بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: لا تشرع الجماعة في شئ من النوافل
كان الكلام في المسألة الثانية:لا تشرع الجماعة في شئ من النوافل الأصلية وإن وجبت بالعارض بنذر أو نحوه حتى صلاة الغدير على الأقوى إلاّ في صلاة الاستسقاء، نعم لا بأس بها فيما صار نفلا بالعارض، كصلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب، والصلاة المعادة جماعة، والفريضة المتبرع بها عن الغير، والمأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي[1] فقال الماتن بأنه لاتشرع الجماعة في شيء من النوافل الأصلية وان التعبير بالأصلية يعني انها بذاتها نافلة الاّ ما استثني بأدلة خاصة كصلاة الاستسقاء
فمرّ بنا ان هناك حكم ذاتي أو حكم طبعي او حكم اقتضائي وهذا التقسيم مؤكد عليه عند القدماء بل حتى عند صاحب الجواهر وهو تقسيم مفيد ومؤثر في موارد عديدة وفي مقابل هذه التقسيمات الفعلي مقابل الاقتضائي أو الفعلي مقابل الذاتي أو الفعلي مقابل الطبيعي وهذا موجود وهذا حكم ثانوي في قبال الحكم الأولي، وهذه التقسيمات مرتبطة بمراحل الحكم الفقهي التي لها ثمرة كبيرة في البحوث الفقهية، فان معرفة هذه الاقسام عند المشهور خصوصا مشهور الطبقات المتقدمة مؤثر صناعيا في ابحاث عديدة جدا
فصلاة الجماعة حسب الأدلة تشرع في الصلاة التي في أصل ذاتها فريضة وان كان بلحاظ خصوصيتها الفردية قد تكون ندبية فمشروعية الجماعة حكم لم يترتب على الحكم الفعلي للصلاة وانما ترتب على الحكم الذاتي للصلاة، فلو انعكس الأمر كما لو كانت الصلاة في ذاتها نافلة لكنها وجبت لسبب من الأسباب فالجماعة في النافلة بدعة والمقصود به ماكانت نافلة ذاتا فمشروعية الجماعة تدور مدار الحكم الذاتي وليس تدور مدار الحكم الفعلي
وهكذا في موارد الاضطرار أو الحرج فان الميرزا النائيني وكثير من تلاميذه والسيد الخوئي وكثير من تلاميذه يبنون على ان الحكم الحرجي في موارد الحرج أو في موارد الاضطرار أو الضرر لاوجود له فيكون الوضوء الحرجي والوضوء الضرري غير مشروع والصوم الحرجي والضرري بحسب القاعدة غير مشروع بينما مشهور القدماء قالوا بان الحرج أو الضرر يزعزع فعلية الحكم أما أصل الطبيعة الذاتية أو الاقتضائية فهي موجودة وان الصحة تدور مدار الحكم الذاتي للوضوء او الحكم الذاتي الاقتضائي للصوم ولاتدور مدار الحكم الفعلي المنجز، فهذه التقسيمات للحكم وللفعل بلحاظ حكمه تترتب عليه ثمرات وآثار بلحاظ الأحكام الاخرى التي تترب على هذا الحكم فهذا التقسيم ليس من الترف الفني
فالجماعة مشروعة في الفريضة الذاتية أو الطبعية لا الفريضة الفعلية فإن صلاة العيدين أصل تشريعها طبعا فريضة وان كانت الآن فعلا أو ذاتا نافلة باعتبار ان شرائط الوجوب غير تامة ففرق بن الحكم الطبعي والحكم الفعلي
فالميرزا النائيني والسيد الخوئي وأكثر تلاميذهما يبنون على ان الحكم الأولي لايكون له وجود مع طرو الحكم الثانوي بينما المشهور قال بأن الحكم الاولي يجمد ويصير ذاتي أو اقتضائي أو طبعي والفعلي الآن هو الحكم الثانوي لكن الحكم الأولي لازال موجودا
حتى صلاة الغدير على الأقوى فصلاة الغدير عند السيد اليزدي على الأقوى لايسوغ فيها الجماعة كما في النافلة المنذورة وان ذهب اليه الشيخ المفيد وبعض القدماء
ان صلاة الغدير هي صلاة نافلة وان عموم النافلة لايسوغ فيها الجماعة والدليل الذي استدل به الشيخ المفيد وجماعة على مشروعية الجماعة فيها هو ان النبي (صلى الله عليه واله) نادى ان الصلاة جامعة في غدير خم وهذا النداء بان الصلاة جامعة ظاهر ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يمارسها ومن بعده أيضا مارسها من استولى على الخلافة
فالكلام في معنى الصلاة جامعة، كأن الشيخ المفيد وغيره ممن ذهب الى مشروعية صلاة الجماعة في يوم الغدير ذهبوا الى ان هذا النداء خاص للملمات والاُمور العصيبة فيصلي الامام فيهم ويخطب فيهم الوالي بما المّ من أمر هام، وبناء على هذا التفسير الاولى ان لانجعل صلاة الغدير فقط تشرع فيها الجماعة بل الاولى ان نجعل أحد موارد مشروعية الجماعة في النافلة ما اذا المّ أمر عصيب واحتاج الوالي لاجتماعهم ليخطب فيهم بخصوص ذلك الامر العصيب فتشرع الجماعة في تلك النافلة في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار
ولكن هذا التفسير للصلاة الجامعة صحيح إجمالا الاّ ان توقفها على الجماعة في النافلة المبتدئة فهذا يمكن التشكيك فيه لأن الصلاة جامعة نداء وهذا النداء من سنن النبي (صلى الله عليه واله) في موارد عصيبة فمع وجود الصلوات الخمس  في اليوم يمكن ان يخطب فيهم الوالي بعد الصوات الخمس، فلم يثبت الجماعة في صلاة الغدير المستحبة جدا ولها ثواب عظيم جدا بحيث ورد ان الانسان اذا لم يتمكن من اتيانها قبل الزوال فلياتي بها بعد الزوال
وقد حاول البعض ان يستدل ويستند الى مشروعية الجماعة في صلاة الغدير بوجه آخر وهو قاعدة من بلغ بتقريب ان بعض المتقدمين قد افتوا بمشروعية صلاة الجماعة في صلاة الغدير وان فتاوى القدماء هي متون الروايات ومعه فان بعض القدماء افتوا بمشروعية الجماعة في صلاة الغدير وهذا يكفي لجريان قاعدة من بلغ فقاعدة من بلغ موضوعها رواية متضمنة لبلوغ ثواب على عمل، هكذا استدلوا
لكن هذا الاستدلال خدش فيه بعدة امور: منها: ان استدلال القدماء ليس برواية بل لكون النداء وقع من النبي (صلى الله عليه واله) ان الصلاة جامعة وهذه الفتوى مستندة الى هذا الاستدلال وهذا استدلال عقيم فلاتجري فيه قاعدة من بلغ
ومنها: ما اشار اليه صاحب الجواهر ان هنا ليس مجرى قاعدة من بلغ لأن هناك عمومات ناهية وقالت ان الجماعة في النافلة بدعة فلابد من دليل مخصص لهذه العمومات الناهية عن الجماعة في النافلة، وهذا الكلام لصاحب الجواهر فيه دقة صناعية  



[1]  العروة الوثقى، السيد اليزدي،ج 3، ص 115، جامعة المدرسين.