الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - أنواع الجعل الخمسة في الاستنباط وآثارها - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

في حرمة الغيبة مرَّ بنا أنَّ الاحتمال الرابع في سنخ حرمة الغيبة أنها مجمع لمحرمات، وقد يسأل سائل أن مجمع يعني انطباق تلقائي لعدة حرمات في الغيبة فهل هذا هو المراد أو ماذا؟ طبعاً إذا انطبقت عدة أحكام في مورد واحد فالمورد يكون مجمعاً للأحكام فهل هذا هو المراد من القسم الرابع أو المراد شيئاً آخر؟ في الحقيقة المراد كما مرَّ بنا أمس اندراج شيء في شيء قد يكون تكوينياً تلقائياً قهرياً وقد يكون اندراج شيء في شيء لولا الشارع لما اكتشفت عقول العلماء، مثل ( صيد المحرم ميتة )، فاصطياد المحرم للصيد ولو في الحل يوجب أن يكون الصيد ميتة فلا يذكى، وهناك معادلة ثانية في باب الحج والذباحة وهي ( الصيد في الحرم ولو من المحل ميتة )، صيد المحرم الذي أحرم في ثوبي الاحرام من المواقيت البعيدة صيده ولو في الحل وقبل أن يدخل منطقة الحرم ميتة، والصيد في الحرم وللو من محل أيضاً ميتة، فلدينا معادلتان، يعني إحرام المحرم مانع عن التذكية وحَرَميّة الحرم مانعة عن التذكية، فيوجد عندنا مانعان، هنا طرح سؤال من قبل الأعلام في مقام هذه الأحاديث ( صيد المحرم ميتة ) و ( صيد الحرم ميتة ) ما المراد بهذا؟ فهل المراد هو حرمته على الصائد فقط أما البقية فليس ميته بلحاظهم ولكن هذا خلاف المشهور بل الحرمة على الكل، هذا هو الاحتمال الأول، والاحتمال الثاني أنَّ المقصود ( من صيد الحرم ميتة) يعني ينزل منزلة الميتة فقط في الأكل وأنه حرام، والاحتمال الثالث هو أنَّ ( صيد المحرم ميتة ) يعني أصلاً هو يندرج هذا المصداق في ماهية الميتة مطلقاً فتترتب عليه كافة آثار الميتة من حرمة الأكل وبطلان البيع ونجاسة العين وهلم جرا، ولماذا ذكرنا هذا المثال؟ لأنَّ اندراج هذا الصيد أي صيد المحرم اندراجه هل هو تكويني فإن كان اندرجاً تكوينياً فهذا واضح، وإن كان اندراجاً تعبدياً فماذا يعني؟ قال الفقهاء أو الأصوليون إنه اندراج تعبدي وطبعاً توجد عندنا امثلة كثيرة في ابواب الفقه من هذا النوع فحينما يقولون اندراج تعبدي ما هو مرادهم؟ اندراجاً تعبدياً يعني وراء ( حرمت عليكم الميتة ) فإن ( حرمت علكم الميتة هي من اصول التشريع في باب الأطعمة، فبعد ( حرم عليكم الميتة ) جعل الشارع جعلاً آخر وهي ( صيد المحرم ميتة )، فيوجد جعلان في البين جعل أساسي دستوري ويوجد جعل آخر وزاري أو برلماني ما شئت فعبر وهو تنزيلي تفصيلي، إذا الجعل الأول لم يُغنِ عن الجعل الثاني ﴿ حرمت عليكم الميتة ﴾ لا يغني عن سابقة يعني لو لم يجعل الجعل الثاني لما التفتنا إلى أن صيد المحرم ميتة، وحتى لو قيل إن هذه حكومة قلنا إن الحكومة هي تعبد جديد شرعي ثاني وليس أولاً، وهذا هو الذي نريد أن نصل إليه، وهو أن الحكومة أو الاندراج أو الحكومة التنزيلية أو الجعل بالتالي إذاً هناك تشريع آخر ولا يكفي التشريع الأول ﴿ حرمت عليكم الميتة ﴾، فلو كنا نحن وعموم حرمت الميتة هل نكتشف أن صيد المحرم ميتة؟ كلا، فالميتة أن لا تسمي ولا تستقبل وأن لا يكون الذابح مسلماً أما صيد المحرم فالصيد آلة للتذكية، فلو كنا نحن وعمومات التذكية فيه تشمل صيد المحرم أو صيد المحل في الحرم تشمله أيضاً، ولكن هذا التعب الجديد الثاني هو الذي تمم التعبد الأول، وبحسب تعبير النائيني متمم الجعل وهو جعل آخر، فبالتالي إنَّ هذه التشريعات الفوقية الدستورية لكي تتنزّل في جملة من الموارد ليس تنزلها عفوياً تكويناً مثلاً ترى مصداق الميتة يشملها عموم حرمة الميتة والمنخنقة والمتردية والنطيح وهلم جرا ولكن تارة هذا هو صيد المحل في الحرم أو صيد المحرم في الحل فإنَّ صيد المحرم هذا لكي يتنزل في حرمة الميتة يحتاج إلى جعل من الشارع، وهذا ما مرَّ بنا مراراً من أنَّ القوانين الدستورية لا تغني عن القوانين البرلمانية، لأنَّ التقنين البرلماني مفصّل ومفسّر وحكومة، فالقوانين البرلمانية لا تغني عن القوانين الوزارية، فهو ليس بكافٍ لأن تنزل القانون يحتاج إلى تقنين أيضاً، وقد مرَّ أنَّ منشأ ضرورة القول بوجود صلاحية ولائية تشريعية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه ترجمان وحي اله وترجمان يعي أن ينزل ويفسر، والأئمة عليهم السلام ترجمان وحي الله ووحي الرسول وجعله، ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) أحد معانيه هو هذا وإن كان له عدة معاني، ( وعلي باها ) يعني أن علياً هو مترجم لوحي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما أنتم فلا تستطيعون أن تفهموا كل تشريعات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما الذي يفهمه ويفصله ويفسره هو أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك في باب القضاء والحدود والديات والقصاص الأحكام التفصيلية ستين أو سبعين بالمائة منها هي تشريعات أمير المؤمنين عليه السلام، أما أصول التشريع عند الله وسيد الرسل أما هذه التفاصيل فأكثره من أمير المؤمنين عليه السلام، ولذلك إذا تلاحظون مصادر الحديث في باب القضاء من قصاص وديات وحدود وشهادات أكثرها كتب عن أمير المؤمنين ككتاب أقضية أمير المؤمنين، فإنَّ محمد بن قيس يروي الامام الباقر عليه السلام قضاء جده أمير المؤمنين عليه السلام، أو كتاب الديات فإنه يرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام وعمدة كتاب الديات كله يعتمد عليه، وهو كتاب ظريف، أو كتاب القضايا، فالمهم القضاء والشهادات والقصاص والحدود والديات ستين أو سبعين بالمائة منها هي من أمير المؤمنين عليه السلام ولكنها تنزيل لأصل تشريع الله تشريع الرسول فهي تبع، إذا يلزم أن نلتفت إلى إنَّ هناك من الجعل ما هو مجمع ولكنه مجمع تنيلي وهو جعل من الشارع وهو تميم وتكميل نعم هذا الجعل الخامس أو الرابع يختلف عن الجعل الأول فإنَّ الجعل الأول هو مبتدأ من رأس وهو حكم مبتدأ من رأس لا غير.

