الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة تبييض الأموال _ النوع الثالث ( بيع ما لا منعة فيه )/ المكاسب المحرمة.

إذاً بيت القصيد في هذه القاعدة وهي قاعدة الاتجار بالمال الحرام كما مر هو أن قصد الأداء - وليس الأداء - حين إنشاء العقد دخيل في صحة العقد، لأنَّ المنشئ للعقد يجب أن ينشئ العقد عن ارادة جدية، أما ارادة تحايلية فهذا لا يكون عقدتً جدّياً ولا يصح، وكلامنا في الثبوت وليس كلامنا في الظاهر فإنه في الظاهر يحمل على أصالة الصحة، وحتى لو يدعي المتعاقد انه لم ينوِ وأنه لا توجد عنده إرادة جدية لا يسمع كلامه ولكن هذا بحث آخر، فإنَّ النزاع بحسب الظاهر شيء والعقد بحسب الواقع شيء آخر وكلامنا الآن بحسب الواقع، فقصد الأداء يؤثر، إذاً ما قاله مشهور القرن الأخير من الأعلام من أنَّ قصد الأداء لا دخل له بحسب طبع الأداء كلامهم سليم ولكن لأن قصد الأداء دخيل في الارادة الجدية فلا محالة إذاً هو دخيل في الارادة الجدية والارادة الجدية مقومة لصحة العقد، فإذا كانت الارادة الجدة منوطة بقصد الأداء فإذاً قصد الأداء من المال هو العوض لا ما ادعاه المتعاقد المنشئ، فما قاله الأعلام حتى محشّي المكاسب أنَّ المهم أنه يوقع العقد سواء في وكيل المضاربة أو عامل المضاربة ان يوقع العقد لمن وليس لمن يؤدي من ماله، كلا بل إذا كان من قصده حين العقد، يعني حين القصد الباطني يقوم صحة العقد، فإذا كان قصده الأداء من مال صاحب المال فصاحب المال هو طر فالعقد وليس من رغب المتعاقد أن يقع العقد لنفسه، شبيه الآن من باب المثال ذكروا في البيع او في العقد يقول اشتريت هذا لزيد سبق لسان ولكن قصده ان ينشئ البيع لنفسه فيقولون هنا تتعارض اللفظ مع القصد وهنا محل بحث وكلام، سواء كان في البيع أو أي عقد من العقود، أو قال نكحت فلانة من فلان ولم يكن قصده فلانة هذه وإنما فلا ولكن صار عنده سبق لسان فهنا يقولون إنَّ المدار على القصد وليس على هذا اللفظ، أو قال أنكحت فلانة ويسير إليها بيده ولكن اسمها ألف وهو قال باء فهنا تعارض اللفظ مع الاشارة فهنا قالوا إنَّ المدر على الاشارة وليس على اللفظ، فإنَّ في اللفظ حصل سبق لساني، كذلك هنا وكيل المضاربة أو الوزير مثلاً يقول أوقعت العقد لنفسي فهذه صفقة كذا أوقعها لنفسي ثم ابيعها على الدولة حت آخذ عمولة كبيرة فهنا قصده كلا قصد لأنه من الأول قصده اداء المال من مال الدولة وليس من مال نفسه وهو لا يمتلك راس المال هذا فتلقائياً يقع العقد لدولة وليس لنفسه.

واتفاقاً قبل ربما أكثر من عشرين سنة وجه سؤال وهو أنَّ هؤلاء المراء العامين حينما يذهبون ويبرمون عقوداً أنهم يبرمونها لأنفسهم ثم يبيعونها للدولة، فالكلام هنا نفس الكلام، وأنه هل الأرباح لهم أو للخزينة، وأنا ذكرت لكم بهذا اللحاظ أنها للخزينة وليس لهم لأن هذا المال هو من الأول قصده الاداء من مال الدولة فيه طرف العقد لا هو، وهذا محل ابتلاء.

