الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - حرمة الغناء / المكاسب المحرمة/

كنّا في صدد ما ذكره الأعلام من المستثنيات من حرمة الغناء وهل خروج هذه المستثنيات تخصصيٌّ أو تخصيصي، فإذا كان خروجها تخصصياً فلماذا ذكروها كمستثنيات؟!، يقولون في علم البلاغة أو في العلوم اللغوية الاستثناء التخصّصي يعبرون عنه بأنه استثناء منقطع، فإنه يوجد استثناء منقطع ويوجد استثناء متصل، والاستثناء المنقطع يعني تخصّصي، ومتصل يعني أنه مندرج ولكن أخرج تخصيصاً، فالاستثناء المتصل هو تخصيصٌ، أما الاستثناء المنقطع فهو تخصص، فإذا لماذا سمّي الاستثناء المنقطع بأنه استثناء؟ يقولون إن سبب ذلك هو أنه يوجد إيهام في أنه مندرج تحت المستثنى، فالمتكلم يأتي بالاستثناء المنقطع ليبيّن وينبّه على أنَّ هذا المورد غير مندرج، ففائدة الاستثناء المنقطع التنبيه على عدم اندراج المستثنى في المستثنى منه فإنَّ خروجه موضوعي وليس حكمياً، بخلاف الاستثناء المتصل فإنَّ المستثنى مندرج موضوعاً في المستثنى منه ولكنه خرج حكماً، فالتخصيص هو خروج حكمي أما التخصّص - وهو الاستثناء منقطع - فهو خروج موضوعي، فمن المهم الالتفات إلى ذلك ، قال تعالى:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾، فالتجارة عن تراضٍ أين وأكل المال بالباطل أين، ولماذا هذا الاستثناء؟ طبعاً السيد اليزدي رحمة الله عليه في حاشيته على المكاسب في ذيل هذه الآية تعرَّض إلى أنه لماذا أتي هنا بـ( إلا )، مثل دعوى اليهود فهم قالوا ﴿ إنما البيع مثل الربا ﴾، مما يدلل على أنَّ التجربة المصرفية البنكية عند اليهود على أقل تقدير هي منذ ألف وأربعمائة سنة، فهم في المال والاقتصاد والنقد لهم باع طويل، والآن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بيدهم وليس بيد غيرهم، فهي تجربة بغض النظر عن كونها قائمة على الربا والغدد السرطانية الاقتصادية ولكن عندهم باع وسيع وتجارب في هذا المجال، فالقرآن الكريم هنا يميز فيقول ﴿ وأحلَّ الله البيع وحرّم الربا ﴾، يعني لا يحصل عندكم تشابه، وقال:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾، لأنه يوجد إيهام اندراج التجارة عن تراضٍ مثلاً ولو في بعض مواردها في الأكل للمال بالباطل أو العكس، فهو ميّز بين الاثنين، فإذاً الاستثناء المنقطع التخصّصي هو خروج موضوعي، أما الاستثناء المتصل فهو خروج حكمي.

والثمرة واضحة:- فإنه إذا كان خروجاً حكمياً ففقط هذا الحكم قد استثني أما بقية أحكام العام فهي تترتب على الخاص في غير ما خُصِّص، أما أذا كان الاستثناء منقطعاً تخصّصياً فليس فقط عدم اندراج وترتّب هذا الحكم وإنما بقية الأحكام لا تندرج أيضاً، فإذاً في التخصّص يوجد تعدّد في الدلالة على أحكامٍ أخرى وأنها لا تترتب على الخاص أو المقيد لأنه خروج تخصّصي وإنما الاخراج والاستثناء منبّه وإرشاد على عدم اندراج الخاص أو المقيَّد تحت العام، فإذاً هذه ثمرة بين التخصّص والتخصيص أي بين الاستثناء المنقطع والاستثناء المتصل، وهي ثمرة مهمة.

وهنا الأعلام الكركي والمقدس الأردبيلي والشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب مفتاح الكرامة وجملة آخرين هؤلاء الجهابذة الكبار دققوا صناعياً في أنَّ هذا الاستثناء هو تخصيص أو تخصّص.

