الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة السابعة من النوع الرابع ( حكم حفظ كتب الضلال ) - المكاسب المحرمة.

كنا في مسألة حرمة حفظ كتب الضلال وعنوانه حسب مقترح بعض الأعلام هو حرمة نشر الضلال أو ترويجه وهو ذو مراتب عقائدي وأخلاقي وعملي، والضلال كله بمراتبه الأشد فالأشد وليس مرتبة واحدة، فالقاعدة الأولى التي استدل بها الشيخ وهي قاعدة قطع مادة الفساد ومرت كلمات الأعلام في ذلك والوجوه في ذلك وهلم جرا، وكنا في صدد التمييز بين هذه القاعدة وقاعدة سد الذرائع وقاعدة المصالح المرسلة ومختصر ما انتهت إليه كلمات العامة في قاعدة سدّ الذرائع أنها في الوسائل أو المقدمات في أمور اعتبها الشارع واعتبرها يعني أنشأ حكماً الزامياً فيها، فهذه ذريعة يعني وسيبة إما وسيلة لواجب أو وسيلة لحرام فوسيلة الواجب واجب ووسيلة الحرام حرام، وكأنما هي مثل بحث المقدمة وسنبين الفرق بينها وبين المقدمة ولماذا يلازم علماء الامامية بالمقدمة والتزاحم ولا يلتزمون بسدّ الذرائع، ولككن هي شبيهة بها حسب ما انتهى إليها آراء علماء العامة، وأما المصالح المرسلة فهي باصطلاحهم في الموارد التي لم ينشئ الشارع حكماً إلزامياً بتلك المصالح وإنما يرتئيها الفقيه او الحاكم السياسي أو المجتهد ولذلك عبروا عنها بأنها مرسلة وصف لنفس المصلحة ومرسلة يعني منطقة فراغ حسب ادّعائهم وزعمهم، تلك المصالح المرسلة الوسائل لها نفس المصلحة المرسلة والوسائل لها ينشئ حكمها المجتهد عندهم، فعدم التزام علماء الامامية بهذه القاعدة الثانية واضح فإنها لا هي انشأها الشارع وإنما هي تخمين في تخمين عندهم، هذه هي المصالح المرسلة، لذلك المصالح المرسلة سواء كانت في الحرام أو في الواجب قابل للتصور مصالح مرسلة في الحرام وفي الواجب وسدّ الذرائع في الحرام وفي الواجب، وإن كان بداية تنظير علماء العامة لهاتين القاعدتين سدّ الذرائع في البداية كان في المحرمات والمصالح المرسلة في الواجبات ولكن أخذت هاتان القاعدتان تطوير وتنضيج عندهم حتى وصلتا إلى هذه الضابطة عندهم وهي أنَّ سدّ الذرائع في الموارد التي حكم الشارع على الشيء بحكم إلزامي فالوسيلة له تسمى سدّ الذرائع سواء كان وجوباً أو حراماً، وأما المصالح المرسلة ففي الموارد التي لم يحكم الشارع لا على المصلحة ولا على الوسيلة إليها هذه خلاصة قالب رأيهم.

وإذا كان رأيهم هكذا في هذه القاعدة ما هو موقف علماء الامامية أو مذهب الامامية تجاه هاتين القاعدتين؟

جملة من النقاط سجلها علماء الامامية، وإنما أنا استعرضت هذا البحث لأنه قد يتشابه عند الباحث بين قاعدة قطع مادة الفساد لايت يلتزم به علماء الامامية ويلتزمون بمقدمة الواجب ويلتزمون بقواعد أخرى عقلية ويستكشف منها الحكم الشرعي ولكن مع ذلك لا يلتزمون بهاتين القاعدتين فما هو الفارق بينهما فنحن في هذا الصدد، فجملة من النقاط يجب أن نذكرها وهي: -

