بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:إذا أوصى الميت بالاستئجار عنه سقط عن الولي
كان الكلام في المسألة العاشرة، وهي:
مسألة 10: إذا أوصى الميت بالاستئجار عنه سقط عن الولي بشرط الإتيان من الأجير صحيحا[1]فقد مرّ بنا مقتضى القاعدة وهو ان نفس الميت يجب عليه ان يستنيب ويوصي بالقضاء حتى وعلم ان الورثة سينفقون ويقضون عنه، والوجه في ذلك ليس لأجل الحيطة في تفريغ ذمته كما ذكره السيد اليزدي وغيره بل لأجل إمكان التقرب بالاستنبابة وحينئذ فعمل الأجير أو الوصي واجب عيني بمقتضى الوصية أولاجارة
ومعه فهل يبقى الوجوب على ولي الميت أو الولد الأكبر؟ طبقا لقول غير المشهور وهو الذي اخترناه نقول نعم يبقى نوع من الوجوب لأن هذا نوع من الولاية للوارث في تدبير شؤون الميت وهذا البحث مطرد في كل ما للميت من الشؤون فإن الولاية ليست هي فقط صلاحيات بل هي وظيفة وتدبير
وهذه الولاية للولي لاموجب للقول بأنها ساقطة مع عموم الأدلة الاّ توهم ان الميت هنا قد أعمل ولايته ومعه فلا يسوغ للولي ان يعمل ولايته وهذا وان كان صحيح الاّ ان هذا لايمانع ان الفرع له أيضا ولاية ومسؤولية يراعي اُمور ولاية الأصل ان لم ينجز الوصي لتمام الوصية فولاية الولي على حالها غاية الأمر انها طولية وتبعيّة    
وأما على قول المشهور حيث قالوا ان ذمة الوارث تشتغل في طول ذمة الميت لافي عرضها بدليل ان نفس المشهور والنص قد ورد بذلك انه لوتبرع متبرع قبل ان يقوم الوارث بقضاء الصلاة والصوم لأن موضوع اشتغال ذمة الوارث قد انتفى، فعلى قول المشهور من الوجوب التكليفي هو وجوب نيابي وطولي وليس وجوبا عرضيا فيكون الوجوب الذي على الوصي وعلى الأجير مقدم على الوجوب الذي على الوارث
ومن باب الفائدة نقول: من الأسرار العظيمة في صناعة الفقه التي يتداولها الأكابر جيلا بعد جيل هو التروي في استيضاح الفرض والفروض الفقهي بحيث انه لابد من التأنّي والتروّي بزاوية زاوية في الفرض الفقهي، فمثلا متن الحديث غالبا مقطع فالحديث المقطع لو نظر اليه الباحث بتمامه فلربما يحصل له ويستنتج منه بعض الامور التي لايستنتجهامن هذا الحديث في صورة التقطيع
بل ان الرواة يمارسون اختزال الحديث (اختصار الحديث) ففي مجلس واحد وسؤال واحد وندوة علمية واحدة للمعصوم (عليه السلام) مع جملة من الرواة فان الرواية الواحدة يرويها لبعض تلاميذه بشكل مختصر ولبعضهم الآخر بشكل متوسط ولبعض ثالث بشكل مبسوط وموسع وقد يكون هذا الأمر من الراوي المباشر أو من روى عنه من سلسلة الرواة وهذا ليس من التقطيع بشيء بل هو من الاختصار والبسط، فهذه خطوات يسيرة ولكن كبار الفحول يغفلون عنها وتنجم من هذه الغفلة شبهات وتعقيدات ولكن أصل المسألة هو ضبط النص الوارد، والأمثلة لهذا البحث كثيرة ويجمعها ضبط النص الديني والوحياني فيجمعها اليات كثيرة
نذكر هنا الشيخ محمد التستري (رحمه الله) صاحب قاموس الرجال ولانوافقه على بعض مشربه الرجالي في زوايا عديدة لكن عنده مهارات جليلة في الرجال وفي علم الحديث فهو يقض ومنتبه جدا في اختلاف أو تحريف النسخ وهذا الأمر من المهارات المهمة فقد راجعنا مسائل معقدة في الفقه فقد كان منتبها الى اختلاف النسخ مما أدى الى حله للمسائل بشكل واضح وتام
فالوجوب الذي اشتغلت به ذمة الوارث هو قضاء عن الميت والمراد من كلمة تعني الطولية ومعه فقد انحلت الكثير من عقد البحث ولا توجد اشكاليات في المسألة لأن الولاية من الأول طولية لأنه (عن الميت) فيكون التسبيب من الميت مقدم
نكتة صناعية اصولية: ان اصطلاح العيني والكفائي والتخيير والتعييني وغير ذلك من الاصطلاحات والفرضيات التي نحبس أنفسنا عليها، بالمراجعة نجد انها غير مبرهن عليها بل جرى المسير العلمي عليها وجرت الاُمور على ذلك
والواقع ان هذه الأقسام التي ذكرها الفقهاء في الواجب والوجوب اُخذت واستقرأت استقراء ناقص من علم الفقه ومع كونها من الاستقرائيات فغير ثابت ان الفقه محصور بها بل لعله توجد أنواع وموديلات وأزياء عديدة في الوجوب، بل من قال ان الأحكام التكليفية خمسة مع انه أمر اُخذ مفروغ منه ولم نعلم بالمنشأ والدليل لذلك
وهذا السبب الذي لأجله نرى الإختلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الفتيا وذلك بسبب ان المتقدمون لايقولون بأن الأحكام التكليفية خمسة فالشيخ الطوسي في كتابه العدّة والسيد المرتضى في كتابه الذريعة في الاُصول لايبنون على ان الأحكام التكليفية خمسة بل قالوا بأنها أكثر من خمسة  


[1]  العروة الوثقى، السيد اليزدي،ج 3، ص 105، جامعة المدرسين.