بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:ضابطة إدراك الركعة في صلاة الجماعة
كنّا في صدد قراءة الروايات الدلة على ان ادراك الامام وهو راكع هو ادراك الركعة الجماعة وان الروايات ليست في صدد أصل ادراك الجماعة
ووصل بنا الكلام الى مرسلة الاحتجاج فان مفادها غير مناف لمفاد الروايات، عن محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان (عليه السلام) أنه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الامام وهو راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة فان بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة، فأجاب إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع[1] فالمدار على ذكر الركوع لاعلى تكبيرة الركوع
ولكن هذا أيضا محمول على درجة من الاستحباب والاّ فان الصحاح المتقدمة ذكر المدار فيها قبل ان يرفع رأسه لا المدار على إدراك ذكر الركوع وكل هذه مراتب في الفضل
ومرّ بنا ان (قبل ان يرفع رأسه) قد أخذه جملة من الأعلام ومنهم المصنف أخذوه قيد زائد على قيدية ركوع الامام ولكن مرّ انه لايستفاد من هذا القيدية الزائدة لأنه قد يكون قيد توضيحي الى بقاء الامام وهو راكع
وهكذا صحيحة الحلبي المتقدمة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة [2]فالأخذ في رفع الرأس مفوّت لادراك الامام وان هذا قيد زائد على كون الامام راكع
حديث محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن أول صلاة أحدكم الركوع [3] يعني لابد من ادراك الامام في الركعة
فاستفدنا تحقق إدراك الركعة والامام في الركوع ولو أخذ الامام في رفع رأسه من الركوع لم يخل في الإدراك مادام لم يخرج في حركته من رفع الراس خروجه عن الركوع كما اننا استفدنا ان هذا لا اختصاص له بالركعة الاولى في الجماعة بل يدل على جنس الركعة وليس الركعة الاولى
وذكرنا ان إدراك المأموم الامام وهو راكع لايعني حصريا ان طريق ادراك الركعه هو إدراك الامام في الركوع فلا يقال ان معنى ادراك الركعة ان هذا هو الحد الأقل وان الأقل حصري من جهة انه أدنى شيء فقد يكون له بديل وقد لايكون له بديل
ففي التشهد عندما يقول الامام (عليه السلام) ان أدنى التشهد الشهادتين فلو أتى بتشهد طويل فلابد ان يتضمن الشهادتين لا ان يؤتى بصغة تشهد اخرى لاتشتمل على الشهادتين فهو من جهة الأدنى حصري لابديل، نعم من جهة الأكثر ليس هو بشرط لابل لابشرط فيمكن الزيادة عليه بخلاف موارد المتباينين فالصدقة اما على ستين مسكينا أو ستين يوم صيام فموارد التخير تارة أقل وأكثر وتارة متباينين
فعندما بنينا على ان هذه الروايات دالّة على ان حد إدراك المأموم للامام هو ركوع الإمام فان هذا من الأقل والأكثر غير الحصري لأنه يمكن ان يكون مباينا فسيأتي ان هناك مايدل على ان ادراك الامام وهو قائم وان لم يدرك المأموم الركوع فهذا هو بنفسه إدراك للركعة، فمقدار دلالة الروايات السابقة ليس حصريا فإن إثبات الشيء لاينفي ماعداه
هنا قد يستدل بصحيحة واردة في ابواب صلاة الجمعة قد يقال انها مؤيدة للشيخ المفيد والشيخ الطوسي من ان ادراك الامام وادراك الركعة لابد ان يكون عند تكبيرة الركوع وقبل الركوع
صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أدركت الأمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر[4]فتدل على ان ادراك صلاة الجمعة من المأموم لابد ان يتم في الركعة الاخيرة قبل الركوع واما بعد الركوع فتحسب له ظهر ولاتحسب له جمعة
وقد ذكرت عدة أجوبة عن هذه الصحيحة، منها: ان هذه الصحيحة تدل على شرطية خاصة لصلاة الجمعة فان الشارع لايقبل ادراك صلاة الجمعة في الركعة الثانية وهذه من خصوصيات صلاة الجمعة
لكن هذا الجواب لانعتمده ولايعتمده المشهور في صلاة الجمعة فان الصحيح في صلاة الجمعة هو إدراك الجمعة في الركعة الثانية ولوكان الامام راكعا، ونبني على هذا المبنى لصحيح عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها، فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا [5] فالمقابلة في هذه الصحيحة بين عدم إدراك الركعة
وهذه الصحيحة مضافا الى مطابقتها الى ضوابط صلاة الجماعة فان باب الفعل الماضي تارة لمضي تحقق الفعل وتارة لتصرم الفعل فقد حصرت هذه الصحيحة فوت صلاة الجمعة اذا إدرك الامام بعد الركوع فمن ثم تحمل بقية الروايات على مضي الركوع
بل وكذا لو وصل المأموم إلى الركوع بعد شروع الإمام في رفع الرأس، وإن لم يخرج بعد عن حده على الأحوط، وبالجملة إدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه، وأما في الركعات الأخر فلا يضر عدم إدراك الركوع مع الإمام بأن ركع بعد رفع رأسه، بل بعد دخوله في السجود أيضا، هذا إذا دخل في الجماعة بعد ركوع الإمام، وأما إذا دخل فيها من أول الركعة أو أثنائها واتفق أنه تأخر عن الإمام في الركوع فالظاهر صحة صلاته وجماعته[6]وتعبير الماتن موهن فان الماتن وان ذكر هذه العبارة الاّ انه لايريدها جدا بقرينة ذيل كلامه فانه لو افترضنا في الركعات الاخرى لم يدرك المأموم الإمام لاقيام الامام ولاركوع ولاسجود الامام فلا يمكن ان تحسب له ركعة


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص383، ابواب صلاة الجماعة، ب45، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص382، أبواب صلاة الجماعة، ب45، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص384، ابواب صلاة الجماعة، ب45، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص345، ابواب صلاة الجماعة، ب26، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص346، ابواب صلاة الجماعة، ب26، ح5، ط آل البيت.
[6] العروة الوثقى، السيد اليزدي، ج3، ص131، جامعة المدرسين.