النقطة الأولى:- وهي مؤاخذة من علماء الامامية وهي أن علماء العامة لم يفرقوا سابقاً - ولعله الآن بدأوا يفرقون - حسب المؤاخذة التي نبه عليها أئمة أهل البيت مقابل علماء العامة أنهم لم يفرقوا بين الحم السياسي يعني الحرمة السياسية والحرمة الفتوائية، بين الوجوب السياسي الولائي والوجوب الفتوائي، الوجوب الفتوائي هو حكم شرعي ثابت أما الوجوب السياسي هو أنه لظروف معينة قد يوجب الوالي شيئاً، حتى أنه توجد عندنا روايات متعددة عن الأئمة أن تحريم الرسول في جملة من الموارد هو حرمة سياسية وليست حرمة تشريعية ثابتة يعني هي لمقطع معين ثم تنتهي، حتى الأئمة مارسوا هذا الشيء مع اصحابهم، فعدم التمييز بين الأحكام الشرعية فهي كلها أحكام شرعية بالمعنى العام ولكن عدم التمييز بين هذه الأبواب الثلاثة يوجب الالتباس، الآن من باب المثال القاضي حكم بأنَّ المال لزيد وزيد ولكن عبيد يعلم أن هذا المال ماله وليس لزيد يعني يفي الوقاع زيد مدعي لغفلة من أو اشتباه أو كذب فهذا المال بحسب الحكم الفتوائي التشريعي الثابت هو حلال لعبيد ولكن بحسب الحكم القضائي يحرم عليه التصرف فيه، يعني بحسب الحكم الشرعي القضائي يحرم عليه التصرف فيه، وربما الامام المعصوم باعتبار أنه ملزم بفصل الخصومات بين الناس بالموازين الظاهرة زيد اقام بينة غفلة أو اشتباها ـو جهلاً أو كذباً بأن أقام بينة بأن هذه الأرض لي والنبي حكم بأن هذه قطعة الأرض لزيد وهذا لا ينافي عصمة الرسول، لأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مأمور في مساحة معينة يحكم بالموازين الظاهرة وهذا أحد الاشتباهات عند العامة حيث يخلطون بين عصمة الرسول وبين اشتباه حكم الرسول فإن حكم الرسول ليس اشتباهاً وإما الموازين الظاهرية التي أمر بها البني قد تصيب وقد تخطئ وهذا ليس خللاً في عصمة النبي أو خلل في عصمة الأئمة وإنما هم مأمورون أن يربوا الناس في مساحة كبيرة على الحكم الظاهري وليس على الحكم الواقعي كما قال سيد الانبياء ( إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان )، وأقضي يعني أنه أمره الله ذلك كما امر دود وغيره فهذا لا يخل بعصمة الرسول، كلام أمير المؤمنين عليه السلام في بداية خلافته المقدسة خطب في المدينة المنورة ( إني لا تبخلوا علي بمشورة وبراي وتأخذوا مني أبهة وتحجمون عني وتهابوني فإني لست فوق أن أخطئ )، وهل أنه ليس بمعصوم؟ كلا وإنما هذا الجهاز الحكومي الذي يستند عليه أمير المؤمنين في الحكم ليسوا معصومين ولذلك هم يشتبهون أو ربما يتعمدون الاشتباه فالأمة يصير لها دور رقابي على كل جهاز الدولة، فإذا كان جهاز المعصوم يحتاج إلى رقابة فكيف بجهاز غير المعصوم، طبعاً ففي جهاز العصوم الأمة مسؤولة عن مراقبة جهاز المعصوم وهذا نوع تعاون مع المعصوم فكيف بك بجهاز غير المعصوم، فالمقصود هنا أن قوله ( إني لست فوق أن أخطئ ) ليس المقصود نفس أمير المؤمنين عليه السلام وإنما جهازه، لأنه مأمور أن يشكّل جهازه ويبنيه ويمارس أدواره حسب الموازين الظاهرية التي قد تخطئ وقد تصيب، فيجب أن نفرز بين هذه الأمور كما حصل عند العامة فإنه التبس عليهم الأمر فقالوا إنَّ هذا دليل على أنَّ رسول الله ليس بمعصوم والحال أنَّ الأمر ليس مرتبطاً بالرسول وإنما الله تعالى لا يريد كل الأحكام الواقعية دفعةً فإن الناس لا يتحملونها وإنما قليلاً قليلاً فلابد من الأحكام الظاهرية، فهذه نكات يلزم ضرورية يلزم أن نلتفت إليها.