وهناك ثمرة ثانية لطيفة بين التخصيص والتخصّص، فالثمرة الأولى هي أنه في التخصّص أنه ليس خروجاً عن هذا الحكم فقط بل خروج الخاص عن مطلق أحكام أخرى للعام لأنه أصلاً ليس مندرج موضوعاً، هذا هو فرق الاستثناء المنقطع عن المتصل، فإنَّ من أحد أدوات التخصيص هو الاستثناء، فالاستثناء المنقطع ثمرته هي هذه، وهي أنه خارج يعني ليس فقط هذا الحكم وإنما كل الأحكام المترتبة على العام غير مندرج فيها، يعني هذا المورد غير مندرج في طبيعة العام، بخلاف التخصيص فالمورد ليس مندرجاً في هذا الحكم فقط، وهذه نكتة مهمة جداً.

أما الثمرة الثانية بين الاستثناء المنقطع الاستثناء المتصل فهي أنه في الاستثناء المنقطع ضابطته موضوعاً يمكن أن تتعدّى إلى عناوين موضوعية أخرى، يعني ليس الحداء فقط يخرج وإنما يخرج الغناء في الأعراس أيضاً، وكذلك تخرج المراثي والأناشيد الهادفة والكثير من الممارسات الصوتية التي فيها نوع من الإيعاز هي تخرج أيضاً كما جزم به جملة من هؤلاء الأعلام.

فإذاً هذه ثمرة أخرى، وهي أنه ليس هذا المورد خارج فقط وإنما أمثاله تخرج أيضاً فإنَّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.

فإذاً هناك ثمرتان صناعيتان مهمتان للاستثناء المنقطع أو التخصص، فلاحظ أنَّ الفقيه لا يأتي ويقول أنا أجمد على حروف الظهور وسطح الظهور، وإنما يجب عليه التحليل ومعرفة أنَّ هذا هل هو استثناء متصل أو منقطع وهل هو تخصيص أو تخصّص، فإنَّ هذا يظهر لك ثمرات إلى ما شاء الله، هذا هو الاجتهاد، لا أنَّ الاجتهاد هو أن السند صحيح أو غير صحيح أما الظهور فتجمد عليه، وإنما الفقيه فعليه أن يحلل ويستنبط وهلم جرا.

ونقرأ كلمات الأعلام، وقد قرأنا كلام كاشف الغطاء فهو يقول: - ( وإن جعلنا الحداء قسيماً للغناء )، وطبعاً قبله بعض الأعلام قال إنَّ أمر الباقر عليه السلام بوقف مالٍ لنوادب يندبنه في منى - ولماذا اختار منى دون أن يحتار مكان آخر؟ واضح إنه إعلام - فهذا الحكم من الامام الباقر عليه السلام يستفاد منه ألف حكم منها أنَّ الشعائر هل تكون متكومة وخفية أو تكون معلنة؟ إنها تكون معلنة، وثانياً إنَّ موسم الحج هل هو خاص بنظامٍ معين أو هو لجميع المسلمين مع أنَّ الدولة كانت أموية؟، فلاحظ أنَّ روايةً واحدة وموقفاً واحداً يستفيد منه الفقيه عشرات الأحكام، والشيخ جعفر كاف الغطاء وقبله بعض الأعلام أو بعده قالوا حينما يأمر الامام الباقر عليه السلام النساء أن يندبنه فعلى هذا يكون مطلق صوت المرأة مع الرجل ليس حراماً إلا أن يكون فيه خضوع بالقول، يعني فيه تغنّج وميوعة وليونة وكثرة انفتاح فنعم هذا خطأ أما الصوت العفيف الذي ليس فيه ميوعة ولا تغنّج ولا كثرة كلام فلا مانع منه، لأنَّ انفتاح المرأة الأجنبية على الرجل الأجنبي أيضاً فيه خطورة فإنَّ طبيعته هي هذه، فإذاً استفاد مطلباً آخر.