لماذا مكثنا في بيان سنخ الجعل وما هي الثمرة؟ وهذا بحث نظري تنظيري فعلينا أن نكتفي به ولنذهب إلى الأدلة ولكن ما الثمرة في ذلك؟ الثمرة كما مرت بنا بين أن تقول إن حرمة الغيبة لها ارتباط بأصول تشريعية أخرى أو بين أن تقول إنَّ حرمة الغيبة هي حرمة مبتدأ تريعها من رأس مبتوراً مقطوعاً أي أجنبياً عن التشريعات السابقة، وفي هذا توجد ثمرة، فإن كانت مرتبطة بالتشريعات السابقة فيلزم أن تكون روح تلك التشريعات موجودة فيها وهذا ما يعبرون عنه بروح الشريعة أو مقاصد الشريعة أو فلسفة الشريعة، بخلاف ما لو قلت إنَّ هذا حكم منشأ مستقل، فإذاً توجد ثمرة، يعني أنَّ الغيبة أبوها وأصولها ونسبها آتية من حرمة إيذاء المؤمن وآتية من حرمة اهانة المؤمن أو أنها آتية من حرمة انتقاص المؤمن واظهار عورة المؤمن لا أنها حكم وفعل مستقل بمفرده بحيال ذاته، وإنما سعة وضيقاً تدور مدار أصول التشريع، وأتذكر في بحث الصلاة ذكرنا فوائد حكمة التشريع وهي عدة فوائد منها سعة وضيق الحكم، فحكمة التشريع وأصول التشريع يعبر عنها متأخري هذ العصر بحكمة التشريع، يعني فلسفته وغايته وهدفه، فعلى كلٍّ هذه ثمرة مهمة في ككل باب فقهي ندخل فيه يلزم أن نلتفت إلى أنَّ التشريع كيف هو.

الآن ذكرك أخاك بما يكره افترض أنَّ هذا الشخص عنده حدّة شديدة منتشرة بين المؤمنين أنَّ هذا توجد عنده حدّة، فأنا حينما أقول وراءه إنَّ هذا عند حدّة فهو يكره أن أقول هذا وراءه ولكن هذا شيء منتشر، وهذا لا يعتبره الفقهاء غيبة، ولماذا؟، ولكن الكلام هل آخذ بتعريف الغيبة بما هي هي أو أقول إنَّ هذا التعريف للإنسان يرجع إلى أنه جوهر جسم حساس فهذا يختلف يعني لا آخذ النوع بما هو فقط وإنما أقول إنَّ هذا النوع مطوي فيه أجناس، ولو أنك تقسم الغيبة فإذاً بأيّ شاهد تقسمت الغيبة؟ بسب أنَّ الحكم فيها راجع إلى أحكام فوقية أصلية، وهذه هي النكتة والثمرة ومن هذا القبيل الكثير.

فمعرفة أنَّ الجعل من أيّ قسم من الأقسام الخمسة مؤثر في سعة وضيق الجعل وفي كيفية استظهار معنى الحكم في هذا الجعل والدليل الخاص فنحن بقينا فيه كم يوم لهذا السبب فإن ورد دليل وقال لي عن التشهد مأخوذ في الصلاة فأيّ تشهد فهل أحتاج إلى دليل خاص للشهادة الثالثة أو تكفي نفس الماهية العامة للتشهد؟، فلاحظ هذه ثمرة كبرة وجوهرة ثمينة، إذا قال لي أن الأذان كما قال لنا الامام علي بن موسى الرضا أنَّ الأذان ماهيته التكبير والتشهد والنداء فأيّ تشهد يريده الامام عليه السلام؟ فحينئذٍ إذا قلت إنَّ التشهد له تشريع أسبق فوقي وليس خصوص الشهادتان إما الشهادتان هما السقف الأدنى وليس السقف الأعلى وليس السقف الوسط أيضاً ووجود السقف الأدنى لا ينفي السقف الأوسط ولا ينفي السقف الأكمل فلماذا أنا أتوهم هذا الشيء، فلا معنى لأن أتوهم أنه بشرط لا، بل واضح أنه حينما يكون سقفاً أدنى يعني أنه لا بشرط، فلا يقل عن هذا لا أنه لا يزيد، فالأدنى هو هذا معناه، فإذاً عطف التشهد أعطفه على أصول تشريعية قبله وهذه نكتة مهمة، هذا التشهد المأخوذ في الصلاة أو الأذان أو في الاقامة أنت قبل سبعين أو ثمانين سنة في النجف الشرف حصلت معركة علمية كبيرة بين علماء انجف وقم من جهة وفتنة الكاظمية من جهة أخرى على أن الشهادة الثالثة مأخوذة في الأذان والاقامة أو لا وقد كتبت رسائل من قبل الأعلام ولم تصل