الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

43/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حرمة الغناء واخواته الدرس ( 17)

هناك معاصرين للفيض الكاشاني ( صاحب الوافي ومفاتيح الشرايع ) بإعتبار أنه احتمل ـ ولم يجزم ـ ان حرمة الغناء انما هي لما يصاحبه لا في نفسه ، كتبوا رسائل في الرد عليه ـ كالحر العاملي صاحب الوسائل ومن جبل عامل علماء آخرين ـ وكان في بعض الكلمات انه ربما تسرَّب له من استاذه الشيخ ماجد البحراني ولكن الحر العاملي يقول انه تسرب له من الغزالي في كتابه احياء العلوم فالصوفية يحللون الغناء كالعامة .

الرواية الثلاثون :

الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْإِرْشَادِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ’ يَظْهَرُ فِي أُمَّتِي الْخَسْفُ وَ الْقَذْفُ قَالُوا مَتَى ذَلِكَ- قَالَ إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَ الْقَيْنَاتُ وَ شُرِبَتِ الْخُمُورُ وَ اللَّهِ لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَ بَطَرٍ وَ لَعِبٍ فَيُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَ خَنَازِيرَ لِاسْتِحْلَالِهِمُ الْحَرَامَ وَ اتِّخَاذِهِمُ الْقَيْنَاتِ وَ شُرْبِهِمُ الْخُمُورَ وَ أَكْلِهِمُ الرِّبَا وَ لُبْسِهِمُ الْحَرِيرَ.[1]

قوله : ( يَظْهَرُ فِي أُمَّتِي الْخَسْفُ وَ الْقَذْفُ )

أي عقوبة إلهية عاجلة لشدة المعصية واي معصية شديدة جدا تكون الإرادة الإلهية بمعاجلة العقوبة كهلاك قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم ويعبر عنها بالعقوبة العاجلة ، والذي يهلكم الله بهذه العقوبة العاجلة ـ سواء أمة او فرد او جماعة ـ لعنادهم ينقطع عنهم السبيل في التكامل والاوبة والتوبة في البرزخ او الرجعة ، ولذلك كل البشر يرجعون إلا الذي إصطلمته عقوبة عاجلة من الله يقول تعالى ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾[2] فقوله ( أنهم ) تفسير للحرام أي يمتنع عليهم الرجوع أي التكامل او التوبة او الاوبة او تصحيح المسار ، وانما يبعثون ويساقون الى يوم القيامة ، والظاهر ان بعضهم في اللجاج والعتو يختلفون فبعضهم يبعث في آخر منازل القيامة ، لأنه في القيامة أيضا توجد بعض الفرص الصعبة كما ان البرزخ أصعب من الدنيا ، والقيامة أصعب ولكنها موجودة ولكن بعضهم لعله قوم فرعون يبعثون آخر القيامة فيفوتهم حتى هذه الفرص فلا يبقى لهم الا نار جهنم او ما شاكل ذلك فالعذاب العاجل دليل على شدة عتو العاصي أو العصاة ، وهذا العتو أو الاستكبار يقطع عليه التوبة في عوالم عديدة ، وهذه العقوبة العاجلة دليل على كبر المعصية فهي معصية مع العتو العناد وحتى المسخ عقوبة عاجلة يمنع معها من الرجعة ، فالأشد من المعصية العناد فيها والعتو فيها ، ولذا المعصية الصغيرة صغيرة ، ولكن الإصرار عليها كبيرة لأنه عناد .

وهذا دليل على كونه ـ المعازف ـ من الكبائر الشديدة فتعريف المعصية الكبيرة ليست فقط من توعد عليها بالنار بل يشمل التي توعد عليها بعقوبة كبيرة في الدنيا بل هي اشد من التي توعد عليها بالنار ، لأنها تقطع الطريق امام التوبة والإصلاح .

قوله : ( وَ اللَّهِ لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَ بَطَرٍ وَ لَعِبٍ )

الاشر شرارة وشقاوة ، والبطر نوع من الغرور الاجوف بلا غاية .

قوله × ( لِاسْتِحْلَالِهِمُ الْحَرَامَ )

وهنا الاستحلال أي عملاً يصرون عليه ، فالإصرار على الشيء نوع تدين به ، مثلا في العداوة قد يقال ان العداوة الدنيوية غير النابعة من الدين ، ولكن اذا كانت العداوة الدنيوية مع الإصرار فهي نوع من التدين به ، فالتفريق في غير محله هذا لو سلمنا ان العداوة الدنيوية تختلف عن العداوة الدينية .

نعم قد يكون الخلاف والنزاع على مال وما شاكله ولكن الكلام ليس في ذلك ، بل فيما اذا كان النزاع على المقامات الدنية ولو بداعي دنيوي هو دين .

فليس معنى استحلالهم الحلال هو تقنين وتشريع البدعة بل الاستحلال العملي .

