الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حرمة الغناء وأخواته الدرس ( 27)

كان الكلام في استخلاص النتيجة مما تقدم من الأدلة ومربنا بالنسبة الآلات الموسيقية تحريمها في الصورة الأولى والثانية ، والصورة الأولى هي والأولى هي خصوص الالحان المناسبة لمجالس الفسق والفجور والملاهي ، والثانية كون الحن ليس خاص في مجالس اهل الفسوق فيستخدم في العرف جملة من الالحان اذا سمع لا يقال هذا مجلس ليلي فيستخدم في المارات والأفلام والاخبار

عند العامة الكل حرموا الصورة الأولى بالاتفاق ، واما الصورة الثانية فمنقسمون حديثاً وقديماً فقسم منهم يحرم وقسم لا يحرم ، وممن يحرم الصورة الثانية ابن باز ، وربما الكثير من السلفيين يحرمونها .

والغريب ان القرائن التي اعتمدها علماء الجمهور في تحليل الصورة الثانية وتخصيص التحريم بالصورة الأولى هي القرائن التي ذكرها الفيض الكاشاني والسيد ماجد البحراني ومرت الخدشة في ذلك .

والصورة الثالثة : وهي استخدام الالات الموسيقية للإنذار والتعبئة والتأهب وما شاكل ذلك استخدام انه لا يسمى استخدام لهوي بل هو خارج عنه ، ككثير ما يستخدم في العزاء .

السيد الخوئي في فتاويه في الآلات الموسيقية يفصِّل فيها ولا اريد ان أقول انه يذهب الى حلية الصورة الثانية مطلقا بل يكاد ينطبق تفصيله في الآلات الموسيقية ، في التفصيل بين الصورة الأولى والثانية .

وبعبارة أخرى : ان استخدمت الآلات الموسيقية بالحان اهل الفسوق ، وان لم تستخدم في مجالسهم فذلك الاستخدام وهي حرام ، واما اذا استخدمت لحنا يستخدمه العرف البشري في الفجور كما يستخدمه عرفهم في غير مجالس الفجور .

اذن الصورة الثانية عنده انه ليس شرط المحلل من الآلات الموسيقية ان لا يُستعمل في مجالس اهل الفجور بل حتى لو استعملوه وإنما المحرم هو ما اختص استعماله بهم ، اما لو استعملوه واستعمله غير اهل الفجور في قضاياهم الأخرى الدنيوية غير الفجور ، من فهو لحن مشترك وليس حرام ، وتلك الالة تكون مشتركة هذا على صعيد الفتوى تنظيراً ولعله السيد الخميني كذلك ، ولكن العجيب أن السيد الخوئي عنده العود والطنبور والكمان مطلقا حرام ، وهل هو من التعبد الخاص او تشخيص المصاديق ؟ اذن مجموع فتاوى السيد عند متابعتها نجد هذا التفصيل ، فهو يتبنى ان اللحن المشترك ليس بحرام ، لأن البشر اذا سمعوه لا يتبادر الى ذهنهم ان هنا مجلس فجور ، واما اللحن الذي يختص بأهل الفجور

فهو حرام .

فهو بالتالي يفسر ( لا تقرؤوا القران بالحان أهل الفسوق ) بكون المراد منه اللحن المختص بهم دون اللحن المشترك .

والنكتة هي ان هذا التفصيل عند السيد الخوئي في الآلات الموسيقية هل بنفسه يفصل في الغناء ؟ ليس بظاهر بل قال ان مطلق الترجيع المطرب وان كان بعض كلماته ربما يفصل في الغناء ولكنه فصل في الغناء فقال هناك غناء لهوي وهناك غير لهو حيث قال ان الغناء لغة مطلق الترجيع او مطلق مد الصوت وهذا لا يُلتزم بحرمته على الاطلاق إلا اذا اتصف باللهوية ، واللهوية عنوان ليس خاص بخصوص مجالس الفجور ، بل مطلق الطرب هو لهو ، لأن الآلات الموسيقية ادلة تحريمها أشد دلالة ولساناً من تحريم الغِناء فكيف يُلتزَم التفصيل في الآلات الموسيقية ولا يلتزم به في الغناء فيحرم مطلق اللهوي فانه يمكن ان يفصَّل في الغناء بان هناك ألحان تناسب ألحان مختصة باهل الفسوق والفجور فهل هذا اللحن مختص بهم او يستخدمه غيرهم أيضا ؟

تتذكرون ان الماهية التكوينية لكيفية الصوت سواء صدر من الحنجرة او صدر من الالة الموسيقية ماهية واحدة وان كان صدورها من الالات الموسيقية صناعي جاف ليس بعذوبة صدوره من الحنجرة الصوتية لقصبات الانسان او الحيوان ، والمقصود انه اذا كان للسيد الخوئي تفصيل في الآلات الموسيقية فالمفروض في الغناء أيضا يفصل ولا يعمم تحريمه الى مطلق اللهو .

