الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الغناء والطرب درجات متفاوتة / حرمة الغناء / المكاسب المحرمة.

كنّا في الذي ذكره الشيخ الطوسي وأكثر المشهور، وهو استثناء الغناء في الأعراس من حرمة الغناء، واشترط المشهور في هذا الاستثناء أن لا تستعمل فيه آلات الموسيقى وآلات اللهو والطرب وأن لا تستخدم المعازف وهذا هو الشرط الأول، والشرط الثاني أن لا يكون هناك اختلاط بين الرجال والنساء، وسبحان الله اختلاط الرجال والنساء مع كون الجوّ مكهرباً يسبب مشاكل، فجدار الاختلاط مهم جداً، فالمرأة ربما تكون ضحية الذئاب، لأنَّ الرجال في شهوتهم المحرمة كالذئاب والمرأة تكون فريسة للذئاب، ( ابنتك حرّتك فانظر إلى من ترقها )، فالاختلاط ليس مطلقاً وإنما في موارد الفتنة أو التكهرب خطير، فاختلاط الرجال بالنساء أو اختلاط رجل وامرأة أجنبيين وانفتاح بشكل واسع والعياذ بالله وما شاكل ذلك يكون معرضية للفتنة، أما إذا كان بقصد النكاح والزواج المحلل فهذا بحثٌ آخر، أما إذا لم بقصد النكاح فهنا تكون الدواعي مشكلة فالاختلاط معرضية خطرة جداً، وبالتالي هذا الاختلاط هو نوع من الارتباط حتى في الانترنيت أو شيء آخر فإنه توجد محادثة وما شاكل ذلك ولذلك نهي عن اتخاذ الأخذان يعني الصديق والصداقة، فالاسم هو صداقة ولكن المرأة بطبيعتها إذا لم تكن مستعصمة فتوجد مشكلة حينئذٍ.

فعلى أيّ حال الشرط الثاني الذي ذكره الفقهاء في غناء الأعراس ذكروا أنه يلزم أن لا يكون هناك اختلاط بين الرجال والنساء، أما الشرط الثالث فهو أن لا تقول المغنّية هجراً ولا فُحشاً ولا كلاماً سافلاً مثيراً، فهذه شروط ثلاثة ذكرها الأعلام، وربما ذكر بعضهم شرطاً رابعاً وهو أن لا تغني بغناء أهل الفسوق والملاهي، وربما يشار بهذا القيد الرابع إلى شدّة الطرب.

وقبل أن نقرأ الروايات يجب التثبت صناعياً من أنَّ الاستثناء في فتاوى الفقهاء هل هو من باب التخصيص أو التخصّص؟ ففي الحداء ذهب بعضهم إلى أنه تخصيص، ولكن الكثير من الأعلام قالو هو تخصّص، وهو الصحيح، وهذا فتح لنا باب الأناشيد الاسلامية أو الأناشيد والأهازيج الأخرى التي ليس فيها طرب وإن كان فيها مدّ صوتٍ وترجيعٌ لكنها جائزة، لأنها خارجة عن الغناء المحرّم الذي هو بقيد الطرب، هنا أيضاً الغناء في الأعراس من قبل المغنّية كما سيأتي في الروايات هل هو تخصّصٌ أو تخصيص، فإن كان تخصيصاً فهو لا يفتح لنا باباً آخر، وإذا كان تخصّصاً فسوف يفتح لنا نظائر، وهذا لا يأتي في بحث الغناء فقط بل في عموم البحث في جميع الأبواب الفقهية، فيجب أن يتعاطى المجتهد والفقيه مع الدليل الخاص أو غيره لا أن يجمد عليه بعنوانه ولفظه، نعم لا أنه يتساهل ويتسامح ويفرط في دعوى أنه يوجد تحليل معين ولكن لابد من السبر والتدبر والتأمل لمعرفة هذا العنوان وأن خروجه بنحو الاستثناء المتصل يعني أنه تخصيص أو بنحو الاستثناء المنقطع الذي هو التخصَّص، وإنما أُتي بالاستثناء المنقطع بصيغة الاستثناء أو أتي بالتخصّص بصيغة التخصيص لأنَّ هناك توهماً في الأذهان فالمتكلم كي يُبعد هذا التوهم أتى بالتخصّص بشاكلة الاستثناء، والاستثناء المنقطع هو منقطع فلماذا هو استثناء؟ إنه أتى به بصيغة الاستثناء لدفع هذا التوهم، لأنه كأنما الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز فيخرج هذا المورد التخصّصي فنقول هذا مجاز ولو عقلاً وتكويناً وإن لم يكن لغةً.

