الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الغناء والطرب بدرجة ضعيفة/ حرمة الغناء/ المكاسب المحرمة.

كان الكلام في استثناء الغناء في الأعراس من حرمة الغناء، وهل هذا الاستثناء تخصيص أو تخصَّص، فإن كان تخصيصاً فيختصر فيه على الغناء في الأعراس، وإن كان تخصّصاً فلا يختص بالغناء في الأعراس، ومرّ بنا أنَّ التعريف التخصّصي للغناء هو الذي يعبرون عنه بالموسيقى وما شاكل من أنَّ الغناء هو نسبة تناسبية بين ثلاثة أمور، وهذا سرّ أنَّ الغناء تارة يطلق على الصوت وتارةً يطلق على الكيفية وتارةً يطلق على مضمون الكلام، فتفسّيره بهذا البيان التخصّصي قد اتضح، لا أنَّ الغناء له ثلاث معانٍ وإنما هو نسبة تأليفية توليفية تآلفية وتواؤمية تأقلمية فهو تأقلم بين أبعادٍ ثلاثة، فالتأقلم والتناسب والتواؤم بين هذه الأبعاد الثلاثة الكلام والصوت وكيفية الصوت الذي هو الايقاع الموسيقي هذا في الحقيقة هو الغناء، وقد مرَّ أنَّ هذا التعريف مقتضاه أن الغناء ذو درجات شدة وضف، فإذاً الغناء درجات، كما أنه يعضد ويدعم أنَّ الغناء درجات متفاوتة والذي يسمّونه بالاصطلاح المنطقي تشكيك يدعم هذا الشيء أخذ الطرب في الغناء، والطرب طبيعته ذو درجات وليس درجة واحدة وسنبين الآن أن الأعلام واللغويين وغيرهم أشاروا بقوة إلى أنَّ الطرب ذو درجات وليس درجة واحدة، فإذاً الغناء ماهيته ذات درجات شدّة وضعف وتوسّط.

ومن باب الشيء بالشيء يذكر أنه الآن في بعض الدول تستخدم الموسيقى مع المساجين في التحقيقات وفي الاستجواب فإنَّ الموسيقى بكيفية معينة لها تأثير بحسب نوع الموسيقى، فبعض الموسيقى يوجد الغم والحزن وبعضها يوجد الفرح وبعضها يجعل الانسان تنفتح أساريره فيتكلم بما تريد منه من معلومات وبعضها يكون مؤذياً ومؤلماً، فصارت الموسيقى آلية فتاكة، فإذا الموسيقى هي ذات تأثير ذو درجات متفاوتة، وهذا يدعم كون الغناء ذو درجات والطرب ذو درجات، وحينئذٍ الغناء في الأعراس الذي استثني حسب فتاوى الأعلام ليس هو الدرجة الشديدة المجوني الذي هو من ألحان أهل الفسوق والكبائر بل ما دون المتوسط، يعني ليس فيه آلات موسيقية وليس فيه اختلاط الرجال بالنساء، فالعوامل المثيرة التي تسبّب شدّة الغناء ليست موجودة، كما لا يشتمل على كلامٍ سافلٍ أو فاحشٍ أو ما شابه ذلك، وكذلك لا توجد فيه لهوية، فأربع قيود تقريباً أخذها الأعلام في الغناء في الأعراس، فإذاً هو ليس على إطلاقه، فإذاً هذا الغناء من الدرجة الواطئة الذي استثني من حرمة الغناء هل هذا خاص بالغناء في الأعراس أو أنه جائز أيضاً حتى لو استعمل في تجويد القرآن الكريم أو في الرثاء أو في كلمات الحق فهل حكمه هكذا؟ إنه إذا كان تخصّصاً فنعم يشملها وإذا كان تخصيصاً يختصر على الأعراس فقط.

