الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث الفقه - لسماحة الشيخ الاستاذ محمد السند - ليوم السبت: - 29 / ربيع الآخر / 1443 هـ ق، الموافق 04 / 12 / 2021 م.

الموضوع: - حرمة الرقص واستثناءاته - حرمة الغناء – المكاسب المحرمة.

انتهى بنا الكلام في مباحث الغناء إلى حرمة الرقص، ومرَّ أنَّ المشهور في كلمات الأعلام حرمة الرقص، ولا أقول الكل قد نصَّ على ذلك ولكن الكثير من طبقات الفقهاء ذكروا حرمة الرقص عطفاً على حرمة الملاهي والغناء، بل جملة من الأعلام ذكروا حرمة التصفيق أيضا معاً وليس فقط حرمة الرقص.

وذهب السيد الخوئي في المكاسب المحرمة إلى أنَّ الرقص إذا صوحب بمحرمات أو أدّى إلى محرّمات فيحرم وأما هو في نفسه فلا دليل على حرمته، مع أنَّ السيد الخوئي يعمل بروايات السكوني وهي قد ذكر فيها الزفن، والزفن هو نوع من الرقص وإن لم يكن هو مطلق الرقص.

فإذاً هناك جملة من الأعلام كما مر نصّوا على حرمة الرقص، وما هو الوجه في حرمة الرقص؟ وقبل الدخول في وجه حرمة الرقص نبين تحليل المعنى اللغوي للرقص فإنه يعين على مبحث الأدلة عن حرمة الرقص، وقد مرَّ أنه في بعض ما ذكر من التعريف عند اللغويين أنه الغليان والحركة والاضطراب، وأيضاً فسّر الجوهري الزفن بالرقص، والبعض حتى أنه عبر بأن آلات اللهو لها اسم آخر فمثلاً المعازف لها اسم آخر وهو اسم آلات الطرب ولها اسم آخر وهو آلات الرقص، فنفس المعازف وآلات الموسيقى لها خمس أو ستة أسماء، فهذه التسميات منها أنها آلات الرقص، ووجهها أنَّ الرقص كالعرض اللازم لآلات الموسيقية والايقاع فإن طبيعة الايقاع هي هكذا ولذلك اللغويين في الغناء وفي الآلات الموسيقية وفي تعري فالطرف أنه خفة تعتري الانسان هذه الخفَّة التي تعتري الانسان وتذهب وقاره وتوازنه بالتالي هي يقال لها اهتزاز فهذا حينئذٍ مقارب وكأنما أنَّ الرقص مسبّب عن الآلات الموسيقية، يعني سبب ومسبَّب، فإذ أمكن تقرير أنَّ الرقص سبب ومسبَّب فمن الواضح أن تحريم السبب تحريم للمسبَّب سيما أنَّ الغناء أو الآلات الموسيقية أخذ في تعريفها الاهتزاز أو الخفَّة أو ما شابه ذلك، فإذاً ليس عبطاً أن يعبر عن الآلات الموسيقي في اللغة بآلات الرقص أو آلات الملاهي أو سبع أو ثمانية أسماء لها هذه الأسماء مؤشر على أنَّ هذه العناوين أعراض ملازمة أو قل سبب مسبَّب، فإذا كان سبب ومسبَّب فمن الواضح أنَّ هذا تخريج، هذا وجهٌ للحرمة.

وهناك وجه ثانٍ للحرمة: - وهو موثقة السكوني التي عُمِل بها، كما عمل بها السيد الخوئي أيضاً، الآن في خصوص الزفن لعله لم يتنقّح للسيد الخوئي أنه مطلق الرقص هكذا على ما ببالي فأنه يستشكل بأنَّ هذا نوع خاص من الرقص وهو المحرَّم، والحال أنَّ ذكره كنموذج وإلا فهو شيء واحد سيما أنَّ الزفن ذكر في سياق مجموعة الآلات الموسيقية فمن الواضح إذاً أنَّ المراد به مطلق الرقص، وموثقة السكوني مرت بنا في الباب المائة من أبواب ما يكتسب به.

