الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة الثالثة من النوع الثاني.

كنا في هذه القاعدة الشريفة وهي حرمة الاعانة على الاثم وتقرير هذه القاعدة في الآية الكريمة وتأثيرها اجمالاً على طوائف الروايات الثلاث الواردة في المقام ، ومرّ شواهد المنكرين لهذه القاعدة يعني اطلاق هذه القاعدة بالدقة أما قبولها في الجملة بدائرة محدودة فهم ليسوا منكرين لها يعني في المقدمة الموصلة مع قصد المعين وترتب فعل المعان هنا لا يستشكلون في الحرمة وأنها حرام ، فنقلنا هذا الشواهد ونحن الآن في صدد تقرير شواهد المثبتين لهذه القاعدة وذكرنا جملة من الشواهد ونكمل التتمة ، فالآية الكريمة ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ لتحرير موضوع هذه القاعدة صناعياً صناعة فقهية نتفهم كلمات الأعلام ، السيد الكلبايكاني وصاحب الواهر والصيمري والكثير من الكبار يذكرون أن نفس الإلمام بكلمات الفقهاء والطبقات العديدة منهم هو بنفسه قوة اجتهاد وقوة فقاهة لأنك حينئذٍ تتبارى أو تنتقل وتستصفي عمليات استظهار وجهود استظهار وجهود استنباط متعددة كيف توازن بينها فهو يعطيك قوّة اجتهادية قوة في أصل الاجتهاد وقوة في اصل الفقاهة والعارضة الفقهية وهذه نكتة لطيفة جداً في منهج الاستنباط ، وأقول هذه العبارة لا بأس بذلك وهي أن بعض الكبار يقول لو لم أطلع على كتاب التفاسير أو كتب الحديث واطلع على فتاوى الفقهاء استطيع أن اتنبه إلى الروايات والآيات وكيفية الاستنباط لا معنى لأنَّ هذا مجزي ولكن المقصود أن كلمات الفقهاء يستطيع الانسان أن يلم بوجوه الاستدلال المختلفة ، وتصير عنده اشرافة واحاطة بعد ذلك حينما يذهب إلى الآيات أو الروايات أو كلمات اللغويين أو غير ذلك يكون يقضاً فطناً نبهاً للزوايا الحساسة في البحث ، وللأسف هذه العارضة والمنهجية الآن غائبة عن الجو العلمي ، ليس كل الجوّ العلمي وإنما الكثير ، وليس الاهتمام بكلمات الفقهاء المعاصرين ، نعم وأنعم بهم ولكن لا تحبسه بها وإنما طبقات الفقهاء القدماء ماذا يقولون والأقدمين ماذا يقولون المتأخرين ماذا يقولون متأخري المتأخرين ماذا يقولون متأخري الأعصار ماذا يقولون المعاصرين ماذا يقولون خمس أو ست أو سبع ثمان طبقات لاحظها ، ولماذا أولئك عبّروا بذاك القالب بينما هؤلاء عبروا بهذا القالب ؟ ، قالبين من القوالب التي عبروا بها تلاحظ أنك ستستحصل على دقائق عجيبة من الوفرة الصناعية ، حينئذٍ تكون إنسان يقظ ذهابك إلى قراءة النص الديني من الآيات والروايات ، فهل تلاحظ أنَّ الخلافات بينهم كيف تصير ؟! إنها تثير حفيظتك لكي تحصل على شواهد معالجة مجيبة فيصلة بين هذه الترددات الموجودة عند الأعلام فنفس مطالسة ومطالعة وغربلة ومقارنة وموازنة ومقابلة أقوال الأعلام ووجوههم مهم جداً ويوفر مادة علمية كثيرة ، وليجرّب الانسان حتى تصير عنده عادة وادمان في هذا المنهج وهو مهم جداً ، وإلا ابتداءاً الانسان يذهب إلى الآية الكريمة أو الرواية الشريفة بلا شك هذا استنباط ضعيف ، قدرة الانسان في الاستنباط تكون ضعيفة وإلا فالآية الكريمة أو الرواية الشرفة شامخة وإنما الكلام في قدرة الانسان ويقظته في الاستنباط وهذه نكتة مهمة.