وبعبارة أخرى : هل المطرب من النغمات وكيفية الصوت وحتى المضمون مختص بمجالس الفجور والمنكرات ؟ لا فكثير من العرف البشري ـ لا المتشرعي ـ يستخدم لهو مطرب ولكن طربه ليس شديد كالفرق بين الفقاع والخمر ، فالخمر إسكاره شديد ـ واما النبيذ فإسكاره ليس شديد ولذا الاعم الاغلب من العامة لا يحرمون الا الخمر وأما النبيذ فليس بحرام الا القليل منهم يحرمه ، فضلاً عن أنهم لا يحرمون الفقاع ـ فالنشوة مختلفة في الخمر والنبيذ والفقاع والطرب قطعا ليس كل طرب يوجب الخفة فالكثير من البشر لا المسلمين او المؤمنين يستخدم طرباً خفيفا او دون المتوسط لأجل التسلية واذا كان كذلك فكيف نفصِّل في الغناء ولا نفصِّل في الآلات الموسيقية مع ان التشدد في الآلات الموسيقية أكثر من الغناء ؟! لأنه في الغناء هناك كلام في حدوده وسعته وضيقه بخلاف الآلات الموسيقية فانه لا كلام فيها .

لا شك ان المشهور الذين يلتزمون بحرمة الآلات الموسيقية بكلا الصورتين يُقِرون بانَّ الصورة الأولى أشد حرمة ، ولكن كون الثانية ليست حرام بحث آخر .

اذن الصحيح ان الأدلة مطلقة في حرمة الآلات الموسيقية وغليظة ، والداعم لهذا نفس إقرار السيد الخوئي من كون الغناء غير مختص بالغناء المختص بمجالس الفجور بل الغناء مطلق اللهوي منه الطربي هذا أيضا محرم وهو ماهية واحدة لغة واستعمالا في الروايات في سياق واحد في موضوع واحد في ماهية واحدة ، فكل يدعم الاخر .

فالصحيح انه في الصورتين الأولى والثانية سواء في الغناء او الالات الموسيقية كلا الجانبين حرام ولا يفصل بهذا التفصيل نعم الطرب الموجود في مجالس المنكرات اشد هيجانا وتحريكا نظير إختلاف النشوة الموجودة في الخمر والنبيذ فهي بدرجة متوسطة ، وفي الفقاع والبيرة دون المتوسط .

وربما استشهد الفيض الكاشاني او البحراني او غيرهما ـ او ربما السيد الخوئي وجملة من المعاصرين يظهر منه الاستشهاد في التفصيل في الالات بين الصورة الأولى والثانية ـ ان هذا الاستثناء الذي سيأتي في غناء الارعراس دليل على أن كيفية الصوت نفسها اما غير محرمة إلا اذا أوجب وسببت حراماً أي في معرض التسبيب للحرام كالموسيقى الماجنة أي الصورة الأولى في الآلات الموسيقية لا سيما ان الفقهاء الامامية قيدوا الروايات المستفيضة التي سنقرأها في حلية غناء الاعراس ( في الباب الخامس عشر من أبواب ما يكتسب به ) بعدم إختلاط الرجال بالنساء ، وبعدم الكلام الباطل من المغنية ، وبعد استخدام الكلام الفاحش ، وبعدم استخدام الآلات الموسيقية ، وهذه القيود ربما يستشهد بها جماعة الفيض الكاشاني ومن قبله وبعده ـ والسيد الخوئي في الآلات الموسيقية ـ بأن الكيفية المطربة ليست مطلقا حرام وانما التي فيها اشتداد في الدفع نحو المحرمات وان لم يقع المحرم .

وأيضا استشهدوا بطائفة ثانية وهي استثناء النوح والنياحة والرثاء والندبة مع انها كيفية صوت مهيجة ولغة أيضا قيل عنها انها طرب فالطرب خفة تصيب الانسان لحزن أو فرح ، مع انه أُجيز الغناء في الاعراس بقيود وهو شيء مسلم في الروايات ، كذلك الرثاء والنوح أُجيز بقيود قريبة من التي ذكرت في الاعراس وهذا شيء مسلم وهذا مما يدلل على ان كيفية الصوت المطربة بطرب خفيف للحزن او الفرح بدرجة خفيفة او دون المتوسط حلال وجائز بخلاف الصورة الأولى التي هي مهيجة فهي حرام في الاعراس وغيره والرثاء والنوح ، فهذا تفصيل في كيفية الصوت بان لا يكون مضمونه باطل ولا فاحش مجوني بل هادف وان لا يكون إطرابه شديد .

قد يستشهد القائلين بالتفصيل بذلك .

وسنتعرض الى الرد عن هذا الاستدلال في الدرس القادم انشاء الله تعالى