فلكي نتدبّر في هذا المطلب تحليلاً، والتحليل ليس هلوسة وإنما هو تحليل معانٍ لغوية وتحليل بنية الظهور، وفرق صناعة الفقيه عن الراوي هو هذا، فإنَّ الراوي يجمد على اللفظ، أما الفقيه فهو يحلل المعاني، وحتى المتكلم وحتى المفسّر، فإن ( فليتفقهوا ) يعني ليتفهموا، وليس فقط نفروا ليرووا، وإنما نفروا ليرووا ثم يتفهّموا، ( حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه )، وفي رواية ( خير من عشرة أحاديث ترويها )، وفي رواية أخرى ( خير من ثلاثة أحاديث ترويها )، حسب مراتب الفهم والفقاهة، وهذا يدل على أنَّ الفهم والفقاهة مراتب وليست مرتبة واحد.

ولكي نثير هذا البحث بتحليل قبل دخولنا في الروايات بشكلٍ سطحي جمودي نذكر تعريفاً للغناء وقفت عليه أخيراً وربما هو تخصّصي، وقد مرَّت بنا جدلية عملية بين الأعلام في معنى الغناء بين السيد ماجد البحراني وجماعته، وأنا كلّما اتتبع أجد أنَّ السيد ماجد في عصره قد تابعه الكثير حتى وجدت أنَّ النراقي صاحب المستند مال إلى ما ذهب السيد ماجد، فأيا ما كان جماعة الفيض الكاشاني تابعوا كذلك لأن الفيض تابع أستاذه السيد ماجد وكذلك سلطان العلماء وغيرهم تابعوا على ذلك ثم بعد ذلك رجعت المسألة، فأياً ما كان كانت أحد النكات الصناعية وطبعا السيد ماجد كان من رواد علم الأصول كان يعتمد أن الغناء إما هو كيفية صوت أو الغناء هو كلام باطل، فهذان معنيان متباينان فأولاً هو لا يسلّم أنَّ الغناء كيفية الصوت ولو سلم بذلك فهو قال إنَّ كيفية الصوت هي معنى غير معنى الكلام الباطل، ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ والحديث يعني مضمون، فاستعمال لفظ في أكثر من معنى غير صحيح فلابد أن يراد من أدلة حرمة الغناء إما الكلام الباطل الفحش السافل المثير للغرائز أو المراد كيفية الصوت ولا يمكن أن يكون معنيين.

