بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حدود طاعة الوالدين
كان الكلام في حدود طاعة الأبوين وهذه المسألة كما مرّ فيها ثلاثة أقوال كما هو الحال في اطاعة الزوجة للزوجة، فقول بوجوب الطاعة مطلقا، وقول بوجوب الطاعة بحيث لايستلزم قطعية الرحم، والقول الثالث ان تكون اطاعة الأبوين بمقدار حُسن العِشرة
وكنّا بصدد التمييز بين القول الثالث والقول الأول فالفرق بينهما هو انه في الوجه الأول الفعل بماهو مأمور للأبوين ثبوتا واقعا يكون واجب أما في القول الثالث فالواجب يبقى ليس هو الفعل بل الواجب هو العِشرة الحسنة بالمعروف والتعامل الليّن فالواجب ليس هو الفعل بل الواجب هو اللين وحُسن العشرة ومعه فالواجب هو تطييب العلاقة والعشرة الحسنة، فعلى هذا يكون الفرق بين القول الثالث والقول الأول فرق جوهري
وان صلة الرحم كما ذكره الفقهاء تشكيكية بمعنى انها متفاوتة من حيث آليات صلة الرحم ومن حيث نفس الرحم فبعض الرحم قريب كالأبوين فلابد من التوقير بأن لاترى لنفسك شيء أمام الأبوين لذا قالوا ان قطيعة الرحم تختلف
لذا فلايبعد الالتفات الى ان القول الثاني يرجع الى القول الثالث أو يقرب منه وهو حسن العشرة، ومر ان الزوجين وان لم يعين لهما حقوق خاصة على بعضهما الآخر فان هذا التعيين من جهة الخصوصية والاّ فمن جهة العشرة بالمعروف على الزوجين لبعضهما باتجاه الآخر فان الوجوب مقرر في محله ولاينحصر بالحقوق المعروفة فقط من النفقة وغيرها
واما بالنسبة لما ورد من الأدلة بخصوص الوالدين
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما [1] لايخفى ان التأويل الأعظم للآية المباركة ليس الوالدين الذين ولّداك بل هما الوالدين الذين هدياك وهما النبي والوصي ( عليهما السلام)، فان الآباء ثلاثة أب علمك وأب زوجك أب ولّدك
وهكذا المراد بالرحم الأعظم في الآيات هو رسول الله (صلى الله عليه واله) لذا النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم[2] وهذه الأولوية ورثها المعصومون (عليهم السلام) فالمقصود ان الآيات الكريمة لاتنحصر بمفاد خاص من المصاديق وهذه تطبيقات حقيقية
فلابد من توقير واحترام الأبوين وهذا يصب في القول الثالث وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا [3]
وكل هذا من الوجوب وليس من الاستحباب فلادليل على الاستحباب وكل هذا التوقير والتعظيم عوضا عن الاحسان
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير[4] بمعنى اوصيك ان تكون عونا له مقابل الاحسان وماتحملته الام من التكلف وهذا يناسب القول الثالث
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون [5] وهنا استثنيت الطاعة فهنا يناسب القول الاول لكن مع القرائن السابقة تحمل هذه الطاعة على الانقياد والمدارة والتوقير والتعظيم وهو العشرة والصحبة بالمعروف
صحيح محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف
وقال : في كتاب علي (عليه السلام): إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الإبن وقع عليها، وذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك[6] وهذه القاعدة أنت ومالك لأبيك ليست قاعدة فقهية محضة وليست أخلاقية محضة بل فيها شيء من البُعد الفقهي
فللأب ان يأخذ من مال ابنه بدون اذن الولد حتى لو كان الولد بالغا راشدا لكن يشترط ان يكون الأخذ بدون افساد في المال فولاية الأب على الابن موجودة في الشريعة الاسلامية، فاجمالا بعض الأحكام بقيت فليست هي كشريعة ابراهيم وال عمران وليست هي أخلاقية محضة



[1]  اسراء/سوره17، آیه23.
[2]  احزاب/سوره33، آیه6.
[3]  اسراء/سوره17، آیه23.
[4]  لقمان/سوره31، آیه14.
[5]  لقمان/سوره31، آیه15.
[6]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ح 1، باب 75، حكم الاخذ من مال الاب والابن، ج17، ص 262، آل البيت.