بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: نقل النية من إمام الى إمام آخر
مسألة 13: إذا صلى اثنان وبعد الفراغ علم أن نية كل منهما الإمامة للآخر صحت صلاتهما، أما لو علم أن نية كل منهما الائتمام بالآخر استأنف كل منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد، ولو شكا فيما أضمراه فالأحوط الاستئناف، وإن كان الأقوى الصحة إذا كان الشك بعد الفراغ أو قبله مع نية الانفراد بعد الشك[1]فتصح الصلاة فرادى لكل منهما لأن كل منهما نوى ان يأتم به الآخر، ويوجد نص في ذلك
كان الكلام في موثقة السكوني، وهي: موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه قال: قال أمير المؤمنين (عليه الاسلام) في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك، وقال الآخر: أنا كنت إمامك فقال: صلاتهما تامة، قلت: فان قال كل واحد منهما: كنت أئتم بك قال: صلاتهما فاسدة وليستأنفا [2]فان ظاهر هذه الرواية كما اشتهر ان صلاتهما الفرادى أيضا باطلة
ومر ان الشيخ الطوسي قد وجّه هذه الرواية فقال ان هذا الحديث يعني ان كل واحد منهما لم يحفظ عدد الركعات فان كل واحد منهما قد وكل الى صاحبه القيام بشرائط الصلاة فلم تصح لهما صلاة لاجماعة ولافرادى
ومر أيضا توجيه صاحب الجواهر لكلام المشهور بالنسبة لبطلان الفرادى توجيها صناعيا فقال اذا قلنا ان ائتمام الأول بالثاني لاينعقد لأن الثاني يأتم بالأول فلم تنعقد الجماعة ومعه فيصح الائتمام بالفرد فإذا صح ائتمام كل منهما بالآخر فيعود الإشكال ويثمر هذا التوجيه تمانع صحة الصلاة جماعة وليس تمانع صحة الفرادى
وقد يشكل على مفاد ذيل الرواية انه موافق للعامة باعتبار ان أكثر العامة قالوا بأن نيّة الإمامة من نفس الإمام شرط في صحة الجماعة ومعه فتكون الصلاة باطلة على القاعدة، وقالوا ببطلان الفرادى مع بطلان الجماعة لأن لديهم مبنى مفاده ان أئمة الجماعة يضمنون الصلاة عن المأموم، وقد ذهب بعض العامة الى صحة الصلاة مع إحراز كل منهما صلاة الفرادى
و وجه آخر نلاحظ البعض قد حمل هذه الرواية على انها بصدد بطلان الجماعة لمحاذاة المأموم للإمام وقد استدل الكثير بهذه الرواية لعدم محاذاة المأموم للإمام فجعل هذه الرواية بصدد بيان الجماعة وليست بصدد بيان الفرادى
ومحمل آخر التفت اليه الشيخ الأنصاري وجماعة وهو ان في صدر الرواية التعبير في رجلين اختلفا أي بينهما اختلاف في الإحراز فالمراد منه الأفعال المعاطاتية فيرجع هنا مفاد الحديث الى ان تعويل أحدهما على الآخر كان في غير محله
وقد ذكرنا هذه الوجوه المتعددة لنبيّن ان موثقة السكوني هذه ليست تامة المفاد دلالة ومتناً في الظهور المدعى كما ذهب اليه المشهور، بل ان كلام الشيخ الطوسي أقرب لمفاد الرواية فمع ضبط الرجلين الصحيح هو صحة الصلاة
فاذا شككنا بحصول المبطل للصلاة الفرادى فالأصل عدم حصول المبطل للفرادى وان كان البعض دخل في تفصيل الشك ولاحاجة اليه فان الأصل عدم حصول المانع والأصل عدم حصول القاطع والأصل عدم حصول المبطل
مسألة 14: الأقوى والأحوط عدم نقل نيته من إمام إلى إمام آخر اختيارا، وإن كان الآخر أفضل وأرجح نعم لو عرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته من موت أو جنون أو إغماء أو صدور حدث، بل ولو لتذكر حدث سابق جاز للمأمومين تقديم إمام آخر وإتمام الصلاة معه، بل الأقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه من إتمامها مختارا، كما لو صار فرضه الجلوس حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به لما يأتي من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد[3]فلا يجوز للمأموم ان ينقل نيته من إمام الى إمام آخر اختيارا نعم يجوز له ذلك في صورة موت الإمام أو إغمائه أو جنونه أو صدور حدث منه
والسبب في تعبير الماتن الأقوى والأحوط فإن الأظهر يعني بحسب ظهور الأدلة، وان التعبير بالأقوى يعني بحسب مقتضى القواعد فقها أو اصولا، واما الأقرب فهو يعني ان هناك تقريبين وتقريرين وان هذه الفذلكة أتم تقريبا وتقريرا وانسجاما، والأشبه يعني تطابق الروايات الخاصة في المسألة مع عمومات أو قواعد عامة ثابتة ومسلمة، والأوجه يعني التعدد في الوجوه والأدلة وإن أوجه مجموعات الأدلة يعبّر عنه أوجه، ولايخلو من وجه يعني ان هذا الوجه وان كان تاما الاّ انه يحتاج الى مزيد بحث ومراجعة، أما اذا قال ويحتمل أو قال وهو محتمل فان هذه ليست فتوى بل هذا من الإحتياط
وفائدة هذا التنويع لنفس الفقيه انه بالمراجعة يتبين انه قد وصل الى النتيجة بهذا النحو، فمثلا لو قال (أظهر) فيتبين انه قد وصل الى النتيجة بلحاظ الدلالة و (الأقوى) يعني بحسب القواعد وهكذا فيحتفظ بمجهوده من خلال كلمة أو كلمتين وهذا يوفّر على الفقيه الذاكرة
ولايخفى ان تركيز الجهد الفقهي ليس فقط بهذه الرموز التي ذكرناها بل ان نفس صياغة المسألة فيها إشارات وتلويحات للفقيه فمثلا لو كتب الشخص متنا فقهيا على ضوء متن فقهي آخر فعند اعادة الصياغة يتبين له المنهج لبناء الصرح الفقهي
وأضف الى ذلك فيه فوائد اخرى لمن يرى الفتاوى فيفهم منه قوّة هذا الفقيه الفقهية وإشاراته الى جهات الخلل والقوة في المسألة        


[1]  العروة الوثقى، السيد اليزدي،ج 3، ص 124، جامعة المدرسين.
[2]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ب 29، ح 1، ابواب الصلاة، ج 8،ص 352، آل البيت.
[3]  العروة الوثقى، السيد اليزدي،ج 3، ص 126، جامعة المدرسين.