فإذاً توجد عندنا حرمة سياسية وحرمة قضائية وحرمة سياسية، هذه الثلاث حرمات وجوب قضائي ووجوب سياسي ووجوب فتوائي يلزم أن لا نخلط بينها لأنها أبواب ثلاثة، كراهة سياسية وكراهة قضائية كراهة فقهية يعني الأحكام الخمسة والأحكام الوضعية تارة تكون من باب الفتوى المستمرة وتارة تكون من الأبواب الأخرى فالتمييز بين هذه الأبواب الثلاثة صار خلط فيه عند العامة كما خلطوا في أمور كثيرة اخرى، وإذا اتضح الفرق موازين الحكم في القضاء تختلف عن موازين الحكم السياسي الولائي ويختلف عن موازين الحكم في الفتوى، فهذه ثلاث ابواب لها موازين، فلاحظ هذه البحوث هي قلب الفقه ونخاعه فيلزم الالتفات إليها، وإلا قد يكون الانسان هو طبيب قلب ولكن لا يعرف الرابطة بين القلب وبين أعصاب بدن الانسان فإنه إذا أراد أن يجري عملية فقد يقتل المريض وإنما لابد أن يعرف التوازن بين جراحة القلب وبقية اعصاب البدن وأنه هل يتوقف أو لا لذلك طبيب خاص يشارك في عملية جراحة القلب أو الكلى أو غير ذلك وهو طبيب الأعصاب لأنه يعرف ذلك، فأقصد هذه توازنات ضرورية كما في باب الطب أيضاً باب الفقه أيضاً هكذا فإنَّ موازين باب القضاء تختلف عن موازين باب الحكم السياسي الولائي وتختلف عن موازين الفتيا وإن كانت موازين الفتيا لها الصدارة، فإذا اتضح أصل هذه النقطة الجوهرية في أبواب الفقه هنا يسجل علماء الامامية هذه المؤاخذة على العامة وهو أنَّ هذه سدّ الذرائع والمصالح المرسلة هي قاعدة في موازين الحكم السياسي لا القضائي ولا الفتوائي، وهل تختلف عن مقدمة الواجب؟ نعم هي تختلف، وحتى هم في تنظيرهم لهاتين القاعدتين هما تختلفان عن التزاحم وعن مقدمة الواجب، كما أنها تختلف عن قطع مادة الفساد، وهذا غير الفوارق التي مرت، وكيف؟ أولاً بالنسبة إلى المصالح المرسلة وقد كررت الضابطة أمس واليوم لم نكرر، هم يجرونها في الوسائل والمقدمات الاعدادية البعيدة الاحتمالية أولاً فهم يجرونها حتى في البعيدة وكذلك الاحتمالية بينما مقدمة الواجب عند علماء الامامية ليست تجري في المقدمات الاحتمالية وليس البعيدة وليست الظنية وأيضاً التزاحم أيضاً هكذا، فإنَّ التزاحم عند علماء الامامية يكون بين مثلاً هذا واجب محرز وذاك واجب محرز لا في الموارد الاحتمالية أو البعيدة لذلك بالدقة قاعدة المصالح المرسلة وسدّ الذرائع إذا تمتا فهما من موازين الحكم السياسي وليسا من موازين القضاء ولا من موازين الفتيا، وإنما هذا صار خلطاً، فالضابطة للمصالح المرسلة نعيد تعريف المالح المرسلة يعني هي المصالح التي لم يلزم بها الشارع ولو عقلائياً هي راجحة أو لازمة ولكن الشارع لم يلزم فهم بلحاظ هذه المصالح يلزمون بها ويلزمون بوسائلها المحتملة البعيدة، فهم يبنون على الشيء، وعلى فرض تمامية المصالح المرسلة، فهي تتم في باب الحكم السياسي، وهي ليست من موازين الحكم القضائي، ولا من موازين الفتيا، فإجمالاً الأمر هو هذا، وهذا المقدار كافٍ للتفرقة.

ونذكر هذه النقطة فقط ثم نتابع أدلة الشيخ الأنصاري في حفظ كتاب الضلال أو قل المسألة العامة: - هناك نكتة أخرى لا بأس أن نذكرها تعقيباً على كلام السيد الخميني وطبعاً هو لم ذكرها في المسائل المحرمة وإنما ذكرها في مكان آخر، وهو أنَّ قطع مادة الفساد يبني السيد الخميني على أنها ليست قاعدة فتوائية وإما هي قاعدة من موازين حكم الوالي، كما أن القاضي له موازين ( إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ) كذلك الوالي له موازين أيضاً، فإنَّ الحاكم السياسي له موازين، ومن باب الشيء بالشيء يذكر موازين الفتوى هي موازين للقضاء وموازين للحكم السياسي إلا ما خصصه الدليل وهذه نكتة مسلّمة عند العلماء يلزم ان نلتفت إليها، الأصل الأولي أو موازين الفتيا هي موازين للقضاء وإلى الحكم السياسي إلا ما خصص الدليل وقد خصص الدليل في ملة من الموارد ونحن لسنا في صدد استعراضها وإنما نلتفت إليها بشكل اجمالي، فراي السيد هكذا وهو أن قاعد قطع مادة الفساد المشهور استندوا إليها كقاعدة فتوائية ولكنها قاعدة سياسية وليست فتوائية، مثل رأيه في لا ضرر وأنها ليست قاعدة فتوائية لأنها لا تصلح أن تشرّع حكماً تشريعياً فتوائياً مستمراً وإنما هي تدبير سياسي، وقد ذكرنا أنَّ المرجع يمارس التدبير السياسي سواء كان عنده دولة أو لم تكن عنده دولة، دولة المرجع أو الفقيه هي المقلدين الذين يرجعون إليه، حتى بحسب اعترافات الدراسات الغربية أو المرجعية الدينية أياً ما كان هي عابرة للحدود والقوميات، فهي ارتباط هوية دين، فالمهم هو يرى أن قاعدة لا ضرر يمارسها الفقيه او المرجع في باب تدبير أمور الطائفة كتدبير ولائي سياسي لا حكم فتوائي مستمر.