والآن نحاول أن نذكر جملة من الشواهد التي استدل بها جملة قليلة من الأعلام على أنَّ الغناء في الأعراس بهذه الدرجة الواطئة ليس خاصاً بالأعراس بل يشمل غيرها منها الترجيع بدرجته أو المد بدرجته أو رفع الصوت بدرجته أو الإيقاع الموسيقي بدرجته، وقد ذكروا جملة من الشواهد: -

فمن أحد الشواهد:- إنَّ الطرب في اللغة - والذي هو مدار الحرمة في الغناء كما مرَّ بنا حسب الأدلة - ذكرت له عدَّة معاني، فمن المعاني التي ذكرت للطرب ما يحرّك في النفس، وما يحرّك في النفس له درجات كثيرة، فأصل الترجيع أيضاً يحرّك في النفس، فبالتالي هو ما يحرّك في النفس، وهناك تعريف آخر للطرب حيث قالوا إنه عبارة عن خفَّة وهزَّة تثير النفس، فبداية الرعشة حينما تشعر بحالة حركة نفسانية واهتزاز وارتعاش فهذا طرب، فإذاً له شدَّة وضعف، ولذلك الرقص وليد الغناء أو الموسيقى هو بهذا السبب، ولذلك الراقص يوقع حركاته على وقع الموسيقى وكأنما معلول وعلة مسبَّبٌ وسبب، فهو يوقع حركات البدن على طبق حركات النفس واهتزازاتها، فإذاً الطرب بهذا المعنى الوسع هو مطلق الترجيع بهذا المعنى فيه هذه الماهية أو هذه الخاصية، فهو هزَّة أو خفَّة تثير النفس أو تحركها بسبب فرحٍ أو حزنٍ أو ارتياح، ولو أنَّ الشيخ قال إنَّ هذه المعاني - وهي مطلق الارتياح ومطلق الابتهاج ومطلق الترجيع - لا نقبل بأنها هي مدار الحرمة وإنما مدار الحرمة هو شيءٌ آخر ، كأنما ربما نقول إنَّ هذا تفصيل في الطرب اللغوي.

ومن أحد تعاريف الطرب في المعاجم اللغوية قالوا إنَّ تطريب الصوت هو ترجيعه وتمديده وتحسينه، يعني الترجيع والمد والتحسين هو نوع من الطرب يعني يوجب اهتزازاً وتحريكاً وتأثيراً في النفس، ولكن الشيخ قال إنه بهذا المعنى الوسيع لا نقبل بحرمته وإنما بدرجة معيّنة يعني كأنما يلازم درجة الرقص، فإذا كان هكذا فهذا التأثير الواطئ إذاً يخرج تخصّصاً، ولو أن ( من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه) ولكن فرق بين أن نقول حمى الجانب المحرّم من الغناء يعني ضواحيه وبين أن نقول هو متنه، كما يقول الأعلام ربما قسم من الترجيع والمد للصوت لا يناسب مروءة الانسان ولكن ليس هو متن الحرام.

فإذاً طرب الصوت ترجيعه وتمديده وتحسينه وهذا قد أطلق على مطلق الترجيع لأنه تأثير، ولكن التأثير يأتي فيه نفس الكلام فإنَّ التأثير أعم، كما فسّر الطرب بالميل يعني حركة الميل النفساني، كما فسّر بالاهتزاز كما مرَّ بنا، ما يهزّ المرء من هزَّة أو خفَّة فإذا كان هكذا فواضح أنَّ فيه درجات من شدّة وتوسّط وخفَّة.

كما فُسِّر بالارتياح والنشاط والابتهاج، وهذا من قبيل تفسير الشيء بالمسبَّب أو ما شاكل ذلك، فتصير عند الإنسان حالة من النشاط وابتهاج ولو كان ابتهاجاً حيوانياً أو نفسانياً وليس ابتهاجاً معنوياً ولكن بالتالي هذا هو معناه، فهو يهتزُّ فرحاً أو سروراً.