بعضهم يفسر ان صاحب الكبيرة يقتل في الثالثة او الرابعة لأن الإصرار بمنزلة الاستحلال فيكون منكر للضروري .

العرف تقنين مُفعَّل وفرق القانون عن الأعراف ان الأعراف سيرة عقلائية مفعلَّة لتفعيل قانون من القوانين بغض النظر عن كون القانون متشرعي او قانون إلهي ، فالمتعة حلال بضرورة الدين ومن يشكك في حليتها أنكر ضروري من ضروريات الدين في مذهب أهل البيت ولكن العرف السائد بين المؤمنين عرف تحريم ، فالعرف عبارة عن التزام عملي غير اصل التقنين .

فلو فرقنا في العداوة لأهل البيت بين العداوة الدنيوية والدينية ، فان العداوة الدنيوية لو كانت مع الإصرار ومستمرة فهي عداوة دينية .

فاذا كان عرفهم قائم على الحط من مقامات ومنازل أهل البيت ^ فهذا تدين فلا يقال هذا منشأه ديني او دنيوي بل هو شيء واحد مثل ماذكره الفقهاء من أن الإصرار نوع تدين .

الرواية الواحدة والثلاثون :

قَالَ وَ قَالَ ’ إِذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهِمُ الْبَلَاءُ إِذَا كَانَ الْفَيْ‌ءُ دُوَلًا ، وَ الْأَمَانَةُ مَغْنَماً ، وَ الصَّدَقَةُ مَغْرَماً وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَصَى أُمَّهُ وَ بَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَ كَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ وَ اتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ وَ الْمَعَازِفَ- وَ شَرِبُوا الْخُمُورَ وَ كَثُرَ الزِّنَا- فَارْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحاً حَمْرَاءَ- وَ خَسْفاً أَوْ مَسْخاً- وَ ظُهُورَ الْعَدُوِّ عَلَيْكُمْ ثُمَّ لَا

تُنْصَرُونَ.[3]

قوله : ( إِذَا كَانَ الْفَيْ‌ءُ دُوَلًا )

( الفيء) هو أي الثروات العامة ، ( دولاً ) أي عند عصابات ومافيات المال ومن خصائص بني امية ذلك ففي الرواية عن النبي ’ إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله

خولا، ومال الله دولاً [4] .

قوله : ( وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَصَى أُمَّهُ وَ بَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ )

الانسان عادة مع الأصدقاء يحسن المعاملة والأخلاق ولكنه مع زوجته أو أولاده او والديه ترى أخلاقه ليس كذلك ، والحال أن الزوجة والأولاد والاسرة والارحام أوجب في المجاملة وحسن المعاملة من الأجانب ولكن غالب الناس على العكس وكثير من الاسر الصالحة تراهم في تعاملهم فيما بينهم كأنما ضيف على ضيف لا أن يهبط مستوى الكلام في داخل العائلة .

السيد هادي الميلاني أحد أرحامه كان شاباً فتعامل معه السيد هادي الميلاني فقال سيدنا لا تتكلف لي فتسقط الآداب بين الارحام فقال السيد ثلاث مرات بل تحفظ الآداب ، ولذا لما سألت عائشة عن خلق النبي ’ فقالت كان خلقه القرآن . أي انه في البيت أيضا رسول وذو خلق وهو الأهم فعظمة نبوته في داخل اسرته وليس في الخارج .

قوله : ( وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ )

يظهر منه كراهة رفع الصوت الا للأذان او الشعار الديني او ما شاكل ذلك .

( وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَ كَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ ، وَ اتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ وَ الْمَعَازِفَ وَ شَرِبُوا

الْخُمُورَ وَكَثُرَ الزِّنَا فَارْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحاً حَمْرَاءَ ، وَخَسْفاً أَوْ مَسْخاً وَظُهُورَ الْعَدُوِّ عَلَيْكُمْ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.

أي ارتقبوا عقوبة دنيوية تظهر .

وهذه معادلة عجيبة وهي ان الإصلاح الداخلي يبني مقاومة عجيبة عن تسلط العدو علينا نظير العبارة المعروفة في الرواية ( كما تكونوا يولى عليكم ) فاذا صلح الداخل امتنع تولي الجائر

 

الرواية الثانية والثلاثون :

عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ × قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَمَّدُ الْغِنَاءَ يُجْلَسُ إِلَيْهِ قَالَ لَا.[5]

السيد الخوئي يقول بصحة كل ( كتاب علي بن جعفر ) لأن الاسناد اليه صحيح والنسخة معتبرة وهو مبنى صحيح .

