الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

كنا في روايات حرمة الرشوة ووصلنا إلى الباب الخامس من أبواب ما يكتسب به الرواية الرابعة، وهي مصححة يزيد بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن السحت، فقال:- الرشا في الحكم )، هذه المصححة شاهد على ما تقدم من تقريب دلالة صحيحة عمار بن مروان او الروايات المعتبرة الأخرى أو الآتية من أنَّ ( فأما الرشا في الحكم يا عمار فهو الكفر الله ) لا يريد استثناء الرشوة وطبيعة الرشوة من السحت وإنما يريد أن يصعّد شدة الحرمة في حصة من حصص الرشوة وهو الرشوة في الحكم، فهذا النص واضح في أنَّ الرشوة في الحكم من السحت ويزداد شدَّة، وهو أنه هناك حرمة مرتبطة بالولاية وهو بمثابة الكفر، وقد مرّ بنا صحيحة عمار بن مروان وهي رواية عند المشهور من الروايات المحكمة شديدة الإحكام ومعول عليها في مباحث كثيرة ومن مفاد هذه الصحيحة أنَّ المخالفة في الولاية مخالفة عقائدية بمثابة الكفر بخلاف المخالفة في الفروع ولو أنها من الكبائر ولكنها مخالفة فرعية، فقوله عليه السلام ( فأما ) يعني يوجد تمييز واستثناء وهذا دليل على أنَّ الشيء الذي يرتبط بالولاية مع أنه عمل بدني ولكن بمَ يتميز هذا العمل عن بقية الرشوة ؟ لارتباطه بالولاية وهذا ما نصر عليه وهو أن الأعمال البدنية أو الفروع المرتبطة بالولاية تأخذ صبغةّ أخرى غير صبغة الوجوب الفقهي وإنما تأخذ صبغة الوجوب العقائدي، مثل الزيارة ومثل الشعائر باعتبار ارتباطها بالولاية والتولي تأخذ صبغة عقائدية وإلا هنا صحيحة يزيد بن فرقد تقول إن الرشوة في الحكم هي سحت ايضاً ولماذا خصصت صحيحة إذاً أنها الكفر بالله؟ يعني لأنها مرتبطة بالتولي وولاية الطاغوت في قبال ولاية الحق.

الرواية الأخرى: - هي موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخرم ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن )[1] ، فلاحظ أن هذه الوارد صريحة كلها عقود يجري عليها العرف ولها بعد كبعد مدني عرفي ولكن الشراع هي سحت من باب حق الله فحتى لو تراضيتم انتم كعقد اجتماعي ولكنها عند الله هي سحت وهذا لا يرتبط بالمالك والملكية الفردية وإنما هو مرتبط بتشريع الله، وهذه الرواية لها اسانيد أخرى في أربع مصادر أخرى فطرقها إلى السكوني مستفيضة والمفاد داعم لمما قررناه من تقريب الدلالة من زوايا عديدة في صحيحة عمار بن مروان.

الرواية الأخرى: - وهي موثقة سماعة: - ( قال:- السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام وأجر الزانية ... )[2] ، والتقريب ما مر.

الرواية الأخرى: - وهي معتبرة على الأصح وإن كان يوجد في سندها علي بن أبي حمزة البطائني ولكن الرواية إذا كانت في استقامته لا ضير فيها بخلاف ما إذا كان الراوي عنه واقفي مثله.

وجمالاً مشهور الفقهاء لم يطرحوا روايات البطائني أيام استقامته وكذلك لا يطرحونها بالمرة أيام انحرافه، وإنما إذا وجدوا شاهداً مضمونياً يعملون بها، لأنَّ مبنى المشهور شهرة عظيمة على الجبر وأنَّ الحجية ليست في الصدور وإنما الحجية في المضمون والحجية في الصدور ضميمته معيّة للحجية، ( عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن رسول الله صلى الله علي وآله وسلم قال:- ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا يصطاد من الحست )[3] ، وإن جرى عليه التعاقد العرفي العقلائي ولكن الشارع يمنع، وهذا هو مورد السحت كما مر.