نقرأ باب آخر من الروايات تدل على نفس المطلب، وهو ما ورد في أبوبا ما يكتسب به الباب الخامس والسبعون باب الاتّجار بمال اليتيم، وقد عنونه صاحب الوسائل « باب جواز التجارة بمال اليتيم مع كون التاجر ولياً مليّاً ، ووجود المصلحة وحكم الربح والزكاة »[1]

الرواية الألى:- وسندها قابل للاعتبار فكل ما فيهم ثقات عن علي بن الحكم ثقة ايضاً عن أسباط بن سالم ببالي أنه يمكن أن يستحسن حاله ولكن توجد روايات كثرية يمكن أن نستغني بها عن هذه الرواية ، قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه اللام كان لي أجٌ ) فإنه مع استفاضة الروايات من الجيد تنقيح سندها ولكن مع استفاضة الروايات فإذاً كانت هناك خصوصية لرواية معينة فلا بأس أن يدقق في السند، أحد الأعلام اعترض على شهادات في الهلال من منطقة فلانية أنها مثلاً كذا، فأنا أجبته وقلت لماذا يعترض على هذا إنما يعترض على شهادة الشهود فيما إذا كانا اثنين أو أربعة او ستة أما إذا تجاوز العدد الثلاثين فلا يوجد تواطؤ على الكذب لأنهم من مناطق متعدة من تلك البلدان حتى لو وثقت وعدّلت الشهود نفس الاستفاضة تغني عن تعديل الشهود إنما يصار إلى لزوم تعديل الشهود في البيات وفي الهلال وفي الروايات إن لم تصل إلى مبلغ الاستفاضة، مع الاطمئنان على عدم التواطؤ على الكذب والاشتباه، وهذه نكات فنّية قد يتساهل الباحث في الممارسة العملية لها، لذلك في الهلال نتوخى إلى أن تصير فيها استفاضة حتى لا نحرج أنفسنا في كيفية التعديل، قال 00 قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان لي أخٌ هلك فأوصى إلى اخٍ أكبر من وأخلني معه في الوصية وترك هذا الأخ ابنا له مال أفيضرب به أخي؟ ) وهذا نفس كلام الآية في السفر ( ضربتم في الأرض ) ، جاء من أن الدابة تضرب بالأرض حينما تحرك، ( فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له مالاً، فقال:- إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم أن تلف فلا بأس به وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم ).

الرواية الثانية: - وهي صحيحة أعلائية لمحمد بن مسلم، في نفس الباب: - ( في مال اليتيم قال العامل به ضامن ولليتيم الربح إذا لم يكن لعامل مال، وقال:- إن عطب أدّاه) يعني ضمنه.

والفرق بين المضاربة والقرض الربوي ما هي؟

أحد البحوث الحساسة المعاملية في عالم المال من قديم الأيام إلى يومنا هذا حتى في البنوك والمصارف ما هو الفرق بين باب المضاربة والقرض الربوي، وهل يوجد شبه بينهما؟ نعم يوجد شبه بينهما، لأنه يمكن لصاحب رأس المال يعطي المال لدلال أو لتاجر أو لخبير في التجارة فيقول له أنا أعطيك المال ولكن تصير ضامناً لي والربح نصف لي ونصف لك أو ثلثين لي وثلث لك وهكذا أي نسبة مئوية، فهل يصح ذلك في باب المضاربة؟ يقولون لا يصح، وهذا مبحث ابتلائي جداً الحيل الشرعية في البنوك الاسلامية وغير ذلك أحد البحوث المهمة القائمة هو ما الفرق بين المضاربة والقرض، وروايات هذا الباب تتعرض إلى هذا المطلب، لذلك نحنن نتعرض إليها كي نعرفها حتى نعرف معناها، المضاربة متقومة بعدة أعمدة - ونحن مضطرون إلى بيان هذا -:-