وهناك وجه ثالث لحرمة الرقص: - وهو أنه مجون ولهو مجوني وغرض مجوني ما شئت فعبر لأن الرقص هو نوع من هيجان الغرائز والنزوات، كيف أنَّ الصلاة خشوع ووقار وسكينة على العكس من ذلك مسار الباطل فهو مسار مجون ومن هذا القبيل ليس مسار التعقّل والرشد وإنما هو مسار ثوران النزوات وثوران الغرائز الشهوية فتشمله عمومات حرمة اللهو المجوني واللعب المجوني وكل فعل غرضه مجوني وما شابه ذلك، فإذاً هذه الوجوه تتعاضد مع بعضها البعض.

وأيضاً توجد وراية مرسلة نقلها ابن أبي جمهور الاحسائي في عوالي اللآلئ:- وكتاب العوالي كله روايات عامية وكأن غرض ابن أبي جمهور إنَّه يقول إنَّ كل ما ذهبنا إليه موجود حتى عند العامة، ككتاب الانتصار للسيد المرتضى فهو من هذا القبيل ولكنه يأتي بفتاوى الامامية بروايات مصدرها نفس روايات العامة، فظاهراً أنَّ هدف ابن أبي جمهور في كتابه عوالي اللآلي هو هذا، فهو روى هذه الرواية غير ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة في حديث نبوي:- ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الضرب بالدف والرقص وعن اللعب كلّه وعن حضوره وعن الاستماع إليه ولم يجز ضرب الدف إلا في الإملاك والدخول بشرط ان تكون في البكر ولا تدخل الرجال عليهن ).

يبقى الكلام فيما استثناه بعض الأعلام، رغم أنَّ السيد الخوئي أصل الرقص في نفسه عنده ليس بحرام إلا بلحاظ ما يزامنه أو يلازمه أو يؤدي إليه وكان من المحرّمات فرقص الزوجة للزوج إذا لم يكن بآلات موسيقية عنده جائز، والسيد الكلبايكاني أيضاً استثنى من حرمة الرقص رقص الزوجة للزوج، والمشهور لم يستثنوه كما أنَّ غناء الزوجة للزوج لا يجوز مثلاً، نعم بقية الأمور من الزوجة للزوج جائزة ولكن غناء الزوجة بشكلٍ مطرب أو بكلام باطل لا يجوز فإنَّ نفس العلاقة الزوجة لا يعني إباحة كل الآليات، نعم مثلاً ذكر الأعلام أنَّ القول الفحش حرام إلا بين الزوج والزوجة لأنه توجد فيه إثارة وانجذاب فيا ترى هل الرقص هكذا أو لا؟ البعض استدل على حلية الرقص من الزوجة للزوج - وليس من الزوج للزوجة - بأنَّ المطلوب راجح في الزوجة للزوج أن تثيره، أما أنَّ هذا المستحب المؤكد لا تأت به المؤمنات ولكن من الأمور التي توجب عفاف الرجال وعفاف النساء أن يثير الأزواج للزوجات والزوجات للأزواج فإنَّ نفس الاثارة تسبب الاشباع ومن يراجع الوسائل في ابواب النكاح عقد صاحب الوسائل عقد أبواب كثيرة وآيات قرآنية في هذا الأمر فإنه يوجد نظام خاص في التعامل بين الزوج والزوجة ومن المستحبات الأكيدة أن يثير الزوج الزوجة وأن تثير الزوجة زوجها، هذه آداب مستحبة أكيدة لكي يقضي كل من الطرفين وطره من الآخر ولا يذهب إلى الحرام، والحرام ليس فقط مخصوص بالفجور كما يقول الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام:- ( إنَّ غالب الناس لهم حظ من الزنا وزنا العين النظر )، فالمقصود أنَّ طريق الحرام إنما يسد بالإشباع بالحلال أما عدم الاشباع بالحلال يسبب انفتاح باب الحرام، وسبحان الله في باب الحرام الاثارة موجوده ولكنها غير موجودة في باب الحلال وهذه سياسة أسرية تربوية خاطئة.