الرواية الأخرى: - مرسلة الصدوق، ومراسيل الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه أو غير الصدوق أو بالذات كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق أنه بالتتبع من الكثير من المحققين قالوا إذا أسند الصدوق الرواية المرسلة جزماً إلى المعصوم أو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحتماً يوجد عنده سند معتبر ولو تتبع الباحث يجد هذا موجود وصحيح في كتبه الأخرى أو غيرها كطرق الطوسي أو غيره.

لذلك السيد الخوئي يشكل على هذا المبنى فيقول: - ربما هو ثقة عند الصدوق ولكنه ليس بمعتمد عندنا.

ولكن قد يعترض عليه: - بأنه إذا كان الصدوق عنده طرقاً أو رواة موثقين لا نعتمد عليهم والحال أنا نعتمد على توثيقات النجاشي الذي يأتي بعده بطبقتين؟

فهذا الاعتراض يكون على السيد الخوئي ولكن السيد الخوئي يجيب عن هذا فيقول:- لأنَّ مباني الصدوق في التوثيق لا نقبلها فهو توجد عنده اصالة العدالة كالعلامة الحلي، وأصالة العدالة معناها هو أن كل راوي لم يثبت الطعن فيه فهو راوٍ، فهذه النسبة من السيد الخوئي للعلامة الحلي أو لما قبل الحل وهو الصدوق أو قبله من القدماء ليس في محلها، لأنهم أرادوا من اصالة العدالة ليس كل من يطعن فيه أو من كان على ظاهر الاسلام أو ظاهر الايمان فهو عادل فإنَّ هذا ليس مرادهم، وإنما المراد من أصالة العدالة هي حسن العدالة ما لم ينكشف باطل موبق يحمل على أنَّ هذه أمارة على العدالة، وهذا حسن الظاهر أمارة على العدالة والوثاقة هو السيد الخوئي في باب القضاء بنى عليه أيضأً وكذلك بنى عليه المشهور، الخدشة من السيد الخوئي ليس في محلها، بل الصدوق باعتراف الكل تضلعه في الرجال لا يقايس بالنجاشي ثم إن هذه المباني التي يرفضها السيد الخوئي هي مباني النجاشي أيضاً وقد استخرجناها من بداية كتاب النجاشي إلى نهايته وإن شاء الله تعالى سوف تطبع في الجزء الرابع أو الخامس من الرجال، فهي مباني واحدة، ولذلك هذه نكتة لطيفة وهي أنَّ الصدوق إذا جزم فهذا ليس أمراً بسيطاً.

قال: - ( قال عليه السلام أجر الزانية سحت وثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت وثمن الخرم سحت وأجر الكاهن سحت وثن الميتة سحت فأما الرشا في الحكم فهو الكفر بالله العظيم )[4] ، يعني أنَّ الرشوة في الحكم فيه مزيد من الحرمة.

وربما الصدوق جمع بين الروايات بين رواية عمّار والروايات الأخرى في رواية واحدة مع زيادة، فهو عنده ديدن على هذا، أي عنده جمع في المروي أو جمع في الروايات.