الفارق الأول:- إنَّ عامل المضاربة أو وكيل أو دلال هذا في اصطلاح السوق أما في اصلاح الفقه الدلال هو وكيل غالباً لأنه قد يشتري لنفسه ثم يبيع وهذ صحيح، فغالباً عامل المضاربة او الدلال يكون وكيلاً ، فالمضاربة قامة بأن عامل المضاربة لا يضمن من دون تفريط فتارة يفرّط فبسبب تفريطه هو ضمن المال لا بسبب عقد المضاربة، أما القرض يضمن الآخذ للمال أصل المال لأصل القرض بنفس العقد ، فإذاً يوجد فرق ماهوي بين القرض والمضاربة، وهذا الفارق الأول أراد الفقهاء أن يلتفوا عليه بحيلة ولكن هذا غير صحيح وهذا بحث لا نريد الخوض فيه، هذا هو الفارق الماهوي النيوي الأول ، المضاربة حسب التعبير العصري هي استثمار، صاحب المال في السوق العصرية يسمونه أحاب الأموال، أما العامل فسمونه بدلا أن دلالاً يسمونه سمساراً أو يسمونه خبراء الاستثمار أو مؤسسات الاستثمار، هذا هو عامل المضاربة في السوق الاقتصادية العصرية الآن، وقد مر بنا انه اصطلاحات الاقتاد لابد أن نترجمها بلغة الاصطلاح الفقهي الموجود عندنا.

الفارق الثاني:- وهو فارق بنيوي بين القرض والمضاربة، وهذا البحث يقام حتى في البنوك أن هذه قروض أو استثمارات؟، قروض ربوية أيها البنك أنت تمارسها في نظام المال في البلد أو هي قروض ربوية والتي هي مصاصة للدماء تجهض وتميت الاقتصاد، ففرقٌ بين الاستثمار الحقيقي فهو ينعش اقتصاد البلد أما القروض الربوية تصير مثل الدمل والعلق يمص الدم من دون أن يحيي وينش الاقتصاد فلاحظ الفرق بين باب المضاربة والقروض الربوية وهذه هي معجزة التشريع الاسلامي المحمدي القرآني وأهل البيت لأنَّ أهل البيت في الربا ذكروا تفصلاً للأحكام أكثر من المذاهب الأخرى، فإذاً الفارق البنيوي الثاني هو هذا، وهو أنه في المضاربة التي هي استثمار حقيقي الربح لصاحب المال إلا ما استثناه للدلال أو خبير استثمار، لأنَّ الأصل إذا كان مملك لكذا ربحه وعوضه لنفس صاحب المال بقانون قاعدة المضاربة التي مرت بنا، وهذ آية مرت من الشيخ الأنصاري وكلامه صحيح بمقتضى التعاوض، أما في القرض فالربح يكون للمقترض لا لصاحب المال السابق، لأنه بعد القرض يكون صاحب المال هو الشخص الجديد أي المقترض، إذاً هناك فرق سنخي بين باب القرض وباب المضاربة، أن كان في رأس المال وإن كان في الربح، فإن في الضمان وإن في الربح ، فلاحظ ذه الفوارق يجب على الانسان أن يكررها في ذهنه الف مرة حتى لا يقع الاشتباه بين القرض الربوي والمضاربة، حتى أعلام كبار تقع منهم الغفلة بين البابين، والسيد الخوئي من المتشددين جيداً في الفارق بين باب المضاربة وباب القرض ، فلو حرّكته إبرة واحدة إلى هذا الجانب فبدلاً من أن تصير مضاربة تصير قرضاً ربوياً، الحلول التي أن تجري في بعض البلدان الاسلامية باسم مضاربة أو استثمار لو دققت فهيها تجد أنها قروض ربوية وليست استثماراً، ونحن لسنا في صدد باب المضاربة ولكن هذان العودان في الفرق بين البابين يجب أن لا ننساهما، في باب المضاربة لا يجب الضمان لرأس المال مع عدم التفريط فإنه لو ضمنه فيحصل إشكال لأنه يتبدل إلى قرض، وهذا فرق ليس في الاطار الخارجي وإنما هو فرق ذاتي داخلي، فحينئذٍ الفرق الأول هو أن باب المضاربة ليس فيه ضمان من دون تفريط، أما القرض الربوي ففيه ضمان، وإذا عضّ الباحث على هذا بضرس صوي على الالتفات إلى ذهين الفارقين بحوث كثيرة في الربا والمضاربة والقرض يلتفت إليها، الأول أن باب المضاربة ليس فيه ضمان، أما بعض الالتفاتات التي يرتكبها بعض العلام صحيحة أو غير صحيحة فهذا بحث آخر، فأصل ضمان مال المضاربة ليس فيه ضمان على عامل المضاربة ع عدم التفريط أما في القرض فضمان اصل المال موجود، فلاحظ أنه حينما يضمن آخذ المال في باب القرض يصير الربح لكه للمستقرض وليس لصاحب المال السابق، لأنه إذا ضمن صار قرضاً وصار المال ملك الآخذ وليس ملك المعطي فيصير الربح للآخذ ، فحينما قلنا يوجد ضمان يعني أنَّ الربح للضامن، أما عدم الضمان - في المضاربة - فالربح لصاحب المال إلا ما استثناه من النسبة المئوية، وهذا يحتاج إلى تكرار فإنها عملية رياضية سهلة ولكن واقعها معقد.