فقط نحن نشرح هذا وإن كان نحن لا نتبنى أنَّ قاعدة قطع مادة الفساد فقط هي قاعدة في باب الحكم السياسي وإنما نجمع بين المشهور وبين كلامه فتصلح أن تكون قاعدة فتوائية وبين أن تكون قاعدة في الحكم السياسي كما التزمنا بذلك في لا ضرر، ولكن فقط لأجل أن ننبّه على الاطلاع على كلامه لا بأس به، سبق وأن نقلنا كلام السيد باعتبار أن ينفع في باب الفقه السياسي لأنه سبق أن نقلنا كلام السيد أنه ذكر أن الفقيه يمكن أن يحكم وتلاميذه وجهوا كلامه وقد صار لغط على مجلس تشخيص مصلحة النظام والشيخ فضل الله الصافي اختلف مع السيد الخميني فصار لغط علمي، وقد ذكرت لكم أنَّ تلاميذه حتى الخاصين وجهوا كلامه من باب الحكم الثانوي في المحمول، ولكنه رفض ذلك وقال إنهم لم يفهموا كلام، وفعلاً لم فهموا كلامه وإنما كلامه يفهم فيما ذكره في باب بيع السلاح فهو يريد أن يقول أمراً آخر، فهو يريد أن يقول هناك عنوان موضوع ثانوي وإن المحمول أولي يختلف الموضوع الثانوي وقد شرحناه في كتاب الشعائر الجزء الأول، ولم أكن مطلعاً على كلام السيد في باب بيع السلاح ولكن بعد ذلك التفت إليه فحينما حينما بحثت الشعائر لم أكن ملتفتاً إلى كلامه وإنما التفت إليه من نكات بعض الفحول الآخرين وهو أنه يوجد عندنا محمول ثانوي وعندنا موضوع ثانوي يعني قد تكون القضية الشرعية موضعها أولي والمحمول أولي وهذا قسم رائج من الأحكام الشرعية، ويوجد قسم ثانٍ من القضايا الشرعية وهي التي يكون محمولها ثانوي والموضوع أولي، وهذا معروف أيضاً كقاعدة رفع الاضطرار ورفع النسيان وغير ذلك، وقد يكون الموضوع ثانوي والحكم أولي مثل ( المؤمنون عند شروطهم )، فإنَّ ( المؤمنون عند شروطهم ) لم يتفوه فقيه من الفقهاء أن هذا الحكم في العقود هو حكم ثانوي وإنما قالوا هو حكم أولي يعني الانسان إذا اشترط شيء يجب عليه الوفاء به، وحتى ( أوفوا بالعقود ) هو حكم أولي إلا أنَّ الموضوع ثانوي، لأنه هذه العين لم تكن ملك المشتري وغنما صارت بالعقد ملكاً للمشتري، فالعقد عنوان موضوعي ثانوي طرأ على العين فنقلها، فـ( أوفوا بالعقود ) موضوع ثانوي ولكن محموله أولي، ( المؤمنون عند شروطهم ) الموضوع ثانوي ولكن المحمول أولي ، وكذلك اطاعة أمر الوالدين أو ( ولا تقل لهما أفٍّ ) أو احترمهما فهذا حكم أولي ولا أحدي قول هو ثانوي ولكن موضوعه ثانوي، فهنا يأمر الوالد وهنا لا يأمر وهنا الوالدة تنهى يسبب عقوق لها وهنا لا يسبب عقوق لها فموضوع حرمة العقوق ثانوي، ومثل باب النذر واليمين والقسم فإنه لم يقل أحد أ الحكم في النذر ثانوي وإنما هو حكم أولي وليس كالاضطرار أو النسيان وإنما هو حكم أولي ولكن الموضوع ثانوي هنا نذرت وهنا لم تنذر وهنا الموضوع صلاة الليل هي صلاة مستحبة فإذا طرأ عليها عنوان النذر تصبح واجبة، وكذلك القسم والعهد واليمين، فهناك ستة أو سبعة أو ثمانية أو عشرة، وقاعدة الشعائر هي هكذا فإن المحمول أولي ( ومن يعظم شعائر تالله ) ولكن الموضوع ثانوي، وهذا القسم الثالث من القوانين والقضايا الشرعية إذا لم يلتفت