الرواية الأخرى: - وسندها متكرر وهي وصايا النبي لأمير المؤمنين عليه السلام، وإن كان في السند بعض رجال العامة ولكن هذا السند معمول به عند المتقدمين، وهذه الرواية تتكون من عدة صفحات وليس ليست رواية واحدة وإنما كأنها هي عشرات الروايات، وبعض الأحيان الراوي الذي يروي الأصل - من الأصول الأربعمائة - أو الأكثر منها كما قال البعض -، وسمّي أصلاً لأنه يرويه عن المعصوم مباشرة بخلاف كتب الحديث التي يجمع فيها الكاتب أعم من الروايات التي يرويها مباشرة عن المعصوم أو عن طريق الرواة عن المعصوم هذا هو رفق الكتاب والأصل وأيضاً توجد فروق أخرى، مثل أنَّ كتب الحديث المتأخرة بوّبت بخلاف كتب الأصول الأربعمائة كلها غير مبوبة لأنه يكتبها بشكلٍ متناثر كما رواها، فإذا بوّب لا يقال له أصل وإنما يقال له كتاب، وهذا هو فرق بحث أصول الحديث عن اصطلاح كتب الحديث، فبعض هذه أصول الحديث او الكثير منها هي رواية واحدة ربما لساعات هو في محضر المعصوم عليه السلام وهذه الرواية تتكون من ثلاث أو أربع صفحات وهي مجلس علمي استفاده الراوي من كلام الامام عليه السلام في محضره لأبواب عديدة، فهو أصل واحد هو رواية واحدة ولكنه بمثابة مائة رواية لأنه فيه يتعرض المعصوم لأحكام ومسائل إلى ما شاء الله، وهذا شبيه رواية الأربعمائة حيث ذكرت أربعمائة مسألة أو قاعدة تعرض لها أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس واحد وهذه نكتة لطيفة في طبيعة بعض الروايات أو طبيع بعض الكتب الروائية، وهذا شاهد من شواهد أن الرواية قابلة للتبعيض في الحجية لأنها بمثابة روايات، منها رواية وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:- ( يا علي من السحت ثمن الميتة وثمن الخمر ومهر الزانية والرشوة في الحكم وأجر الكاهن )[5] ، وهي نفس التقريب.