ونذكر فارقاً آخر تشدد فيه السيد الخوئي ونعم ما نتشدد فيه خلافاً لباقي المعاصرين وهو مشهور شهرة عظيمة وهو الصحيح خلافاً لبعض المعاصرين: - وهو أنه في المضاربة الربح يتوزع بالنسبة المئوية للربح يتوزع بين صاحب المال وعامل المضاربة يتوزع بالنسبة المئوية للربح، ودققوا ما الفرق بين النسبة المئوية للربح والنسبة المئوية للمال؟ إنه يوجد فرق شاسع، فإنَّ المال مقداره ثابت كمائة مليون دينار فالنسبة المئوية تصير ثابتة فإذا نسبنا النسبة المئوية إلى المال فالنسبة المئوية تصير ثابتة وليست متغيرة أما إذا نسبنا النسبة المئوية إلى التوزيع خمسين وخمسين أو أربعين وستين أو أيّ نسبة افترضناها إذا جعلت النسبة مسندة ومضافة إلى الربح فهل يصير ناتج النسبة ثابتاً؟ كلا، لأنَّ الربح ليس بثابت فإن قدر الربح قد يصير نصف مليون وقد يصير مليون وقد يصير عشرة ملايين، فإن الربح شاخص متغير أما رأس المال فليس شاخصاً متغيراً، فمتى ما أردت أن تضع رأس مال كمليون أو مليار أو خمسمائة مليار فهو ثابت أما الربح فليس بثابت، وهذه نكتة مهمة في المضاربة فإنه فيها يكون المال ثابت ولكن الربح ليس بثابت، طبعاً النقطة الثالثة ليست هذه وإنما هي أن الربح بين صاحب المال وعامل المضاربة يجب أن يكون نسبة مئوية بحسب الربح لا بحس مقدار المال، الآن الفوائد الربوية في العالم وفي كل مكان مع الأسف يعينونها بحسب المال وليس بحسب الربح وهذا فارق جوهري آخر بين القروض الربوية والمضاربة، فالقارق الآخر هو أنَّ الربح في المضاربة والاستثمار يجب أن تكن النسبة متوزعة بحس بالربح لا بحسب مقدار رأس المال، فلاحظ أن هذه البنى الثلاثة ونعم ما قال السيد الخوئي إذا اهتزّ أحدها تبدّل من مضاربة إلى قرض ربوي، وواقعاً من حقّ السيد الخوئي أو الشيخ حسين الحلّي أو غيرهما من الأعلام أن يتشددا خلافاً لجملة من المعاصرين فإنَّ هذه البنى الثلاثة يجب أن يمسك بها فإنها ماهوية للمضاربة تختلف عن الفصول الماهوية للقرض، إجمالاً هذا ذكرناه، أما في الروايات التي قرأناها والتي سنقرؤها تقول إنَّ الذي يتجر برأس مال الصبي المال مضمون والربح للصبي وكيف يصير هذا ؟!! وما هو الحل فهل هذا مضاربة أو قرض؟ أسمعوا الرواية حيث قالت ( في مال اليتيم، قال:- العامل به ضامن ) وضامن يعني يصير قرضاً وليس مضاربة، ( ولليتيم الربح ) وكيف يصير هذا؟!! فهل هذه مضاربة أو قرض فإن كانت مضاربة فالربح للعامل، وإذا كانت مضاربة فلماذا هو ضامن ؟!!كل روايات الباب هكذا، ( في مال اليتيم ، قال:- العامل به ضامن ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال ) إذا كان له مال فقسم من أرباح ماله له ، وهذه نكتة أخرى سنوضحها فيما يأتي.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج17، ص257، باب75، أبواب ما يكتسب به، ط آل البیت.