يمكن عدم حصوله ) كأن يقول مثلاً إن لم تمطر السماء غداً فلك عليَّ كذا وإلا فلي عليك مثله، فهذا ليس لعباً ولكنه مغامرة ومخاطرة من دون نشاط حقيقي تجاري ولا نشاط حقيقي صناعي ولا نشاط حقيقي اقتصادي بل هو استرباح بمحض الصدفة، فبالدقة أحد ماهيات القمار هي هذه، وهذا ليس منتجاً في المجتمع وإنما هو غدة سرطانية في النظام الاقتصادي، وكيف لا يكون الاسلام لا يوجد عنده نظام اقتصادي؟!!، من أحد أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية منذ خمسة عشر سنة وهذا باعتراف كبار الاقتصاديين هو القمار، يسبب ديوناً فضائية، وفضائية يعني خيالية، هذه الديون التي تنجكم من القمار هي ديون خيالية بسبب قرعة ولم يستهلك مال ولا منفعة ولا أيّ شيء وإنما في ليلية وضحاها دولة تكون مديونة أو شخص يكون مديوناً بملايين على مجرّد تصاعد الفرض الاعتباري الصدفوي، هذا دمّر دولاً ودمّر مؤسسات، فهو سراب فضائي، فلاحظ كيف هي معجزة دين السماء فهو يضع أصبعه على الغدة السرطانية التي تهدد اقتصاد البشر باعتبار أنَّ هذا فساد في الأرض، أليس هذا معجزة، وستأتي ماهيات أخرى في القمار حرمها الشرع وليست هذه فقط، وأكثر بحوث الفساد المالي في العالم الآن هي تعاملات وهمية وهم في وهم، ومن أحد الأسباب هو بيع الدين بالدين، ما هو معنى الدين فإنه ليس عيناً خراجية، فإنه يبيع الدين وثم الدين بالدين ثم الدين بالجين ثم السعر يصعد ويصعد والحال أنه لا يوجد تبادل في الخارج كما أن هذه الكمية لا وجود لها، ولذلك منع الشارع من بيع الدين بالدين لأنه نافذة لهذا السراب الماهوي، سراب تضخم ماهوي ما أنزل الله به من حقيقة، فلاحظ الجامع الفوقي بين القمار وبين بيع الدين، وهذه كلها عمليات سرابية في تصاعد الانماء المالي من دون أي نشاط حقيقي مالي نافع للبشر، ربطه بالربا فإنَّ الربا فإنه يوجد نسب ماهوي بين القمار وبين بيع الدين بالدين وبين الربا، فالدين ما هو؟ كلما يتأخر يزيد وهذا تصاعد للمال منشأه فقط تأخير السداد ويبقى يتضخم ويتضخم من دون أيّ نشاط مالي وتجاري، فهنا يضع الشارع تحريمه على الغدد السرطانية في النظام المالي فكيف يقال إن الاسلام لا يوجد عنده نظام مالي ولا اقتصادي، فهل الرأسمالية عندها هذا النظام والاسلام ليس عنده هذا النظام؟!! بل هم يلتجئون إلى الاسلام، وهذا أمر مهم وهو اكتشاف أجناس مشتركة بين الماهيات المالية.

يقول: - ( المراهنة كأن يقول مثلا إن لم تمطر السماء غداً فلك علي كذا مليون وإلا فلي عليك مثله من المال )، وهذه ليست ألعاباً وإنما هي قمار ولكنها ليست ألعاب ولكن من دون نشاط مالي وإنما هي مراهنة فقط، فهذه عملية تحدي، فهي أموال سراب بقيعة، والبعض منهم يقول من يزيد في ذلك وهذا تحدي ورجولة في السراب والخيال، وأيضاً في القمار ماهيات أخرة سوف تتضح قليلاً قليلاً، فلاحظ هنا المراهن ليست على ألعاب وإنما على صدفة، وهو الجامع المشترك بين الألعاب القمارية والقماريات في غير الألعاب، فإذاً القمار لا ينحصر بالألعاب، ( والرهان بهذا المعنى حرام باتفاق الفقهاء بين الملتزمين بأحكام الاسلام من المسلمين والذميين )، والذميين يعني تقرير عصري الآن أثبت أنَّ التوراة والانجيل إلى الآن ينص متنها على تحريم الربا أشد التحريم، وهذا من محكمات التورة والانجيل الذي لم يطاله التحريف، وهذا موجود باعتراف مراكز المال الدولية أنَّ التوراة الآن منصوص فيها على تحريم الربا، وأكثر الناس الذين يغوصون في الربا هم اليهود من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله سولم إلى الآن، ومن ثم هم أفطن البشر في شبكية القروض والربا والبنك الدولي ومؤسسة النقد الدولي فجل اسهمها لهم فإن اسمها دولية ولكنها يهودية، فالمقصود هذا المطلب وهو أنه حتى أهل الذمة - أي أهل الكتاب - الربا محرّم عندهم سواءً في الانجيل والتوراة ولكنهم لا يمتثلون أوامر الله تعالى، فلاحظ أنَّ التوراة والانجيل لازال فيها محكمات ولكنهم لا يأخذون بها، ﴿ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها فيها حكم الله ﴾ هو هذا، يقول جعفر بن محمد الصادق عليه السلام هذا المعنى وهو:- ( لم يبعث الله نبياً إلا وبعثه بأصول المحرمات منها الربا والقمار والزنا والفجور )، فهذه يعبر عنها الامام عليه السلام بأصول المحرّمات وهذه من الدين وليست من الشرائع لأنها غير قابلة للنسخ.