هنا التدقيق في الموضوع الصناعي نلاحظ في الاعانة ما هو موضوعها وهل تستفاد من الآية الكريمة أو لا وهي قد استعملت في موارد عديدة ، فالآية ﴿ ولا تعاونوا ﴾ نهي إلزامي وليس ندبياً كراهتياً ، فيلزم أن نعرف ما هو موضوع هذا النهي ، نلاحظ أنَّ الفقهاء هنا وفي موارد ومواطن أخرى ميزوا بين الاعانة على الاثم وبين النهي عن المنكر ، النهي عن المنكر عكس الاعانة على الاثم كأنما في مقابل النهي عن المنكر ، والاشياء تعرف بأضدادها ، فإذا كان ضدان يتواردان على موطن واحد فهل أحدهما يفسّر الآخر أو لا ، الأمر بالعروف والنهي عن المنكر ، الأمر بالمعروف أن لا يقع في إثم ترك المعروف المأمور به مثلاً فهل الاعانة أو أنَّ لهما ثالث مثلاً لا ينهى عن منكر ولا يعين ، فهو يظن أنه حيادي والحال أنه متخاذل ، فإذاً لهما شق ثالث وليسا هما ضدان لا ثالث لهما ، فلاحظ هاتين قاعدتين في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وباب الاعانة عكس باب الاعانة وهي محرمة ، فالشارع هنا فقط ينهانا عن الاعانة أو يزيد على ذلك وينهى عن المنكر ؟ ، فلاحظ مرحلة لا تعن على الحرام فهل هذا يكفي ؟ ، إذا افترضنا أنهما يتواردان على مورد واحد ، فالإعانة تمادي شديد بخلاف عدم النهي عن المنكر ، إذا لم ينهَ عن المنكر أعلى الحالات وإذا لم ينهَ عن المنكر ولا يكون له إسهام في المنكر فهذا متخاذل ساكت عن الحق شيطان أخرس وما شاكل ذلك إذا لم يكن عنده عذر ، وتارة يُعين على الاثم فهذا تمادي أكثر ، فهل الوضعية هكذا نصوّرها أم ماذا ؟ ، نلاحظ أيضاً في كمات الفقهاء في المواطن المختلفة وحتى هنا أيضاً أنهم أتوا بقاعدة أخرى وهي قاعدة وجوب دفع المنكر ، دفع المنكر والنهي عن المنكر قاعدتان وليس قاعدة واحدة ، فلاحظ هنا ثلاث قواعد في البين النهي عن المنكر والاعانة على الاثم وجوب دفع المنكر ، وسيأتي البحث في وجوب دفع المنكر وهنا أيضاً تمسك بها الأعلام ، ما هو فرقها عن النهي عن المنكر وهل الموضوع واحد ؟ كلا ، بل موضوعان وقاعدتان وهل بينهما ترابط ؟ نعم ، وهذا بحث مفصّل ، وهل هي مراتب في بناء مثلا الدين أو ماذا ، الخير ودفع الشر والفساد هي مراتب ومراحل أو ماذا ؟ ، وهنا بيت القصيد وهو أنه أين يقع عنوان موضوع حرمة الاعانة في هذه المراتب ؟ ، هذه اثارة قبل أن نذهب إلى الشواهد الروائية والقرآنية أو اللغوية في معنى الاعانة أو التعاون على الاثم.

وأذكر اثارات أخرى فإنَّ الاثارات المتعددة في الذهن في بداية تدريب الفاضل نفسه على البناء العلمي أنما تشوشه وتردده وتسبب له حيرة وتسبب له مثلاً تشويش ولكن هذا في الحقيقة نتيجة ضعف الباحث في بداية بحثه أو في تكوين ملكته العلمية ، ولكن حينما يقوى يلاحظ أنَّ هذه الاثارات تربّيه وتروّضه ، عندك قوة بصيرة ثقيلة لا تهزك هذه الترديدات ، بل بالعكس تزنها بمعايير صيرفية عليمة قوية وتعوّد نفسك على الاثارات المختلفة والترددات المختلفة ولا تتشوش كلّ وجه أو قول تزنه بوزنه ، ثم توازن وتقوى ، هناك اثارات أخرى دعونا نذكرها البعض قال هل القاعدة وهي حرمة التعاون على الاثم أو حرمة الاعانة على الاثم ، فهل نبدل عنوان الموضوع من التعاون إلى الاعانة أو نبقي على الاعانة فالمراد من التعاون المنهي عنه هل هو الاعانة أو خصوص التعاون أو هو شيء أعم ؟ ، هذه اثارة أما أنَّ هذه الاثارة ما هو لبّ مؤداها فهذا يلزم أن يتدبره الانسان.