كلها لي ورحمة الله عليهم قد اجهدوا أنفسهم الشريفة لتثبيت الشهادة الثالثة في الأذان والاقامة، ولكن غاية ما صوروه أنها شعيرة أنها استحباب عام وغير ذلك لا أنها جزء الأذان، فهم لم يثبتوا أنها جزء الأذان، فالإنسان حينما يتدبر يقول كيف غفل هؤلاء الفحول عن أنَّ التشهد ماهيته مشرعة قبل الأذان والاقامة وقبل الصلاة بل في الو دخول الاسلام فهي هذه الماهية التي لها سقف ادنى وسقف أدنى والسقف الأكمل جزء الماهية ولو جزء استحبابي والسقف الوسط جزء الماهية فهي حقيقة شرعية واحدة فهي كالطماطم تضعها تارة في طبخة لحم أو في طبخات أخرى ولكنها تبقى طماطم، فهذا التشهد هو نكهة عظيمة تجعل في الصلاة وتجعل في التشهد وتجعل في صلاة الميت وتجعل في تعقيبات الصلاة وتجعل في الوصية وتجعل في خطبة صلاة الجمعة وفي موارد عديدة من شرائط استجابة الدعاء التشهد بالعقائد الحقة وهذا معروف، فهذا التشهد ليس له ماهيات لا أنَّ تشريع التشهد ابتدأ وابتدر في أذان والاقامة لا أنَّ تشريع التشهد ابتدأ وابتدر به في الصلاة، فهذه النظرة خطأ وهي غفلة، سواء كان من المدافعين عن الشهادة الثالثة في الأذان والاقامة أو من هذا المستشكل، فنفس هذه النظرة خطأ، فالتشهد لا أنه شرع في باب الأذن كلا بل التشهد هو مشرع منذ قبل مثل ﴿ حرمت عليكم الميتة ﴾ يثم يأتي دليل يقول ( صيد المحرم ميتة )، فهنا صيد المحرم ميتة فهل هو يريد أن يحرم الميتة من رأس أنَّ الميتة قد حرمت من قبل، كلا هو ليس تأسيساً من رأس مبدأ تماماً وإنما هو عطف وتكميل ومتمم جعل وفرق بين أن أقول متمم جعل وني ان اقول هو جعل رأس، فهو متمم جعل لا أنه مباين جعل وفرق بني المطلبين، من الخطأ أن نتعامل مع التشهد في الأذان والاقامة أو التشهد في الصلاة أنه تشهد أجنبي عن عموم التشهد فإنَّ هذا غير صحيح، وما هذه الغفلة، والحال أنَّ الكبار الذين تربينا على يدهم غفلوا عن ذلك، وإلا فواضح أنَّ هذا التشهد في باب الاقامة والصلاة والأذان هو دين وشرية جيدة وإنما هو نفس التشهد المعهود المعروف وهو مثل الله أمبر التي مرت بنا أمس، فإنَّ التكبير هو ذكر في نفسه من قبل واسبق من الصلاة وغير ذلك، فهو جعل ويشرّع ولكن أخذ هذا الجعل كضميمة في ماهية الصلاة، فإذاً هذا التشهد الذي أخذ في الصلاة يسمونه حوالة على ماهية التشهد في الزيارات وفي الأدعية وغير ذلك، وكلامنا انهم لم يبنوا على أنه جزء مستحب وإنما قالوا هو مستحب عام فتعال فسّر صناعياً ما الفرق بين الاستحباب العام الخارجي والجزء المستحب وقد ذكرنا في كتبا الشهادة الثالثة ست احتمالات صناعية، فالالتفات إلى التعدد السداسي في صياغة أخذ الشهادة الثالثة في الأذان والاقامة أو في الصلاة يحتاج هندسة قوية، ولكن المقصود أنَّ من أحد المسارات سهلة التناول في الاستدلال أنَّ هذا التشهد من أنواع الجعل الخمسة التي مرت بنا هو أنَّه ليس مبتدأ جزماً وإنما هو جعل معطوف على جعلٍ أسبق ولكن تُمّم الجعل، والمقصود من الشهادة الثالثة أشهد أنَّ علياً وأولاده المعصومين والصديقة فاطمة حجج الله، فحينما يقول الفقهاء الشهادة الثالثة يراد به الولاية للأربعة عشر معصوماً، هذا هو المراد، نعم أمير المؤمنين هو هرم الولاية ولكن الولاية كلها هرم وصرح مشيد، فالمقصود في مقابل التوحيد توجد نبوة وولاية، والولاية هي ولاية الأربعة عشر.