ولماذا قدّمت هذه المقدمة؟ لأنَّ بعضاً من الأعلام قال بأنه يمكن أن ستدل بتشريع منظومة تشريعات الشارع الواردة حتى في خصوصيات معينة في كيفية إثارة الزوجة للزوج والعكس إثارة الزوج للزوجة، وهذه تفاصيل موجودة في الأبواب الروائية وهي تحتاج إلى بحث مفصل وتدبّر لغوي واستنباط وغير ذلك ولكن كل هذه هي نظام العشرة الزوجية، فإنَّ هناك نظام خاص مغفول عنه ومتروك وهذا خطأ جداً، بينما في باب الحرام مثار ومشيد بشكل قوي جداً والحال أنَّ الأمر لابد أن يكون بالعكس، بل يجب أن يشيد هذا في نظام الحلال، وحتى في كيفية الجنس وفي كيفية الحركات وهلم جرا، وقد ذكرت تفاصيل كثير في الروايات بل في الآيات، وحتى أصحاب بحوث آيات الأحكام أعرضوا عن البحث فيها والحال أنها مهمة باعتبار أنها نظام تشريعي في الاسلام وفي الأدلة، فعلى أيّ تقدير بعض الأعلام يقول لأنه يوجد عندنا نظام تشريعي معين، حتى أني وقفت على رواية أنه ( إذا نظر الزوج إلى محاسن زوجته وهي غافلة كتب الله مائة حسنة للزوج ومائة حسنة للزوجة أو مائة درجة )، فلاحظ هكذا ترغيب وتأكيد من هذا الجانب موجود، لأنَّ فتح باب الحلال يسدّ باب الحرام، أعظم علاج لسدّ باب الفجور في المجتمع والاباحة الاخلاقية والانحلال والخيانة الزوجية حسب الروايات أعظم علاج هو تشييد باب الحلال بكل أنواعه دائم ومنقطع وكل واحد منها له آدابه ونظامه وهلم جرا، صحيح أنَّ الجانب الفكري له أثر والجانب التوجيهي والروحي لهما أثر ولكن بالتالي الغريزة يجب أن تُشبَع، فإذا أُشبِعت من جانب الحلال فسوف ينسدّ جانب الحرام، ولذلك الغرب يحاول بجهده الجهيد أن يسدَّ باب الحلال ويفتح باب الحرام ، فأنت لاحظ أنَّ هذه الاعتراضات من الغرب على التشريع الاسلامي كلّها لأجل سدّ باب الحلال ومعاوقة وعرقلة باب الحلال وتجميد باب الحلال وبالتالي ينفتح باب الحرام، فهذه سياسة تربوية مهمة سواء كانت الحكومة السياسية أو الحوزة العلمية أو لرجال الدين حسب توصية الدين ، فإن سدَّ باب الحلال ليس يقل عن فتح باب الحرام، حتى الفقهاء عندهم أنه حتى الفقيه الذي في فتاواه يسد باب الحلال هو بنفسه من حيث لا يشعر كأنما يزج المجتمع إلى باب الحرام، ولذلك في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في علم الأصول ذكروا هذا المطلب، وحتى أنهم ذكروه في باب الانسداد، وهو أنَّ بعض المباح عزيمة وعزيمة معناه ( إنَّ ألله يحب ان يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه )، ما أن يقول قائل قد نذرت الرهبنة أو ما شاكل ذلك فإنَّ هذا كله غير صحيح، فإنَّ فتح باب الحلال مهم جداً، وهناك بصمات تشريعية كثيرة لو أردنا أن نذكرها فسوف يطول بنا المقام، فإنَّ الأئمة عليهم السلام يبينون أنَّ غلق باب الحلال يلازمه فتح باب الحرام.

فإجمالاً هذه المقدمة ذكرناها وهي أنَّ بعض الأعلام استدل بفتوى حلّية رقص الزوجة للزوج فقال إنه أصلاً العشرة بين الزوج والزوجة مبنية على الاثارة، والرقص آلية من آليات الإثارة فكيف تحرّم هذه الآلية؟!! لأنَّ حرمة الرقص هي لأجل عدم ثوران الشهوة أو ما شابه ذلك بينما أكد في منظومة تشريع العشرة والعلاقة بين الزوج والزوجة سيما الجنسية أنه ههنا الباب مفتوح على مصراعيه ليقضي كلّ منهما وطره من الآخر؟!