وهناك اثارة أخرى:- وهي أنه قد يقال إنه هذه الآية الكريمة ﴿ ولا تعاونوا ﴾ أصلاً سيقا هذه الآية الكريمة في سورة المائدة هي على تكوين البيئة المجتمعية الصالحة أو لا سم الله تكوين البيئة المجتمعية الفاسدة ، الآن سواء كانت بيئة مجتمعية صغيرة كالأسرة أو كالمحلّة أو الحي أو العشيرة أو القبيلة أو الطبقة الاجتماعية أو الشريحة الاجتماعية أو الحزب أو المنظومة أو الكتلة إلى أن يصل إلى النظام السياسي ، فالمقصود من هذه الاثارة أنه يريد أن يقول إنَّ ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعوان ﴾ فعل جمعي سواء كان على نطاق أسرة أو نطاق حي أو نطاق حزب أو نطاق حرز أو نطاق كتلة أو نطاق نظام أو نطاق شريحة كشريحة الأطباء أو شريحة المهندسين أو شريحة الحوزويين وهلم جرا.

فالإعانة والتعاون فعل مجموعي جمعي ، وبعبارة عصرية هو فعل مجتمعي ، وليس المراد فيه البعد الفردي ، فتوجد اثارة هكذا ، ليس هو خاص بالفقه السياسي ، بل بالفقه الاجتماعي الأعم بحيث يشمل السياسي والأسري والقبائلي والشرائحي وهلم جرا ، هذا احتمالٌ ويثار.

ولأجل الأنس مع هذه الاثارة موجوده في سورة الانفال أو سورة البراءة ﴿ المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ....... والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ﴾ ، فلاحظ هذه ظاهرة فئوية مجتمعية جمعية ، مثل هيأة الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف الموجودة في الحرمين الشريفين ، واقامة الصلاة غير أداء الزكاة فإنَّ اقامة الصلاة يعني الجانب الشعيري في الصلاة جانب الهوية والمعلم ، ( أشهد أنك قد أقمت الصلاة ) يعني أنَّ هذا المعلم شيدته في الأمة والملّة والدين ، يعني بعد بيئي جمعي مجموعي غير البعد الفردي ، فتوجد اثارة في أنه ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾ يعني اسعوا في مجتمع صالح أسري قبلي عشري مناطقي كتلي فئوي واسع في الصلاح ولا تكن من سعاة الافساد في الهوية الاجتماعية المجتمعية.

فإذاً هذا ناظر إلى مولاة الصلاح أو موالاة الفساد ، فهذا مرتبط ببحث الولاية ولو ولاية فئوية ، في نفس سورة المائدة اقرأوا بدايتها فإنَّ الآية الكريمة هي في البداية وهي الآية الثانية أو الثالثة أو الخامسة ، لا تكونوا من أصحاب العدوان ، يعني ظاهرة اجتماعية فلا تصيروا قطاع طرق على الحجاج والمعتمرين ، ﴿ لا تحلوا شعائر الله ﴾ يعني الشعائر ظاهرة مجتمعية ومعلم هوية دينية ، وهذه الاثارة أنا مجرّد أثيرها في معنى التعاون ، في بداية سورة المائدة لاحظ ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يحلوا شعائر الله ﴾ ، وواضح أنَّ الشعائر ليست طاهرة فردي وإنما هي ظاهرة اجتماعية جمعية مجتمعية ، ﴿ ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد لا آمين البيت الحرام ﴾ يعني الحجاج المعتمرين ، يعني لا تصيروا قطّاع طرق فإن قطّاع الطرق هو إفساد مجتمعي وليس مسألة فعل فردي في البيت أو اثنين ﴿ ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاَ من الله من ربهم ورضواناً ﴾ ، يعني لا تبنوا في المجتمع عصابات اجرام وإنما ابنوا مجموعات بر ، وائماً كونوا في جماعات ومجموعات وكتل الصلاح في المجتمع وليس تل عصابات مافيا وإفساد ومخدرات وعصابات ترويج الفحشاء في الجامعات وخلايا وغير ذلك والعدو من ورائكم ، فإذاً البحث ناظر في هذا الجانب ، ﴿ ولا القلائد ولا آمين البيت الرحام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً إذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم ﴾ فلاحظ هنا بحث سياسي ، فقه ساسي جبهوي سياسي ، ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ﴾ وهذا ليس فعلاً فردياً وإنما هو موقف سياسي ، يعني أنتم التزموا بالقانون والأعراف والمراسيم المقررة وإن كان أولئك ينكثون المواثيق والعهود الدولية ولكن مع ذلك أنتم التزموا ، لا بمعنى أن تصيروا سُذَّج وإنما صيروا حذرين يقظين ، ثم بعدها تأتي هذا ﴿ أن صدّوكم عن المسد الحرام أن تعتدوا ﴾ فواضح أنه هنا يوجد عدوان مجتمعي شعوبي أممي اصعد من السرة إلى فوق هنا يأتي ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾ إذا لكن حلف شر فلا تدخلون فيه سواء كان حلف دول أو شعوب أو حلف عشائر أو حلف كتل سياسية أو حلف أسر ، كلا بل الشر لا تدعمه ، فإذاً هو في صبغة الموالاة المجتمعية أو الأممية أو السياسية فهو في هذا الصدد وهذا المجال فهو تعاون وليس اعانة بُعد فردي ، ﴿ وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ، فهذه اثارة وهي أنَّ المراد من التعاون هنا تحالفات وموالاة يعني اعانة ولكن ليس بعداً فردياً وإنما اعانة أنك تكون في شبكة ترويج المخدرات أو الخمور أو الدعارة والفحشاء أو شبكة فكرية لنشر الانحلال أو لنشر الإلحاد ، فانتبه واعلم أنك في أيّ مجموعة وتنخرط مع من ، فبلا شك هذا مصداق مورد نزول الآية الكريمة ، شبيه ما في سورة البراءة الآية الحادية والسبعون ﴿ المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ﴾ يعني أنَّ الموالاة التي بينهم هي على الصلاح والاصلاح في المجتمع ، ولا يقول أحد أنا لا شأن لي بل ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ).