فلاحظ أنَّ هذه المعاني التي ذكرت للطرب تتلاءم كما في الغناء يعني نفس الغناء قيل هو مطلق الترجيع أو مطلق المد ولكن العلماء قالوا إنه بهذا المعنى الوسيع اللغوي ليس محرّماً، فمن ثم نستطيع أن نقول إنَّ الطرب المتوسط إذا اشتدَّ أصبح محرماً يعني متيقن أنه داخلٌ في الحرمة، أما دون المتوسط وهو الخفيف سيما مع مجيء استثناء الحداء والحال أنَّ فيه تأثير وتنشيط، ألم يقولوا إنَّ الطرب فيه تنشيط ففي الحداء تنشط الجهة الحيوانية حتى في الدواب وتصير عندها حركة، وحتى الأناشيد توجد عندك نشاطاً فهذا بالمعنى الوسيع هو طرب ولكنه ليس الطرب المأخوذ في الحرمة، فإنَّ الرطب المأخوذ في الحرمة هو ما يسب إثارة النزوات والغرائز ويفتّنها، وإن كان هذا من ضواحي ومن حمى الحرام ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه وهذا صحيح ولكن بهذا المقدار لا يمكن أن نجزم بأنَّه هو نفس موطن الحرام حسب كلمات الأعلام.

ومن والقرائن التي ذكرها الأعلام:- التعليل الوارد في النبوي، وكأنما تعليل حلّية الغناء في الأعراس أنَّ تلك تدعو إلى الأعراس، وكأنما هدفها ليس للفجور وإنما هدفها الخير، فهم يقولون هو نعتٌ يُشعِر بالعلّية وكأنما هو حكمة الحكم، يعني كأنما الهدف بما أنه سامٍ فهذا الهدف من الطرب الواطئ الذي ليس فيه آلات موسيقية وليس فيه ألحان أهل الفسوق وحتى الشيخ الطوسي أيضاً قيد أيضاً وأحد القيود التي ذكرها في غناء الأعراس أن لا يكون بنمط شدَّة ألحان مجالس أهل الكبائر والفسوق، ولو أن المغنّيات في الأعراس ليس من المعلوم تقيدهن بالقيود التي ذكرها الفقهاء ولكنهم ذكروا هكذا فقالوا إنَّ نمط الغناء الذي تقوم به المغنّية في الأعراس يجب أن لا يشاكل مجالس الفسق والفجور والباطل والدعارة وما شابه ذلك، فإذاً يلزم أن يكون من الطرب الواطئ، فإذاً لأنَّ هذا الطرب الواطي يدعو إلى هدف محلَّلٍ بل وراجحٍ ومرغوبٍ فيه فمن ثم هذا المقدار من التأثير في النفس بتوسّط الصوت لا مانع منه، وربما يقال هذه قرينة أخرى.