فإذاً توجد ثمرة، ففي أي باب يدخل في الانسان في الاستنباط ليتدبر وليركز أنَّ هذا الدليل من أيّ قسم من أقسام الجعل الخمسة، فهل هو جعل مبتدأ أو ارشاد أو إمضاء أو مزيج أو مجمع؟، فهذه خمسة أنواع فإنه يؤثر، فأنت لا تحتاج دليل خاص على أنَّ الشهادة الثالثة في الصلاة مشروعة وإنما تلقائياً تقول الشهادة الثالثة مأخوذة في الصلاة كجزء مستحب، ولماذا؟ لأنها هي نفس ماهية التشهد التي هي ليست مشرعة ابتداءً وإنما هي مشرعة من ألألو مع أنه مبحث حساس في الصلاة وليس مبحثاً سهلاً فهو مبحث فقهي حساس وأيضاً مبحث عقائدي فقهي حساس في الصلاة، فلاحظ أنه إذا التفت إلى هذا النمط من أنواع العل سوف تلتفت إليه، وغير ذلك من الأبواب الأخرى، مثلاً ( صيد المحرم ) اختلفت فيه آراء الفقهاء بأنه بأي معنى بعضهم احتمل أنه يحرم عليه فلا يجوز له أن يأكله أما غيره فيجوز لهم أكله لأنه ليس ميتة حقيقةً ... ،هلم جرا، فهذه نكات مهمة يلزم أن نلتفت إليها، وهي أنَّ الجعل له مراتب حتى لو كان يوجد جعل أصلي فوقي ولكن تنزله يحتاج إلى جعل ثانٍ برلماني ثم جعل وزاري ثم جعل بلدي وهلم جرا، عدّة مرات من الجعل لكي يتنزل، هذا محصل الكلام الآن في الاحتمالات الخمسة الواردة في الغيبة ولعل أقواهن الخامس.

الآن نستعرض بعض الشواهد على هذا الشيء:- وهي عديدة، ونحن لازلنا في الجهة الأولى في حرمة الغيبة وهي أن حرمة الغيبة هي حرمة مبتدأ أو أنها عطف على تشريع حرام سابق، وقد ذكرنا عدة من الشواهد على أنه توجد تشريعات سابقة استل منها حرمة الغيبة، مثلاً الشيخ الأنصاري يستدل على كون حرمة الغيبة من الكبائر أنها خيانة والخيانة من الكبائر، يعني الشيخ الأنصاري يعتبر حرمة الغيبة هي تنزل لحرمة الخيانة ولست حرمة مبتدأة، وطبعاً بلا شك أنَّ الشيخ لا يقصد من حرمة الغيبة هي من حرمة الخيانة انها متنزلة فقط من حرمة الخيانة والحال أنَّ الشيخ استدل بآية ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في اذلين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾، فمن باب اشاعة الفاحشة ومن باب هذه الحرمة أو تلك الحرمة يعني أنَّ الشيخ جعلها من مجمع حرمات، وحينما الشيخ جعل حرمى الغيبة مجمع لحرمات فوقية رتب كل آثار الحرمات الفوقية عليها إذا كان في أحدها أنه من الكبائر فهي من الكبائر، ولو قلت إنَّ بعض هذه الحرمات صغائر فلابد أن تصير الغيبة صغيرة، ولكن نقول إنَّ اجتماع الكبيرة والصغيرة لا يخل بكبيرة الكبيرة وهو ما يعبرون عن بالفقه أنَّ الاقتضاء لا يناقض اللا اقتضاء، فاللا اقتضاء لا يدافع ما فيه الاقتضاء، وهذا واضح، لأنَّ الاقتضاء لا بشرط أما الاقتضاء فهو بشرط، وإن شاء الله تعالى سنستعرض جملة من الشواهد على أنَّ حرمة الغيبة هي من القسم الخامس كي ننتقل إلى الجهات الأخرى في حرمة الغيبة.