فإذا البحث في المسؤولية الاجتماعية المسؤولية الجماعية ، ﴿ والمنافقون المنافقات بعضهم من بعض ﴾ فلاحظ يعني أنه توجد حالة شبكية جمعية مجموعية وتواصل ، فنكتة التعاون ذكر هنا ليس الاعانة هو بهذا الحاظ ، ﴿ وتعانوا على البر والتقوى .

نرجع إلى مفردات الآية في آيات أخرى سور أخرى:- ﴿ ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ﴾ البُعد الفردي ، فلاحظ فيها نفس المنطق ، صلاة فردية أو غير ذلك ﴿ ولكن البّر من آمن بالله واليوم الآخر ..... ﴾ فهي تركز أيضاً في البر هناك على أنها قضية الاسهام في الصلاح الاجتماعي ، يعني ليس بُعداً فردياً سبوح قدوس عابد زاهد فردي ناسوت صومعي كلا بل هو شيء آخر ، وهنا ذكرت الآية الكريمة الزكاة وهي حامية الكفالة الاجتماعية ، واليتامى في منطق أهل البيت عليهم السلام ليس فقط الفقراء ، ومن بدائع الاعجاز العلمي عند أئمة أهل البيت عليهم السلام أنَّ اليتيم المراد به ليس خصوص فاقد الأب والأم وإنما اليتيم نفس الطبقات المحرومة ، المحرومة فكرياً أو المحرومة مالياً أو المحرومة عن تدبير نفسها ﴿ إلا المستضعفين في الأرض من النساء والولدان الذي لا يجدون حيلة ﴾ ، فالفقراء يسمّى يتم في منطق أهل البيت عليهم السلام ، يعني من لا يستطيع تدبير ننفسه فكرياً أو مالياً ، فلاحظ هنا الآية الكريمة وهي الآية والسابعة والسبعين بعد المائة من سورة البقرة تدل على أنَّ البرَّ قضية هوية اجتماعية مجتمعية ومسؤوليات ، فلاحظ هي أيضاً ذكرت ابن السبيل وقبله اليتامى والمساكين ، فلاحظ طبقات مرحومة وطبقات عليلة في المجتمعات فأنت لابد أن تصير خيري اجتماعي فالبرَّ هناك ، استعمال البرّ في القرآن الكريم ﴿ ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ﴾ فليس البرّ قصة بُعدٍ فردي انتبه إلى ذلك وإنما البرّ بُعد اجتماعي بعد المسؤولية الاجتماعية بناء الصلاح والرشاد الاجتماعي سواء كان اقتصادياً مالياً كفالياً دينيناً خيرياً ايمانياً في الرشد والرشاد ، ثم ذكرت الآية الكريمة قالت ﴿ وأقام الصلام وآتى الزكاة ﴾ ، فأقام الصلاة غير أدّى الصلاة ، أقام الصلاة يعني جعل الصلاة شعاراً ومعلماً وهويةً ، من صلاة جماعة أو صلاة جمعة أو غير ذلك فهذه إقامة شعيرة معلم ، ثم قالت العهود السياسية أو الاقتصادية أو غير ذلك ، ثم قالت ﴿ والصابرين في البأساء والضراء ﴾ يعني لا يبث الخذلان واليأس ويُرجِف في مجتمع المؤمنين ويبث الضعف فيه ، بل عليه أن يبث الصبر والاستقامة ، فدائماً تكون المسؤولية اجتماعية ، فإذاً ﴿ وتعاونوا على البر ﴾ يعني بناء صالح في المجتمع ، وهذه ليست قصة فعل فردٍ واحد أو فردين ، وإنما قصة ما هو مسارك أيها الشاب أو أيها الانسان ؟ ، لا أنَّ همك نفسك فقط ، بل همك هذه البيئة الاجتماعية ، البيئة الأممية ، بيئة الشعوب ، بيئة الاقليم ، فلاحظ كيف هو تعبير القرآن الكريم في سورة النساء ﴿ ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ﴾ يعني يلزم أن تتحملوا حتى مسؤولية الشعوب الأخرى ، ولا تقل أنا لا شأن لي بذلك ، صحيح أنه توجد أولويات ولكن لا تقل أنا لا شأن لي ، هذه مسؤولية في صلاح البشر وكوكب الأرض ، وهذا طبعاً أفق أوسع ، هذه المسؤولية لها طبقات ولها درجات ، هذه القاعدة ﴿ المؤمنون بعضهم اولياء بعض ﴾ بخلاف المنافقين بعضهم من بعض ، فأنت إما أن تثير في أحلاف وحلف وموالاة الإفساد في البقعة المجتمعية أو الأرضية أو الاقليمية ، أو تكون في بقعة الاصلاح.