الرواية الأخرى: - معتبرة سعد الاسكاف عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا السند يتكرر حتى في كتاب الديات يعني هو متقارب إليه، قال أمير المؤمنين عليه السلام: - ( أيما والٍ احتجب )، ولماذا يعبر في لسان القرآن أو لسان الروايات تارة بالوالي وتارة بالحاكم أو الحكم فما هو الفرق وما هو الفرق في المفهوم الفقهي وحتى في علم الكلام ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون )، الذي هو أمير المؤمنين، فالولي هنا هل هو سلطة تنفيذية سياسية أو هما متباينان أو ماذا؟، ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم )، فأولى فهل هي سلطة تنفيذية فقط أو يعم القضاء، مثلاً وجد لسان آخر في الآيات الكريمة ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم )، وهذا مرتبط بالرشوة وهي آية مهمة فإن لسانها جديد غير اللسان الذي مرّ حيث إنَّ اللسان الذي مرّ ذكر الرشوة في الحكم والسحت أما هنا فقد ذكرت الوالي، ودعونا نتوقف في الوالي والحاكم ما هو الفرق بينهما، قال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم )، فهنا عبّر في الآية الكريمة بالحكم والتحكيم، أو في روايات القضاء بالنسبة إلى الفقهاء ( إني جعلته عليكم حاكماً ) ولم يقل عليه السلام ( إني جعلته عليكم والياً ) وإنما قال ( إني جعلته عليكم حاكماً )، وكذلك ( عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر لولاية مصر ) ولم يعبّر بالحكم، وفي العهد الشريف لأمير المؤمنين لمالك الأشتر ذكر أنَّ من صلاحيات مالك أنه يعيّن القاضي أو غير ذلك فهو يكون رأس السلطة، يعني بعبارة أخرى أن عهد أمير المؤمنين في العلوم السياسية أو علم القانون هل هو تعيين مالك كمحافظ أو رئيس إقليم أو هو تعيين لمالك لرئاسة جمهورية؟ وهذا ليس قصة ألفاظ واصطلاحات وإنما قصة مدى الصلاحية التي اعطاها أمير المؤمنين لمالك الأشتر في عهدة لمصر وهذه بحوث قانونية في العلوم السياسية نخاعية ومن المهم الالتفات إليه، كما الآن نريد أن نعرف عنوان الوالي وعنوان الحاكم ما هما فذها عهد الولاية الذي أعطاه أمير المؤمنين لمالك الأشتر إذا قرأ الانسان بنوده فهل هي بنود وصلاحيات رئس السلطة التنفيذية فقط - رئيس وزراء - أو رئس جمهورية في النظام الرئاسي أو هو أعم، فهو ليس نظام رئاسي لأن النظام الرئاسي قد لا يكون القضاء بيده وإنما يكون القضاء مستقلاً عنه وإنما بمثابة المحكمة الدستورية، فغن المحكمة الدستورية هي التي تشرف على السلطة السياسية التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، فإذاً الولايات درجات ومقامات ودوائر فأي عهد يا ترى خوّل أو وكّل أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر به؟ ربما هذه الولاية التي أعطاها أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر لم يعطها لبقية الولاة في بقية المناطق وإنما الامام هو الذي يعيّن القاضي على حدة ويعين الوالي على نفس المنطقة على حدة فيعزل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، فهذه بحوث مهمة يلزم الالتفات إليها، وهي موجودة الآن في علم القانون العصري الحديث، وبالتالي لها ثمرة في استظهار واستنباط الآيات والروايات وحتى في الأبحاث العقائدية، فالقرآن الكريم في عصر النص يقول ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون﴾[6] ، فلنقرأ هذا بلغة عصرية فإن هذا مهم، والولي هنا أولاً هو الله ثم بعد ذلك النبي ثم بعد ذلك علي، وهذا ليس في أخريات حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وادي غدير خم أنه ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾[7] ؟ كلا، وإنما هذه الآية نزلت في أوائل المدينة المنورة أو في السنة الثالثة - حينما تصدق الامام علي عليه السلام بالخاتم - يعني فعّل الله عزَّ وجل ولاية أمير المؤمنين عليه السلام في حقبة حكومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه نكتة مهمة، فهل هي بصيغة نائب في كل الصلاحيات؟ ظاهر السياق هو هذا، فلأمير المؤمنين عيه السلام شأن في دولة الرسول بالفعل وليس بعد ذك، أما الوصاية هي أحد شؤون أمير المؤمنين عليه السلام وليس كل الشؤون ام الشؤون الأخرى التي جعلها الله له هي بالفعل حتى في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون )، فالكلام ليس في الطولية الزمانية، وإنما في عهد النبي كنت له ولاية، وللأسف أنه مطروح في البحث الكلامية أنه بعد زمان النبي وهذا خطأ، فمن الخطأ أن نقول إنَّ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام لها بعدية زمانية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما ولاية أمير المؤمنين عليه السلام مفعّلة في غضون ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، طبعاً هي في طول رتبي للنبي ولكن لا نقول زماني وأنه بعد الغدير وأنهم خانوا ذلك فإنَّ هذا خطأ، وإنما ولايته ثابتة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نعم ولاية هارون مع موسى كانت حتى في الايحاء فلأمير المؤمنين عليهم شركة حتى في الايحاء ولكن هذا الايحاء ليس إيحاء نبوة وإنما إيحاء إمامة، ( إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ولكنك لست بنبي )، يعني أن هذا الوحي الملكوتي ليس نبوة وإنما هو وحي إمامة، فليس فقط شراكة في الولاية وفي السياسة وفي الحكم وفي التشريع وإنما يا أمير المؤمنين لك شراكة مع النبي في الوحي ولكن وحيك وحي إمامة وليس نبوة، فلاحظ أنَّ ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) اشتراك في جنس الوحي غاية هارون وموسى جنس واحد، فكلاهما لديه وحي نبوي أما أمير المؤمنين عليه السلام صحيح أنه يوجد عنده اشتراك بالوحي ولكن ليس وحي نبوة مع وحي نبوة، وإنما نبوة وإمامة وإلا فإنه توجد شراكة في جنس الوحي، حتى أنه توجد في رواية عن الامام الصاق عليه السلام ( كما كان يوحى إلى موسى فيوحيه موسى إلى هارون )، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يصنع هكذا مع علي عليه السلام، فهو يوحى إليه عبر أثير العرش الغيبي فيوحي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وإلى فاطمة وإلى الحسن والحسين عليهم السلام، فهذ نكتة مهمة، وهي أنَّ شراكة أمير المؤمنين عليه السلام ليس فيها بعدية زمانية كما هو مطروح في كتب الكلام، ولو أنَّه ارتكازاً علماء الامامية ليس مرادهم هو هذا ولكن بسبب مساجلتهم الجدلية مع الطرف الآخر جعلت الطرح ناقصاً خاطئاً، وكم انجرَّ البحث بين الفريقين مجاراة للجدل مع الطرف الآخر إلى الاقصاء في حقيقة المعارف، وهذا مؤسف، وهذا هو الذي يشير إليه القرآن الكريم وقد أشرنا إليه أمس في التفسير أو أنَّ الجدل مرتبة المعرفة فيه ناقصة ولا تستوعب الحقيقة، أولاً في الرتبة الأولى هو البرهان والحقيقة المطلقة ابحثوها ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) وليس بالجدل، أما الجدل فهو علاج فيه آفات، حتى الحق فيه آفات ومن آفاته نك تنقص الحقيقة عما عليه شئت أم أبيت، فإنَّ الجدال ينوطي على شيء من التقية، فالتقية كما هي نافعة ولكن فيها تنقيص وتغميط وإخفاء للحقيقة بشدة، ( يعبدك لا يشرك بك شيئاً ).

