الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حرمة الغناء وأخواته الدرس (19)

وصل بنا الكلام الى استعراض الروايات الواردة في باب (100 ) من أبواب ما يكتسب به الذي عنونه صاحب السائل بعنوان ( باب تحريم الآلات الموسيقية ) طبعاً أن العزف بها وشرائها وصنعها وكل الأفعال الملابسة لشيء محرَّم حرام ، وكما يقول العلامة الحلي في قوله تعالى﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾[1] أكلا وبيعاً ولمساً وكل ما يلابسها من أفعال ، وهنا كذلك في الآلات الموسيقية .

الرواية السادسة : موثقة

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ × قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ’ أَنْهَاكُمْ عَنِ الزَّفْنِ [2] وَالْمِزْمَارِ وَعَنِ الْكُوبَاتِ [3] وَ الْكَبَرَاتِ.[4]

بما يشمل الطبل والاليات كالعود وهي أنواع المعازف .

والاستدلال بالروايات الواردة في الآلات الموسيقية على حرمة الغناء لما مر بنا بالأمس من وحدة الماهية بين كيفية الصوت في الغناء والآلات الموسيقية فهذه الالية محرمة سواء صدرت من آلات موسيقية جامدة أو صدرت من حنجرة صوت الانسان ، ومن ثّم أُسند عنوان الغناء الى الآلات وأُسند الى صوت المتكلم ويسند الى مضمون الكلام .

الرواية السابعة : فيها ضعف السند ولكن المجموع فيه استفاضة

المستفيض والمتواتر ما هو وجه حجيتهما ؟

ذكروا في وجه حجية الخبر المتواتر ضابطتين او أكثر ، والعمدة الأساس أن يكثر عدد الطرق بدرجة يَمتنع إحتمال تواطئ الرواة على الكذب ، فاذا امتنع هذا التواطئ بدرجة اليقين يعبر عنه ( تواتر ) ، واذا كان امتناع التواطئ بدرجة الاطمئنان المتاخم لليقين يعبر عنه ( استفاضة ) فلملاك حجية التواتر ليست هي وثاقة الطريق وحجية التواتر أعظم من الصحيح

ومن الافراط الموجود عند الوهابية أو السلفية أو الظاهرية او الحشوية التشدد في الخبر وجعله كأنما اهم من الخبر المتواتر وهذا خطورة في معرفة الدين فلا يمكن أن يجعل الخبر الصحيح في عرض الخبر المتواتر فجملة القدماء عندنا ينكرون حجية الخبر الواحد الصحيح بمفرده اشد الانكار كالشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة وابن ادريس وابن حمزة وابن برَّاج ، بل عندهم القول بحجيته بمفرده بدعة في الدين لأنه لا تتمسك بالمحكمات في الدين وتتمسك بالآحاد فلابد من ضم خبر الاحاد ـ صحيحا كان أو ضعيفا ـ الى المحكمات والبديهيات في الدين ليكتسب قوة ، راجع كتاب الرسائل للشيخ الانصاري وكتب أصولية أخرى .

ان الشيح المفيد يقول عن الذي يعتمد على أخبار الاحاد بما هي آحاد من دون أن يلصقها بمنظومة الدين والأدلة يقول عنه إنه حشوي ، ان الحشوية أخطر من الإخبارية لأن الاخباري قد يكون محققا ولكن الحشوي ساذج قشري .

والضابطة العمدة [5] في حجية التواتر هي كثرة أو كيفية رواية الرواة بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب لظروف معينة ، وان كانوا كلهم كذَّابة ووصفوا بالكذب ، ولكن يمتنع اتفاقهم صدفة على هذه الصيغة من الكذب [6] ، وبالالتفات الى هذه الضابطة فالذي لا يكترث بالأخبار الضِعاف يُضيِّع ما هو أعظم حجية في مقابل الأضعف حجية ، اذ التواتر يتوَّلد من بطن الاخبار الضِعاف اذ مَناط الخبر المتواتر ليست هي تراكم الوثاقة فقط بل هي ضابطة ثانية بديلة ليست هي المعول عليها عند الفريقين والضابطة الأولى هي إمتناع التواطئ على الكذب لعدم وجود بيئة مشتركة ومصالح مشتركة ، وكذلك الاستفاضة بنفس الضوابط ولكنها بدرجة أقل من اليقين وهي متاخمة لليقين ، ولذا الاستخفاف والازراء بالأخبار الضعاف والضرب بها عرض الجدار راي أهوج لكون الخبر المتواتر كمجموع أعظم دورا من الخبر الصحيح ، وهذا شبيه العصي لو فرقتها كانت كل واحدة لوحدها ضعيفة ولكن لو جمعتها كانت قوية وأقوى من عصى واحدة قوية .

ولذا من المؤاخذات على بعض الفقهاء في العصر الحاضر انهم يطرحون كل الاخبار الضعيفة ويتعاملون معها بشكل افرادي ولا يتعاملون معها بنحو منظمة الى بعضها البعض لتحصل الاستفاضة من خلالها التي هي أعظم من الخبر الصحيح الواحد فان خبر الواحد ولو كان صحيحا فان بعض الاصوليين والفقهاء ينكرون حجيته كـ (ابن قبة ) بل يشنِّعون على من يذهب الى حجيته بمفرده لكونه إعتماد على

الرواة فقط لا على الاجتهاد .

اذن تجمع الاخبار الضعاف بنحو يمتنع تواطئ الرواة فيها على الكذب يولِّد تواتراً أو استفاضة فمثلا صاحب الدعائم والاشعثيات من مصر ، وكتاب علي بن جعفر في المدينة المنورة ولا تلاقي بينهما ، ومؤلف ثالث في الكوفة ومؤلف آخر من قم أشعري وهم لم يتلاقوا لا تتلمذاً ولا دراسة عند واحد

ويأتون برواية واحدة من أربع مصادر أو خمسة فيصل الاطمئنان بها أكثر من الخبر الصحيح ، فإن الرواي وإن كان ثقة إلا أنه قد يشتبه أو يُكذَب ويُزَوق عليه أو يشتبه الناسخ وكم من كبار من الفقهاء الرواة قد يشتبه ويعبرون عنه بـ ( علل الحديث الاتية بسبب الرواة ) بينما خلاف أخبار ضعاف التي يمتنع تواطؤهم وتلاقيهم على الكذب أو تمتنع الصدفة أن يشتبه الحديث عندهم فهو استفاضة وقد ذهب السيد الخوئي الى أن الضعيف يُثَبِت السُنة ومخالفه حتى لو كان ضعيفا لايُعمَل به وفيه خلل .

هذه المناهج الصناعية هي منهج المشهور ـ وقد غُيِّبت ـ لذا ترى كل فقهاء الامامية وتراثهم كالجواهر والمستند والمستمسك والمسالك ومجمع الفائدة وكاشف اللثام الذين هم يمثلون تراث الائمة لا يُقصون الاخبار الضعاف بل يكترثون بها مجموعاً لا آحادا بل إستفاضة لا تأييداً الذي هو ضم خبر واحد الى خبر آخر فقط من دون حصول الاستفاضة بسبب الكثرة .

اذن الرواية السابعة هي ( وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِمْرَانَ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ × قَالَ : مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ فَجَاءَ عِنْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ بِمِزْمَارٍ فَقَدْ كَفَرَهَا الْحَدِيثَ.[7]

أي إن المعصية عند النعمة كفران للنعمة ، وهذا اللسان يستدل به على حرمة المزمار بتقريب : أن جزاء النعمة هو الطاعة لا الاتيان بالمحرم ومن هنا يكون المزمار محرما لكونه تعالى وصف فاعله بالكفر للنعمة

، لذا استدل على وجوب عبادة الله بوجوب شكر الله .

الرواية الثامنة :

هناك بعض الروايات من قبيل هذه الرواية وهي وصية النبي ’ لعلي × التي ذكرها الصدوق في آخر الفقيه وهي أو وصية النبي لأبي ذر او حديث العلل للفضل ابن شاذان او حديث الاربعمائة هي مشتملة على صفحات من المتن وفيها أحكام لأغلب الأبواب الفقهية فتمحيص السند وإعتبار الرواية التي تكون كهذه الرواية وغيرها ـ كرواية شرائع الإسلام ـ من المهم ان يخصص الانسان جهدا خاصا في إعتبار تلك الاحاديث وعدمه لكونها متكررة في كثير من الأبواب وكذا مثلا راوي من الرواة يتكرر كثيرا في الروايات ـ كمحمد بن سنان ـ فبذل الجهد فيه اهم من بذل الجهد من الراوي قليل الرواية ، والصحيح اعتبار الطريق وعمل الطائفة بهذه الرواية ايضا .

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَ أَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ × فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍّ × قَالَ: يَا عَلِيُّ ثَلَاثَةٌ يُقَسِّينَ الْقَلْبَ اسْتِمَاعُ اللَّهْوِ وَ طَلَبُ الصَّيْدِ وَ إِتْيَانُ بَابِ السُّلْطَانِ. [8]

وهنا قال ( إستماع اللهو ) ولم يقل ( فعل اللهو ) وهنا اللهو هو المحرم في القرآن وهو المجوني كما مرَّت القرائن على ذلك فالمراد به الحرمة ، وكذلك الاتيان الى باب السلطان الظالم واضح فيه الحرمة إلا لعذر ، واما طلب الصيد فعلى فتوى المشهور فهو من دون حاجة ومؤونة وتجارة بل للنزهة والبطر والاشر معصية.

والرواية أخذت عنوان ( إستماع اللهو ) وفتوى الفقهاء أن إستماع الغناء والموسيقى حرام ، والسماع ليس حرام والفرق كما قال الامام الصادق × في طرق معتبرة مرت بنا قال يابن رسول الله اني اطيل الجلوس في بيت الخلاء اني لم أتعمد[9] فمكثه الزائد هو استماع وانصات أي بتركيز وتوجه ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[10]

فالاستماع هو أن يكون السماع متعمداً مقصودا وبتركيز ، وإلا فلو سمعت وأنت سائر في الطريق من دون تعمد للسماع أو راكب في سيارة من دون خيار الركوب في غيرها فهذا المقدار ليس محرما نعم يسبب السماع تلوث الروح لكنه ليس محرماً والمحرم هو الاستماع .

اذن الاستماع درجة مركَّزة من الاصغاء ، واما السماع فهو ليس بتركيز .


[1] سورة المائدة، الآية 3.
[2] الزفن- الرقص (الصحاح- زفن- 5- 2131).
[3] «الكوبات» جمع كوبة، وهي بالضمّ: النرد أو الشطرنج، والطبل الصغير المخصّر، والفِهر، والبربط. القاموس المحيط، ج1، ص224 (كوب).
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح6، ط آل البيت.
[5] هذه ضابطة وهناك ضابطة أخرى تعتمد على وثاقة الرواة وتسمى ( تراكم الاحتمالات كيفا أو كما ).
[6] مقصوده دام ظله ان الكذَّابة يمتنع اتفاقهم على نقل مضمون واحد بنفس الطريقة مع إختلافهم في القوميات والمذاهب والبلدان ومع عدم وجود مصالح مشتركة بينهم فمثلا خبر واحد في تفسير فرات الكوفي ونفسه في تفسير القمي مع كونهمها مختلفين في البلدان وكذا العياشي الذي هو بغدادي فلا مدرستهم واحدة فالمدرسة القمية تختلف عن الكوفية والبغدادية ومختلفين من حيث الاساتذة والتلاميذ ويضم لذلك تفسير رابع وهو ( لأبن مهيار ) وهو معاصر للكليني وقد حفظه صاحب كتاب تأويل الآيات في القرن العاشر فمع كون الرواية ضعيفة سندا لكونها من المراسيل إلا أنه لما كان يمتنع تواطؤهم على الكذب يتولد استفاضة من ذلك.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص314، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح7، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص314، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح8، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص331، أبواب الأغسال المسنونة، باب18، ح1، ط آل البيت.مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي- إِنِّي أَدْخُلُ كَنِيفاً «5» وَ لِي جِيرَانٌ- وَ عِنْدَهُمْ جَوَارٍ يَتَغَنَّيْنَ وَ يَضْرِبْنَ بِالْعُودِ- فَرُبَّمَا أَطَلْتُ الْجُلُوسَ اسْتِمَاعاً مِنِّي لَهُنَّ- فَقَالَ ع لَا تَفْعَلْ- فَقَالَ الرَّجُلُ وَ اللَّهِ مَا آتِيهِنَّ- إِنَّمَا هُوَ سَمَاعٌ أَسْمَعُهُ بِأُذُنِي فَقَالَ ع لِلَّهِ أَنْتَ- أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ- كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا- فَقَالَ بَلَى وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَذِهِ الْآيَةِ- مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ عَرَبِيٍّ وَ لَا مِنْ عَجَمِيٍّ- لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ أَنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ- فَقَالَ لَهُ قُمْ فَاغْتَسِلْ وَ صَلِّ «6» مَا بَدَا لَكَ- فَإِنَّكَ كُنْتَ مُقِيماً عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ- مَا كَانَ أَسْوَأَ حَالَكَ لَوْ مِتَّ عَلَى ذَلِكَ- احْمَدِ اللَّهَ وَ سَلْهُ التَّوْبَةَ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ- فَإِنَّهُ لَا يَكْرَهُ إِلَّا كُلَّ قَبِيحٍ- وَ الْقَبِيحَ دَعْهُ لِأَهْلِهِ فَإِنَّ لِكُلٍّ أَهْلًا.
[10] سورة الاعراف، الآية 204.