الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - معاني القمار وتعدد العناوين - المكاسب المحرمة.

نستعرض الآن كلمات اللغويين وجملة من الآيات والروايات ولكن هذا الاستعراض للآيات والروايات ليس لتنقيح الحكم - المحمول - ابتداءً وإنما لتنقيح الموضوع، وهذه نكتة لطيفة وهي أن الأدلة ليس مؤداها وثمرتها منحصرة في تحديد المحمول - الحكم - فقط بل ايضا مؤداها وثمرتها تحليل الموضوع وشرحه، وربما يأتي في ذهن البعض أنَّ المعروف أنَّ الدليل يتعرض إلى المحمول بعد الفراغ عن وجود الموضوع - كل دليل - ولذلك يقولون الدليل لا يتكفل وجود موضوعه وعدم وجوده وإنما يتكفل المحمول عل فرض وجود الموضوع فكيف يستفاد من الأدلة بيان الموضوع؟!، وما المراد من هذه الضابطة الأصولية؟ الموضوع تارة يراد منه مصاديق الموضوع والانوجاد الخارجي لمصاديق الموضوع وأنها وجدت أو لم توجد فهذا مقام مثلاً حرّم الله الخمر فهل هذا الشيء الخارجي هل هو خمر أو ليس بخمر أو هذه الطريقة من تصنيع الخل هل هو خل أو هو خمر وهذا ما يعبرون عنه بالشبهة الموضوعية، وحتى هذه الشبهة الموضوعية قد يجعل لها الشارع دليلاً وضابطة مثلاً أصالة الحل بعد الفحص فبعد الفحص يجعل الشارع اصالة الحل، أو أصالة الطهارة، وما هو دور أصالة الطهارة؟ إن الدور الأصلي لأصالة الطهارة لا نقول بانحصار قاعدة الطهارة بالشبهة الموضوعية ولكن بلا شك أنَّ القسم الأصلي لجعل الشارع لأصالة الطهارة كي لا يكون الانسان وسواسياً في الخارج، وإنما كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس بعينه، أو كل شيء لك حلال حتى تعرف احرام بعينه، وحتى أنه قد يجعل الشارع قواعد وظيفية في المصاديق وهذا بحث آخر.

فإذاً الموضوع تارة يراد منه المصداق الخارجي وهذا ما يعبرون عنه بالشبهة الموضوعية وهذا بحث، وتارة المراد من الموضوع ليس الشبهة الخارجية والمصاديق الخارجية وإنما المراد الموضوع يعني التنظير الكلي الموضوع هذا ليس شبهة موضوعية وإنما التنظير الكلي للموضوع هو بيد الشرع وهو ما يعبر عنه بالشبهة الحكمية، نعم الموضوع الجزئي الخارجي المصاديق فهذا شبهة موضوعية أما التنظير الكلي والقالب الكلي والضابطة للقالب الكلي للموضوع فهذه شبهة حكمية وليست موضوعية، فإذا كان شبهة حكمية فهذا هذا يكون بيانه على الشارع ووظيفة الأدلة، قد لا يكون من عهدة هذا الدليل ولكنه بعهدة دليل آخر وبالتالي هو بعهدة الشارع، وهذه نكتة مهمة، ولذلك قال الأصوليون والفقهاء أن الشبهة المفهومية - أي الكلية - في الموضوع ليست شبهة موضوعية وإنما هي شبهة حكمية، فالمراد من الشبهة الحكمية ليس خصوص المحمول والحكم وإنما المراد منها ما هو تنظيره الكلي وجعله الكلي بيد الشارع، لأنَّ التنظير الكلي للموضوع سيؤثر مآلاً على نفس الحكم المحمول ومن ثم يطلقون عليها تسمية الشبهة الحكمية، وهذه نكتة يلزم الالتفات إليها، نعم الدليل الذي يتعرض للموضوع والمحمول غالباً حتى في التنظير الكلي يكون تركيزه على بيان المحمول أكثر من تركيزه على بيان التنظير الكلي للموضوع، مثلاً ﴿ وأحل الله البيع ﴾[1] تركيزه على الحلّية أما أنَّ البيع ماهيته الكلية ما هي فهذا بحثٌ آخر، نعم تارة يقول الشارع البيع كذا وكذا فهنا يتعرض إلى نفس التنظير الكلي للموضوع وهذا أمر مسلم ولكن لا أنه الوظيفة.