وقد أجبنا عن هذا بأجوبة عديدة منها أنَّ الاستعمال لم يردَّ في رواية أو آية واحدة وإنما في آيات أو روايات عديدة بعضها نصّ في الكيفية وبعضها نصّ في المضمون وما المانع في حرمة كليهما في الاستعمالات المتعددة هذا على أقل تقدير، وهنا وجدت هذا التعريف للغناء يجمع بين المعنيين أو الثلاثة وهو ينفعنا في المقام وهو استثناء حرمة الغناء في الأعراس، فهذا التعريف يعرف الغناء هكذا وهو أنَّ الغناء هو هندسة بين الصوت والمضمون والموسيقى، فالموسيقى غير الصوت، فإنَّ الموسيقى شيء وأصل الصوت شيء آخر، فالموسيقى عرض على الصوت، فالتوليف بين هذه الأبعاد الثلاثة هو الغناء بتوليفةٍ خاصة وبتناسبٍ خاص، وهذا التعريف متين جداً فإنه تخصّصي وصناعي وأنه كيف هو صوت وكيف هو مضمون، ففي الواقع هذا نوع من اكتشاف المناسبة، ولذلك حتى في علم تجويد القرآن أو في الرواديد أو في الأدعية، فلاحظ أنَّ الأدعية لها أطوار خاصة، أما الحكم للمعصومين عليهم السلام إذا أردت أن تقرأها فلها طور خاص غير طور الأدعية، فلها وقع صوتي خاص، وإذا أردت أن تقرأ مدائح فلها وقع صوتي خاص، فإذاً يوجد تناسب بين المعنى والصوت والايقاع الموسيقي للصوت، فإذا كان هذا بكيفية مطربة معينة يسمى غناءً، فالتوليف بين ثلاثة أبعاد هو الغناء لا أنه الكيفية بمفردها ولا هو المضمون بمفرده ولا هو الايقاع الموسيقي بمفردة بل المعادلة التناسبية بين الأبعاد لثلاثة هو الغناء، وهذا جمع لطيف يعني هو معنى ماهوي جامع ماهوي تتركب فيه هذه الأجزاء وهي النسبة بين هذه الأمور، مثل أن نقول مسجد فما الفرق بين المسجد والبيت؟ فالمواد نفسها والأرض نفسها وإنما الذي افترق بين المسجد والبيت هو الهندسة، فإذاً الغناء بالدقة هو التناسب بين هذه الأبعاد الثلاثة بنحو ميعن بحيث يسبب الإطراب، وإنصافاً هذا التعريف من أمتن التعاريف في مقابل الكلمات المتشتتة للغويين لأنه فيه بعد تخصصي، وهذا التعريف ينفعنا في المقام أن اتناسب أو الغناء بعبارة أخرى فيه شدّة وضعف فتارة يكون التناسب كبير جداً ومؤثراً بقوة وتارةً يكون التناسب متوسط وتارة يكون ضعيفاً، وهذا يعضد ما مرَّ في كلمات اللغويين من أنَّ الغناء فيه إطراب فإنَّ الاطراب حقيقته أنه عنوان تشكيكي بالاصطلاح المنطقي يعني فيه درجات متفاوتة شدَّة وضعف حسب الاصطلاح اللغوي، فإذاً طبيعة إلغاء فيه شدّة وضعف وطبيعة الطرب فيه شدة وضعف، فهنا الفقهاء حينما اشترطوا في حلّية الغناء في الأعراس عدم الآلات الموسيقية وعدم الكلام الفاحش وعدم اختلاط الرجال بالنساء وعدم الشدَّة المجونية فهو بالدقة أنَّ الغناء الذي سوّغ في الأعراس ليس الغناء الشديد المطرب بشدّة بل هي الدرجة المتوسطة، واللطيف في الروايات أنه علل التحليل في الحديث النبوي بأنها تدعوا إلى الأعراس، الآن ولو أنَّ هذا حكمةُ حكمٍ ولكن معنى أنه تدعوا إلى الأعراس يعني تدعوا إلى الحلال في قبال ما يدعو إلى الحرام، أولاً هو طرب خفيف ثم يدعو إلى الحلال، وهل هذا مناط؟