استعراض روايات الباب 100 :باعتبار ارتباط الالات الموسيقية بالغناء ومر بنا ان ماهية الغناء إما تعتمد على كيفية الصوت ، فهي مع الآلات الموسيقية ماهية واحدة والفرق ان هذه تارة تصدر من حنجرة الانسان ، وأخرى تصدر من الآلات الموسيقية وفي كتاب القاموس في اللغة لأبن فارس أو غيره من الكتب قرر أن ماهية الغناء ( غنى بالقصب أو غنى بصوته ) ووجدت في كتاب ( مقاييس اللغة لأبن فارس ) ذكر شق ثالث ( غنى بالصوت أو غنى بالشعر أو غنى بالآلات الموسيقية ) وقوله ( غنى بالصوت ) هو كيفية الصوت ( وغنى بالشعر ) أي ان نفس الكلام ماجن مضمونا ( غنى بالقصبة الموسيقية ) هو الآلات الموسيقية ، وهذا يدل على ان الماهية واحدة في الثلاثة ، وعلى هذا يكون الباب (100) مع الباب (99) موضوعهما واحد وتكون الروايات الواردة في الآلات الموسيقية هي أدلة على

حرمة الغناء بمعنى كيفية الصوت لا أنهما مسألتين مختلفتين كما قرر الكثير ذلك .

الرواية الأولى : موثقة لأن فيها ( عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى ) وهو من أصحاب الاجماع فتكون كالصحيحة بل أقوى .

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ × يَقُولُ إِنَّ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الْقَفَنْدَرُ إِذَا ضُرِبَ فِي مَنْزِلِ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالْبَرْبَطِ [6] وَ دَخَلَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَضَعَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ نَفْخَةً فَلَا يَغَارُ بَعْدَهَا حَتَّى تُؤْتَى نِسَاؤُهُ فَلَا يَغَارُ.[7]

قال : ( وَضَعَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ عَلَى مِثْلِه مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ )

وهو نوع من المس والتلبس من الشياطين للإنسان وعندما يقال لجمل ( عسكر ) شيطان فهو بهذا اللحاظ فيتلبس فيه الجن والشيطان فيعطيه طاقة ظلامية أشد ، وهكذا البشر اذا تلبس بالذنوب تتلبس به الذنوب فتعطيه طاقة أكثر شريرة أكثر ، فسواءٌ الذنوب الشياطين ، وهذا ليس في الغناء فقط بل في الكثير من الذنوب الكبيرة ، فتكون إرادة الانسان مغلوبة مع وجود الاختيار ولكنه يكون مدمن لإراده الشياطين ، والذنوب كائنات أخطر من الشياطين ولها عدة أسماء في القران ( ذُنوب ، موبقة ، خطيئة ، سيئة ، ذَنوب ) وهذا ليس خاص بالغناء بل كثير من الكبائر هكذا .

والذي لديه رياضة روحية تتحسس مشاعره مجيء الذنوب أو الشياطين اليه ولذا ورد في الرواية عن الامام الصادق × ان الانسان اذا كان له ذنب تاب منه يعود له الذنب بعد مدة ويلح عليه أن يرتكبه مرة أخرى .

فالمقصود ان هذا في الذنوب ليس تصوير خيالي اذا ارتاض الانسان ـ بغض النظر عن كونه تقيا أو غير تقيٍ حتى الوثني المرتاض ـ يستشعر هذه الأمور لأنها تنزله بملكوت نازل ويتلبسون بالإنسان ويزجوه ويدفعوه لذلك يكون كالعادة القسرية عليه تجبر الانسان .

قوله : ( ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ نَفْخَةً فَلَا يَغَارُ بَعْدَهَا حَتَّى تُؤْتَى نِسَاؤُهُ فَلَا يَغَارُ )

أي حتى غرائزه الفطرية تخمد بسبب تلبس الشياطين فالإنسان قواه الغرائزية لها مواضع في البدن او الروح فيكون تحكمها بيد الذنوب او الشياطين .

الرواية الثانية : لا بأس بها وان كان فيها بعض درجات الضعف على مباني المتأخرين

وَ عَنْهُمْ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ قَالَ: مَنْ ضُرِبَ فِي بَيْتِهِ بَرْبَطٌ أَرْبَعِينَ يَوْماً- سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الْقَفَنْدَرُ فَلَا يَبْقَى عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ إِلَّا قَعَدَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُزِعَ مِنْهُ الْحَيَاءُ وَ لَمْ يُبَالِ مَا قَالَ وَ لَا مَا قِيلَ فِيهِ.[8]

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص311، أبواب ما يكتسب به، باب99، ح30، ط آل البيت.
[2] سورة الانبیاء، الآية 95.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص311، أبواب ما يكتسب به، باب99، ح31، ط آل البيت.
[4] بحار الأنوار / جزء 18 / صفحة[ 126 ].
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص312، أبواب ما يكتسب به، باب99، ح32، ط آل البيت.
[6] البربط- العود، و هو من آلات اللهو. (مجمع البحرين- بربط- 4- 237).
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص312، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح1، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص313، أبواب ما يكتسب به، باب100، ح2، ط آل البيت.