واتفاقاً شبيه هذا أنَّ الامام الصادق عليه السلام أقام عزاءً على جدّه سيد الشهداء عليه السلام في بيته ووضع ستاراً والنساء خلف الستار، فإذاً تصايح النساء وسماع الرجال هذه إثارة محمودة، فهو يزيد من بكاء الرجال، فلاحظ أنه من رواية واحدة يجب أن يستنتج الفقيه أموراً كثيراً لا أنه يجمد على الألفاظ، فالرواية لم تقل سماع الرجال للنساء ولكن عسى أن تكون الألفاظ ليست موجودة ولكن على الفقيه أن يقوم بالتحليل، فهناك فرقٌ بين الاستنباط الحشوي القشري الجمودي الحرفي وبين الاستنباط التحليلي، قد يقول البعض إنَّ هذه اللفظة ليست موجودة في الرواية، وهذا صحيح ولكن الفقيه والأديب يستنبطها بشكلٍ بيّن واضح، والسبب هو أنه الممشى في الجو العام في الاستدلال بحرفية جمودية سطحية وهذا خطير على مسيرة الاجتهاد، طبعاً لابد أن يكون ذلك بدلائل وشواهد ولكن يلزم أن يكون هناك تحليل، فليست كل المعاني ملفوظة في سطح اللفظ ولكنها موجودة، فلاحظ ماذا يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء:- ( وإن جعلنا الحداء سيماً للغناء مبايناً[1] له كما هو الأقوى لشهادة العرف بذلك عمّ الجواز[2] )، وقوله ( مباين ) يعني أنه استثناء منقطع وليس متصلاً، وحينما يكون استثناءً منقطعاً يكون حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، فهو يعمّمه موضوعاً إلى عناوين أخرى، فهو يقول ( فإن كان مبايناً عمّ الجواز الإبل وغيرها في حال السير وغيره ويقوى أيضاً خروج أصوات عملة السفن عند مباشرتهم الأعمال وترجع الأمهات لنوم الأطفال والنداء لتحريض الرجال على القتال والأصوات المشجية في المناجاة )، فإنَّ كل صنعة أو كل تقنية لهم أهازيج أو أناشيد معينة، كالغواصين لهم أناشيد خاصة حتى يثيرون الحماس كي يذهب عنهم خوف الغوص، وحتى في الحروب شعار يا أبا الفضل العبّاس أو يا علي الأكبر فيدبّ النشاط والشجاعة في المقاتلين كأقوى عقيدة عسكرية، وكذلك الرجز وغيره، وكذلك ترجيع الأمهات لنوم الاطفال، فلاحظ كيف عمّم الحكم إلى جميع هذه الموارد، بل حتى صاحب مفتاح الكرامة قال الرقص للقتال ليس من الرقص المحرَّم وإنما هو نوع حماس وهو خارج عن الرقص، لأنه ليس طرباً مجونياً وإنما هذا ماهيته حماس واندفاع.

ولو قيل للشيخ جعفر كاف الغطاء: - كيف تتعدّى عن النص؟

وفي الجواب نقول: - ما هو النص أيها المستشكل، فهل تظن أنَّ النص هو اللفظ فقط؟!! كلا وإنما النص هو الوحي ومعانيه، وهذه كلها استخرجها الشيخ جفر كاشف الغطاء من الاستثناء المنقطع - أي التخصّص - دون الاستثناء المتصل - أي التخصيص- أما عدم قبول هذا والتمسك باللفظ فهذا ليس استنباطاً وإنما يكون هذا الشخص راوياً وليس فقيهاً، إنما الفقيه بفهمه يغوص في المعنى، أما أن يقال إنَّ هذه استحسانات فهذا ليس بصحيح، لأنه ليس كل شيء ليس موجوداً في اللفظ يكون استحساناً، نعم إذا كان من دون شواهد فهذا استحسان أما مع الشواهد التحليلية في المعنى فهذا لا يكون استحساناً وإنما هو ليتفقّهوا أي ليتفهّموا، ونفس القرآن الكريم يقول إنكم لا تصلون إلى معاني الوحي إلا بالفهم لا بالسماع وحده، وهذا هو فرق العوام عن العلماء، فإنَّ العوام يسمعون اللفظ فقط ولا يدركون ما وراءه، فإنَّ ﴿ فلولا نفر ﴾ يعني روى، فـ( ينفر ) يعادل ( يروي )، ولكن هذا لا يكفي وإنما لابد من وجود رواة وفقهاء - أي فهم - سواء كانوا فقهاء في علم الكلام وليس فقهاء في علم الفروع فقط، وربما يكون الشخص فقيهاً في الفروع ولكنه ليس فيها في الكلام، ورب فقيه في الكلام وليس فقيهاً في الفروع، وربَّ فقيهٍ فيقهما وليس فقيهاً في التفسير وهلم جرا فإنَّ العلوم الدينية متعددة، فكاشف الغطاء يقول أيضاً:- ( والأصوات المشجية في المناجاة والأصوات غير المشتملة على الحروف الهلهلة نعم إذا اشتبه الموضوع لزم الاجتناب )، يعني لو شك فالأفضل الاحتياط، وإلا ففي الموارد المشتبهة قال المقدس الأردبيلي بأصالة البراءة، لأنَّ هذه شبهة موضوعية وليست حكمية.