وهناك نكتة صناعية أخرى لا بأس أن نلتفت إليها: - وهي أنه مرَّ بنا المسألة الواحد يتعرض لها الفقهاء في أبواب عديدة من زوايا عددية مما يدلل على أن المسألة لها أبعاد وحيثيات عديدة ولا يمكن للباحث أن يبت بأنَّ رأي الأعلام هو هذا وبالتالي الذي هو شارح لمفاد الروايات أن هذا ولا غير بل يجمع الكلمات الروايات التي استند إليها من أبواب عديدة كي تخرج بصورة متكاملة واضحة، وهذه المسالة مرت بنا.

وهناك نكتة صناعية يومية يبتلى بها في الاستنباط:- وهي أنَّ أيّ مسألة واحدة الغالب فيها أنها ليست واردة في لسان الأدلة بعنوان واحد بل ترد بعناوين مختلفة ولكنها مسألة واحدة وهذه نكتة مهمة مثل ميسر قمار آلات القمار اللعب المراهنة المخاطرة التحدي فهذه عناوين متعددة ولكنها مسألة واحدة ذات زوايا عديدة، وهذه نكتة مهمة جداً، فلا تظن إذاً هناك اعواز في الأدلة - يعني قلة في الأدلة - بل عليك أن تلتفت وتتنبه إلى أنَّ المسألة الواحدة هي ذات عناوين متعددة فإذا اكتشفت عناوينها ستكتشف وفرة من طوائف الأدلة في الآيات أو الروايات، هذه نكتة صناعية يومية يبتلى فيها في أبواب الاستنباط وهي مهمة جداً، ولذلك هنا في المقام الأمر هكذا ولذلك مرَّ بنا الآن ثمان أو عشر صور في البحث.

الآن لنتعرض إلى كلمات اللغويين: - في كلمات اللغويين قيل في معنى القمار والآلات القمارية عدة معاني، وهذه العدة معاني هل هي معناي متعدد أو هو معنى واحدة أو مسألة واحدة ذات زوايا، فهل هي عدم معاني في مسألة واحدة لا أنه عدة مسائل، فإن قلت عدة مسائل يصح هذا ولكن بالتالي لها مسألة واحدة ولها جهة مشتركة واحدة، فقيل في معنى القمار والمقامرة أنها مراهنة وما هي المراهنة وما هو الرهان؟ الكثير من كلمات اللغويين فسّروا الرهان والمراهنة بالمراهنة المالية، ولكن هناك كلمات للغويين يبينون أنَّ القمار أو المراهنة والرهان ليست بالضرورة أن تكون هناك مشارطة مالية مرتبطة بنتيجة اللعب بآلات اللعب ومن يفوز ومن يخسر ومن يكسب الجولة النهائية في آلات العب ومن يخسر، فإذا لاحظنا كمات الكثير من اللغويين يفسرون المراهنة والمشارطة المالية، فإذاً يوضع مال من قبل الطرفين أو من قبل طرف ثالث ويتملك المال من يفوز باللعبة، وهما إما اثنينهم يمارسون العبة أو اثنان آخران يمارسان العبة وهذان شخصان آخران يتراهنا قمارياً على لعب شخصين آخرين، فالمهم ارتباط المشارطة المالية بنتيجة اللعب من يفوز ومن يخسر سواء هما بأنفسهما يمارسان اللعب أو بغيرهما، وهاذ من صور القمار.

