الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حرمة الغناء و أخواته الدرس ( 29)

كنا في مقام استخلاص النتيجة في بحث الغناء والموسيقى وهذه المرحلة كلما مكث فيها الباحث أكثر يكون النضج للنتائج أمتن فربما يغوص الباحث في كل دليلٍ دليلٍ من الأدلة بالنقض والابرام ولكنه بعد يغفل عن استخلاص قالب متكامل من النتيجة لهذه الجهود من النقض والابرام .

وهنا استخلص النتيجة بتحديد الضابطة من المحرم من الغناء والآلات الموسيقية وإن كان المشهور شهرة عظيمة واضح ولكن في مقابل من خالف المشهور اما بنحو الندرة والشذوذ أو بنحو القلة .

فهناك خلاصة ذكرناها ـ يوم السبت ـ في الغناء او الآلات الموسيقية أحاول إعادة صياغتها بنحو أسلس وأسهل .

في البداية أعيد أصل تقسيم الصور : ففي الغناء صور :

الصورة الأولى : هناك غناء وترجيع ورفع الصوت ومده ورفعه شكل مهيج كما هو الحال في مجالس الفسوق والفجور بحيث ان كل من كان في المجلس لا يتمالك وقاره او سكينته [[1] ] .

الصورة الثانية : فيها طرب وإطراب وإثارة وخفة ولكنها خفيفة أو متوسطة او دون المتوسط ولا ريب أن حرمة الغناء حرمة تشكيكية وان كانت من الكبائر حتى الخفيف منها نظير الدرهم الواحد من الربا حرام ومن الكبائر ولكن الذي يأكل طول عمره من الربا يختلف عنه ، ولذلك فُرِّق في الروايات بين شارب الخمر ومدمنه وهذا دليل على ان أول درجة من الكبائر تشتد وتضعف .

الصورة الثالثة : الغناء اللغوي الذي فيه مد وترجيع ورفع صوت ولكن ليس فيه طرب ، ومر بنا أنه ليس بحرام وإن سمي لغة غناء وهذا ربما هو المشهور شهرة عظيمة .

ومر بنا ان الفرق بين الصورة الثانية والأولى انه في الصورة الثانية اذا كان مقطع الطرب في كلامٍ حق يقتصر في الحرمة ليس على كل المجلس أو الردة بل يقال عنه أنه مجلس عزاء لا لهو ولكن ثانيتين منه صارت فيه حالة طرب فلا يصدق على هذا المجلس مجلس لهو وأباطيل ولا أنَّ هذه اللطمية طرب بل يقتصر على خصوص المقطع الذي كان فيه طرب .

وصور الآلات الموسيقية أيضا هكذا ، فتارة تعزف أو يضرب بها او بأوتارها في مجلس فيه إثارات مختلفة وهي تستعمل بشكل هيجاني شديد وبلا شك تكون هذه محرمة ومختصة بمجالس أهل الفسوق والفجور ولكن الموسيقى المطربة بدرجة متوسطة أوخفيفة لا تختص بهذه الصورة الأولى بل تشمل الصورة الثانية خلافا للسيد الخوئي او تلامذته او السيد الخميني أو تلامذته او لأكثير الاعلام المعاصرين فالصورة الثانية أيضا مطربة نعم هي ليست هيجانية وفرق بين القول انها ليست مُطربة والقول أن اطرابها ليس هيجانية فلا نستطيع أن نقول ان كيفية الاستعمال الموجود في مجالس اللهو مختصة الحرمة به في الآلات الموسيقية اما اذا كانت كيفية مغايرة لمجالس أهل اللهو فهذا الاستعمال مشترك بين الحلال والحرام ، كلا يبقى هذا الاستعمال حرام ومطرب ، وان كان أخف حرمة وأخف شدة من الصورة الأولى . نعم هناك صورة ثالثة في الآلات الموسيقية وهي اذا استعملت لا ككيفية صوت مطربة بل كالانذار وجرس البيت والساعة والناقوس العسكري فهو ليس استخدام طربي بل هو للتنبيه كما يستخدم في العزاء بعض الآلات الموسيقية بنمط الصورة الثالثة وربما بنمط الصورة الثانية ولكن المستثنى هو خصوص الصورة الثالثة .

وفي خضم هذه الصور مر بنا ـ يوم السبت ـ بعض التشقيقات ولكن لكي أضبط هذه التشقيقات الاستثنائية نذكر هذه الضابطة الجديدة ليكون ضبطها أسهل من الخوض في التشقيقات وهي :

ان السيد ماجد البحراني في ضمن إشكالاته على المشهور ـ وان ادعى انه هو من يمثل القول المشهور وهو ليس بصحيح ـ ان الغناء في اللغة هو الترجيع ومد الصوت ورفعه واذا كان الغناء متقوِم بذلك فالصوت الحسن من المحال ان لا يكون فيه شيء من المد او رفع الصوت او الترجيع فالماهية هي هي وقد أمر بالقراءة بالصوت الحسن في قراءة القرآن والدعاء فلابد ان يكون الفرق بلحاظ المضمون الباطل وبلحاظ ما يصاحبه من محرمات أخرى كدخول الرجال على النساء الاجنبيات والاثارة والفتن الشهوية الجنسية ، وقد مضى الرد على ذلك وهذا الرد يفيد في البحث كنتيجة وحاصل الرد هو :

من قال أن الترجيع والمد للصوت ورفعه ليس مشككاً أي متفاوت شدة وضعفا ومعه فالترجيع قد يبلغ درجة فيكون مطربا وقد يبلغ درجة لا يكون كذلك ، وكذلك الحال في المد ورفع الصوت وذلك في بعض الروايات ورد النهي عن رفع الصوت في قراءة القرآن جهاراً صارخا بخلاف الاذان للصلاة فالمقصود ان المد ورفع الصوت والترجيع صحيح أنه ماهية واحدة لكن درجة المد والترجيع لما تشتد تكون مطربة واذا اشتدت أكثر تكون مناسبة لمجالس اللهو والفجور .