وأيضاً من كلمات الأعلام في المقام ما ذكره العلامة في التحرير فإنه قال: - ( ولا بأس بالحداء وهو الانشاد الذي تساق به الإبل يجوز فعله ويجوز استماعه وكذا أناشيد الأعراب وسائر أنواع انشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء )، فإذاً هو عمَّم إلى عناوين أخرى، وبنكتتين يقرر العلامة الحلي أنَّ هذا الخروج خروج موضوعي وتخصّصي وأنَّ الاستثناء منقطع، فإذاً ليس كل ترجيعٍ وليس كل رفع الصوت هو محرَّم وإنما بقيد الإطراب المجوني هذا هو المحرّم.

وقال الشهيد الثاني في المسالك إنَّ الحداء الجائز ليس هو الحداء لتنشيط الابل فقط وإنما يوجد حداءٌ آخر وهو لأجل إيقاظ النيام فأيضاً هذا جائز، فهو ايقاظٌ وإفاقةٌ للنائمين بشكلٍ ناعم فهذا أيضاً جائز، وكأنما تمتلئ أسماعهم من صوتٍ خفيفٍ فيستيقظون.

فلاحظ أنَّ هذا تعميم موضوعي آخر ولنفس النكتة وهو أنهم يذكرون أنَّ الخروج تخصّصي وليس تخصيصياً، أي أنَّ الاستثناء منقطع وإذا كان منقطعاً فحكم الامثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، فلاحظ أنَّ هؤلاء الأعلام كلهم يصرّون على أنَّ الاستثناء تخصّصي منقطع وليس تخصيصاً واستثناءً متصلاً ومن ثم يجنون ثمرتان في هذا البحث.

وجملة من الأعلام قالوا إنَّ الغناء في الأعراس خروجه تخصصي وليس تخصيصياً، أما هذه الشرائط التي قالوها من دون عزف ومن دون كلام باطل ومن دون دخول الرجال على النساء وغير ذلك فهي لأجل بيان حدود الماهية والخروج التخصّصي، من ثم صاحب الجواهر عمّه إلى الختان مع أنَّ الختان ليس منصوصاً إلا رواية عامية، وسنذكر أنَّ هذه الشواهد التي استدل بها الفيض الكاشاني والسيد ماجد وسلطان العلماء وغيرهم من الأعلام الذين كانوا في زمنٍ واحد بدءاً من السيد ماجد هي شواهد ودلائل مشبِّهة والتحليل الذي ذكروه محل تأمل، وإنما تحليل الأعلام الآخرين هو الصحيح، لا أنَّ الغناء ليس كيفية صوت، كلا بل هو كيفية صوت، وخلاصة ما ذكرناه أمس هو أنه إذا كانت كيفية الصوت والترجيع ومدّ الصوت وترقيقه متوسطاً فإطرابه ليس بتّياً فإذا مونع لا يكون مطرباً كأن كان مضمونه حق مثلاً، أما إذ كان مضموناً شديداً فحتى لو استعمل في القرآن الكريم يكون حراماً، مثلاً افترض أنها كانت بنغمة الجاز أو الروب فإنها حتى لو استعملت في القرآن الكريم أو العزاء فهي تطرب وتُرقِّص، أما إذا كان متوسطاً يمانع يكون غير مطرباً، فهم اشتبه عليهم هذا التحليل، بينما هذا التحليل الذي ذكره الأعلام الآخرين صحيح، ولذلك اشترطوا أن لا تكون فيه آلات موسيقية وأن لا يكون باطلاً وغير ذلك وسيأتي التفصيل، وربما يكون الحداء استثناءً ليس تخصصياً أما الغناء في الأعراس فهو استثناء تخصيصي، فإنَّ المستثنيات ربما لا تكون على وتيرة واحدة، وفعلاً بعضهم جعل الغناء في الأعراس تخصيصاً ولكن جعل الحداء والرثاء تخصّصاً، وهذا بحثٌ أيضاً، فيمكن أن تكون الاستثناءات والمستثنيات ليست على وتيرةٍ واحدة وهذه نكتة صناعية.