، إذاً الغناء في الأعراس بحسب شروط الفقهاء اليت فهموها من الروايات هو من الطرب الخفيف وليس من الطرب الشديد، والطيف أننا سنقرأ رواية وهي صحيحة عبد الله بن سنان ولو المفروض أنا نقرأ الروايات الواردة في الغناء في الأعراس ولكن هذه روايات واردة في كيفية قراءة القرآن ولكنها متقاربة في الجو والأفق، صحيحة عبد بن سنان مروية مع روايات قراءة القرآن فإنَّ الأعلام أتوا بروايات قراءة القرآن وأنه هل هو مستثنى أو ليس بمستثنى من حرمة الغناء، البعض القليل ذهب إلى استثناء الغناء الخفيف في قراءة القرآن الكريم استناداً إلى هذه الروايات وصحيحة ابن سنان أحدها، وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبين عبد الله عليه السلام وهي واردة في كتاب الصلاة وبعد أن تنتهي أبواب القراءة في الصلاة تبدأ أبواب قراءة القرآن في كتاب الوسائل فمع أنَّ أبواب قراءة القرآن هي من بحوث علوم القرآن ولكن حشرها صاحب الوسائل في باب الصلاة ولذلك الاطلاع على فهرست الوسائل مهم للمجتهد والفقيه إذا كيف يعرف المصادر والمنابع وهو لا يعرف أبواب الوسائل، سيرة الشيخ حسين الحلي تلميذ النائيني والعلامة تلميذ الكمباني تلميذ الأغا ضياء العراقي والسيرة العملية للسيد هادي الميلاني أيضاً والعلامة الطباطبائي أنَّ المجتهد من دون أن يمر مرواً ممعناً في التدبر والاطلاع على فهرست الوسائل تفصيلاً يكون اجتهاده فيه إشكال، وكان صاحب الكفاية في مجلس درسه مراراً يقول الرجوع إلى الوسائل ليس بكافٍ بل لابد أن تراجعوا الكتب الأربعة، يعني الفحص عن الأدلة والمدارك والمستندات ضعيف وسببه أن التضلع في علم الحديث ضعيف، وهذا يحتاج إلى ممارسة، وقد ذكرت لكم أني التقيت بتلاميذ الشيخ حسين الحلي فهم يذكرون عنه أنه كان يحفظ عناوين أبواب الوسائل وفي كل باب كم حديث موجود، فهو لم يحفظ الأحاديث ولكنه حفظ عدد الأحاديث لأنَّ هذا أمر مهم في مراجعة الأبواب، أو السيد هادي الميلاني وهو كان يعبر عنه بوابة النائيني، فالسيد الميلاني والسيد الشاهرودي يعبر عنهما بأنهما بوابة الشيخ النائيني - هذا ما نقل عن تلاميذ النائيني - ولماذا؟ لأنه إذا أراد أن يعطي اجازة اجتهاد لأحد كان ممتحنا في اجازة الاجتهاد الممتحن من قبل النائيني هو السيد هادي الميلاني والسيد محمود الشاهرودي الكبير المدفون مسجد الرأس، وهذين العلمين طبقتهم متقدّمة على السيد الخوئي في التلمذة عند النائيني هكذا هي طبقات تلاميذ النائيني، ولذلك السيد هادي الميلاني الذي هو دقي وكماني الممشى في الأصول والصناعة ونائيني وأيضاً الطباطبائي ايضاً مشربه معروف وقد درس دورتان أصول عند النائيني ودورتا أصول عند الكمباني وربع الدورة عند السيد أبو الحسن الأصفهاني، فالسيد هادي الميلاني والسيد الطباطبائي تباحثا في النجف في الوسائل من الجلد إلى الجلد سنداً وتمناً ونسخاً، فسيرة الأعلام هي هكذا، فمن المهم لا أقل أوقات الفراغ أو العطل تصفح فهرست الوسائل، فإن فهرسة أي علم عبارة عن العمود الفقري في العلم فعدم الاطلاع على أبواب الوسائل وعناوينها أمر غير جيد، وكذلك الحال في فهرست وتبويب الكتب الأربعة.