فإذاً قيل القمار هو الرهان والمراهنة والمراد من الرهان والمراهنة هو المشارطة المالية، ولكن جملة من اللغويين ذكروا بان المراهنة وإن كان الغالب فيها المشارطة المالية ولكن المعنى الأصلي للمراهنة هو المغالبة أي تحدّي المغالبة، فهي فيها معنى من الجدل والمراء فإنَّ المراهنة طبيعتها هي هذه يعني هي التحدي، وهذه موجودة في العرف كما يقولون ( من الرجل الذي يجيب عن هذا السؤال ) فهنا لا يوجد موضوع مال في البين وإنما شيء معين آخر، فالمراهنة وإن كان الغالب فيها المشارطة المالية ولكنها بالدقة هي تحدي مغالبة وتحدي المغالبة لا يختص بالمشارطة المالية، وهذه نكتة مهمة يلزم أن نلتفت إليها، فلا يقال أنَّ اللعب دائماً فيه تحدّي بل كثيراً ما فيه تحدي، والتحدّي يعني فيه تعصب بفوز كل من الطرفين يريد أن يفوز بلغ ما بلغ وبأيّ ثمن وهذا يعبر عنه بالتحدّي، وربما يعبر عنه بالمراء ومماراة وبالتالي فيه رياء وسمعة مثلاً، فيوجد معنى أخلاقي رذل في المراهنة، فإذا بني على توسعة معنى المراهنة، ولذلك عندنا الحديث النبوي ( كل ما قومر به فهو ميسر ) وهو مروي عند الفريقين، فإذاً هذين معنيين معنى المقامرة يعني المشارطة إما المالية أو الأعم المتضمنة للتحدّي والمغالبة والمجادلة، فانت تلاحظ في الألعاب ألا ترون أن الحكم لا يسجل كارت أحمر أو غير ذلك فماذا صنع؟ لأن ذاك يريد أن ينتصر بلغ ما بلغ ولو بالحيلة ولو بالتجاوز ولو بالتعدي، أليس كذلك؟!! فهذا نوع من التحدي والاصرار، فلاحظ أنَّ هذه جهة ماهوية وليس فقط هو تنشيط اللياقة الجسمانية فإذاً نف العاب فيها أغراض وبحسب الأغراض تتصف اللعبة بماهيات متعددة، صحيح أنَّ اللعب في أساسه يسمّى لعباً، فصورته صورة لعب ولكن قد يكون لأجل حيوية البدن وحيوية المجتمع بدلاً من ان يكون خاملاً وهذه أهداف جيدة ولكن إذا استهدفت أغراض أخرى كالعصبيات والتحديات الآن الألعاب تستخدم كأوراق سياسية أصلاً بين الدول بامتياز أما كيف سنشح ذلك فيما بعد، فلاحظ أنَّ نفس اللعب صارت ماهيته متعددة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بحث هذا وهو أن اللعب اتخذ كمافيا مالية أما كيف فهذا بحث آخر، أما للفساد المالي أو لتبييض الأموال أو ما شاكل ذلك، فإذا ًاللعب له ماهيات متعددة بحسب الأغراض والآليات التي يدار بها.

فإذاً القمار ولآلات القمار فسّرت بالمراهنة والغالب في المراهنة والرهان المشارطة لمالية إلا أنَّ جملة من اللغويين قالوا بأنَّ المراهنة هي مطلق التحدي، فهل هو بيع أو تحدّي؟، فلاحظ أنه يوجد فرق بين البيع وبين التحدّي المالي في الربح والخسارة، ولماذا نذكر هذه الأمور؟ لأنه الآن المسائل الابتلائية في سوق المال كيف نميز هذه المعاملة أو غير قمار هي بهذه الأغراض وبهذه الآليات.

وأيضاً قيل في تعريف القمار بأنه المخاطرة، فالقمار مبني على المخاطرة، يعين أنت تقدم على خطوة معاملية أو غير ذلك فيها مخاطرة، وعنوان المخاطرة يقرب من عنوان المغامرة، المغامرة المالية وقد مرَّ بنا احتمال أن الغين أبدلت قافاً فغامر يعني قامر ولكنها مغامرة من نمط آخر أي في الأموال، فهذا أيضاً وجه آخر، فقد قيل في القمار أو الرهان أو المراهنة أنها مخاطرة، ودققوا فإنَّ هذا بحث مهم لأنه هناك إصرار كبير على الاستفتاء حول المعاملات العصرية الموجودة في سوق المال وكيف يميزها الانسان، فإذا بنيت المعاملة وضُمِّنت فهيا مخاطرة ربح أو خسارة وطبعاً مخاطرة الربح او الخشارة بشكل باهض وغلا لا يقال عنها مخاطرة وإنما يمكون الاقدام على المعاملة المالية مخاطرة إذا كانت نسبة الربح أو الخسارة ليست قليلة، هذه هي المقامرة والقمار وهذا هو المغامرة أو الرهان ، ولذلك البعض من الباحثين أو الأعلام قالوا ما الفرق بين الغرر في المعاملات والمخاطرة في القمار - وهذا في التدقيق في المعنى الماهوي للقمار - فهل هو عموم وخصوص من وجه أو تباين أو ماذا؟ فالبعض أراد أن يبدي هكذا فارق وهو أنَّ الغرر في المعاملة إذا اشتدت نسبة مخاطرته يصير قماراً، فإن الغرر فيه جهالة وفيه مخاطرة فإذا بلغ درجة المخاطرة يكون غرر قمار، أما إذا كان بدرجة غير شديدة يكون عنوانه العنوان العام للغرر.