وتوجد إثارة سنأتي إليها تحليلاً: - وهي نكتة الطرب المجوني، فإنَّ الحداء لم يؤسَّس بكفيفة صوت ومقام للطرب المجوني، فهو ليس طرباً مجونياً وإنما هدفه كما سنقرأ هو التنشيط وأثارة التنشيط ليس طرباً مجونيا نزوياً غرائزياً، ولذلك حينما أتى المنشد أبو هارون المكفوف - وهو الناعي أو الرادود - إلى الامام الصادق عليه السلام وقرأ قال له الامام عليه السلام لا تقرأ هكذا وإنما اقرأ لي كما تقرأون عندكم، ولماذا يطلب الامام المعصوم منه ذلك الطور؟ لأنه يؤثر في القلب، فدوره هو التأثير وهذا واضح.

أما الكركي فيقول:- ( واستثني من الحداء وفعل المرأة له في الأعراس بشروطه الآتية واستثنى بعضهم مراثي الحسين عليه السلام )، فالكركي كأنما يشير إلى أنَّ الرثاء خارج خروجاً تخصّصياً مع أنه توجد نصوص كثيرة، فبخصوص العزاء على سيد الشهداء أو على مصائب أهل البيت عليهم السلام توجد نصوص خاصة في أطوار الرثاء وهي نصوص مستفيضة ولكن بعض الأعلام كأنما ربما لم يستذكر هذه النصوص فقال إنَّ خروجها من باب الاستثناء المنقطع في الحداء، يعني نفس الوتيرة، وهذه نكتة صحيحة فإنَّ وجود النصوص الخاصة لا ينفي هذا الوجه العام، لأنَّ الشيء قد يكون له دليل عام قاعدي وقد يجتمع مع نصوص خاصة وهذا لا مانع منه.

ولماذا هو استثناء منقطع؟ قد ذكرنا كلام السيد اليزدي، استثناء منقطع يعني يوهم أنه مندرج فالشارع يأتي ويبيّن أنه ليس كذلك، ولكن نكتة الاستثناء المنقطع هي نكتة صناعية عامة تظهر بالتحليل لا بالجمود الروائي.

الغناء في اللغة حتى يستخدم لتحسين الصوت فيسمّى غناءً، فأرادوا أن يقولوا ليس كل معاني الغناء في اللغة هو حرام وإنما المحرّم من الغناء هو خصوص المطرب أما غير المطرب فليس بحرام لا سيما كون المضمون حق وهلم جرا، ولكن اشتبه الأمر على السيد ماجد والفيض الكاشاني فظنوا أنَّ الكيفية ليس لها دور والحال أنَّ الكيفية لها دور أيضاً ولكن ليس التأثير الحصري بها، وإنما المضمون له دور أيضاً وكذلك المناسبات الأخرى لها دور، لا أنه ليس هو موضوع للحرمة بحث نقول أصلاً الغناء ليس محرماً، فإنَّ السيد ماجد والفيض الكاشاني أخذ بهم التطرف في الشواهد إلى أن قالوا إنَّ أصل الغناء ليس بمحرَّم، وهذا ليس بصحيح، وإنما هناك عوامل أخرى تكسب كيفية الصوت الإطراب وتارةً تحجب وتمنع من ذلك لا أنَّ الكيفية ليست موضوعاً للحرمة كما أنَّ المضمون موضوع للحرمة، وإن شاء الله تعالى سنواصل بقية كلمات الأعلام لأنها مهمة جداً.

فلاحظوا أنَّ كلمات الأعلام والاستدلال عبارة عن تفقّه فذلكة الاستدلال والاستنباط لا أن يمشي الباحث بشكلٍ سطحيٍ جمودي.


[1] فهو ذهب إلى المعنى اللغوي، ومباين يعني أنه استثناء منقطع وليس استثناءً متصلاً.
[2] هذه هي الثمرة الثانية في الاستثناء المنقطع.