أصلاً لماذا سمي تعاون وليس اعانة ؟ لأنه في صدد بيئة طبيعتها مشاركية فعل مشاركي ، طبيعة هذا الفعل بناء مجتمع صالح بناء كذا طبيعته مشاركة ولا يتم بواحدٍ أو اثنين ، واللطيف أنه ليس ( ولا تعاونا ) أي اثنين ، وإنما ( تعاونوا ) ليس فقط اعانة فرد لفردٍ أو اثنين وإنما تعاونوا يعني فعل مشاركي مجتمعي ، سواء كان أسرياً فنفس الشيء فهو مجتمعي ، فهي مجتمع صغير.

فلاحظ التصوير النبوي الاعجازي في العلوم الاجتماعية والعلوم الحضارية ( ما بني شيء في الاسلام بعد الاسلام أعظم من الأسرة ) ، فأيضاً الأسرة هي بيئة مجتمعية صغيرة ، ومن هنا تنطلق ، فأصل الفعل إذاً هو في صدد الأفعال ذات المشاركة والطابع المجتمعي ، هذه اثارة في معنى القاعدة ﴿ وتعاونوا على البرّ والتقوى ﴾ حتى هذه التقوى الوقاية من العدوان بشر على بشر أو شعب على شعب أو فئة على فئة وهكذا،.

واللطيف أن عنوان العدوان غير عنوان الايمان والكفر ، وهذا ذكرناه حتى في زيارة عاشوراء وزيارة أهل البيت عليهم السلام ، وهي معجزة عصرية عظيمة ، فهي لم تقل ( عدو لمن كفر بكم ) وإنما قالت ( عدو لمن عاداكم ) ، كما لم تقل ( سلم ليس لمن آمن بكم ) وإنما قالت ( سلم لمن سالمكم ) ، فذاك قد يرفع شعار أنه آمن بكم ولكنه يعاديكم ويحزّب عليكم الشبهات والطعون ، فهذا المنطق عجيب ( سلم لمن سالمكم ) وليس لمن آمن بكم ، ( عدو لمن عاداكم ) وليس لمن كفر بكم ، فهنا لاحظ في الآية الكريمة قاعدة التعاون ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا ﴾ العدوان ليس قصّة العدوان ، فهذا التعاون على البرّ في مقابل العدوان ، عليكم أن تقفوا دائماً أمام طريق العدوان والمعتدين والظالمين والتجاوز وهلم جرا ، يعني فعل مشاركي تنطلق من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الدولية ، أسرة اقليمية أسرة دولية أسرة المدينة وهلم جرا ، في مقابل العدوان ، ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ فالآية الكريمة جاءت بـ ( عدوان ) ولم تأتِ بالإيمان والكفران ، فهي لم تقل ولا تعاونوا على الكفر وإنما قال ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ، والاثم يلزم أن نفهمه في موضوع القضية وأنه كيف استعمل الاثم في الآيات والروايات ، ولكن أحد موضوع القاعدة هو العدوان ، ولم يقل لا تعاونوا على الكفر ، ولو أنَّ هذا محرّم بلا شك ولكن المقصود أنها استعملت عنوان العدوان ، مثلاً في قبال ﴿ كونوا قوامين بالقسط ﴾.

فعلى كلٍّ البحث في القاعدة حساس ومهم ، وقد استدل بها الفقهاء في أبواب عديدة.