وقد يكون المضمون الحق يمانع تأثير الترجيع ان يكون مطرباً فكل شيء له إقتضاء فالترجيع مقتضي للإطراب ، ومد الصوت مقتضي للطرب من الصورة الثانية المتوسطة ، ولكن لما يكون مضمون حق يمانع تأثيره فاذا مانع تأثيره فكونه من المطرب محل كلام لأنه بالفعل ليس مطرب ونحن ندور مدار صدق العنوان فعلاً .

ونفس كيفية الصوت والترجيع ومد الصوت استخدمها مغني فكانت مطربة ومثيرة ، ونفسها استخدمها رادود فلم تكن مطربة فتكون حلال لأنها مونعت من التأثير في الطرب بسبب المضمون وكلام الحق ففي الفعل ليست مطربة .

فكيفية صوت واحدة ـ مقام واحد وطور واحد ـ اذا لم يكن شديدا يستخدمه مع كلام باطل ومجلس فيكون مثيراً بالفعل ، وهو بنفسه يستخدمه غيره كالرادود وقارئ القرآن فلا يكون مطرباً فيكون حلالا

فالفيض الكاشاني والسيد البحراني يقولان ان هذه الكيفية في القرآن لابد من الالتزام بكونها حلال وتلتزمون في نفس هذه الكيفية بالحرمة في غير القرآن ومعه فلابد ان يكون الفارق هو في المضمون ، ونحن نقول ليس المدار على المضمون فقط بل على الكيفية ولكنها هي على درجات قسم منها غير مؤثر نظير الانسان الذي يتعاطى اكل الدهون فالبعض من الناس بنيته قوية لا تؤثر عليه وبعضهم تؤثر عليه فغذاء واحد مضر لشخص وغير مضر لآخر فيكون حلال وحرام وذلك لكون هذا الغذاء بالنسبة اليه مضر ولذاك غير مضر بل مفيد .

وفي المقام هكذا نقول ان بعض كيفيات الصوت دائما مطرب ولكن هناك كيفيات منه او مقامات اذا امتزجت بكلام حق او بجو معين لا تكون مثيرة أو مطربة مع انه مقام واحد وطور واحد ونغمة معينة اذن ما ذكره البحراني والكاشاني ومن تبعهما التبس عليهم الامر موضوعاً فالمشهور جعل الضابطة وجود الطرب ولو بدرجة متوسطة أو خفيفة وعدم مجونيته وبعض الموارد مع كونها طور واحد ونغمة وكيفية واحدة ولكن اثارتها ليست شديدة بل متوسطة اذا مونعت بمضمون قوي تكون محسنة وغير مطربة ونفسها اا استخدمت في كلام باطل يساعدها هذا في الاثارة فتكون الاثارة نتجت من إثنين ولا مانع من كونها حلال هنا وحرام هناك ولا تنافي ولا تناقض وذلك لكون الأدلة اخذت الطرب والاثارة

المجونية مداراً وهي بلحاظ الفعل .

نعم لا بد من الالتفات الى هذه النكتة وهي قد يكون شخص يحمل مشاعراً حساسة جداً ، وقد يكون شخص على العكس تماماً ، هذا بالنسبة للكلام او الطرب او الاثارة الغضبية او الشهوية او الجنسية فهي بحسب قوة وضعف الانسان وقد يكون انسان بالنسبة لقوة معينة لديه انفلات وفي قوة اخرى ليس لديه انفلات .

وسيأتي الكلام عن ذلك في الدرس القادم انشاء الله تعالى


[1] في بعض الروايات سال زرارة الامام كيف عرف سيد الأنبياء أن ما يأتيه من الله ؟ فأجابه الامام ـ على مستوى الحد العلمي لزرارة فعلم النبي بجبرئيل وانه من الله ليس بالجواب الذي ذكره الامام الصادق × بنفس جواب آخر للأمام الصادق فعنده مستوى وحياني أعظم من مجيء جبرئيل ـ عرفه بالسكينة والوقار . بينما مكاشفات الشياطين والجن والابالسة لا يكون فيها سكينة ووقار حسب بيان القرآن الكريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } مريم : 83 بحيث يضطرب حتى بدنه .ونفس هذا المبحث في الاعمال الصالحة والطالحة شذرات من هذا المبحث موجودة فالغناء والموسيقى لا يورثان سكينة ووقارا بل يورثان إضطراب وإثارة وما شاكل ذلك .وقريب من الرواية التي ذكرها الشيخ الأستاذ (دام ظله ) ما روي عن محمد بن مسلم قال ذكر المحدَّث عند أبي عبدالله عليه السلام فقال: إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له: جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال: إنه يعطي السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك.