الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حرمة الغناء واخواته الدرس ( 18)

كنَّا في الباب (100) من أبواب ما يكتسب به مع كون الروايات واردة في حرمة استعمال الآلات الموسيقية إلا أن الروايات يستدل بها على حرمة الغناء وذلك لما مر من أن هناك ماهية مشتركة موحدّة بين أحد ركني الغناء مع الأصوات الصادرة من الأصوات الموسيقية فوقع الصوت وإيقاعاته الموجودة في الآلات الموسيقية هي بنفس هذه الماهية يوقعها المغني من حنجرة وأوتار صوته غاية الامر حنجرة الصوت طبيعية ، وآلات الصوت مصنَّعة .

ومرَّ بنا ان اللغويين ـ وهو الصحيح ـ ذكروا ان مادة عنوان الغناء يُسنَد الى صوت الحنجرة ويُسنَد الى الآلات يقال ( تغنى بالقصب ) أي بالناي مع أنه لم يتكلم ولكنه أوقع صوتاً مرّجعاً .

اذن الغناء يُسنَد الى الصوت ويُسنَد الى الآلات الموسيقية ، كما ان مادة الغناء وعنوانه يُسنَد الى الكلام بلحاظ مضمونه لأن المضمون يؤثر في النفس خفة وطرباً وتخييلاً كما يوقعه كيفية الصوت ولذلك جُمِعَ في بعض الروايات بين عنوان الغناء وعنوان الآلات الموسيقية في سياق واحد أو في جملة واحدة أو مدار واحد .

الرواية الثالثة : (كُلَيْبٍ الصَّيْدَاوِيِّ ) قابل للإستحسان ( عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ) الظاهر أنه غير قابل للتوثيق

وَ عَنْهُمْ عَنْ سَهْلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ كُلَيْبٍ الصَّيْدَاوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ × يَقُولُ ضَرْبُ الْعِيدَانِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْخُضْرَةَ.[1] وهذا التعبير نظير ورد في الغناء .

الرواية الرابعة : غير صحيحة السند ولكن يمكن الاعتناء بها بلحاظ مجموع الروايات

وَ عَنْهُمْ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ × قَالَ: لَا يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً فِيهَا بَرْبَطٌ يُقَعْقِعُ وَ نَايَةٌ [2] تُفَجِّعُ.[3]

( البربط ) أي العود و( الناية ) أي النائحة ، وهي تدل على أن الآلات الموسيقية نمطين : نمط للفرح ، ونمط للحزن ، وكما مر بنا انه مقابل الغناء النوح وهناك فرق بين عنوان الندبة والنوح فالنوح يُرَكَّز فيه على تأثير كيفية الصوت في الخفة على الانسان فيسلبه التوازن أو الرزانة .

 

الرواية الخامسة : موثقة

وَ عَنْهُمْ عَنْ سَهْلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ × لَمَّا مَاتَ آدَمُ شَمِتَ بِهِ إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ فَاجْتَمَعَا فِي الْأَرْضِ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ وَ قَابِيلُ الْمَعَازِفَ وَ الْمَلَاهِيَ شَمَاتَةً بِآدَمَ × فَكُلُّ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ- الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ النَّاسُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ.[4]

لا يخفى ان الملاهي أعم من الات الموسيقى فكل آلات القمار ملاهي فالملاهي أعم من المعازف ، والآلات الموسيقية أعم من المعازف فالضرب بالطبل أو الدف لا يسمى عزفاً لكنه من الآلات الموسيقية بين هذه العناوين عموم وخصوص مطلق .

فالرواية تبين أن فيه تلذذ نفساني ولكنه حرام مع أن هذا التلذذ ليس أكل وشرب ولا شهوة نكاح وهذا يدلل على أن للنفس الانسانية أنواع وأنماط .

سيأتي في بعض الروايات أن من أهداف البعثة النبوية محق المعازف لأن باب اللهو والمجون يُفقد المجتمع

الإرادة الجدية ويفقده ضميره الحي في الوفاء حتى بإلتزاماته ، والخيانة لا في العرض فقط بل في كل مبدأ ان بث المعازف والملاهي عبارة عن أرضية لتجنيد أبناء الوطن للأعداء لأن الوفاء يسلب منهم .

