بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:قبول توبة الكافر
كان الكلام في المرتد وقلنا ان المرتد ليس كالكافر الأصلي اذا ارتد عن فطرة أو ارتد عن ملّة فإنه في فترة ارتداده يجب عليه القضاء سواء قبلت توبته في الظاهر أو لم تقبل في الظاهر، وان بعض عبارات القدماء توهم بان توبة المرتد الفطري لاتقبل مطلقا أي سواء التوبة الظاهرية أو التوبة الباطنية
والصحيح كما قاله المتأخرون ان التوبة في المرتد الفطري لاتقبل في الظاهر ولكن في الباطن وبينه وبين الله فانها تقبل وعلى هذا فيمكنه الصلاة والصوم والامور العبادية الاخرى
هنا نقول ان بعض المعاصي والمخالفات مثل ظلم الناس فإن ظلم الناس لايكفي فيها ندم الإنسان بل لابد من الاستعفاء من المظلومين أو انه أوجب ان يضل بعض الناس فهذا الشخص لاتقبل توبته الاّ ان يعود من أضلّه الى الهداية إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم [1] فلابد من البيان باعتبار ان التوبة ليست هي الندم فقط وان كان الندم هو من الشرائط المهمة للتوبة الاّ ان للتوبة شرائط
فالمرتد الفطري كما ذهب اليه المعاصرين هو عدم قبول توبته في الظاهر وقبول توبته في الواقع ويمكن تقريب كلام بعض المتقدمين من عدم قبول توبة المرتد عن فطرة ولكن هذا لايعني ان ندمه ليس بندم ولايعني انه اذا ارعوا لايكلف بالتكاليف الواقعية ولايصح منه الصلاة والصيام فيمكن القول بأن التوبة الواقعية لاتقبل منه لكن ندمه يترتب عليه الآثار فتصح صلاته وصومه فإن صحة الصلاة والصوم والعبادات غير موقوفة على ان تقبل توبته الواقعية بل موقوفة على انه يسلم ويذعن تكوينا وقلباً لرب العالمين وقد حصل منه ذلك ولو بدرجة معينة من التسليم والإذعان
ذهب المعاصرون في مبحث صحة العبادات والتقرب قالوا ان باب قبول العبادات على حده وان باب صحة العبادة على حده فهما بابان مختلفان ولابد من التفكيك بينهما فيمكن ان تصح العبادة ولاتقبل أصلا ومنه من عَقّ والديه فان اعماله لاتقبل ولكن أعماله صحيحة وليست باطلة بينما جملة من القدماء أو كثير منهم قالوا ان أصل القبول وان الدرجة الدانية من القبول وأدنى درجات القبول لايمكن ان تنفك عن الصحة فلايمكن إنفكاك الصحة عن أصل القبول وهو المرتبة الدانية من القبول
وماهو المراد من قبول الله عزوجل وعدم قبوله فهل المراد بالقبول هو في الثواب الأبدي أو قبوله في عالم القيامة أو قبوله في البرزخ بعد الموت أو القبول في دار الدنيا أو ندعي ان القبول هو على درجات؟
فان كان مراد الفقهاء انه لايمكن للكافر ان يقصد القربة فنقول ان كثير من الكفار يمكنه ان يقصد القربة الى الله تعالى، وان قلنا ان القربة اليه تعالى لابد ان تكون عن طريق باب النبي (صلى الله علية واله) إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين [2] أي من لم يصدق الآيات الناظقة، وان عدم فتح أبواب السماء لهم هل يعني بطلان العبادة
ثم هل يمكننا ان نعرف صحة العبادة بأنها مسقطة للعقاب دون انجاز الثواب وهل يمكن ان يفر الانسان من العقاب ولايحرز الثواب، فان الفقهاء عندما قالوا انه يكفي في العبادة ان تكون بداعي الخوف من النار ولاحاجة لأن تكون طمعا في الجنة فهل النجاة من النار هو صحة العبادة
وهل قبول التوبة شرط في صحة العبادة كما ان التوبة شرط في صحة العبادة فهل هي التوبة العقائدية أو ان شرط صحة العبادة هو التوبة من بعض كبائر الأعمال ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [3]فهل التوبة هي عبادة العبادات، وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين  [4] فلايمكن للانسان ان يتقرب من دون ان يهتدي أو لايهديه الله وهو يتقرب أو ان التقرب ليس بممكن أصلا، فهذه بحوث عالقة             



[1]  سورة البقرة، آية 159 و 160
[2]  سورة الاعراف، آية 40
[3]  سورة النساء، آية 64
[4]  سورة المنافقون، آية 5 و 6