وهناك قرينة أخرى ذكرها الأعلام:- وسنقرأ الروايات فالمهم أنا نشخص أنَّ هذه النصوص هي تخصيص أو تخصّص وليس فقط الثمرة أو النتيجة التي نحسمها أنها تخصيص بل هل هو تخصّص أو تخصيص، والقرينة الأخرى التي ذكرها الأعلام أنهم قالوا إنَّ من المستبعد - ولو من باب المعاضد - أنَّ شيئاً محرّماً هنا حلال وهناك حرام بل الأوفق أن يكون هناك اختلاف موضوعي وإن كان هناك إيهامٌ بوحدة الموضوع، يعني أنَّ الاستثناء المنقطع أو التخصَّص أقرب من أن يكون هو تخصيص سيما مع هذا التغليظ الذي بيّنه الشارع في حرمة الغناء، فإنَّ التغليظ الذي بيّنه الشارع في حرمة الغناء ليس أنه من الكبائر فقط بل إنه يوشك أن تعاجله عقوبة دنيوية عاجلة وهذا أكثر من الكبائر، فإنَّ الذي تصيبه نقمة معجَّلة في الدنيا وهي نقمة أخروية فهذه من الكبائر الشديدة جداً ومن أكبر الكبائر وليست من الكبائر فقط، ونستطيع أن نقول بكلمةٍ وهي قاعدة ذكرناه مراراً في السنين السابقة ويلتزم بها الفقهاء وهي أنَّ كل عنوان أو متعلَّق طبيعته متفاوت الدرجات الملاك في الحكم فيه حرمةً كانت أو وجوباً هو ليس على درجة واحدة، مثلاً صلة الرحم هي بين درجات مستحبة ودجات واجبة ودرجات محرَّمة، فهل كل عدم صلة الرحم هي كبيرة؟ كلا، فهل ترم صلة الرحم كبيرة؟ كلا، لأنَّ طبيعة صلة الرحم درجات والدرجات الخفيفة منها مثلاً ﴿ ولا تقل لهما أفٍّ ﴾ فالأعلام التزموا بأنها حرام ولكن لم يلتزموا بأنها كبيرة، بخلاف قطيعة الرحم كما لو سبَّ الولد الوالد أو يهجر الرحم رحمه ويعاديه فهذه تكون كبيرة، أما إذا قال له أفٍّ فهو لم يحسن التعامل معه وهو محرَّم ولكنها قد تكون من الصغائر، فالضابطة هي أنَّ كل عنوان ومتعلَّق إذا كان ذو درجات فالحكم فيه تلقائياً يكون ذو درجات لا محالة إلى أن يتخفَّف ويتخفَّف فينتقل من الحكم الإلزامي إلى غير الإلزامي، مثلاً ولوكان حرمة فينتقل إلى الصغيرة ثم الكراهة ثم الاباحة، كذلك الوجوب فإنه يشتد إذا كان المتعلق فيه شدة وضعف فإذا كان المتعلَّق فيه شدَّة يصير وجوباً وإذا كان متوسطاً فيكون تركه صغيرة مثلاً أما إذا خفَّ أكثر يصير راجحاً ومستحباً وإذا خفَّ أكثر فقد يكون مباحاً، فمثلاً صلة الرحم ليست واجبة بكل درجاتها، وليس كل درجات ترك الصلة كبيرة، بل بعض درجات ترك الصلة كبيرة وبعض درجات تركها ليست كبيرة وإنما هي صغيرة وبعض دجاها مكروه أو تخلف عن مستحب، لأنَّ طبيعة فعل صلة الرحم هو ذو درجات، وإذا كان ذو درجات فلا محالة يصير الملاك ذو درجات، من ثم الأعلام كالنراقي وغيره دققوا في ألسنة أدلة التحريم، فبعض أدلة التحريم تقول ستعاجله عقوبة ملكوتية إذا كان في مجالس الدعارة وما شاكلها، أما إذا لم يكن في مجالس الدعارة وإنما كان يسمع فلم يرد فيه تهديد أنه حلّت به تلك العقوبة، فنفس لسان الشارع في التحريم ذو درجات وهذه نكتة ألتفت إليها النراقي وغيره من الأعلام، وهي صحيحة، لأنَّ طبيعة الحرمة هي درجات وهذا يلائم أنَّ الاستثناء تخفيف يعني تخصّص، فإذاً قد يكون الآن صوت الترجيع الذي يمارسه الرادود أو الخطيب لا يمارسه فقيه لأنه لا يناسبه ولكن هذا بحثٌ آخر ولكن هذا لا يعني أن هذا حرام.

والآن نقرأ الروايات لنقف على جملة من القرائن الأخرى: -

الرواية الأولى: - وهي ما روي عن البطائني في الباب الخامس عشر من أبواب ما يكتسب به باب تحريم كسب المغنية إلا في زفّ العرائس إذا لم يدخل عليها الرجال، وإن كان البطائني في سندها وإلا أنها رويت عنه أيام استقامته: - ( عن أبي بصير قال:- سأل أبا عبد الله عليه السلام عن كسب المغنيات، فقال:- التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس وهو قول الله عز وجل " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " )، وهنا بيّن الامام عليه السلام قمّة الحرام، يعني هذا التقابل يشعر بأنَّ هذا تخصَّص وليس تخصيصاً، فإنَّ إخراج المغنّية في الأعراس هل هو مندرج في مجالس الباطل؟ كلا، فأصلاً هو خارج تخصصاً، فكأنما يوجد تقابل قد يستظهر هكذا وهو أنَّ الطرب الشديد وله درجات حرام إلى المتوسط وأما ما دون المتوسط مما يكون بدرجات خفيفة في الأعراس فهذا المقدار ليس بحرام، يعني تخصَّصاً فقد يستظهر التقابل بهذا المعنى.

