بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: لا تشرع الجماعة في شئ من النوافل
نقطة أخيرة بالنسبة لكتاب مصباح الشريعة المنسوب للامام الصادق (عليه السلام) بعد ان استوفينا كلام المجلسي فيه فقد ذكر العلامة المجلسي ان مضامينة مطابقة للصوفية وغير متطابقة مع المرويات عن اهل البيت (عليهم السلام) الاّ ان المجلسي نفسه أكثر في موارد عديدة في البحار من النقل من هذا الكتاب
والصحيح ان روايات أهل البيت (عليهم السلام) المسندة لدينا من مصادر غير هذا الكتاب يلاحظ تارة لسانهم فقه الفروع وتارة الرواية الواحدة ترى فيها فقه الفروع وفيها فقه الأخلاق أو فقه النفس ونادرا يوجد باب لاتتضمن رواياته فقه القلوب كما تتضمن فقه الفروع لأن طبيعة الدين منظومة متشابكة لها تداعيات وملازمات فكل أصل معرفي له أصل أخلاقي والعكس كذلك فالوحي يبيّن التلازم المذكور
ففي مصباح الشريعة قال الامام الصادق (ع): بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله إذ لا عبادة أسرع بلوغا لصاحبها إلى رضاء الله من بر الوالدين قوله المؤمنين لوجه الله لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا منهاج الدين والسنة ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة إلى طاعتهما ومن اليقين إلى الشك ومن الزهد الى الدنيا ولا يدعوانه إلى خلاف ذلك فإذا كان كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية، قال الله تعالى: (وان جاهداك ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليّ ثم مرجعكم). وأما في باب المصاحبة فقاربهما وارفق بهما واحتمل أذاهما بحق ما احتملا عنك في حال صغرك ولا تضيق عنهما في ما قد وسع الله تعالى عليك من المأكول والملبوس ولا تحول وجهك عنهما وترفع صوتك فوق صوتهما فإن تعظيمهما من أمر الله وقل لهما بأحسن القول والطف بهما فإن الله يضيع اجر المحسنين[1] فليس برهما الاطاعة في ترك المستحب او ارتكاب المكروه بل البر هو حُسن العِشرة معهما
وهذا المتن نص محصل ماجمعنا من الأدلة فهو ينبّه على الفرق بين ثبوت الفعل في نفسه وبين عنوان البر والاحسان فهو فعل آخر، وهذه أحد الفوائد العظيمة للروايات الضعيفة فانها تنبّه الى الاحتمالات ووجوه الجمع بين قرائن الأدلة بحيث ان الباحث لايمكنه التنبه اليها لولا الوقوف على متن الرواية الضعيفة وهذا بحث سيّال في مطلق المراتب في ابواب الطاعة والولاية
فتبيّن لنا ان طاعة الوالدين في نفسها ليس في نفس الفعل واجب وانما الطاعة بمعنى الاحسان والمداراة والمجارات لهما في مقام التعامل والكلام، نعم في الجملة قد يتوقف مداراتهما حتى في التعامل على ايجاد الفعل فهذا في نفسه ليس بواجب
مسألة 2: لا تشرع الجماعة في شئ من النوافل الأصلية وإن وجبت بالعارض بنذر أو نحوه حتى صلاة الغدير على الأقوى إلاّ في صلاة الاستسقاء، نعم لا بأس بها فيما صار نفلا بالعارض، كصلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب، والصلاة المعادة جماعة، والفريضة المتبرع بها عن الغير، والمأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي[2]وهذا البحث قد استوفيناه مفصلا فيما سبق عندما استعرضنا طوائف عموم الروايات من الروايات العديدة الدالة على عدم مشروعية الجماعة في النافلة فان الجماعة في النافلة بدعة
ومحصّل ماتقدم هو ان الجماعة فيما هو فريضة بحسب الطبع مشروعة والجماعة بماهو بحسب الطبع نافلة بدعة حيث يقسم العلماء الأحكام أو الأفعال بلحاظ أحكامها الى الحكم الطبعي والحكم الذاتي والحكم الفعلي والحكم الاقتضائي، كالتعبير عن صلاة العيد مع عدم ظهور المعصوم (عليه السلام) بأنها مستحبة لكن هذا الاستحباب ليس لطبع صلاة العيد بل ان طبع صلاة العيد واجبة، فلو أراد الصبي ان يصلي صلاة الظهر قبل بلوغه فلا يمكنه ان ينويها نافلة لأن طبعها فريضة وان كان باعتبار انه صبي فبالنسبة له مستحبة وغير واجبة
وأما تفسير الذاتي وغير الذاتي كما لو تقول ان الماء حلال حتى المغصوب منه فإنه حلال لكن هذا الكلام بلحاظ ان طبيعي الماء وذات الماء حلال خلافا للخمر فإنه حرام ذاتا لأن بعض الآثار تدور مدار الحكم الذاتي ولاتدور مدار الحكم الفعلي
وأما الاقتضائي فهو بالدقة يعني كالمقتضي بسبب الذات أو بسبب الطبع أو بموجب آخر، فمثلا في المتزاحمين فهما ليسا فقط حكم ذاتي طبعي فالمهم هنا بحسب الحكم الفعلي في قبال الذاتي أو الطبعي هو حكم فعلي لكنه اقتضائي لأنه ممنوع بالحكم الأهم فهو مزاحَم



[1]  مصباح الشريعة المنسوب للامام الصادق (عليه السلام)، ص 70.
[2]  العروة الوثقى، السيد اليزدي،ج 3، ص 115، جامعة المدرسين.