ودعونا نضيف هذا التحليل اللغوي الآخر في البين، فقد يسأل سائل ان البيع أيضاً فيه ربح وخسارة وكذلك الاجارة فيها ربح وخسارة محتملة وحتى في بعض الروايات ورد أنَّ التاجر الذي لا يخاطر لا يوفق في تجارته، فهذه مخاطرة فكيف يكون ذلك، فالبيع أو التجارة أو الاجارة أو باقي المعاوضات الاستثمارية هي مبنية على المخاطرة والربح والخسارة وإلا فالتاجر لا يقدم إلا على المعاوضات التي يطمئن فهيا بالربح فسوف تصير المعاملات محدودة وإنما عليه أن يقدم ولكن السوق قد يرتفع وقد ينزل فبالتالي يوجد ربح وخسارة، فما الفرق بين القمار وبين البيع والحال أنَّ الاثنين فيهما مخاطرة بالربح والخسارة؟، فلاحظ أنَّ التحليل الماهوي في باب المعاوضات والمعاملات امر مصيري في الاستنباط، ومن باب لمثال بيع الدولار بالدينا فهل هذا ماهيته ربا أو ماهيته بيع وكيف نميز ذلك، فإنه بيع عملة بعملة أخرى، فهو صورةً يقال له بيع أما لبا كيف هو فهذا سيأتي، ولماذا هو بيع؟ لأنَّ معنى البيع والمعاوضات هو أنه هناك سلعتان مختلفتان عوضان مختلفان بخلاف القرض فإن القرض ليس هناك عوضان مختلفان ولكن نفس العين التي تقرضها سوف ترجع وهي ترجع بلحاظ النوع إن لم ترجع بلحاظ النفس، فهي نفس المستوى المالي أو النوعي للعين، فلاحظ أن هذه البحوث أطال فيها الشيخ الأنصاري في أوّل البيع كثيراً وهي التحليل الماهوي لماهيات المعاملات استعانة باللغويين واستعانة بكلمات الفقهاء واستعانة بالعمدة من الآيات والروايات، فما هي البينونة الماهوية بين القرض ربوياً أو غير ربوي وبين البيع؟ البيع فيع تباين العوضين وبينما القرض فيه عوضين ولكنهما نوعاً أو جنساً واحدٌ، كيف هنا بيع العملة بالعملة هي بيع وليس قرضاً؟ لأن حافظية الدولار للمستوى المالي تختلف عن حافظية وقدرة حفظ الدينار للمال، ومعنى تباين العوضين هو هذان مثلاً الشاي غير الرز فإنَّ الشاي له مستواه المالي حسب العرض والطلب فكيفية حفظه للمالية يختلف عن الرز، ونفع الشاي أيضاً غير نفع الرز أو السكر أو أي شيء آخر فإنه توجد عدة فوارق بين السلعتين سواء المنافع التكوينية أو الحافظية للمال، فهذا هو البيع وهو المعاوضات بخلاف القرض فأنت اقرضته طناً من الشاي يرجع لك طجناً من الشاي أو أقرضته طناً من الاسمنت فيرجع لك طناً من الاسمنت، أو أقرضته عملة يرجع لك نفس العملة، فإذاً يوجد فرق بين القرض والبيع، وإن شاء الله تعالى نواصل تحليل هذه الأمور.


[1] السورة بقره، الأية 275.