الرواية الثانية:- وهي وإن كان في سندها من لم يوثق وهي رواية ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- المغنية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها )، وطبعاً يمكن أن يستفاد من هذا خلقاً دينياً وهو أنَّ التشجيع على التحريك في الغرائز حتى الشهوية في الحلال وفي تكثير النسل في الحلال هذه الاثارة ممدوحة وراجحة وليست مذمومة ولذلك في الوسائل في ابواب آداب العشرة بين الزوجين آداب خاصة تتضمن اثارة كل منهما للآخر بأساليب، فإذاً هذا من ضمن الآداب الشرعية اصلاً، يعني هذه في نفس المسار، ( المغنية التي تزّف العرائس لا بأس بكسبها ) فالوصف يشعر بالعلّية، يعني من جانب الغاية الحلال، فطرب خفيف يشجع على الحلال فهذا المقدار جائز ولا مانع.

وهذه القرائن كلّها يمكن توظيفها في التخصّص وليس التخصيص.

الرواية الثالثة: - وهي صحيحة السند عن أبي بصير:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- أجر المغنّية التي تزف العرائس ليس به بأس[1] وليست بالتي يدخل عليها الرجال[2] )، وكذلك توجد روايات صحيحة أخرى صحيحة متعددة في هذا الباب لا معنى للتشكيك في العمل بها مع عمل المشهور بها.

الرواية الرابعة: - ونستطيع أن نقول هي رواية محسّنة أو معتبرة وهي رواية النضر بن قابوس قال: - ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- المغنية مغنية ملعون من أكل كسبها )، هذه إطلاقات كسب المغنّية ولكنه تخصَّص.

الرواية الخامسة:- مصححة علي بن جعفر بل هي صحيحة حتى مبنى السيد الخوئي بلحاظ كتاب علي بن جعفر، يعني هي مروية فيه، وأكثر روايات قرب الاسناد التي يرويها الحميري وهو من زعماء الشيعة في الغيبة الصغرى كثيراً ما يرويها عن عبد الله بن الحسن حفيد علي بن جعفر بن الإمام الصادق عليه السلام المسمَّى بالعريضي، فحفيده محمد بن الحسن باعتبار أنه لم يوثق ولكن إدمان هذا الزعيم على روايته يشعر بالاعتماد والوثوق به سيما في كتاب اسماه قرب الاسناد، وقرب الاسناد يعني قوة الاسناد، وهو يعتمد عليه كثيراً، أضف إلى ذلك قرينة أخرى وهي أنه من نسل علي بن جعفر، وهناك قرينة أخرى وهي أنَّ رواياته كلّها متطابقة مع ما هو موجود في كتاب علي بن جعفر مما لا يقع في طريقه فهذا كله يبيّن أنَّ رواياته صحيحة المضمون والصدور، ولكن مع ذلك الرواية هنا موجودة في كتاب علي بن جعفر، ولذلك السيد الخوئي يصحح كل روايات ومسائل كتاب علي بن جعفر، ونحن لسنا من المقلّدين للسيد الخوئي من باب التنبيه على نكات المباني، فإذاً الرواية معتبرة، فعلي بن جعفر عن أخيه قال:- ( سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح[3] ؟ قال:- لا بأس به ما لم يعص به )، يعني إذا ذو هدف وذو توجيه ولم يكن شديداً ولم يوجه نحو الحرام وإنما يوجه نحو الحلال بأن لا يكون كلاماً باطلاً أو سافلاً، فهذه المعتبرة هي أيضاً قرينة على التوسع في الاطراب الخفيف إذا كان بكلام حق وهدف حق راجح وما شابه ذلك، أما أنه لا يناسب الكبار من ذوي الوقار فهذا بحث آخر ولكنه ليس محرماً وإلا امرأة وجيهة تصير مغنّية في الأعراس فهذا غير مناسب ولكنه ليس محرّماً.

وسنتابع بقية الروايات.


[1] هذا قيد.
[2] هذا قيد آخر يعين الطرب الذي يدفع نحو الحرام هو حرام، بخلاف الطرب الذي يدفع نحو الحلال وهو الخفيف، أما ذاك فهو المثير، فالوصف يشعر بالعلية.
[3] والفرح يعني العرس أو الختان حيث افتى جملة من الأعلام ألحقوا الختان بالأعراس مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب الجواهر وغيرهم وهذه نكتة نتبين أنهم استفادوا التخصص وليس التخصيص.