فإذاً الولاية لها درجات، وهذه نقطة يريد الأخوة الاسترسال فيها وهي أنه ولاية أمير المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وآله بل ولاية أمير المؤمنين لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة فقط وإنما فعّلها النبي في أوائل الاسلام يوم الدار ( وانذر عشيرتك الأقربين )، ولا نريد الخوض فيها من القول بأنها فعّلت في غدير خم وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ هذا طرح خاطئ جداً، كلا بل هي فعّلت في يوم الدار، أما كيف فهذا لا نريد الدخول فيه، والامام الهادي عليه السلام في الزيارة الغديرية يشير إلى هذا المطلب، وهو أنَّ تفعيل ولاية أمير المؤمنين عليه كان بداية الاسلام وليس في غدير خم، أصلاً زبارة الغدير أنا اقرأها كل شهرين كم مرة من باب أننا نتعلم منها فإنَّ فيها نكات عجيبة، وهذه أحد النكات التي تعلمناها فهي اسمها زيارة غديرية ولكنه يقول إنَّ الغدير ليس في ذلك الزمان وإنما في يوم الغدير شدد عليها أكثر لا أنه في الأصل كانت في يوم الغدير، وهذا ليس محل بحثنا الآن وإن كان هو بحث أساسي، وإنما محل بحثنا هو أنه كيف يجعل الله عزَّ وجل الولاية له ثم لرسوله ثم لأمير المؤمنين في حين أنَّ الله تعالى أيضاً يجعل الولاية لفاطمة عليها السلام في سورة الحشر وفي سورة الروم وفي سورة الاسراء ﴿وآت ذا القربى حقه﴾ ، ﴿فآت ذي القربى حقه﴾ ، فكيف تكون ثلاث أو أربع ولايات؟ إن الصلاحيات تختلف، فهنا صلاحية فاطمة عليها السلام جعلت على الأموال العامة كلها في طول ولاية الله وولاية الرسول يعني هو نوع من العرضية مع ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وهنا يفهم ما هو مقام فاطمة عليه السلام، فلاحظ هذه البحوث القانونية الفقهية كيف قرأ فيها العقائد عميقاً، ومن الأفضل في قراءة هو قراءتها باللغة الفقهية القانونية.