فأبواب قراءة القرآن غير أبواب القراءة في الصلاة يعني نفس أبواب القراءة في القرآن هي سبعين باب أو أكثر وكذلك أبواب القراءة في الصلاة سبعين باباً أو أكثر، وهما بابان مختلفان، وكذلك أبواب الذكر والدعاء وهو غير أبواب الذكر في الصلاة وهو باب عبادي مستقل فيه عرفان وعقائد وقد ذكره صاحب الوسائل في كتاب الصلاة، فلو أردت أن أبحاث المنظمة الروحية عند أهل البيت فبنائي ان الصلاة غير المنظومة العامة الروحية والحال أنَّ قسماً منها موجود في كتاب الصلاة فقد حشرها صاحب الوسائل في كتاب الصلاة، فالباحث حينما يصير عند اطلاع على فهرست الوسائل يلتفت المصادر أين هي وما الفرق بين أبواب مقدمات العبادات وهذه الأبواب التي حشرها صاحب الوسائل في أبواب الصلاة، فهذه نكات علمية وصناعية يجب الالتفات إليها لأنه مهمة.

هذه فائدة مهمة إذا لم يمارسها الباحث يتمرّس فيها سوف لا يلتفت إلى مدى خطورة آثارها ولذلك ذكرت مراراً أنَّ الكتب الأربعة اسمها كتب فروع والحال أنها مليئة بكل المنظومة العقائدية لأهل البيت عليهم السلام، مثلاً الزيارة الجامعة موجودة في الفقيه وفي التهذيب وما أدراك ما الزيارة الجامعة والزيارات وما أدراك ما الزيارات وما فيها من المعارف، فكل أسس منظومة عقائد هل البيت عليهم السلام موجودة في الكتب الربعة فلا تظنوا أن الكتاب الأربعة هي كتب فروع، كلا أبداً وإنما فيها فروع وأصول وأخلاق وآداب، فكل المنظومة الروحية الموجودة في مسار أهل البيت موجودة أيضاً في الكتب الأربعة ولا أحصرها بالكتاب الربعة ولكن أقول لا يتخيل متخيل أنَّ الكتب الأربعة هي كتب فروع، كلا أبداً وإنما هي كتب تاريخ وسيرة وآثار وكذلك العلوم القرآنية موجودة في الكتب الأربعة كما مرَّ بنا الآن في كتاب الوسائل، ففي نفس الوسائل توجد علوم القران فإنَّ علوم القرآن هي علم آخر غير الفروع ولكنها موجودة في الوسائل، ولكن إذا لم يلتفت الباحث إلى فهرست الوسائل كيف يبحث ويستنبط ويستخرج مسار وممشى أهل البيت عليهم السلام في علوم القرآن والعلوم الدينية الكثيرة، فهذه نكات مهمة فالاطلاع فهرسياً على كتب الحديث من الكتب الأربعة والوسائل وغيرها يعطيك زخماً مهماً في مصادر المستندات والمدارك والأدلة.

نعود إلى ما كنا فيه:- فصحيح عبد الله بن سنان لم بذكره صاحب الوسائل في القراءة في الصلاة وإنما ذكره في أبواب القراءة بعد أبواب القراءة الصلاة، وصحيح عبد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر ) فهو أمر بتجميل الصوت ونغميته ولكنه استثنى اللحن الموجود عند أهل الفسوق - الذي هو نوع من الغناء - يعني الطرب الشديد، ولا أقول إنَّ هذا الظهور تام ولكن جملة من الأعلام استظهروا هكذا، يعني التحسين باللحن والصوت استثنى الطرب الشديد لا مطلق تحسين الصوت أو الترجيع، ( وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجيئ من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح[1] والرهبانية[2] لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة ... )، والغناء الذي ذكر في الروايات هو الطرب الشديد والمجون الشديد.

وهنا رواية أخرى في نفس الباب وهو الباب الرابع والعشرون من أبواب قراءة القرآن وهي مصححة أبي بصير - يعني أنَّ السند إلى أبي بصير صحيح - عن السرّاج والسرّاج قد يكون مشتركاً أو لم يرد فيه توثيق وهي موجودة في الكافي أيضاً: - ( رجِّع بالقرآن صوتك فإنَّ الله يحب الصوت الحسن يرجع به ترجيعاً ) مع الترجيع إيقاع موسيقي.

وأيضاً ورد في نفس الباب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله بن سنان وإن كان في الرواية بعض الضعف: - ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:- لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ).

وتوجد رواية أخرى في نفس الباب وهي ما رواه التميمي عن أبيه عن الرضا عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم:- حسّنوا القرآن بأصواتكم فإنَّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً )، هذا في رواتنا الخاصة

وتوجد رواية عامية ذكرها صاحب مجمع البيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: - ( فإذا قرأتم لقرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا )، وإن أوّلوا هذه الرواية تأويلاً آخر، يعني من لم يستغنِ بالقرآن، فهم قرأوها بأنَّ لم يستغنِ بالقرآن لا أنه من لم يتغنَّ بمعنى الغناء، وستنذكر هذا لاحقاً لألأنا لسنا بهذا الصدد.

وهل هذا توافق بين الغناء في الأعراس وبين الغناء في التجويد، أي بين الطرب الشديد والطرب الخفيف أو الترجيع الذي فيه خفة قليلة؟


[1] والنوح قد مر.
[2] ولو أن الرهبانية حملوها على الكراهة.