اذن ليس من العبط أن يحارب القرآن المجنون لكونه خطير جداً ويحارب العبث واللعب المجوني وكما مرَّ بنا ان اللعب تارة يبني الوطن وهو اللعب غير المجوني بل من أجل الصحة والنشاط الروحي والبدني وهذا لعب هادف وهو ليس لعب حقيقة نعم يسمى لعب نظير الطفل يلعب ليتعلم فهو ليس لعب بل تعلم وتدرب وتدريب لذلك اللعب في المجال الأمني والعسكري يمتدحه الشارع لكون واقعة تدريب وتنمية وبناء مهارات وقوة وأما اللعب الذي يُصب في المجون والعبثي والذي يولد عداوات من لا شيء وبلا هدف يسمى مجون ويحرمه الشارع أشد تحريم .

الان باعتراف التقارير المختلفة الدولية في مجال الازمة الاقتصادية التي يعيشها البشر أُعلن عنها قبل (15 سنة ) تقريباً ، بحث توجب سقوط وانهيار دول أو بنوك وشركات ضخمة ولا زالوا في دراسة في كيفية السيطرة على هذا الطوفان الذي يدخل فجأة الى أي بلد او شركة أو بنوك ويهدها هداً بحيث لا يستطيعون من خلال الحسابات والتوقعات الاقتصادية أن يتنبأوا به فضلا عن السيطرة عليه بعد العلم به اذا حلَّ في مؤسسة او دولة أو قطَّاع مالي .

وأحد أسبابه التي أقروا بها هي اللعب بالقمار أي اللعب المجوني بأموال طائلة عبثاً وهي أشد خطورة من المخدرات ولا تقل خطورة عنها وهذا إعجاز للقرآن والإسلام ولبعثة سيد الأنبياء حيث شخص هذه الغدد السرطانية اما لجانب الهوية الاجتماعية للمجتمع او الهوية الاقتصادية له او الهوية الأخلاقية له .

فهذه البرامج الهدَّامة لهدام هوية مجتمع ليست صدفة وعبث وعبط بل هي مدروسة ، ولا يخفى ان في الاحكام الأساسية نمط خطاب أهل البيت دائما يذكرون احاديث النبي ، فعندما يذكرون احاديث النبي فأعلم أنّ هذا أساس تشريع خطير بخلاف ما اذا لم يسندوا الحكم الى القرآن او الاحاديث النبوية فيدل على أن هذا من أحكام التفاصيل .

الرواية السادسة : موثقة

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ × قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ’ أَنْهَاكُمْ عَنِ الزَّفْنِ [5] وَالْمِزْمَارِ وَعَنِ الْكُوبَاتِ وَ الْكَبَرَاتِ.[6]

و ( الزفن ) نوع من الرقص المرتبط بنوع من ضربات الارجل .

فلاحظ أن النبي أدرج الرقص مع الالات الموسيقية في سياق واحد مما يدل على أن هناك جانب مشترك بين الغناء والالات الموسيقية .

قد يُسأَل : اين هو عنوان الغناء في الرواية فهي تذكر عنوان الرقص ؟

والجواب : ان الرقص وليد الغناء او الإيقاع الموسيقي الموجود في الغناء أو الآلات الموسيقية ، فالرقص عبارة عن انفعال الراقص بإيقاعات الصوت ، فالرقص عبارة عن المعلول أو الأثر الذي يشير الى السبب ، من ثّمَّ يمكن تخريج حرمة الرقص أنه نوع من التعاطي للغناء ، كما في استماع الغناء هو تجاوب وانفعال الاذن مع الغناء ، فالرقص تجاوب البدن مع الغناء والتجاوب مع الحرام حرام .

و( المزمار ) كل آلة موسيقية ينفخ فيها أو يُزَّمر ، أي تضخيم الصوت بصدى .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح3، ط آل البيت.
[2] في نسخة- فاية، و الفاية- الضرب و الشق (هامش المخطوط)، و في المصدر- تاية.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح5، ط آل البيت.
[5] الزفن- الرقص (الصحاح- زفن- 5- 2131).
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح6، ط آل البيت.