وهذا التقريب ليس استحساناً وإنما بالنظر إلى ماهية الرقص، نعم إذا كان الرقص بموسيقى أو أغنية فهذا لا يجوز ولكن إذا كان فقط حركات اثارية فبالعكس هذه من ضمن الميوعة المطلوبة من الزوجة للزوج وهي مرغّب فيها ومؤكد عليها وهي مطلوبة وراجحة، أضف إلى ذلك ما ورد في نصوص الغناء في الأعراس ولكن بشروط كعدم مصاحبته لمحرّمات كاستخدام الآلات الموسيقية أو الكلام البطل أو دخول ارجال على النساء، الآن في العلاقة والشعرة الزوجية الكلام الفحش والذي تضمن كلمات شهوية وما شابه ذلك هذا مرخص فيه بينهما من الزوجة للزوج وبالعكس وهذا موجود في فتاوى الفقهاء، فإذاً من هذا المجموع نستشف أنَّ رقص الزوجة للزوج إذا لم يصاحبه محرّم آخر كالموسيقى لا بأس به، فلاحظ أنه حتى الكلام الغناء في الأعراس إذا كان الكلام من المغنّية فحشاً فهذا لا يجوز ولكن الفحش المرتبط بالقضايا الشهوية بين الزوج والزوجة جائز في فتاوى الأعلام، فلاحظ إذاً منظومة العلاقة بين الزوج والزوجة منظمة بنوعٍ آخر يختلف عن بقية المواضيع، فهذا التقريب إذا كان الرقص بهذه الميوعة بين الزوج والزوجة في هذا الجو ولم تصاحبه حرمات أخرى كالموسيقى أو المجون الذي يدعو إلى شيء آخر بل جلب أحدهما للآخر ظاهراً أنه داخل في نفس العشرة الجنسية، فما ذهب إليه السيدان الكلبايكاني والخوئي في محله.

هذا تمام الكلام في الرقص.

أما العنوان الجديد الذي نريد الدخول فيه ضمن باقة المجون واللهو واللعب، والشيخ الأنصاري باعد بينها ولكن الأولى لو لارتبت المكاسب المحرمة بحسب هذه الباقات تصير أفضل فالعنوان الآخر الذي سندخل فيه بعد التصفيق أو الصفير هو عنوان القمار والميسر - آلات القمار - لأنها أيضاً ذكر انها من آلات الملاهي، ويسمونها الملاهي الليلية الآن فإنَّ من طابع الملاهي الليلية القمار، فإنَّ هذه الملاهي الليلية العصرية الموجودة كما أن فهيا موسيقى ورقص ما شاكل ذلك فيها قمار أيضاً، وإلى الآن عرفاً بحسب أعراف البشر أنَّ الآلات القمارية والمراهنة مدرجة في آلات الملاهي وبيئة الملاهي المجونية، وسندخل فيها إن شاء الله تعالى.

ولكن الكلام قبل ذلك يكون في التصفيق والصفير: -

أما التصفيق فقد ذكرنا أنَّ العلامة الحلي وفخر المحققين وابن إدريس ذكروا حرمة التصفيق عطفاً على الرقص والرقص عطفاً على الملاهي، فهل يا ترى التصفيق حرام مطلقاً كما في كلمات هؤلاء الأعلام أو فيه تفصيل كما ذهب إليه السيد الخوئي؟، فإنه يوجد في احتفالات المواليد يوجد تصفيق الآن انه لا يناسب لذوي المروءة وما شاكل فهذا بحث آخر ولن المكروه شيء والحرام شيء آخر فهل هو مكروه أو هو حرام؟ إنَّ كونه لا أقل مكروها وخلاف المروّة محل تسالم بين الأعلام، وتدل عليه الآلة الكريمة ﴿ وما كانت صلوتهم عند المسجد الحرام إلا مكاءً وتصدية ﴾، والمكاء هو الصفير - وهو سحب الهواء - والتصدية هي التصفيق، وهو من أخلاق قوم لوط، وحينما يقال هو من أخلاق قوم لوط فواضح أنه يرتبط بالشهوات المجونية الفجورية فإنَّ أخلاق قوم لوط هي هذه، فهو يتناسب مع الفجور المجوني الشهوي فهو في هذا السبيل، فأصل الكراهة ليس محل كلام وإنما الكلام هل أنه محرَّم أو لا.