إذاً كيف في القرآن الكريم - بغض النظر في العقائد في الفروع - تارةً يقول والياً وتارةً يقول حاكماً فإنَّ هذا ليس عبطاً فإنه في الأبواب الفقهية صلاحية الفقيه أو غيره هناك نكتة نبَّه فيها على أنه لماذا يستخدم مصطلح والياً ويستخدم مصطلح حاكم، ويمكن أن تختلف الصلاحيات، فيمكن أن تكون سلطة تنفيذية فقط، ويمكن أن تكون سلطة قضائية فقط، ويمكن أن تكون سلطة فتوائية فقط تشريعية، ويمكن أن تكون السلطات الثلاثة، فأيّ دائرة من الدوائر يجعلها الشارع فإنَّ هذه يجب ملاحظتها؟، كما هو موجود الآن في علم القانون الذي هو فقه وضعي أنَّ الصلاحيات تختلف وليس كل منصبٍ وتنصيب يعني فيما يعنيه أنه له كل الصلاحيات، فتمحيص هذا البحث ينفع في أبواب وبحوث كثيرة - عنوان الولاية وعنوان الحكم -، فتمحيص هذا البحث هو أنَّ الصحيح أنَّ الولاية شاملة للكل والحكم شامل للحكم ولكن لماذا تارةً يعبر بالولاية وتارةً يعبر بالحكم؟ أما أنَّ الولاية شاملة للحكم فواضح، هو أنَّ ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) هنا شامل لكل الشُعَب الثلاثة، كما في عهد مالك الأشتر بلا قياس حيث فوض أمير المؤمنين مالك الأشتر أن يعيّن القاضي ورئيس الجيش ومفتي الدولة، ففي عهده لمالك الأشتر توجد صلاحيات مهمة، وكذلك المجلسي كان في فترة من الفترات هو شيخ الاسلام وشيخ الاسلام يعني أنه مفتي الدولة الصفوية، هذا لم يخل بشيء من مقام ومكانة المجلسي، وحت الشيخ البهائي في فترة من الفترات كان هو مفتي الدولة الصفوية، وشيخ الاسلام هو اصطلاح لمفتي الدلة الصفوية، والآن حتى في بعض الدول يستعمل مصطلح شيخ الاسلام في مفتي الدولة ومفتي الجمهورية، يعني حتى السلطة التشريعية لها بعد، وهذا موجود في عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر، كما أنَّ الحكم استعمل في موارد الافتاء وموارد السلطة التنفيذية، وهذا موجود في الآيات وفي الروايات، كما بالنسبة إلى داود وسليمان عليهما السلام وغيرهما، فالصحيح أنَّ الحكم كما مرّ تقريبه أنه شامل لكل السلطات الثلاث وقد مرت شواهد على ذلك، فإذاً لماذا يعبر تارةً بالوالي وتارةً يعبّر بالحاكم في موارد كثيرة؟ الصحيح هو أنه نعم أنَّ العنوانان والمادتان شاملتان لكل الشُعَب الثلاث ولكن كاستعمال كثير غير مستنكر أو غير منكر لا يجحد أنَّ الولاية أبرز شيء فيها أنها استعملت في السلطة التنفيذية - الوالي - أو رأس الهرم في السلطات فإنه يتبادر منها هذا المعنى، بينما الحكم يستعمل أكثر في جانب إنشاء المحمول الشرعي ما شابه ذلك من القضاء أو غير القضاء، أو نستطيع أن نقول جانب آخر في الفرق بين الحكم والولاية وهو فرق صناعي ماهوي دقيق، فالولاية تمل الشؤون الثلاثة أو غيرها، والحكم أيضاً يشمل الشؤون الثلاثة أو غيرها ولكن الفرق بينهما موجود وهو مهم.

ولكي نوضّح هذا الفرق دعونا نذكر هذا المثال، وإنصافاً هذه تفرقة صناعية مهمة جداً تنفع في أبواب فقه أو عقائدية كثيرة وحتى في باب القضاء، فالفارق نمثل له بهذا المثال وهو أنه في باب البيع أو المعاملات أو النكاح مرّ بنا في بداية المكاسب المحرمة أنَّه توجد عندنا صحة في المعاملة بما هي في نفسها مثل ( أحل الله البيع ) أي صحة المعاملة في نفسها، وتارة هناك صحة المعاملة من جهة الفاعل فالفاعل عنده صلاحية وليس محجوراً عليه ( الناس مسلطون على أموالهم )، فهو عنده سلطة والسلطة يعني ولاية، فتوجد أدلة تتعرض إلى الفاعل ﴿ولا تؤتوا السفاء أموالكم الي جعل الله لكم قياماً﴾[8] فهذا يتعرض لبحث الصلاحية، أما ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) فهذا يتعرض إلى ماهية المعاملة.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص93، أبواب ما يكتسب به، باب4، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص93، أبواب ما يكتسب به، باب4، ح6، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص94، أبواب ما يكتسب به، باب4، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص94، أبواب ما يكتسب به، باب4، ح8، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص94، أبواب ما يكتسب به، باب4، ح9، ط آل البيت.
[6] المائدة/السورة5، الآية55.
[7] المائدة/السورة5، الآية3.
[8] النساء/السورة4، الآية5.