إليه الباحث سوف يترجل في أبواب فقهية فيجب أن يميز بين القسم الأول والقسم الثاني والقسم الرابع، يوجد قسم رابع، وهو أنَّ يكون فيه الموضوع ثانوي والمحمول ثانوي، أربعة أقسام كحصر عقلي موجود في القضايا الشرعية ولكن الأكثر الموجود هو الأول ثم يأتي الثاني ثم الثالث، وهذا نفسه من بحوث أول القانون في علم الأصول الذي نؤكد عليه دائماً وهو أنَّ علم الأصول مشتمل على علم أصول القانون، هذا التقسيم هو شرياني في علم الفقه وعلم الأصول إذا لم نميز بين هذه الأقسام الأربعة يحصل الخلط، وهذا بحث مستقل برأسه ونحن نستثمره الآن، الشعائر الحسينية صار لغط بين الفقهاء ومن الجيد أنه طبع كتاب يجمع رسائل الفقهاء قريب ستة وستين رسالة وهي من عشر مجلدات جلهم فقهاء النجف طوال مائة سنة، فالمهم أن اللغط في الشعائر الحسينية سببه أنه هل هو ثانوي في المحمول فإنَّ المحمول ليس ثانوياً أو أنه ثانوياً في الموضوع، ولكن هذا شيء غريب، لأنهم لم ينظروا له في علم الأصول ولم يبلوروه بشكل مستقل، فعلى كلٍّ البحث طويل عريض، فالتمييز بين هذه الأقسام الأربعة أمر مهم، وقد ذكرت لكم بغض النظر عن صحة ما تبناه السيد أو خطأه حيث قال إنَّ الفقيه يفتي في الموارد، وتلاميذ السيد وجهوا بأنه يريد من ذلك الحكم الثانوي، ولكنه قال إني لا أريد الحكم الثانوي وإنما مقصودي هو الحكم الأولي ولكن موضوعه ثانوي، فصار بحث في كلامه هذا فيما ذكره في المكاسب المحرمة في بيع السلاح على الأعداء، الموضوع الثانوي متبدّل، المحمول أوّلي ولكن الموضوع متبدّل، وتعلمون أنه يوجد لغط حتى في العصر الحديث هل فقه الشريعة وفقه الاسلام وفقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام أيضاً هل يواكب الحياة وتطويراتها أو لا، يعني الجانب المتغير في الحياة؟ فإنه توجد جدلية في بحث الفقه وهو بحث الثابت والمتغير، وطبعاً هذا بحثه مستقل وخطير ولكن له صلة بهذا البحث وسنبين الصلة، هذا الثابت والمتغير فمتغير بالاصطلاح الأصولي يعني ثانوي أما ثابت يعني أوّلي، أحد تفسيرات الثابت والمتغير في الشريعة هو هذا، وطبعاً له عدة تفسيرات ولا نريد الدخول في الثابت والتغير ولكن نقول إنَّ هذا أحد تفسيراته، فإذاً إذا كان الموضوع ثانوي والحكم أولي فهو قابل للتغير، وهذا ليس تغييراً في الشريعة وإنما هو تغيير في البيئة، هذه قضية دخالة الزمان والمكان في الشريعة أحد نوافذها إذا تبدل الموضوع، لا أنَّ الحكم يتبدل، فإنَّ الحكم لا يتبدل وإنما الموضوع يتبدل، فعلى كلٍّ هذا التوجيه هو تبناه وهذا بحث طويل عريض لا نريد الدخول فيه وإنما نذكر فهرست الأبحاث فقط لكي يحصل عندكم توازن في القواعد.

بقي باب آخر هنا ذكره السيد الخميني لتوجيه كلامه غير الموضوع الثانوي، حيث ذكره في قاعدة قطع مادة الفساد وهو أنها في الحكم السياسي وهذا البحث يلزم ألا نستعجل فيه وإنما نبسط في الكلام لأنه ينفع في الفقه السياسي لمن يريد أن يطلع على الفقه السياسي، وإن شاء الله تعالى سنواصل شرح كلامه ثم نواصل أدلة الشيخ الأنصاري.